fdss التربية الإسلامية - القوة الرمزية للقيادة : دراسة تطبيقية على قصة الشيخ أحمد ياسين

مقالات تربوية

القوة الرمزية للقيادة : دراسة تطبيقية على قصة الشيخ أحمد ياسين

القوة الرمزية للقيادة : دراسة تطبيقية على قصة الشيخ أحمد ياسين

الشيخ أحمد ياسين

                            (1-3)

القوة الرمزية للقيادة : دراسة تطبيقية على قصة الشيخ أحمد ياسين

الشيخ أحمد ياسين علم الأحرار: عندما تملك الإرادة تغير الواقع وتبني المستقبل

 

لماذا قصفت إسرائيل شيخًا على كرسيه المتحرك بصاروخ ، لحظة خروجه من صلاة الفجر ليشاهد العالم جريمة إسرائيل ضد الحضارة والإنسانية؟ ماذا كسبت دولة الاحتلال وهي تستخدم قوتها الغاشمة لتقتل هذا الشيخ؟ وما الذي يجعلها تشعر بالخطر، وتعدُّ أن هذا الشيخ أحمد ياسين أقوى منها ؟

الإجابة عن تلك الأسئلة تفتح لنا آفاقا جديدة لبناء القوة، ومواجهة التحديات، وإعداد القيادات، وتربية الشباب وتأهيلهم للمستقبل، لكن أطلق معي لخيالك العنان لتكتشف الحقائق.

يوم استشهاد الشيخ أحمد ياسين كتبت مقالا أطالب فيه بتحويل قصة الشيخ إلى مسلسل تليفزيوني، وبدأت أستعد لكتابة القصة، بالرغم من أنني أعرف أن السلطات العربية لن تسمح بإنتاج هذا المسلسل، ولن تجرؤ شركة إنتاج على مجرد التفكير في هذا الأمر بالرغم من أن القصة تثير خيال الأحرار في العالم كله، وتجذب قلوبهم، وتقدم لهم نموذجا إنسانيا لمقاتل من أجل الحرية؛ وأن القصة حق لكل الشعوب التي تحلم بالتحرر من الاحتلال والطغيان.. وعلى ضوء تلك القصة يمكن أن ينتج الأحرار في العالم الكثير من الأفكار التي تسهم في تحقيق حلم التحرير.. وإذا كان مانديلا قد خرج من سجنه ليحول حلم شعبه إلي حقيقة ويحرر جنوب أفريقيا من التفرقة العنصرية (الأبارتايد) فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد قتلت الشيخ أحمد ياسين بصاروخ لتقطع الطريق علي شعب فلسطين، وتمنعه من تحقيق حلمه في تحرير أرضه .. لكن مشهد استشهاد الشيخ يمكن أن يحمل لأجيال جديدة من المقاتلين من أجل الحرية رموز الحرية والتحرير والإرادة والإصرار وتحدي القوة الغاشمة .. وتلك الرموز تتحول في وعي الشعوب إلي أسلحة أقوى من صواريخ إسرائيل، وستكسر يومًا كبرياءها وغطرستها.

 

 

القوة الرمزية للقيادة تشكل المستقبل

وهنا نصل إلى هدف هذا الحديث، فلكي تنتصر الأمة يجب أن تحول رموزها إلى مصدر للقوة، وتستخدم هذه الرموز في بناء شرعية حلمها بالحرية والتحرير، وتثير بها الخيال، فالرموز أساس القوة، وهي التي تبرر استخدام القوة وتشحذ الهمم والعزائم .

لذلك صك عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو مفهوم القوة الرمزية، وعرفها بأنها قدرة الفاعلين الاجتماعيين ومن بينهم القادة على فرض أنواع من الإدراك والتصنيف والتأويل، أي أن القائد يمارس سلطة من خلال التحكم في اللغة والمعرفة والرموز مما يجعل الجماهير تري في سلطته أمرًا مشروعًا.

تطوير المفهوم: رؤية جديدة

لكن هذا المفهوم خرج من ضيق علم الاجتماع إلى فضاء علوم السياسة والقيادة والاتصال والإعلام، وتم توسيعه ليشكل أساسا لبناء القوة والشرعية. 

فالقائد الذي يتمكن من أن يغرس شعاراته في وعي الجماهير يمتلك قوة رمزية أكبر من سلطته القانونية ، أو قوته المادية الصلبة، والتاريخ يقدم لنا نماذج لقادة امتلكوا قوة رمزية جعلت قيادتهم فعالة مع أن مواردهم محدودة، ولذلك حققوا انتصارات علي القوة الصلبة الغاشمة.. وعلى سبيل المثال تمكن الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية من تحويل فكرة الحلم الأمريكي إلى مصدر للقوة الأمريكية ووسيلة لتوحيد الشعب الأمريكي.

كما يمكن أن يتحول القائد نفسه إلى رمز للتحرر وتحقيق الحلم، وكان مانديلا من أبرز النماذج لذلك، فقد تحولت سيرته وسجنه ومقاومته إلى مصدر قوة لدولة جنوب أفريقيا وبناء مكانتها العالمية.

كيف نطور نظرية لقيادة حركات التحرير

وحركات التحرير تحتاج إلي استثمار رموزها وتفعيلها وتحويلها إلي مصادر قوة، فالرموز تحتل مكانها في الكفاح، وفي إدارة الصراع، لذلك يعتمد قادة هذه الحركات علي المعاني والرموز والقيم واللغة أكثر من اعتمادهم على القوة المادية الصلبة (القوة العسكرية والأسلحة والجيوش والمال والموارد)، وكل حركات التحرر تعاني من ضعف هذه الموارد، ولكنها تنتصر في النهاية كما حدث في الجزائر وفيتنام وأفغانستان، وكما سيحدث قريبًا للمقاومة الإسلامية في فلسطين.

لذلك فإن قادة حركات التحرر تقاس قوتهم بقدرتهم على إنتاج الرموز والمعاني والخطاب الذي يشكل الاقتناع بعدالة القضية، ويؤكد على شرعية الكفاح المسلح ضد المحتل، ويخاطب وجدان الجماهير، ويحرر الشعوب من أسر الخوف من قوة الأعداء الغاشمة.. كما أن خطاب القادة هو الذي يمنح أفعالهم قبولا اجتماعيًّا وسياسيًّا، ويعيد تشكيل وعي الناس وتصوراتهم للواقع .. ولذلك أصبح تحليل خطاب القادة علما من أهم مقارباته اكتشاف الرموز، لقياس القوة الرمزية لهؤلاء القادة.

اغتيال الرموز .. لماذا ؟

دراسة التاريخ توضح أن القوى الاستعمارية ودولة الاحتلال الاسرائيلي تقوم باغتيال القادة الذين تدرك قوتهم الرمزية من خلال تحليل خطاباتهم، وهي تدرك جيدًا خطورة هذه الرموز، وأن القوة الرمزية يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا من القوة الصلبة، وعلى سبيل المثال قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال خليل الوزير (أبوجهاد)،  والشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، وإسماعيل هنية، وانتهكت سيادة قطر بهدف اغتيال القادة الفلسطينيين الذين يشكلون وفد المفاوضات .. كما دبرت إسرائيل وأمريكا والنظم الديكتاتورية في المنطقة الانقلاب على الرئيس محمد مرسي واغتياله بعد أن قامت بتحليل خطابه ، وأدركت استخدامه للرموز، وأنه يتمتع بقوة رمزية تعبر عن حلم شعب مصر في الحرية والديموقراطية والاستقلال الشامل والعدالة.

بناء نظرية جديدة للقوة الرمزية للقيادة

في ضوء دراستنا للتاريخ ، فإننا يمكن أن نطور نظرية جديدة للقوة الرمزية للقيادة تقوم على الأسس التالية:

1-إن القائد يستطيع أن يحقق القوة من خلال استخدامه للغة ، وبناء خطاب يستهدف إقناع الجماهير والتعبير عن حلمها بالحرية والتحرير .

2- إن الرموز التي يستخدمها القائد يجب أن تستند إلى قيم دينية وأخلاقية ووطنية .

3- إن الرموز تمنح القائد المكانة والشرعية حتى بدون أن يمتلك سلطة ، وهذا يوضح لنا ضرورة التمييز بين السلطة والقيادة ، فهناك قادة لم يمتلكوا سلطة لكنهم أثروا على حركة شعوبهم ، ودافعوا عن حقوقها وحققوا انتصارات عظيمة ، وهناك من امتلكوا سلطة لكنهم لم يصبحوا قادة ، ولن يكونوا سوى طغاة يرغمون شعوبهم على الخضوع والخنوع .

وهذا يدفعنا إلى البحث في مفهوم آخر هو مفهوم " الأستاذية " حيث يمكن أن يصبح الإنسان "أستاذًا" لشعبه عندما يقوم بصياغة خطاب يعبر عن أشواق شعبه للحرية والتحرير، فترتبط قيادته بالرموز التي يمثلها. ويشكل الشيخ أحمد ياسين نموذجًا مهمًّا للقائد الذي امتلك قوة رمزية بصياغته لخطاب أخذ طريقه إلى قلوب الكثير من تلاميذه الذين أبدعوا في ابتكار أساليب المقاومة، واستخدام الرموز.

4-ترتبط القوة الرمزية للقائد بفصاحته القيادية اللغوية والتي تعني استخدام اللغة بشكل يبرهن على أصالته وانتمائه لشعبه وحضارته، فالكلمات هي أهم الرموز  التي يستخدمها القائد، وكلما تمكن من استخدام اللغة بكفاءة زادت قوته الرمزية، وعدم القدرة على استخدام اللغة والتعبير بالكلمات عن المعاني وتشكيل الرموز دليل على جهل صاحب السلطة وعدم أهليته للقيادة. 

5-باستخدام الرموز يمكن تحويل القوة السياسية إلى قوة شرعية، عن طريق إقناع الشعب بأن القائد يعبر عنهم ويدافع عن حقوقهم ويكافح لتحقيق حلمهم.. ويعمل لتحقيق الصالح العام. 

6-لا تقوم القيادة على القوة المادية وحدها، بل تستند إلى بعد رمزي يمنحها شرعية وعمقًا يتجاوز حدود القرار السياسي أو العسكري. فالقائد الناجح هو مَنْ يمتلك القدرة على إعادة تشكيل وعي الجماهير، وبناء معانٍ وقيم تجعل سلطته مقبولة ومشروعة.. وهذا يؤكد أن الرموز والمعاني قد تكون أقوى من كل الأسلحة وكل عناصر القوة الصلبة  في ترسيخ مكانة القيادة وبناء شرعيتها..

7-إن  القائد لا يفرض سلطته بالقوة المادية فقط، بل عبر امتلاكه "رأسمال رمزي" يتمثل في المكانة، والشرعية، والقدرة على إنتاج خطاب مقنع. 

والقيادة  الرمزية هي القدرة على إنتاج الرؤى والمعاني والرموز التي تشكل كفاح الشعب لتحقيق أهداف عظيمة . 

كما أن القيادة الرمزية تمنح الجماهير القدرة لفهم العالم بما يخدم مشروع القائد.

علاقة الخطاب بالهوية 

وهناك علاقة قوية بين الهوية والرموز التي يستخدمها القائد في خطابه، فهذه الرموز تشكل الوعي الجمعي بالهوية، وتؤكد اعتزاز الشعب والقيادة بها ، والهوية تسهم في تماسك المجتمع وتوحده .. وتلك من أهم مقومات القيادة الشرعية، فكلما تمكن القائد من التعبير عن الهوية زادت قوته الرمزية.

وترتبط الهوية بالدين واللغة والتاريخ والحضارة والكفاح لتحقيق أهداف عظيمة ، ويزداد شعور الشعب بحاجته لقائد يدافع عن هويته كلما كان هناك عدو خارجي ، وبينما يعمل القائد الشرعي لاستخدام الرموز لزيادة اعتزاز الشعب بهويته يعمل الأعداء على تغييب وعي الشعب بهويته لتقليل قدرة الشعب على الكفاح ومواجهة التحديات، ولذلك يتزايد في العالم المعاصر صراع الهويات، وتزداد القوة الرمزية للقادة كلما تمكنوا من الدفاع عن هوية شعبهم.. كما ترتبط الهوية بمنظومة قيم وأخلاقيات مثل الحرية والعدالة.

القوة الرمزية للقيادة والخيال الجمعي

ترتبط القوة الرمزية للقيادة ببناء الخيال الجمعي للشعب بحيث يدرك أنه يستطيع أن يفعل ويفرض إرادته ويحقق إنجازات وانتصارات، وأنه يستطيع أن يبدع ويبتكر ويخطط ويطور أساليب جديدة للمقاومة، ويبني القوة.

ويوضح التاريخ الإسلامي أن هناك الكثير من القادة استخدموا الرموز الإسلامية في بناء القوة وتحقيق الانتصارات، لكن ذلك يحتاج إلي دراسات أخري، وسنكتفي في هذه الدراسة بنموذج الشيخ أحمد ياسين.                                                                                                            

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم