كان سليم يشبه فراشة الليل، يطير نحو أي ضوء مصنوع كل ليلة، بينما كانت المدينة تنام، كان يتجول في عالم الإنترنت اللامحدود، يشتري أشياءً كأنه يجمع غبار النجوم.
في شقته التي تشبه متحفاً للاستهلاك، كان هناك: آلة لصنع المعكرونة الإيطالية لم يستخدمها إلا مرة واحدة، ساعة ذكية تتحدث مع الثلاجة، وعصا سيلفي تطير في الهواء كالطائر الخرافي.
ذات ليلة بينما كان يوقع على طلب شراء تذكرة سفر افتراضية إلى المريخ، ظهرت على شاشة هاتفه رسالة بنكية قصيرة كالرصاصة... رصيدك لا يكفي لشراء دواء والدتك.
سقط الهاتف من يد سليم كما يسقط القناع عن وجه ممثل منهك. نظر حوله فلم يرَ سوى جبال من الصناديق الفارغة، كأشباح تحكي قصة رجل يبني قصراً من ورق.
في تلك الليلة، ولدت فكرة مجنونة.....ماذا لو توقفت عن الشراء لمدة أسبوع واحد فقط؟
الأسبوع الأول: اكتشف سليم أن يديه ترتجفان عند مرور إعلان. لسان حاله يهمس.. اشترِ السعادة، لكن قلبه يجيب: أنت لا تملك ثمن الحزن.
الأسبوع الثاني: تحولت رحلته من التسوق إلى الصيد. أصبح يصطاد الأفكار بدلاً من السلع. يطارد الأحلام بدلاً من العروض.
الأسبوع الثالث: لاحظ شيئاً غريباً. حسابه البنكي لم يعد يبكي. بدأ يتنفس ببطء، ثم يبتسم، ثم يغني.
هنا حدثت المعجزة التي لم يكن يتوقعها
بدلاً من إنفاق المال، بدأ يستثمر وقتَه. تعلم كيف يحول هوايته القديمة في تصميم الأزياء إلى متجر إلكتروني صغير. باع بعض كنوزه غير المستخدمة عبر الإنترنت.
وبعد أشهر تحولت شقته من متحف استهلاكي إلى ورشة إبداعية. كل قطعة كان قد اشتراها دون حاجة، وجد لها هدفاً جديداً. الآلات أصبحت أدوات، والكماليات تحولت إلى استثمارات.
بعد عامين، كان سليم يجلس في مقهى صغير. يراقب الناس وهم يدخلون إلى المتاجر الكبيرة، يخرجون منها محملين بأكياس وحمولات من الهموم.
صديق قديم رآه فلم يعرفه. لم يكن لباسه باهظاً، لكن نوراً غريباً يشع من عينيه. سأله: ماذا حدث لك؟ أصبحت مليونيراً فجأة؟
ضحك سليم ضحكة خفيفة كنسيم الصباح:
أخبرتك يوماً أنني أريد شراء القمر؟ لقد اكتشفت أنني لا أحتاج لشرائه، بل لأكون أنا القمر نفسه. التوقف عن الشراء صعب جدا لكن ليس مستحيلا.. والعلم أن الثراء الحقيقي ليس فيما تملك، بل فيما تستطيع أن تخلق.
يا صديقي
الناس تبحث عن الكنوز في المتاجر، وأنا وجدت كنزي في 'لا شيء'، في المساحات الفارغة، في الوقت الذي استرجعته، في السلام الذي عاد إلى قلبي.
لم أعد أسأل: 'ماذا أريد أن أشتري؟'، بل أصبحت أسأل: 'ماذا أريد أن أصنع؟'
العبرة ليست في التوقف عن الشراء، بل في البدء في الخلق. عندما تتوقف عن كونك مستهلكاً، تبدأ في كونك صانعاً... تاجرا... زارعا... . وهذه هي أعظم ثروة.
انظر حولك. كل شيء تراه صنعه أناس رفضوا أن يكونوا مجرد مشترين.
فكن صانعاً، لا مشترياً فقط... كن قمراً، ولا تشترِ القمر.
طالع الحكايات السابقة من سلسلة حكايات اقتصادية:
الحكاية الأولى:- https://tarbyaa.com/article-124634
الحكاية الثانية:- https://tarbyaa.com/article-124645
.