لم يكلف الله تعالى الناس هذا الدين لإنزال الحرج بهم، أو تحميلهم ما لا يطيقون من الأعمال، بل كلفهم الله هذا الدين رحمة بهم، ولإتمام نعمته عليهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: «مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (المائدة: 6).
وقد مضى أن الجهاد معناه بذل الجهد والطاقة والوسع ومشروط بالممكن من العلم والقدرة، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم، كالمجنون والطفل ولا تجب على من يعجز، كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد.
وقد نشط الأستاذ البنا تربية أتباعه على هذه المعاني والتي تمثلت في عبد الله ابن أم مكتوم حينما دفع بكل قوته ليكون حاملا لراية المسلمين في معركة القادسية وهذا ما تربى عليه أتباع حسن البنا.
ففي حرب فلسطين عام 1948م كان الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي من أصحاب الأعذار الواضحة، ولكنه أصر وجادل إخوانه أن يشارك في الجهاد بأي شيء، فأجابوه: «إنك صاحب عذر ورفع الله عنك الحرج، فأجابهم: «ألا تحتاجون في حربكم جمالا وحميرا تحملون عليها متاعكم، اعتبروني جملا أحمل لكم أمتعتكم إن لم أستطع القتال».
تعقيب:
الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي ولد عام 1914م بشعشاع بالمنوفية وتخرج في كلية أصول الدين؛ وكان كفيفا والتحق بجماعة الإخوان المسلمين عام 1929م حيث يعتبر أحد مؤسسي شعبة القاهرة مع عبد الرحمن البنا، أخو أ/ البنا، وأصبح خطيب الجماعة المفوه، وحينما أنشأ أ/ البنا قسم الأخوات أصبح الشيخ مسئولا عنه، فعلى به واهتم بشئون المرأة، وظل على عهده حتى مات الإمام حسن البنا، فاعتقل الشيخ ولم تشفع له عيناه، ثم خرج ليعتقل على يدي عبد الناصر ويظل في السجن ما يقرب من سبع سنوات. ولقد كان الوحيد الذي جاهر من فوق المنبر باستشهاد الإمام البنا حينما خطب من فوق منبر الجامع الأزهر قائلا وبأعلى صوت: «مات الشهيد حسن البنا»، كما كان له دور كبير في التصدي لحملات التبشير في مصر وظل يعمل في خدمة دعوته حتى توفاه الله عام 1974م.
.