Business

سنن منسية في العيد

العيد مساحة للفرح والأمل والتفاؤل، وفيه يجدد المؤمن فرحته بانتمائه إلى الدين، وعيد الفطر أو كما يُطلق عليه البعض اسم العيد الصغير، يملك خصوصيةً كبيرةً في النفوس، إذ أنه يأتي بعد انقضاء عبادة شهر كامل، ألا وهو شهر رمضان المبارك، ففي هذا الشهر الكريم يجتهد المسلمون في العبادة من صيامٍ وصلاة وصدقات، ولهذا يكون عيد الفطر هو يوم الفرح الكبير بالنسبة لهم، وهو يوم الجائزة كما وصفه الرسول ﷺ.

كما شرع الله فيه التوسعة على الأهل بأنواع الطيبات من المآكل والمشارب، والإحسان بالزوجة وإدخال السرور عليها، وغمرها بالعطف والمودة الزائدة في هذا اليوم، ويلحق بالعناية بالزوجة العناية بالأولاد وإدخال السرور عليهم ولو بضحكة ولو بقبلة على جبين ولدك، كما شرع صلة الأرحام ورحمة الجيران والتواد معهم.

غير أن مظاهر الحداثة أنستنا بعض السنن التي استحبها الشرع في هذا اليوم– خاصة في عيد الفطر المبارك– ومنها:

  • الأكل في عيد الفطر قبل الخروج للصلاة: يُسَنُّ للمسلم أن يأكل تمرات وترًا قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر؛ مبادرة إلى فطر هذا اليوم الذي أوجب الله فطره، وتمييزًا لهذا اليوم بالأكل عن الأيام التي قبله، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمرَاتٍ»، (أخرجه البخاري). وعن بريدة رضي الله عنه قال: «كان النبي ﷺ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع؛ فيأكل من نسيكته، والسنة أن يأكل التمر ويكون وترًا».
  • الصلاة في الخلاء: كانت من السنن المنسية حتى وقت قريب، حتى أن كثيرًا من العلماء والناس يفتي بعدم الصلاة في الخلاء، غير أن الأفضلية تكون لصلاة الخلاء عن المساجد- إذا كان الجو ملائمًا– وذلك لاجتماع أكبر عدد من المسلمين رجالًا ونساءً وأطفالًا في هذا المكان لإظهار الفرحة وشهودها، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: إن الحكمة من صلاة العيد في العراء هي أن مكانة الصلاة نفسها، وكذلك شهود مشهد للخير وجماعة المسلمين في أبهى حُلَلِهِم.
  • الذهاب إلى المصلى سيرًا على الأقدام: روى ابن ماجه عن ابن عمر قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشيًا، ويرجع ماشيًا»، (حديث حسن). وحيث يظهر فيه الجميع سواسية، فلا يتأثر الفقير حينما يرى الأغنياء يتجهون بسياراتهم، أضف لذلك التواد والتراحم والألفة بين الجميع أثناء السير، ومهابة المنظر حينما يخرج الجميع سيرًا إلى مصلى العيد، هذا إذا كان مصلى العيد قريبًا ولا يشقُّ المشي إليه؛ فإن احتاج إلى ركوب إحدى وسائل المواصلات فلا حرَج في ذلك، روى الفريابي عن سعيد بن المسيب أنه قال: «سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال»، (إسناده صحيح).
  • الخروج إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى: من السنة أن يذهب المسلم إلى مصلى العيد من طريق، ويعودَ من طريق آخر، روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيدٍ خالفَ الطريق» (البخاري). والحكمة في ذلك كما قال العلماء: أن يشهد له الطريقان.
  • خروج النساء والصبيان إلى المصلى: فرضت الأوضاع التي ابتليت بها الأمة في العصر الحديث من احتلال ومحاربة لمظاهر التدين عدم إقامة شعائر الإسلام على الوجه الحق، وإن كانت الأوضاع أصبحت أفضل حالًا عن ذي قبل، غير أن كثيرًا من الناس يتحرج من تنفيذ سنة ووصايا النبي ﷺ خاصة السماح للنساء للخروج لمصلى العيد، أو تحرج العديد من النساء للخروج، على الرغم من كونها وصية من وصايا الرسول أن يشهد العيد الجميع بما فيهم الحائض على أن تعتزل المصلى فحسب، فديننا الإسلامي الحنيف يساير الفطرة البشرية السليمة، فأباح للنساء- حتى الحيَّضِ منهن- الذهاب إلى المصلى، على أن ألا تخرج المرأة متبرجة ولا متعطرة، ولا بثياب تلفت أنظار الرجال إليها، ولا تختلط بالرجال من غير المحارم، ولا تصافح غير محارمها، ولا ترفع صوتها بالتكبير إلا بقدر ما تُسمع نفسها أو مَن معها من النساء أو من محارمها، روى البخاري عن أم عطية قالت: «كنا نُؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرِج البِكْر من خِدْرها، حتى نُخرج الحُيَّض، فيَكنَّ خلف الناس فيُكبِّرن بتكبيرهم ويَدعون بدعائهم؛ يَرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته»، (البخاري).
  • الجهر بالتكبير حتى خروج الإمام لصلاة العيد: فقد كان الصحابة يكبرون أثناء توجههم للمصلى، وإذا كانوا في المصلى. فقد روى البيهقي عن عبد الله بن عُمر: «أن رسول الله ﷺ كان يَخرج في العيدين مع الفضل بن عباس، وعبد الله، والعباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن ابن أم أيمن، رضي الله عنهم، رافعًا صوته بالتهليل والتكبير»، (حديث حسن)، وهي من السنن التي يتحرج الكثيرين فعلها أثناء توجههم للمصلى، وللتغلب على ذلك السير في جماعات أثناء التوجه للمصلى رافعين أصواتهم بالتكبير. فروى الدارقطني: «أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام» (صحيح).
  • التبكير إلى مصلى العيد: أصاب الناس في الآونة الأخيرة آفة التأخر في صلاة العيد حتى يكبر الإمام للصلاة، فتجد الجميع يهرول حتى يلحق بالتكبير في مشهد حزين، مع العلم أن مما ورد عن الصحابة في سيرهم هو التبكير إلى مصلى العيد والسير باطمئنان. قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع قال: «كان ابن عمر يصلي الصبح في مسجد رسول الله ﷺ، ثم يغدو كما هو إلى المصلى»، (إسناده صحيح). وقال الإمام البغوي: «يُستحب أن يغدوَ للناس إلى المصلى بعدما صلَّوا الصبح لأخذ مجالسهم»، (شرح السنة للبغوي).
  • عدم إلقاء خطبة العيد على منبر: فلم يكن النبي ﷺ يخطب العيد للناس على منبر على الراجح. فعن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم؛ فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف»، قال أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال أبا سعيد: قد ذهب ما تعلم، فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.

ويقول ابن رجب رحمه الله: «كان أكثر خطبه ﷺ على المنبر في المسجد، إلا خطبه في العيدين وفي موسم الحج ونحو ذلك» (فتح الباري).

  • الصلاة في البيت بعد العيد: من السنن المنسية أن يصلى المرء ركعتين في بيته بعد عودته من صلاة العيد، فعن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله ﷺ لا يُصلّي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صَلّى ركعتين»، (أخرجه ابن ماجه وأحمد وابن خزيمة والحاكم والسيوطي)، غير أن بعض العلماء لم يعتبروها سنة ولم يأت بها كثير من الصحابة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم