المرأة التي رتبت حياتها بـ 10 دقائق يومياً

المرأة التي رتبت حياتها بـ 10 دقائق يومياً

بقلم د. علي شيخون

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل، والصمت يلف البيت كما يلف الكفن الميت، فاطمة تقف وحيدة في مطبخها، والضوء الشاحب ينعكس على وجهها المتعب، ينير تجاعيد القلق التي بدأت تحفر خطوطها حول عينيها.

أمامها على طاولة المطبخ الخشبية، تتناثر الفواتير كأوراق الخريف المتساقطة: فاتورة الكهرباء تحدق فيها بعينين حمراوين، فاتورة الهاتف تصرخ بأرقامها المرتفعة، وكشف الحساب البنكي يرقد هناك كشاهد صامت على جريمة مالية لا تعرف كيف ارتكبتها.

أين.. أين تذهب الأموال؟ همست لنفسها، وكأنها تسأل الهواء عن سر اختفاء الأحلام. صوتها يرتد من جدران المطبخ الصامتة، محملاً بحيرة امرأة تقف على شاطئ المجهول المالي.

تذكرت فاطمة كيف انساقت هذا الأسبوع وراء سراب الرغبات. في الصباح، فستان أزرق لم تحتجه، لكن عينيها وقعتا عليه في واجهة المحل فسحرها بلونه الذي يشبه البحر. 

في الظهيرة عطر فرنسي رأته في إعلان تلفزيوني وعدها بأن تصبح ملكة الأناقة. 

في المساء وجبة جاهزة من مطعم فاخر، رغم أن ثلاجتها تفيض بالطعام كنهر يفيض بالماء.

وابنها أحمد، الصغير ذو العيون البريئة كان يحصل على دروس خصوصية في الرياضيات، رغم أن درجاته تتراقص في التسعينات كالنجوم في السماء.

كل شراء كان له مبرر في لحظته، لكن مجموعها شكّل جريمة صامتة ضد مستقبل الأسرة.

في تلك الليلة بدلاً من أن تستسلم للنوم المضطرب الذي اعتادته، أمسكت فاطمة بقلم كان يرقد وحيداً بجانب دفتر صغير. كتبت سؤالاً واحداً بخط مرتعش كأنه يحمل وزن العالم:

ما هي أولوياتي المالية الحقيقية؟

حدقت في السؤال طويلاً والحروف تحدق فيها بالمقابل. لأول مرة في حياتها، واجهت نفسها بصدق مؤلم

 لم تكن تعرف الإجابة.

أدركت أنها تعيش مثل راقصة في الظلام، تتحرك بلا موسيقى واضحة، تنفق بلا خريطة، تشتري بلا بوصلة، وتحلم بلا خطة.

ميلاد المعجزة اليومية.

مع شروق شمس اليوم التالي، أشرقت في قلب فاطمة شمس جديدة. اتخذت قراراً بدا بسيطاً كنسمة هواء، لكنه كان قوياً كإعصار التغيير:

عشر دقائق. عشر دقائق فقط كل يوم لتنظيم حياتها المالية.

في صباح اليوم الأول جلست فاطمة مع كوب القهوة الصباحي، والعالم ما زال يتثاءب. أمامها كومة الإيصالات والفواتير من الأسبوع الماضي، كأنها قطع أحجية معقدة تحتاج لحل.

بيديها الناعمتين، بدأت تصنف هذه الأوراق في أربعة صناديق صغيرة من الكرتون، كتبت على كل منها بخط جميل:

ضروريات - للطعام الأساسي والفواتير والأدوية

واجبات - للزكاة ونفقة الوالدين والأقساط المستحقة

حاجيات - للملابس والتعليم الإضافي وصيانة البيت

كماليات - للمطاعم والهدايا والترفيه

عندما انتهت من التصنيف، سقط الصندوق من يديها. كانت النتيجة صاعقة كالبرق: 60% من أموالها تطير إلى سماء الكماليات!

في اليوم الثاني والعالم يستيقظ على زقزقة العصافير، جلست فاطمة بنفس المكان وكتبت أولوياتها الحقيقية بخط واضح كوضوح الشمس:

أمان الأسرة المالي - كالقلعة الحصينة تحميهم من عواصف الزمن

تعليم الأطفال الجيد - كالماء والهواء للحياة

رعاية والديها المسنين - كالدين الذي يجب أداؤه بحب

بناء صندوق للطوارئ - كالمطر المدخر لوقت الجفاف

الاستعداد لموسم الحج - كالحلم الذي يجب أن يصبح حقيقة

في اليوم الثالث بينما الندى ما زال يلمع على أوراق الشجر، وضعت فاطمة ميزانية بسيطة كبساطة الحكمة:

55%  للضروريات - كالأساس القوي للبيت

20 %  للواجبات - كالركن الركين في البناء

15% للمستقبل والطوارئ - كالجسر إلى الغد الآمن

10 % للكماليات والترفيه - كالمطر الخفيف يروي الأرض دون أن يغرقها

الأسابيع السحرية

الأسبوع الأول: ولادة الوعي، مع كل صباح، مع أول خيط من نور الفجر، كانت فاطمة تجلس في ركنها المقدس بالمطبخ. عشر دقائق تراجع فيها أمس، وتخطط فيها لليوم. قبل كل شراء، أصبحت تسأل نفسها بصوت داخلي هادئ: في أي صندوق ينتمي هذا الشراء؟ هل يخدم أولوياتي الحقيقية؟

الأسبوع الثاني: طقوس الحكمة، أصبحت الدقائق العشر طقساً مقدساً، كصلاة الفجر تبدأ بها النهار. كوب الشاي العطر، دفتر الحسابات البسيط، ومراجعة الأهداف بحب وتأنٍ. لأول مرة في حياتها، شعرت فاطمة أنها قائدة سفينتها المالية، وليست مجرد راكب خائف.

الأسبوع الثالث: معجزة التوفير، كالسحر الأبيض، اكتشفت فاطمة أنها توفر 30% من إنفاقها السابق، دون حرمان حقيقي أو تضحيات مؤلمة. الفرق الوحيد أن كل ريال أصبح له هدف واضح، وكل شراء له قصة ومعنى.

الشهر الأول: ولادة جديدة

في نهاية الشهر الأول، كانت فاطمة امرأة جديدة، سددت ديناً صغيراً كان يؤرقها كالكابوس، فتحت حساب توفير لصندوق الطوارئ كالكنز المدفون، زادت مبلغ نفقة والديها كالبر الذي يفتح أبواب السماء

والأهم... شعرت براحة نفسية عميقة كالنوم الهانئ بعد يوم طويل. 

التحول الكبير

الشهر الثالث: ملكة المال

لم تعد فاطمة تلك المرأة التي تقف حائرة أمام الفواتير. أصبحت ملكة مملكتها المالية، تحكم بحكمة وتدبر بذكاء. كل ريال يعرف مكانه، وكل شراء له قصة.

زوجها عمر لاحظ التحول الساحر: البيت أصبح واحة هدوء مالي، والضغوط تبخرت كالضباب في الشمس، وأنتِ.. أنتِ أصبحت تتألقين كالنجمة.

عندما سألت النساء فاطمة عن سر معجزتها المالية، ابتسمت ابتسامة الحكيمة التي اكتشفت سر الكون، وقالت بصوت هادئ كهدوء البحيرة:

أخواتي الغاليات، لم أكن أحتاج مالاً أكثر، كنت أحتاج بصيرة أكثر. العشر دقائق اليومية علمتني أن الحياة مثل الحديقة: إذا لم نرتبها كل يوم، تصبح أدغالاً تخنقنا. لكن دقائق قليلة من العناية اليومية تحولها إلى جنة تسعدنا.

المال، يا حبيباتي، مثل الماء: إن تركناه بلا مجرى، فاض وأغرق كل شيء. وإن وضعناه في قنوات محكمة، روى الأرض وأنبت الجنات.

وأضافت وعيناها تتألقان بنور الحكمة: الأولويات مثل النجوم في السماء، تهدي المسافر في ظلمة الليل. من عرف أولوياته، عرف طريقه إلى بر الأمان.

وفي النهاية

أخي العزيز أختي الكريمة

هل تملك الشجاعة لتبدأ رحلتك مع هذه الدقائق الذهبية؟ هل تستطيع أن تهدي نفسك عشر دقائق من عمرك اليومي، لتكسب سنوات من الراحة والسعادة؟

ابدأ اليوم. ابدأ الآن. فالوقت لا ينتظر المترددين، والفرص تتسلل من بين أصابع المتأخرين كالرمل الناعم.

والله المستعان وعليه التكلان.

 

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم