Business

وقفات تربوية مع تشريعات الحج

 

كثيرة هي الوقفات التربوية التي يمكن ان نستوحيها من تشريعات الحج ، وسيظل العلماء كل يدلو بدلوه مستنبطا الدروس التربوية من تلك الشعائر .

و هذه وقفات مقتضبة أشار فيها الدكتور ناصر بن سليمان العمر إلى دروس تربوية ينبغي أن نستوعبها، يمليها علينا موسم الحج في كل عام، ، ومنها:

 

  • أن الله عز وجل أمر بإتمام الحج والعمرة، كما في قوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وأشار إلى معنى إيجاب الإتمام في قوله: {الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ...} [البقرة: 197]؛ قال العلماء: أي أوجب بإحرامه حجًّا، وفيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه، وهذا التشريع للإتمام - وإن كان الحج تطوعًا أو العمرة نافلة - فيه تربية للمسلم على التزام أي عمل إيجابي يَشْرَع فيه ويكون في تركه: فساد، أو ترك ثغر للأعداء، أو ثلمة قد تؤثر في كيان المجتمع المسلم.

 

  • قصر العمل على الله و لله، فقال: {وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فهو عمل لله وحده، وفي هذا تأكيد على الإخلاص فيه، وذلك أن الحج كله تجريد للتوحيد، كما قال جابر رضي الله عنه: «فأهل بالتوحيد»، فالحج المعتبر ما كان لله وحده، فاحذر أن لا يخالط حجك ما يبطله من رياء وسمعة وإعجاب، وتفقد قلبك عند كل شعيرة ومنسك، بل إن كنت ذا جدة فلا تقصد مع الحج ولو لمباح من نحو تجارة فذلك أكمل لحجك وأبر لك عند ربك كما قرره العلماء.

 

  • جعل الله تعالى الحج أشهرًا، وذلك في قوله عز وجل: {الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْـحَجِّ} [البقرة: 197]، وهذه الأشهر قللها ربنا تسهيلًا على النفوس ما منعها فيه أو غلظه، وقد قللها من ثلاثة أوجه فقال: «أشهر»، ولم يقل شهور فعبر بجمع القلة، ثم قال: «معلومات»، وهذا جمع سالم وهو من جموع القلة أيضًا، ثم قال: «فيهن»، والعرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة «فيهن» فإذا جاوز هذا العدد قالوا «فيها»، ومع هذا التقليل يريد بعض الحجاج اختصار أشهر الحج في ساعات! فيبحثون عن شواذ الفتاوى، ويخالفون الجماهير بها، بدعوى التيسير، وهو التساهل والتقصير، وإلاّ! فشريعة الله الميسرة جعلت الحج أشهرًا، والواجب أن نرضى وتنشرح نفوسنًا باتخاذ محمد رسولًا نقتدي به ونتأسى بفعاله، ونأخذ عنه مناسكنا.

 

  • المتأمل لآيات الحج يلحظ تكرر ورود التكبير، وذكر الله عز وجل، والتركيز فيها على التقوى وعمل القلب، كما في قوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج:37]، وقال في الآية قبلها: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْـمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْـمَشْعَرِ الْـحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَـمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]، وقال في الآية بعدها: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ}، وقال في الآية التي بعدها: {فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}؛ وذلك لأن أغلب مناسك الحج ارتبطت بمظاهر وجمادات محسوسة، فلئلا يتعلق القلب بشيء منها، أو يعتقد فيها ضرًّا أو نفعًا، وينصرف عن المقصد الأعظم من الحج، الذي هو تحقيق الإيمان والتقوى، وتجريد التوحيد الذي يعلن به الحاج ويرفع به صوته في أثناء تردده بين مناسكه حينما يجهر بالتوحيد ملبيًا: لبيك الله لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

 

  • أباح الله التجارة في الحج، {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 198]، روى البخاري: عن ابن عباس، قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواق الجاهلية، فتأثَّموا أن يتجروا في المواسم فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ} في مواسم الحج.

 

  • من أعمال البر في الحج إطعام القانع والمعتر، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْـمُخْبِتِينَ) الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْـمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الحج: 34، 35]، ويدخل في جملة ذلك تيسير أعمال المناسك للحجيج.

 

  • أخيرًا: شرع الله الاستغفار والدعاء في خواتيم كثير من العبادات ومنها الحج، قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 199، 200]، وذلك أنّ الحاج قد يغشاه فرح وسرور بعد أداء تلك المناسك، وقد يصاحب ذلك إعجاب بعمله، إذ قد أنجز تلك الأعمال العظيمة في فترة وجيزة، مع مشقة ظاهرة، فجاء الأمر بالاستغفار ليستصحب التقصير الذي لا ينفك عنه عمل، فيتلاشى الإعجاب والزهو، ويبقى الرجاء يضفي على الفرح اعتدالًا.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم