شبكة قادة الرأي كمصدر للقوة الإسلامية.. وكيف يمكن تطوير قيادة الرأي كأساس للقيادة المجتمعية؟

شبكة قادة الرأي كمصدر للقوة الإسلامية.. وكيف يمكن تطوير قيادة الرأي كأساس للقيادة المجتمعية؟

د. سليمان صالح أستاذ الصحافة والإعلام الدولي

مقدمة

    تطوير نظرية قيادة الرأي واستخدامها في تأهيل القيادات المجتمعية يمكن أن يشكل أساسا لقوة الأمة الإسلامية خلال هذا القرن، ويمكن أن تشكل أساسا لاستثمار الثروة البشرية، وتأهيل القادة المجتمعيين وإعدادهم لبناء المستقبل.

     كما يمكن استخدام شبكة قادة الرأي في تشكيل الرأي العام، ونشر المعرفة وتوعية الجماهير وتطوير التعليم. 

    لذلك عملتُ على تطوير نظرية قيادة الرأي بشكل عام وعلاقتها بالرأي العام والتأثير على الجماهير وبناء القوة الإعلامية والمعرفية.

     لكن في هذه الدراسة أنتقل إلى مرحلة جديدة هي: كيف يمكن استخدام هذه النظرية في بناء قوة الأمة الإسلامية وتشكيل صورتها الذهنية، ونقل المعرفة الإسلامية إلى الجماهير، ومواجهة الدعاية المضادة. 

    كما أحاول في هذه الدراسة الجديدة توضيح كيف يمكن أن تقوم الحركة الإسلامية بإعداد الكوادر للقيام بدور قادة الرأي كمرحلة أساسية لتطوير قدراتهم وتأهيلهم ليصبحوا قادة مجتمعيين؟

أهمية الدراسة

   تحتاج الأمة الإسلامية في هذه المرحلة إلى أفكار جديدة ومبتكرة تسهم في زيادة قوتها واستعادة مكاناتها العالمية.. وتعتبر الثروة البشرية من أهم مصادر القوة؛ لكنها تحتاج إلى عملية توظيف طاقاتها وقدراتها في مشروع حضاري طويل المدى.

 ومن أهم الأدوار التي يمكن أن تقوم بها الثروة البشرية نقل المعرفة الإسلامية للآخرين؛ ويشكل ذلك تطويراً مهماً لنظرية قيادة الرأي.

 ويمكن أن تقوم الحركة الإسلامية بدور فاعل في هذه العملية؛ خاصة في هذه المرحلة التي تحتاج فيها الجماهير للمعرفة حيث تعمل الأنظمة الحاكمة المستبدة على تجهيل الجماهير للمعرفة؛ حيث تعمل الأنظمة الحاكمة المستبدة على تجهيل الجماهير وتضليلها وتزييف وعيها، ونشر الأفكار الغربية التي تستهدف دفعها لنسيان هويتها وتاريخها وحلمها في تحقيق التقدم والقوة والعدالة وانتزاع الحرية. 

أهداف الدراسة

في ضوء ذلك يمكن تحديد أهداف هذه الدراسة فيما يلي: 

١. تطوير نظرية قيادة الرأي لتشكل أساسا لنشر المعرفة وتوعية الجماهير. 

٢. بناء شبكة عالمية من قادة الرأي المسلمين تقوم بدورها في نشر المعرفة الإسلامية، وبناء صورة الإسلام.

٣. استخدام شبكة قادة الرأي المسلمين في نشر المعلومات الصحيحة، وحماية الجماهير من التجهيل والتضليل وتزييف الوعي. 

٤. تطوير قدرات الشباب المسلمين لتحويلهم إلى قادة رأي.

٥. تأهيل الكثير من الشباب ليصبحوا قادة مجتمعيين بعد أن يقوموا بدورهم كقادة رأي.

 ٦. تطوير العلاقة بين قيادة الرأي والقيادة المجتمعية؛ خاصة القيادة القائمة على المعرفة والقيادة القائمة على المبادئ.

تساؤلات الدراسة

في ضوء ذلك يمكن تحديد أهم تساؤلات الدراسة فيما يأتي:

١. ما نظرية قيادة الرأي؟ وكيف يمكن تطويرها كأساس لبناء مجتمع المعرفة؟

٢.كيف يمكن استخدام هذه النظرية في بناء القوة الإعلامية والمعرفية للأمة الإسلامية؟

٣.كيف يمكن بناء شبكة قادة رأي عالمية إسلامية تقوم بنقل المعرفة للجماهير؟

٤.كيف يمكن تطوير قدرات قادة الرأي للقيام بدورهم في شرح الحقائق للجماهير وتوعيتها؟

٥.ما دور الحركة الإسلامية في بناء شبكة قادة الرأي العالمية، وتأهيل الشباب للقيام بهذا الدور؟ وكيف يمكن تطوير قدراتهم ليصبحوا قادة مجتمعيين؟

 

 

أولا- مفهوم قيادة الرأي وتطوره

يحتاج مفهوم قيادة الرأي إلى توسيع وتطوير؛ حيث اقتصر هذا المفهوم في الغرب على تلقي الأفراد المؤثرين للمعلومات من وسائل الإعلام، وإعادة نقلها إلى أفراد آخرين باستخدام الاتصال المباشر.

 لكن ثورة الاتصال فرضت ضرورة البحث عما تتيحه الوسائل الاتصالية الجديدة من إمكانيات لتطوير المفهوم، وزيادة قدرات قادة الرأي للقيام بوظائف جديدة.

 لذلك بدأ (ويكس براين-Weeks Brian) وزملاؤه دراسة: كيف يستخدم قادة الرأي وسائل التواصل الاجتماعي في الإقناع السياسي؛ باعتبار أن هذه الوسائل تشكل ركنا من أهم أركان البيئة الاتصالية في القرن الحادي والعشرين؟

 ففي هذه البيئة الاتصالية يمكن أن يعتبر المستخدمون الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أنفسهم قادة للرأي؛ حيث يبذلون جهدهم في التأثير على اتجاهات الآخرين السياسية (1).

لقد جاء الإنترنت ليفتح مجالاً للمستخدمين النشطين لنقل المعلومات والأفكار إلى متابعيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فرضت ثورة الاتصال ضرورة تطوير نظرية قيادة الرأي، وتأهيلهم للتفاعل مع الآخرين؛ حيث يرى (تورسون- Thorson) أننا لابد أن نغير أفكار الآخرين حول قيادة الرأي التي تمت دراستها حتى الآن خارج إطار العملية الاتصالية عبر الإنترنت. حيث كسرت وسائل التواصل الاجتماعي الحواجز أمام المشاركة السياسية، وتغيير طبيعة قادة الرأي وتأثيرهم في المجتمعات (2).

 ونحن نرى أن أهمية قادة الرأي سوف تتزايد في البيئة الاتصالية الجديدة، وأنهم أصبحوا يشكلون ثروة بشرية وسياسية وثقافية للمجتمع؛ لكن المشكلة هي: كيف يمكن أن نؤهلهم للاتصال بالجماهير والتأثير فيها؟

 

 

 

تعريف جديد لقادة الرأي

في ضوء ذلك فإننا في حاجة للتحرر من أسر تعريف (لازارسفيلد) الذي يقوم على أن قادة الرأي هم الأفراد الذين يتلقون المعلومات من وسائل الإعلام؛ ثم يقومون بنقلها إلى الناس في مجتمعاتهم المحلية، وهم يتمتعون بقدر من المعرفة عن القضايا المختلفة، ويثق الآخرون بآرائهم ونصائحهم، ويوجدون في الجماعات المختلفة. فكل جماعة يمكن أن يوجد فيها عدد من قادة الرأي الذين يؤثرون في الآخرين، وهؤلاء القادة يمكن أن يتمتعوا بتأثير أكبر في أعضاء الجماعة بحكم وظائفهم أو مكانتهم، أو المعرفة التي يتمتعون بها (3).

 فهذا التعريف كان يصلح لعصر ما قبل الإنترنت؛ أما في البيئة الاتصالية الجديدة فإن قائد الرأي هو الذي يمارس النشاط الاتصالي، وتقاس أهميته بحجم هذا النشاط. وهو يشارك في المناقشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتبادل المعلومات مع الآخرين. ويمكن أن يطرح مبادرات للمناقشة، ويجيب عن أسئلة الآخرين، ويقوم بإنتاج المضمون.

 وقادة الرأي في البيئة الاتصالية الجديدة يحصلون على المعلومات ليس من وسائل الإعلام فقط، ولكن من مصادر مختلفة، ويقومون بإنتاج المضمون ونقله إلى الآخرين، والمبادرة بفتح مناقشات سياسية والمشاركة فيها.. إنه منتج للمضمون ومستهلك له في نفس الوقت نفسه Prosumer (4).

 إن عملية الجمع بين إنتاج المضمون واستهلاكه أصبحت عملية محورية في البيئة الاتصالية الجديدة؛ حيث إن قادة الرأي يتلقون المعلومات ويوزعونها ويتبادلونها مع الآخرين؛ كما أنهم يقومون بإنتاج المعلومات واستخدمها في إنتاج مضمون جديد.

لكن لا يمكن أن نعتبر أن كل مستخدم للإنترنت قائدا للرأي؛ فهناك خصائص ومؤهلات لقائد الرأي؛ لكن المجال مفتوح لكي يطور الأفراد قدراتهم في الاتصال والإقناع، ليصبحوا قادة للرأي.

 كما أننا يجب أن نؤهل الأفراد لتحديد أهدافهم من استخدام الانترنت؛ فالكثير يستخدمونها بهدف التسلية، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قادة رأي.

في ضوء ذلك فإن قائد الرأي هو الذي يؤثر في آراء الآخرين؛ لكن ذلك التعريف لم يعد كافيا، ولابد أن نوسعه؛ بحيث يمكن أن نضيف إليه: أنه الشخص الذي يتمكن من النجاح في تحقيق اتفاق بين مجموعة من المستخدمين حول قضية اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، ويدفع هؤلاء المستخدمين للمشاركة في تبادل المضمون وإنتاجه؛ وبالتالي فإنهم يتمكنون من تطوير الأجندة الاجتماعية، واهتمامات الجمهور.

 

 

الإسلام وتطوير دور قائد الرأي ووظائفه

 لكن مع أهمية استخدام الإنترنت في نقل المضمون إلى الجماهير ونشره؛ فإنه لا يغنى عن استخدام الاتصال المباشر (الاتصال الشخصي -الاتصال داخل الجماعات الصغيرة -الاتصال الجمعي).

 فالاتصال المباشر كان المصدر الرئيسي لقوة الحضارة الإسلامية التي استخدمته في بناء مجتمع المعرفة، والدعوة والتعليم، كما أن القرن الحادي والعشرين يمكن أن يشهد تزايد أهمية هذا النوع من الاتصال مرة أخرى ليسهم في بناء القوة المعرفية والثقافية للأمة الإسلامية.

 لذلك يجب العمل على تأهيل قادة الرأي لاستخدام هذا النوع من الاتصال في نقل المعرفة، وتوعية الجمهور.

ونحن نرى أهمية تأهيل الكوادر لعصر جديد يتم فيه استخدام كل أنواع الاتصال بشكل متكامل؛ خاصة بعد أن تناقصت أهمية الصحافة الورقية المطبوعة، والكتاب المطبوع، مما سيؤثر على مستوى المعرفة التي يتلقاها الجمهور، وتزايد حاجة الناس لمعرفة أكثر عمقا من تلك التي يتلقونها عبر قنوات التلفزيون والإنترنت.

 ذلك جانب مهم في عملية تأهيل شبكة قادة الرأي الذين يجب أن يستخدموا الاتصال المباشر، وفي الوقت نفسه يقومون بإنتاج المضمون لنشره عبر الإنترنت، والمساهمة في إدارة مناقشات واقعية وافتراضية.

كما أننا نرى أهمية العمل لتحقيق التكامل بين الأدوار؛ حيث يمكن أن يتم تأهيل أكبر عدد ممكن للقيام بوظائف متعددة؛ فالشخص الواحد يمكن أن يكون قائماً بالاتصال ومنتجا للمضمون وقائداً للرأي في الوقت نفسه.

 

 

الإخوان المسلمون كفاعل في بناء شبكة قادة الرأي الإسلامية

يفرض ذلك على الحركة الإسلامية العمل على تأهيل شبكة من قادة الرأي للقيام بدور فاعل في بناء مجتمع المعرفة، وتوعية الجمهور.. ويمكن دراسة إمكانيات قدرات الكثير من الكوادر وتوجيههم للقيام بأدوار متعددة في نقل المعرفة. ويمكن أن نميز بين نوعين من قادة الرأي هما:

  1. قائد الرأي المتخصص في مجال من مجالات المعرفة، يمكن أن يحصل على ثقة الجمهور بسبب تخصصه في هذا المجال، ويمكن أن يقوم بدور مهم في بعض القضايا التي تحتاج فيها الجماهير لخبرته وتخصصه. وهذا النوع من قادة الرأي تتزايد أهميته مع تقدم التكنولوجيا وتطور مجالات الحياة؛ بحيث يصبح هناك أهمية للتخصص في المجال الذي يؤثر فيه قائد الرأي، وعلى سبيل المثال يصبح الطبيب قائد رأي؛ يتمتع بقدر كبير من التأثير عندما ينتشر وباء معين، ونحتاج إلى توعية الناس صحيا.

 هناك جانب مهم هو أن هؤلاء المتخصصين يمكن أن يشاركوا في الكثير من الشبكات ذات الاهتمامات العلمية والمهنية، المحلية والعالمية، مثل النقابات والاتحادات الطلابية والجمعيات العلمية والجامعات.

 كما يمكن أن يدخل المدرسون في المدارس في هذه الفئة، لأنهم يمكن أن يقوموا بدور مهم في التأثير في الطلاب، مع ملاحظة أن 60% من المسلمين من الشباب، ويحتاجون إلى دور المدرسين وأساتذة الجامعات.. ويمكن أن يكون لهؤلاء القادة دور كبير في نشر المعرفة المتخصصة، وحث الشباب على الإبداع والابتكار وإنتاج الأفكار، وتأهيلهم ليكونوا – بدورهم- قادة رأي جدد.

ودراسة تكوينات جماعة الإخوان المسلمين توضح أن معظمهم يمكن أن يدخل في إطار تلك الفئة، حيث إن معظم من تمكنت الجماعة من جذبهم منذ نهاية السبعينيات هم من الأطباء والمهندسين، وهؤلاء يتميزون بمكانة اجتماعية، واحترام المجتمع لهم بحكم تخصصهم.

كما أن الكثير من المسلمين في أوروبا وأمريكا هم من هذه الفئة.

مع ذلك فإن هذه الفئة تحتاج إلى تطوير قدراتهم على جذب انتباه الناس والتأثير فيهم. ونقل المعرفة غير المتخصصة لهم.

وبهذا يمكن الجمع بين مزايا التخصص، والعمل العام وتوعية الجمهور، ومناقشة المشاكل المجتمعية، والقضايا السياسية.

 يضاف إلى ذلك أن هؤلاء يمكن أن يقوموا بدور مهم خلال الأزمات والكوارث؛ فالأطباء على سبيل المثال يمكن أن يؤثروا بشكل أكبر عند حدوث كوارث مفاجئة مثل الزلازل؛ كما أنهم يمكن أن يقوموا بدور في القضايا الإنسانية مثل علاج المصابين خلال الحروب.

 لكن الأمر لا يقتصر على هؤلاء، فكل صاحب تخصص يمكن أن يقوم بدور القائد كقائد رأي في مراحل وأزمات وقضايا معينة عندما يطور قدراته للاتصال بالجمهور؛ فالمعرفة من أهم المؤهلات التي تزيد المصداقية، وتكسب احترام الجمهور.

  1. قائد الرأي العام: الذي يمكن أن يلجأ له الآخرون للحصول على المعلومات والمعرفة في قضايا مختلفة، وهو يمكن أن يؤثر في الجمهور بشكل عام في الكثير من القضايا خاصة القضايا السياسية. والمتخصصون في العلوم الإنسانية والاجتماعية يمكن أن يكونوا أكثر قدرة على التأثير في الجمهور والحصول على ثقته في هذه القضايا؛ لكن يجب العمل على تأهيل كل الكوادر الإسلامية للقيام بدور قادة الرأي العام عن طريق زيادة قدراتهم على التأثير في الجمهور.

 

مواصفات قادة الرأي

 في ضوء ذلك فإننا يجب أن نعيد التفكير في مواصفات قادة الرأي، ونعمل لتطويرها وتأهيل أكبر عدد ممكن من الكوادر للقيام بهذا الدور عن طريق تطوير قدراتهم.

 لذلك سنقوم بإعادة ترتيب هذه المواصفات وتحديد أهميتها، وإمكانية تأهيل الكوادر لزيادة هذه المواصفات؛ ما ملاحظة أنه من الصعب جمع كل تلك المواصفات في شخص واحد، لكن كلما زادت هذه المواصفات زاد تأثيره؛ لذلك يمكن أن نعمل على جمع ما يمكن أن يتوفر في الشخص من مواصفات وتطويرها:

1.المعرفة: 

تتيح المعرفة للشخص إمكانية التميز داخل المجتمع، وتزيد شرعية قيامه بدور قيادي فيه.. ولذلك فإن تأهيل الشخص ليصبح قائد رأي يحتاج إلى توجيهه للحصول على المعرفة في مجال تخصصه، وفي المجالات العامة؛ خاصة القضايا السياسية.

 وبالنسبة لقائد الرأي الإسلامي؛ فإنه يجب أن يعمل للحصول على المعرفة عن القضايا الإسلامية التي يتحدث فيها؛ ليتمكن من المناقشة والتأثير ونقل المعرفة.

 لذلك نحن نرى أن المعرفة هي أهم من المواصفات التي يجب أن تتوفر في قائد الرأي الإسلامي، وهي تكتسب بالتعليم الذي يمكن أن تتنوع أشكاله؛ ليشمل التعليم الرسمي في المدارس والجامعات، والتعليم الذاتي عن طريق القراءة طبقا لأهداف محددة، ومناهج تزيد القدرات وتطور المهارات. والتعليم المستمر مدى الحياة، والتعلم من خلال العمل والدعوة والمشاركة.

وفي ضوء ذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تطور مناهجها التربوية لتحقيق هدف مهم هو: تحويل كل الكوادر إلى قادة رأي يقومون بدورهم في نقل المعرفة ونشرها؛ وهو هدف مهم لبناء مجتمع المعرفة في المستقبل.

ولقد أصبح هناك الكثير من الفرص التي تتيحها ثورة الاتصال للتعلم وتطوير المهارات والقدرات، والحصول على معرفة غير متخصصة تسهم في تحويل الشخص إلى قائد للرأي ومنتج للمعرفة، وقائم بالاتصال ومؤثر في الجمهور.

2.المصداقية:

 تزداد أهمية قائد الرأي في المجتمع كلما زادت مصداقيته؛ فالمصداقية تزيد التأثير في الناس؛ خاصة في هذه الفترة التي يتدفق فيها الكثير من المضمون الزائف عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، وتقوم الحكومات بتجنيد أعداد كبيرة من الذين يدافعون عنها ببث معلومات زائفة وتضليل الجمهور.

لكن من المهم أن تطور قدرات الأشخاص للحصول على ثقة الجماهير في المضمون الذي يقومون بنقله لهم، ويجب أن ندرك أن المصداقية ترتبط بالعلم والخبرة، فالجمهور لا يثق في شخص يتحدث عن قضية يعرف أنه لا صلة له بها، ولا تدخل في إطار تخصصه.

كما أن قائد الرأي الإسلامي يجب أن يتأكد من صحة كل معلومة ودقتها؛ فهناك الكثير من الخصوم الذين يمكن أن يشككوا في صحة المعلومات.

لذلك يجب أن يتأكد قائد الرأي من مصدر المعلومة، وأن هذا المصدر يستحق الثقة، وأن له علاقة بالموضوع.. كما يجب أن يقوم بعملية نقد داخلي وخارجي للنصوص التي يقوم بالاستناد إليها.

ويلاحظ أن علماء المسلمين هم الذين طوروا مناهج علمية للتأكد من صحة النصوص ونقد مصادرها.

3.القدرة على تلقي المعلومات ونقلها: 

وقد تم التركيز على تلك الصفة في قادة الرأي عندما كان يتم النظر له باعتباره مجرد ناقل للمعلومات.. وبالرغم من تطويرنا لدور قائد الرأي فإننا نرى أنه من الضروري أن يتم تأهيل الشخص للتعامل مع المعلومات والبحث عنها في المصادر المختلفة، والتأكد من صحتها؛ فالجماهير تحتاج للمعلومات، وهي مادة أساسية للرسائل.

وتعد وسائل الإعلام من أهم مصادر المعلومات في العصر الحديث، لكن يجب تطوير قدرات الأشخاص للحصول على المعلومات من مصادر أخرى مثل: السلطات والمؤسسات، وتغطية الأحداث بشكل مباشر، ونقل تلك المعلومات لوسائل الإعلام، وهو دور جديد ومهم؛ حيث أصبح المواطن الصحفي يقوم بدور مهم في نقل المعلومات وتغطية الأحداث لوسائل الإعلام.. وأثبتت ثورات الربيع العربي أن المواطنين يمكن أن يقوموا بدور مهم في تغطية الأحداث لوسائل الإعلام، وهذا يزيد قدراتهم على القيام بدور قادة الرأي.

 لذلك تتزايد الحاجة لتأهيل الشباب وزيادة قدراتهم على القيام بدور المواطن الصحفي في تغطية الأحداث، والربط بين هذا الدور الجديد وقيادة الرأي.

4.تقبل الأفكار الجديدة والاستعداد للتغيير

ذلك أن الشخص الذي يقوم بدور قائد الرأي - يجب أن يكون أكثر استعدادا للتغيير وتقبل الأفكار الجديدة وشرحها للجمهور، فالجمهور يحتاج دائما إلى التغيير خاصة عندما تشتد الأزمات، وتصبح المحافظة على الوضع الراهن في صالح السلطة والمرتبطين بها، ويتطلع الناس إلى حلول جديدة لمشكلاتهم وأفكار جديدة تأتي من خارج النظام. 

5.القدرة على التوصل إلى حلول جديدة للمشكلات: 

حيث تزداد أهمية قائد الرأي في المجتمع، عندما يقدم للجمهور حلولا جديدة لمشكلاتها، ويقوم بالتعبير عن احتياجاتها.

 وهذا يفتح المجال لتطوير نظرية قيادة الرأي، وتأهيل قادة رأي جدد أكثر جرأة وشجاعة في التعبير عن آمال الجماهير، وتقديم حلول غير تقليدية لمشكلاتها.

وهذا يفرض الكثير من التحديات على الحركة الإسلامية التي يجب أن تشجع أفرادها على التفكير النقدي الهادف(النصيحة)، والإبداع، والبحث عن حلول جديدة، والتطلع للمستقبل برؤية جديدة، ومواجهة الأزمات بالاستفادة من الفرص التي تتيحها. 

إن هذا يمكن أن يزيد قوة الإسلام بشكل عام، خاصة في مناطق معينة مثل أوروبا التي تحتاج إلى حلول لمشكلاتها من خارج الحضارة الغربية.. وقد أصبحت الجماهير تدرك أن المحافظة على الوضع الراهن سيدفع الدول الأوروبية إلى مواجهة أزمات تهدد وجودها.

 وينطبق ذلك على كل المجتمعات؛ خاصة الدول العربية التي أصبحت الجماهير فيها تواجه المجاعة وخطر الانهيار الاقتصادي.

6. القدرة على المشاركة الاجتماعية: 

تزداد أهمية قائد الرأي؛ كلما زادت قدرته على المشاركة الاجتماعية والاتصال بالناس، وإقامة علاقات ودية مع الآخرين؛ حيث تلعب تلك العلاقات دورا مهما في زيادة تأثيره، وهذا يفرض ضرورة الاهتمام بتأهيل قادة الرأي للاندماج داخل المجتمع، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، وزيادة قدراتهم على الاتصال الشخصي، والاهتمام بمشكلات الآخرين ومساعدتهم على حلها.

7.القدرة على الخدمة العامة: 

يرتبط تأثير الشخص في الجماعة بقدرته على تلبية توقعاتها وتحقيق الفوائد المادية والمعنوية لها؛ ولذلك فإن الأشخاص الذين يقومون بدورهم في الخدمة العامة يمكن أن يزداد تأثيرهم في الآخرين.

 ويرتبط ذلك بنظرية القيادة القائمة على الخدمة العامة، وتطوير دور القائد لمساعدة الآخرين على تجاوز المحن التي تواجههم.

8.القدرة على اتخاذ القرارات:

وهذا يسهم في تطوير دور قائد الرأي، فلم يعد هذا الدور يقتصر على نقل المعلومات للآخرين، ولكن الناس تتطلع إلى هذا الشخص ليقوم باتخاذ القرار طبقا لما يمتلكه من معرفة وخبرة. وهذه القدرة تسهم في زيادة ميل الآخرين إلى تقبل أفكاره.

9.مهارات الاتصال: 

يجب أن يتمتع قائد الرأي بمهارات اتصالية تتيح له أن ينقل الرسائل للآخرين، وأن يقوم باستخدام الرموز اللغوية وغير اللغوية لنقل أفكاره. ومن أهم مهارات الاتصال التي يجب أن يتمتع بها قائد الرأي: مهارات الاتصال الشخصي، ومهارات الاتصال داخل الجماعات الصغيرة، والاتصال الجمعي، والاتصال العام (الخطابة- المؤتمرات الجماهيرية- قيادة المظاهرات..إلخ) كما يجب أن يتمتع بالقدرة على الحديث والحوار والإجابة عن تساؤلات الآخرين.

10.القدرة على قياس رد فعل الجمهور أو الأشخاص الذين يقوم بالاتصال بهم (التغذية الاسترجاعيةFeed back):

 وهي من الأدوار التقليدية لقائد الرأي؛ حيث يسهم بذلك في زيادة قدرات القائمين بالاتصال والمخططين الاستراتيجيين على إعادة بناء رسائلهم، لزيادة تأثيرهم في الجمهور، كما ساهم ذلك الدور في زيادة فرص النجاح للوسائل الإعلامية التي تهتم بدراسة احتياجات الجمهور، وتعمل لإشباعها. كما أن النجاح في العملية الاتصالية بالنسبة لمخططي الحملات الانتخابية يتمثل في معرفة ردود أفعال الجمهور، وتأثير الرسائل الاتصالية عليه، وعداد صياغتها بشكل يشبع احتياجات الجمهور.

11.الانتماء:

حيث يزداد تأثير قائد الرأي كلما كان منتميا للجماعة نفسها التي يقوم بالاتصال بها؛ ولذلك فإن شخصا ما يتمتع بقدر كبير من المميزات قد يفشل كقائد رأي داخل جماعة لا تشعر بأنه ينتمي لها.

 ويشكل ذلك عائقا أمام قادة الرأي المسلمين في المجتمعات الغربية (أمريكا وكندا وأوروبا)؛ فالمسلم من أصول غربية يزداد تأثيره مقارنة بالمسلم من أصول غير غربية مهما كانت قدراته الاتصالية ضعيفة، ومعرفته محدودة.

لكن تلك المشكلة يمكن التفكير في حلول لها مثل: الانتماء إلى جماعات ذات اهتمامات علمية ومهنية، مثل الطلاب على سبيل المثال الذين يمكن أن يزداد تأثيرهم بحكم الانتماء إلى الحركة الطلابية، حتى وإن كانوا ينتمون إلى دول غير غربية، وينطبق ذلك على العلماء من تخصصات مختلفة عند المشاركة في جمعيات ذات اهتمام محدد.

12.المركز الاجتماعي المتميز:

 عادة ما يضع علماء الاتصال هذه الصفة في المقدمة، ويعتبرونها أهم صفات.. لكننا نعتبرها أقل الصفات أهمية، وإن كنا لا نستبعدها. فعندما يتمتع قائد الرأي بوضع معين داخل المجتمع يزداد تأثيره في الآخرين، وتتزايد فرصه في إقناعهم بآرائه وقراراته.

 لكننا نعدُّ أن المركز الاجتماعي يرتبط بالدور والوظيفة والخبرة والعلم والمهنة والمكانة الاقتصادية.

 لذلك فإنه يجب تشجيع الأفراد للعمل لزيادة مكانتهم المجتمعية من خلال التفوق في العمل، واحتلال المناصب، والحصول على الثراء، والاهتمام بالمظهر.. وكلها يمكن أن يحصل عليها الإنسان مع الزمن. 

كما يمكن تشجيع الأفراد في الحصول على شهادات جامعية، وإنشاء مشروعات تجارية، والمشاركة مع آخرين في أعمال يمكن أن تحقق الثراء والغنى.

كما أن ذلك يفتح المجال لدراسة دور رجال الأعمال كقادة رأي، وزيادة قدراتهم للتأثير على الآخرين.

 كما أن الخدمة العامة تزيد المكانة الاجتماعية للأشخاص، وتجعل الآخرين ينظرون لهم باحترام وتقدير، ويتقبلون آراءهم.. والقيام بخدمة الآخرين من أهم وسائل زيادة المكانة الاجتماعية، كما أن الأصل في الكثير من المجتمعات يجعل الشخص يحتل مكانة اجتماعية متميزة خاصة في المجتمعات العربية.

 ومع ذلك فإن المكانة الاجتماعية يمكن أن يزيد تأثيرها عندنا ترتبط بمنظومة أخلاق من أهمها التواضع والكرم والمروءة ومساعدة الآخرين والإيثار والصدق.

وهؤلاء الرموز المجتمعية يمكن أن تقوم بدور مهم في التأثير على الآخرين وإقناعهم،[mq1] [mq2] [mq3]  وتوجههم للمشاركة في أعمال مجتمعية.

لكن هناك الكثير من الأشخاص الذين تتوافر فيهم بعض تلك الصفات أو معظمها؛ لكنهم لا يقومون بدور قادة الرأي، ولا يستطيعون التأثير في الجماهير.

هذا يفتح لنا مجالاً للتفكير في البحث عن هؤلاء الأشخاص، واستثمار قدراتهم وصفاتهم في زيادة قوة الإسلام ونقل المعرفة.. ولذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين كحركة إسلامية عالمية يجب أن تطور قدراتها، وتخطط بشكل استراتيجي لتحويل أعضائها إلى قادة للرأي، بعد دراسة مميزاتهم وصفاتهم وتأهيلهم للقيام بهذا الدور.

نظرية الاتصال عبر مراحل متعددة واستخدام شبكة قادة الرأي

 قمت بتطوير نظرية جديدة هي: نظرية الاتصال عبر مراحل متعددة، ويمكن لهذا التطوير أن يشكل أساساً لبناء مجتمع المعرفة.

 وتقوم هذه النظرية على أن الاتصال يتدفق عبر شبكات حقيقية وافتراضية، وفي هذه الشبكات تزداد أهمية قادة الرأي ودورهم؛ فهم يقومون بإقناع الجمهور بتبني الأفكار الجديدة، وبذلك يقودون حركة التطوير السياسي والاقتصادي (5).

 طبقاً لهذه النظرية الجديدة: يقوم قادة الرأي والقائمون بالاتصال ووسائل الإعلام بإنتاج المعرفة، وتبادلها مع الآخرين، وهذا يؤدي إلى زيادة القوة الاتصالية والمعرفة للمجتمعات، من خلال ربط دور قادة الرأي بالشبكات الاجتماعية، بحيث يتمكن المجتمع من زيادة تدفق المعلومات والأفكار والمعرفة.

 من أهم الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية أن الجمهور مشارك نشط في العملية الاتصالية، وهذا يفتح المجال لتكامل الاتجاهات التي تتدفق عبرها المعرفة.

ولكي نزيد الأمر وضوحاً؛ فإن الدولة أو الجماعة التي تريد أن تبني القوة المعرفية يجب أن تطور وظائف وسائل الإعلام لكي تصبح مصدراً يتلقى منه قادة الرأي المعرفة، ويقومون بنشرها عبر الاتصال الشخصي والاتصال داخل الجماعات الصغيرة والاتصال الجمعي.

 بذلك تتكامل الأدوار، ويمكن أن يدرك أفراد الجمهور أن هذه المعرفة التي تتدفق تزيد إمكانياته لتطوير حياته، فيصبح نشطاً في تلقي هذه المعرفة وإعادة نشرها.

 لذلك يمكن أن يتحول الكثير من أفراد الجمهور النشطين إلى قادة رأي؛ فيتم توسيع الشبكات وزيادة قدرتها على إنتاج المعرفة وتبادلها.

 هذا يعني أن الهدف الرئيس لهذه النظرية هو زيادة القوة الاتصالية للمجتمع، وزيادة إمكانات تدفق المعرفة، وبالتالي بناء مجتمع المعرفة.

وفي إطار هذه النظرية يتم تطوير الوظيفة الاتصالية لقادة الرأي، وبناء شبكات تقوم بإنتاج المعرفة ونقلها. وثورة الاتصال تفتح لنا مجالات جديدة لتحقيق هذا الهدف، واستخدام قادة الرأي في تشكيل الرأي العام؛ فوسائل التواصل الاجتماعي وفرت الفرص لقادة الرأي لزيادة متابعين، ووفرت لهم إمكانيات للشهرة، ولزيادة التأثير إذا تمكنوا من إنتاج مضمون يجذب اهتمام مستخدم الإنترنت، كما أدت إلى زيادة قدرتهم على تحدي تدفق المعلومات من السلطات إلى الجماهير، وتوفير معلومات يحتاجها الجمهور؛ خاصة خلال الأزمات.

 كما أن قادة الرأي يمكن أن يقوموا بتقديم رؤية نقدية لما تقدمه وسائل الإعلام، وتطوير قدرات الناس على اختيار البرامج والمضمون الإعلامي، والتحذير من خطورة البرامج التي تبثها وسائل الإعلام الأجنبية، ونشر المعرفة الإسلامية.

 

استخدام الحركة الإسلامية لهذه النظرية

في بناء صورة إيجابية للإسلام في أوروبا وأمريكا

 هذه النظرية يمكن استخدامها في تحقيق الكثير من الأهداف العظيمة التي تحتاج إلى مدى زمن طويل، وإلى تراكم التأثير، عن طريق توفير المعرفة للجمهور.

 على سبيل المثال يمكن استخدامها في بناء صورة إيجابية للإسلام في الدول الغربية عن طريق توفير معرفة تتحدى الصورة النمطية السلبية التي شكلتها وسائل الإعلام الغربية وذلك عبر المراحل التالية:

1.إنشاء وسائل إعلامية (يمكن أن تشمل قنوات تلفزيونية، ومواقع على الإنترنت) توفر المعرفة عن الإسلام للجمهور ولقادة الرأي، وفي هذه المرحلة يتم تشجيع قادة الرأي على متابعة هذه الوسائل للحصول على المعرفة التي تمكنهم من صياغة رسائل تشبع احتياجات جماهير معينة.

 وقادة الرأي يحتاجون إلى مصدر يتمتع بالمصداقية، وفي الوقت نفسه يوفر المعرفة التي يمكن أن يستخدمها قادة الرأي في الحوار والنقاش.

 كما يقوم قادة الرأي بقياس رجع الصدق أو التغذية الاسترجاعية التي تضئ الطريق للمخططين الاستراتيجيين لمعرفة احتياجات الجماهير، وصياغة الرسائل في المراحل التالية.

 ويمكن أن تكون المعرفة التي يتم التركيز عليها في هذه المرحلة عامة؛ فتركز على المبادئ دون الدخول في التفاصيل.

 وتسهم هذه المرحلة في زيادة قدرات القائمين بالاتصال على اختيار المعلومات التي تتناسب مع الأحداث والمشكلات التي تواجه الجماهير.

 على سبيل المثال يمكن التركيز على المبادئ العامة للإسلام مثل: التوحيد- العدل- الحرية- حقوق الإنسان، مع التركيز على حق كل إنسان في معرفة الإسلام.

2.يقوم قادة الرأي في المرحلة الثانية بنقل المعرفة التي تلقوها من خلال الوسائل الإعلامية في المرحلة السابقة إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير عن طريق الاتصال المباشر (الاتصال الشخصي- الاتصال داخل الجماعات الصغيرة- الاتصال الجمعي)، وقياس ردود أفعال الجمهور على هذه الرسائل، واكتشاف احتياجات الجمهور.

 ويستخدم قادة الرأي الرموز(اللغة) التي تتناسب مع الجمهور، مع الحرص على تبسيط هذه الرموز لتتناسب مع قدرتهم على الفهم، ومع احتياجاتهم التي تتناسب مع التحديات والزمان والمكان وطبيعة الأشخاص، مع إتاحة الفرص لهم لطرح الأسئلة التي تكشف اتجاهاتهم. 

في هذه المرحلة يقوم قادة الرأي بالعمل على اكتشاف قادة رأي آخرين لتوسيع الشبكة، والعمل على تأهيل قادة الرأي الجدد للمساهمة في نقل المعرفة والتأثير على الجمهور.. فكلما توسعت الشبكات وتزايد عدد أعضائها زادت إمكانيات نقل المعرفة والتأثير في الجمهور. 

3.في المرحلة الثالثة تكون قدرات القائمين بالاتصال على صياغة الرسائل التي تشبع احتياجات الجمهور قد تزايدت نتيجة المعلومات التي حصلوا عليها من قادة الرأي عن اتجاهات الجماهير واحتياجاتها.

 كما أن قادة الرأي قد حصلوا على تدريب مناسب خلال المرحلة السابقة، وتزايدت خبرتهم وقدرتهم على المشاركة في الحوار والنقاش واستخدام الرموز المناسبة.

كما توسعت الشبكات عن طريق اكتشاف مواهب جديدة؛ لذلك يمكن توزيع أعضاء الشبكات للتأثير على قطاعات وفئات معينة من الجمهور.

 كما يمكن أن تظهر قدرات قادة الرأي في استخدام الإنترنت في نقل الرسائل والتأثير على الجمهور، والمشاركة في شبكات تهتم بقضايا معينة مثل (حقوق الإنسان- البيئة- الاقتصاد- الديمقراطية.. إلخ). وهؤلاء يمكن أن يقوموا بدورهم في زيادة قوة الإسلام على شبكة الإنترنت، وفي المشاركة في الحوار والتعليق على الأحداث. 

في هذه المرحلة أيضا يمكن تطوير وظيفة قادة الرأي في إنتاج الرسائل؛ خاصة تلك التي يمكن بثها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.. حيث تكون قدراتهم على إشباع احتياجات الجمهور قد تزايدت، وتمكنوا من بناء صور عامة عن خصائص جمهورهم.

4.في المرحلة الرابعة تتزايد قدرات القائمة بالاتصال على صياغة رسائل متنوعة يحتاجها قادة الرأي في حوارهم مع الجمهور، وإشباع احتياجات قادة الرأي المتخصصين في قضايا معينة؛ حيث يتم توفير المعرفة لهم، بأساليب جديدة تساعدهم على صياغة رسائل متخصصة لجمهور محدد. 

كما تكون شبكات قادة الرأي قد تطورت وضمت كوادر جديدة قادرة على التأثير في الآخرين والحوار معهم، واستخدام الإنترنت في نقل الرسائل. 

كما يمكن أن يكون قادة الرأي أكثر قدرة على تشكيل شبكات جديدة. ومع توسع هذه الشبكات تتزايد القوة الإعلامية والمعرفية، وتتزايد فرص التأثير. 

تستمر المراحل حتى يتم تحقيق الهدف، وفي كل مرحلة يتم العمل على توسيع شبكة قادة الرأي وتطوير قدراتها على إنتاج الرسائل برموز تتناسب مع الجمهور المستهدف، مع تقسيم الجمهور إلى قطاعات.. كما تتطور قدرات قادة الرأي على المشاركة السياسية، والتفاعل مع الأحداث واكتشاف الفرص التي تتيحها التغيرات العالمية، وهي فرص كثيرة ومتجددة، وتحتاج إلى رسائل تتناسب مع هذه التغيرات. 

كما أن قدرات المخططين الاستراتيجيين للحملات تتزايد عن طريق دراسة رسائل قادة الرأي لهم، تلك التي توضح احتياجات الجماهير لرسائل تتناسب مع الأحداث والأزمات.

قيادة الرأي والقيادة المجتمعية

 قيادة الرأي مرحلة مهمة في حياة كل شخص يريد أن يصبح قائدا. وهناك اتجاه جديد في علم القيادة يقوم على أن التأثير في الجمهور هو الهدف الرئيس للقيادة، وهو الوظيفة التي يجب أن يقوم بها كل قائد.

 والتأثير على الجمهور يعتمد على المعرفة والخبراء والتفاعل والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات. لذلك يجب أن يمر كل قائد مرحلة قيادة الرأي التي تزيد قدراته ومهاراته في التأثير، ويجب تدريبه في هذه المرحلة وتدريبه القيام بوظائف مجتمعية وتأهيله للمشاركة السياسية.

 أولا- القيادة القائمة على المعرفة

 ترتبط القيادة بالمعرفة، وهناك نظرية مهمة في القيادة هي: القيادة القائمة على المعرفة؛ فالقائد يجب أن يحصل على المعرفة التي تؤهله لبناء الرؤية والرسالة وتحديد الأهداف.

 ومرحلة قيادة الرأي تؤهل الفرد للحصول على المعرفة ونشرها ونقلها للجماهير، واستخدامها في التأثير، وتعريف الجماهير بأن هذا القائد يمتلك المعرفة، وهذا يزيد مصداقيته وثقة الجمهور به. وكلما تمكن من نشر المعرفة تزايدت قدراته على القيادة المجتمعية؛ فالمشاركة السياسية تحتاج المعرفة، بل عمق المعرفة.

 وشبكات قادة الرأي يمكن أن تختار قياداتها، وتقدمهم للجماهير، وتزيد قدراتهم على التعبير عن احتياجات الجماهير، وتقديم حلول جديدة لمشكلاتها.

 كما أن المستقبل يحتاج إلى تأهيل قيادات جديدة تمتلك المعرفة، وتكون قد تمكنت من نشر هذه المعرفة لسنوات طويلة، وتقديمها للجماهير بأساليب متنوعة.

 وقيادة الرأي يمكن أيضا أن تفتح للدعاة الإسلاميين مجالات جديدة؛ فالخطابة نوع من الاتصال الجمعي، وكان هذا النوع من الاتصال من أهم مصادر قوة الحضارة الإسلامية؛ لكن السلطات في العصر الحديث أسهمت في تقليل قدرات الخطباء الرسميين على اختيار الموضوعات التي تهم الجماهير، وتشبع احتياجاتها للمعرفة.

ويوضح ذلك أن الشخص الذي يمتلك المعرفة لا يكون قادرا على أن يصبح قائدا مجتمعيا إذا لم يكن قادرا على استخدام هذه المعرفة وتوظيفها بكفاءة في اشباع احتياجات جماهيره، والتأثير عليها، ومعالجة المشكلات التي تواجهها. وفي الكثير من الأحيان يواجه الخطيب غضب الجماهير عندما يتحدث في موضوعات بعيدة عن اهتمامها. وهذا يفسر تناقص تأثير الخطباء الرسميين التابعين للسلطات، والذين يمارسون الخطابة كوظيفة وليس كرسالة.

 ماذا يعني ذلك؟ إن المستقبل يحتاج إلى نوعية من الخطباء يكونون قد قاموا بدورهم كقادة للرأي لفترة طويلة، وتعلموا كيف يقومون بإشباع احتياجات جماهيرهم للمعرفة التي تساعدها على مواجهة المشكلات والأزمات والتفاعل مع الأحداث.

 لذلك لا يمكن أن يصبح الخطيب قائداً مجتمعياً إلا إذا قام بدوره كقائد للرأي لفترة طويلة مهما كانت نوعية المعرفة التي يمتلكها.

 هذا يوضح أيضا ضعف قدرات المدرسين وأساتذة الجامعات في التأثير؛ فهم يمتلكون المعرفة، لكنهم لم يتمكنوا من القيام بدور قادة الرأي، واقتصر دورهم على نقل المعرفة المتخصصة للطلاب بأساليب لا تجذب الانتباه. كما فقدوا دورهم في تأهيل قادة الرأي والقادة المجتمعيين، وهي وظيفة أساسية للمدارس والجامعات.

 ويفرض ذلك تطوير القيادة التعليمية، وتطوير مناهج التربية للربط بين المعرفة المتخصصة، وتأهيل الطلاب ليكونوا قادة وليس مجرد موظفين.

 كما أن الشركات وعالم الأعمال أصبحت تحتاج إلى تطوير مهارات القيادة في الخريجين، وهذا يفتح مجالا جديدا لتطوير التعليم ووظائف المدارس والجامعات. هذا يعني أن قيادة الرأي يمكن أن تسهم في تطوير الكثير من المجالات؛ مثل: الدعوة الإسلامية، والتعليم، والتربية، ودور الحركات الإسلامية في بناء المستقبل.

ثانيا- قيادة الرأي وبناء رؤية القيادة

إن القائد يقزم ببناء الرؤية؛ تلك هي وظيفته الأولى.. لكن هناك الكثير من القادة الذين يستطيعون تقديم رؤية تشكل أساسا للتغيير وبناء المستقبل، لكنهم لا يستطيعون التعبير عنها بكفاءة وشرحها للجمهور وإقناع الناس بها.. لماذا؟

إن هذا يوضح أهمية مرحلة قيادة الرأي في حياة القائد؛ فهي تزيد قدرته على الاندماج في المجتمع والتفاعل مع الجمهور، والمناقشة والحوار.. لذلك تزيد قدرته على شرح رؤيته وجذب الناس لها.

وكثيرا ما يتم صياغة الرؤية بمصطلحات علمية صعبة، وبالرغم من أهمية هذه المصطلحات فإن الجمهور لا يفهمها، ولا يستطيع أن يتفاعل معها.. لذلك فإن القائد يجب أن يتم تأهيله في مرحلة قيادة الرأي لتبسيط المصطلحات وشرحها، واستخدام الرموز المناسبة.. لكن ذلك لا يعني التبسيط المخل الذي يجعل الجمهور يعتقد أن هذا القائد لا يمتلك العلم والثقافة والخبرة، فتتناقص ثقة الجمهور فيه.

لذلك تسهم مرحلة قيادة الرأي في زيادة قدرة القائد على استخدام الرموز المناسبة التي تثير الخيال، وتزيد الثقة.

هناك أيضا جانب مهم هو أن القائد كثيرا ما يتعامل باستعلاء واستكبار مما يجعل الجمهور يرفض الاستماع له مهما كانت أهمية الرؤية التي يقدمها.. لذلك تسهم مرحلة قيادة الرأي في زيادة قدرة القائد على التعامل مع جمهوره بتواضع وحب.. فهناك علاقة قوية بين اتجاه القائد نحو جمهوره وثقته فيهم وحبه لهم من ناحية، وقدرته على إقناعهم برؤيته، والتأثير عليهم.. وفي مرحلة قيادة الرأي يستطيع القائد أن يطور علاقته بجمهوره، فهذه المرحلة تقتصر على نقل المعرفة دون أن يشعر القائد بضغوط تقلل قدرته على التفاعل مع الجمهور.. لذلك تزداد قدراته في هذه المرحلة على بناء علاقة إيجابية مع جمهوره، ويشعر الجمهور بحبه لهم، فهو يقوم بنقل المعرفة لهم دون أن ينتظر جزاء أو يخاف عقابا.. فقيادة الرأي عمل تطوعي اختياري، وهو يقوم به حبا لجمهوره، ورغبة في تحقيق مصلحتهم وفتح آفاق جديدة أمامهم لبناء مستقبلهم.

وبهذا يكون قد مهد لنفسه الطريق لتقديم رؤيته كقائد مجتمعي، وشرح رسالته، فيقدمه الجمهور للقيادة.. لذلك يمكن أن يشكل العمل في مرحلة قيادة الرأي مرحلة ضرورية للترشيح في الانتخابات، وإعداد الكوادر للعمل السياسي.

ثالثا- قيادة الرأي والقيادة القائمة على المبادئ:

قيام القائد بوظيفة قائد الرأي لفترة طويلة يسهم في زيادة قدرته على بناء منظومة المبادئ التي يدافع عنها، ويستطيع شرحها لجمهوره.

فالمعرفة التي يقوم قائد الرأي بنقلها لجمهوره ترتبط بمبادئه، وكلما زاد تمسك القائد بمبادئه وإخلاصه لها زاد احترام الجمهور له. ويتضح ذلك في مرحلة قيادة الرأي، حيث ينطلق القائد من هذه المبادئ في تقديم نفسه للجمهور، وبناء صورته في أذهان جمهوره.

كما أن الجمهور يشعر بالإعجاب بالشخص الذي يضحي من أجل مبادئه، فالتضحية دليل على الإخلاص، ويشعر الجمهور بأنه لا يريد القيادة لتحقيق مصالح شخصية، بل من أجل تطبيق هذه المبادئ، كما أن ذلك يجعل الذين يؤمنون بهذه المبادئ يلتفون حوله.

وفي مرحلة قيادة الرأي تتضح سمة التماسك بالمبادئ والدفاع عنها والتضحية من أجلها، وتزداد قدرة القائد على إنتاج الرسائل التي تشرح هذه المبادئ وتوضح أهميتها وصلاحيتها للتطبيق، وقدرتها على الصمود في مواجهة المبادئ الأخرى.

 لكن ما مصدر هذه المبادئ؟

إن كل شخص يدعي أنه يمتلك مبادئ يعيش من أجلها ويدافع عنها، لكن تثبت الأحداث أن هذا المبادئ مجرد خليط من أفكار لا تتفق مع احتياجات الجماهير، ولا تسهم في بناء مستقبلها.

 لذلك تتضح أهمية استناد هذه المبادئ إلى مصدر تثق الجماهير في صحته وصلاحيته وحكمته.. وهذا يوضح أن الإسلام يمكن أن يكون المصدر الرئيسي لمنظومة من المبادئ التي يعبر عنها قادة الرأي في مرحلة مهمة من كفاح الأمة لبناء مستقبلها.

 لكن ذلك يحتاج إلى تدريب شبكة واسعة من قادة الرأي وتأهيلهم لشرح هذه المبادئ، وإقناع الجمهور بها، وتوضيح صلاحيتها لتقديم حلول جديدة لمشكلات العصر.. والجماهير التي تحتاج لهذه المبادئ سوف تقدم قادة الرأي الذين يعبرون عنها ليصبحوا القادة المجتمعيين لمرحلة جديدة، بعد أن اتضح فشل مشروع التنوير الأوروبي القائم على العلمانية والفردية والمادية.

إن هذا يفرض على الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين بشكل خاص؛ ضرورة شرح منظومة المبادئ الإسلامية، وتأهيل أكبر شبكة من قادة الرأي لشرحها للجمهور بأساليب جديدة وجذابة تتوافق مع احتياجاتها، وتقدم حلولا لمشكلاتها.. وقادة الرأي هؤلاء يمكن أن يتحول الكثير منهم إلى قادة مجتمعيين يقودون كفاح الشعوب.

 كما أن ذلك يسهم في بناء صورة إيجابية جديدة للإسلام وللحركة الإسلامية باعتبارها الحركة التي تدفع عن مبادئ الإسلام، وتوفر المعرفة عنها للجماهير، وتؤهل قادة الرأي لشرحها والتعبير عنها وتقديمها كأساس لمرحلة جديدة في كفاح الأمة لتحقيق الاستقلال الشامل.

 كما أن الجمهور في دول كثيرة (أفريقيا وآسيا) يحتاج إلى بديل للرأسمالية والعلمانية وأيدولوجية الاستعمار، ويمكن أن يتقبل المبادئ الإسلامية عندما يحصل على المعرفة الكافية عنها عن طريق شبكة من قادة الرأي الذين يجيدون شرحها برموز يفهمها هذا الجمهور.

 رابعا: قيادة الرأي والقيادة القائمة على الأخلاق

 كانت أهم المشاكل التي تواجه عملية إعداد القيادات وتأهيلها أن الجمهور فقد ثقته في الكثير من القيادات؛ لأنها تفتقد الأخلاق. فالكثير من القادة يستخدمون المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين ويعملون لتحقيق مصالح خاصة.

 هذا يوفر الكثير من الفرص لقادة جدد يربطون بوعي بين المبادئ والأخلاق الإسلامية.

 ومن أهم مميزات قائد الرأي أنه لا يعمل تحت ضغوط تجعله يتخلى عن الأخلاقيات، فهو يعمل لنقل المعرفة وشرح المبادئ، ولا يعمل لتحقيق مصالح خاصة، وبالتالي يكون أكثر قدرة على التمسك بالأخلاقيات الإسلامية؛ خاصة في الحوار مع الجمهور ومع المشاركين في شبكات قادة الرأي.

 كما أن تمسكه بالأخلاق في الحوار يجعله يكسب القلوب والعقول، وهذا يمهد له الطريق ليتحول إلى قائد مجتمع تثق فيه الجماهير. 

والإسلام يقدم للعالم منظومة أخلاقية تشتد حاجته لها..  لذلك يمكن أن يبني قادة الرأي الإسلاميون صورة إيجابية جديدة للإسلام عندما يتمسكون بأدب الحوار، واحترام الكرامة الإنسانية.

 والمعرفة ترتبط بالأخلاق، ذلك أنه من المهم التمسك بعرض الحقائق بدقة وصدق، وعدم إخفاء المعلومات، والدفاع عن الحق، ورفض الانحياز للباطل، أو الدفاع عن الطغاة أو الفساد.

وقائد الرأي يتمسك بهذه الأخلاق؛ فمهمته الرئيسية نقل المعرفة، وشرحها، وفي هذه المرحلة يتم تدريبه وتأهيله لشرح منظومة الأخلاق الإسلامية.

 هناك مشكلة هي أن الكثيرين يرون أن السياسة بلا أخلاق، وأنها تقوم على استخدام عناصر القوة والخداع والتزييف؛ وأن الإسلاميين الذين يتمسكون بالأخلاق لا يصلحون للعمل السياسي. وقد تم الترويج لهذه الفكرة خلال مرحلة طويلة؛ خاصة خلال الفترة التي أعقبت نجاح ثورات الربيع العربي.

 لكن التغلب على هذه الدعاية ومواجهتها يحتاج إلى العمل لزيادة وعي الجماهير بخطورة السياسة اللاأخلاقية، والنتائج السلبية لعمليات التزييف والخداع التي تعرضت لها الجماهير من الساسة الذين يتلاعبون بالرأي العام، ويوجهون الجماهير باستخدام الأكاذيب والخداع.

 وقادة الرأي الإسلاميين يمكن أن يقوموا خلال المرحلة القادمة بمواجهة هذه الفكرة، وإثبات خطورتها، ويكون تمسكهم بالأخلاقيات الإسلامية هو طريقهم لكسب العقول والقلوب.

 خامسا- قيادة الرأي وقيادة التغيير

 يتجه العالم إلى تغييرات شاملة في كل مجالات الحياة؛ لكن هذه التغييرات يمكن أن تحمل الكثير من المخاطر، كما يمكن أن تقدم الكثير من الفرص. لكن من المهم أن تقود الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) مخططا للتغيير يقوم على الكفاح لبناء المستقبل على أسس الاستقلال الشامل، وتحرير الإنسان من التزييف والخداع، وحماية دينه وعقله ونفسه وماله وعرضه؛ فتلك أهم أسس الحياة الرشيدة، بالإضافة إلى تحرير الأرض من الاحتلال، وتحرير الوطن الإسلامي من كل أشكال الاستعمار.

 نظرية قيادة التغيير يمكن أن تفتح مجالا لبناء المستقبل عندما يتم ربطها بقيادة الرأي، فالمعرفة أساس التغيير، وهي التي تشكل وعي الجماهير، وتزيد من قدرتها على الكفاح ورفض الوضع الرهن، والكشف عما تشكله العبودية للواقع من مخاطر على حياة الأمم.

 لذلك يجب أن يقوم قادة الرأي بتوعية الجماهير ليتمكنوا من قيادتها لتغيير الواقع، ومواجهة الاستبداد والطغيان. فعندما يوفرون المعرفة فإنهم يشكلون الرأي العام.

 وقادة الرأي يمكن أن يستخدموا الاتصال المباشر (الاتصال الشخصي- الاتصال داخل الجماعات الصغيرة- الاتصال الجمعي، بالإضافة إلى الإنترنت بكل ما يتيحه من إمكانيات لنقل المعرفة للجماهير، وإنتاج الرسائل التي يمكن أن تجذب انتباهها وتشكل وعيها.

 خاتمة

 الهدف الرئيس لهذه الدراسة هو إضاءة الطريق أمام الحركة الإسلامية لتدريب كوادرها وتأهيلها للقيام بوظيفة قيادة الرأي في المجتمع. فهذه الوظيفة تشكل أساسا لبناء المستقبل وتغيير الواقع بتوفير المعرفة للجماهير وزيادة وعيها.

و"الإخوان المسلمون" يوجد بها الآلاف من الكوادر التي يمكن تدريبها وتأهيلها للقيام بوظيفة قيادة الرأي، وزيادة قدراتها على الاتصال بالجماهير.

 وجماعة الإخوان المسلمين تمتلك خبرة تاريخية في استخدام الاتصال المباشر، وهذا النوع من الاتصال هو الأكثر تأثيرا، لكن هناك ضرورة لتوفير مصدر لقادة الرأي يحصلون منه على المعرفة التي يقومون بنشرها.. وهذا المصدر يمكن أن يكون قنوات تلفزيونية ومواقع على الإنترنت.

لذلك فإن بناء شبكة من قادة الرأي تتلقى الرسائل من هذه المصادر بشكل منظم، ونقلها إلى الجماهير يسهم في بناء القوة الإعلامية للإخوان المسلمين، ويوفر إمكانيات لبناء صورة إيجابية لها، كما يمكن استخدام الشبكة في توفير المعرفة للجماهير عن الإسلام وشرح المبادئ الإسلامية.

 وهذه الشبكة يمكن أن يتم توسيعها مع الزمن لتشمل الآلاف من الكوادر التي تقوم بعملية منظمة لتدفق المعلومات والمعرفة للجماهير وتوعيتها، وبناء صورة إيجابية للإسلام بشكل عام.

لكن ذلك يحتاج لتخطيط استراتيجي لبناء القوة الإعلامية والمعرفية؛ وفي إطار ذلك يأتي الهدف الثاني وهو تحويل قادة الرأي إلى قادة مجتمعيين يعبرون عن آراء الجماهير ويقودون كفاحها لتغيير الواقع.

 توصيات الدراسة:

1.أن تقوم الجماعة بتطوير مناهجها التربوية لتحويل كوادر الإخوان إلى قادة رأي، وتعليمهم مهارات الاتصال وأساليب التأثير في الجماهير وإقناعها، وفتح المجالات لقيامهم بهذه الوظيفة.

2.إنشاء معهد لدراسات الاتصال والإعلام والقيادة، فالربط بين هذه العلوم، وتدريب الكوادر في هذه المجالات يفتح المجالات لتوظيف الثروة البشرية واستخدامها في زيادة قوة الجماعة.

3.إنشاء وسائل إعلامية (قنوات تلفزيونية ومواقع على الإنترنت) تشكل مصدرا يحصل منه قادة الرأي الإسلاميون على المعرفة التي يقومون بنقلها للجماهير عبر الاتصال المباشر والإنترنت وسائل الإعلام الجديد.

4.العمل على زيادة قدرات الإخوان على المناقشة والحوار مع الآخرين، وصياغة الرسائل برموز تتناسب مع الجماهير، ونقل المعرفة التي تحتاج هذه الجماهير لها؛ خاصة خلال فترات الأزمات.

5.التخطيط الاستراتيجي طويل المدى لتحويل قادة الرأي إلى قادة مجتمعيين يقودون كفاح الجماهير.

6.إن هذا العمل يمكن أن يزيد فرص الإخوان للعمل في الشركات التي أصبحت تحتاج إلى قادة أكثر من حاجتها إلى مديرين، وبذلك يتم فتح مجالات جديدة أمامهم للحصول على فرص عمل، وتحقيق النجاح.

7.إنشاء مركز لدراسات المستقبل، واكتشاف الفرص التي تتيحها التغيرات العالمية، وتوظيف قادة الرأي الإسلاميين لتوفير المعرفة للجمهور بهدف قيادتها لتحقيق التغيير.

8.العمل على بناء شبكات من قادة الرأي في الدول الغربية، يهدف إلى بناء صورة إيجابية للإسلام عن طريق نقل المعرفة إلى الجماهير، واكتشاف خصائص هذه الجماهير وتصنيفها.. والعمل بشكل منظم ومخطط لتطوير هذه الشبكات وتوسيعها وتشجيع الإسلاميين على الانضمام إلى الشبكات النوعية التي تهتم بالعمل في مجالات معينة مثل: المجالات المهنية والنقابات والاتحادات التجارية.

9.توجيه الإخوان للالتزام بالمبادئ والأخلاقيات الإسلامية في حوارهم مع الآخرين، ونقل المعرفة لهم.

10.تشجيع الإخوان على القيام بوظيفة قيادة الرأي كمرحلة ضرورية للتحول إلى قادة مجتمعيين، والتفاعل مع الجماهير بشكل إيجابي يوضح الاحترام والحب للجمهور، والتعاطف مع مشاكلهم.

11.يشكل تحويل الكوادر إلى قادة رأي مرحلة ضرورية في التخطيط لاستثمار الثروة البشرية والفكرية والثقافية، ولتحقيق هذا الهدف يجب العمل على اكتشاف المواهب؛ خاصة في مجال الاتصال والتأثير على الجماهير وتنميتها وتطويرها وتوجيهها لدراسة مجالات معينة؛ حيث إن مصداقية قائد الرأي ترتبط بما يملكه من تخصص ومعرفة وخبرة.

12. إن فترة المحنة التي نمر بها يمكن استغلالها في تطوير قدرات الكوادر وتأهيلها للقيام بوظيفة قادة رأي، ونشر المعرفة. فمستقبل الدول يقوم على بناء المجتمعات المعرفية، وتطوير الاقتصاد القائم على المعرفة، وهذه الثروة البشرية يمكن أن تشكل الأساس لهذا الاقتصاد عندما تمتلك الجرأة على إنتاج أفكار جديدة وشرحها، وعندما يتم تشجيعها على الابتكار.

13[mq4] [mq5] [mq6] [mq7] [mq8] .تشجيع[mq9] [mq10] [mq11]  الكوادر على استخدام الرموز المناسبة للجمهور، ويدخل في إطار ذلك تعلم اللغات الأجنبية، والتفاعل مع الجماهير في الدول المختلفة.. فهناك الكثير من الشعوب تحتاج إلى المعرفة الإسلامية؛ لكنها لا تجد من يقومون بنقلها إليهم بلغاتهم. وفي الوقت نفسه تشجيع الكثير من الكوادر من هذه الدول على تعلم اللغة العربية.

 

الهوامش والمراجع

1.Weeks. Brian (et.al), online influence? Social media use, opinion Leadership and political persuasion, International Journal of Public opinion research VOL 29, No2, 2017.

2.Thorson. E, Beyond opinion Leaders Communication research, (41), 2014.

3. MCQuail. D, Mass Communication Theory, (Londen: Sage, 1994).

4. لمزيد من التفاصيل راجع: سليمان صالح، وسائل الإعلام والرأي العام، القاهرة: مفكرون الدولية للنشر والتوزيع، (٢٠١٩).

5. ⁠المرجع السابق نفسه، ص 424.

6. ⁠لمزيد من التفاصيل حول نظريات القيادة؛ انظر: سليمان صالح، نظريات القيادة: الأسس العلمية لإعداد قادة المستقبل، القاهرة: مفكرون الدولية للنشر والتوزيع، (2020).


.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم