نتائج التربية المجتمعية لجماعة الإخوان المسلمين على المستوى العالمي

نتائج التربية المجتمعية لجماعة الإخوان المسلمين على المستوى العالمي

د. همام سعيد

بقلم : الدكتور همام سعيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فلبيان دور الإخوان المسلمين في التربية المجتمعية العالمية، لا بد أن نضع هذا الدور في مكانه الصحيح من حركة الأمة عبر تاريخها الطويل من مبعث نبيها ﷺ إلى زمن حاضرها، ورأيت أن سورتي الإسراء والجمعة قد جاء فيهما بيان أدوار الأمة من حيث نهوضها وكبوتها، ففي سورة الإسراء كان الكلام مباشرًا عن بني إسرائيل، وبالتضمن جاء الكلام عن هذه الأمة، فعندما قال الله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: 4-7]، فالكلام المباشر عن إفساد بني إسرائيل وعلوهم، والكلام المتضمن عن قيام الأمة المسلمة في مواجهة هذا الإفساد في مرتين رئيستين من هذا القيام، إذ أن الظهور على بني إسرائيل في المرتين لا يعني انتصارًا في معركةٍ أو في شأنٍ من شؤون القوة، وإنما كان هذا الانتصار انتصار المنهج، ونستطيع القول: إنه انتصار استراتيجي.

ولقد بينت سورة الإسراء جوانب كثيرة من هذا الانتصار المنهجي، عندما يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]، وعندما يقول سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، وعندما يقول: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78]، وعندما يقول: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الإسراء: 105]، وغير هذه الآيات كثير مما يبينُ جوانب التربية المجتمعية العالمية المطلوب تحقيقها كي يتحقق للأمة الظهور على سائر الأمم، وفي مقدمتهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا.

وفي هذا السياق جاءت سورة الجمعة التي تكلمت عن مرحلة ظهور الأمة وامتلاكها لأسباب القوة والعزة، بقيادة رسولها ﷺ، وصحبه رضي الله عنهم، والتابعين وتابعيهم بإحسان، قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 1-2]، ففي هاتين الآيتين بيانٌ لفترة الظهور الأُولى، وهو ظهور على مرحلة الأمية في الأمة، لأن الأمية ليست أميةَ الحرف والقلم، وإنما هي أمية الدين والفكر والمنهج، فأقام رسول الله ﷺ منهجه في الحياة ليكون ذلك نصرًا استراتيجيًّا على جميع الأمم والمناهج.

ثم تكلمت السورة عن الظهور الثاني في قوله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الجمعة: 3-4]، ثم ربطت السورة هذين الظهورين في مواجهة اليهود.

ولقد أصاب هذه الأمة بعد نهضتها ما أصابها من القعود والضعف والهوان أحيانًا، والتخلف عن ماضيها التليد، وإخلالها بالمنهج القويم، وهو ما بيَّنه ﷺ عندما قال في الحديث جوابًا على سؤال حذيفة: هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قال هل بعد هذا الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دَخَن»، وهو تعبير عن نقصان في حالة الأمية الاستراتيجية، أو في حالة الظهور التي كانت عليها.
واجتمعت السورتان في بيان مرحلة جديدة من مراحل ظهور هذه الأمة وعلوِّها في المنهج والاستراتيجية، وقد بيَّن رسول الله ﷺ هذا التجديد في المنهج في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول: كان رسول الله ﷺ إذا ذهب إلى قباء يدخل على ‌أم ‌حرام ‌بنت ‌ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطعمته فنام رسول الله ﷺ، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة  - أو قال مثل الملوك على الأسرة-» قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة» فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم؟ قال: «أنتِ من الأولين»، فركبت البحر زمان معاوية، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. وفي رواية: «أناسٌ من أمتي عُرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة».
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هُريرةَ، رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله ﷺ أَتى المَقبُرةَ، فقال: «السّلامُ عليكُم دارَ قَومٍ مُؤمنينَ، وإنّا إن شاءَ اللهُ بكُم لاحِقُون، ودِدْتُ أنّا قد رَأَينا إخوانَنا»، قالوا: أَوَلَسْنا إخوانَك يا رَسولَ الله؟ قال: «أَنتُم أَصحابي، وإخوانُنا الذينَ لم يأْتُوا بعد»، فقالوا: كيف تَعرفُ مَن لم يأتِ بعدُ من أُمَّتك يا رسولَ الله؟ فقال: «أرأيتَ لو أنَّ رَجلًا له خَيلٌ غُرٌّ مُحجَّلةٌ بينَ ظَهرَي خَيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألَا يَعرفُ خَيلَه؟» قالوا: بلى يا رَسولَ الله. قال: «فإنَّهم يأتُونَ غُرًّا مُحجَّلينَ مِن الوُضوء، وأنا فَرَطُهم على الحَوض، ألَا لَيُذادَنَّ رجالٌ عن حَوضِي كما يُذادُ البَعيرُ الضّالُّ، أُنادِيهم: ألَا هَلُمَّ، فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدَك، فأَقول: سُحْقًا سُحْقًا». ففي هذا الحديث بيان للمرحلتين الواردِ ذكرهما في حديث أنس عن ركوب البحر الأخضر، أي: السيادة على البحر.

ملامح مرحلة الظهور الثاني:

ولو تساءلنا: ما أهم مظاهر هذا الظهور؟ ونعني: المظاهر الجديدة الحادثة، لأن المظاهر الأولى ما زالت وستبقى قائمةً عاملةً في بناء الأمة، وهذا دور القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، ولكن إن تتبعنا المظاهر الجديدة المؤثرة في تربية الأمة على اختلاف أقطارها وألوانها ولغاتها لوجدنا أن جماعةَ الإخوان المسلمين هي الأظهر من بين هذه الجوانب، فقد جددت هذه الجماعة منهج الإسلام في الحياة، وإذا كان ظهور المجددين على رأس كل مئة عام سمة من سمات هذه الأمة، فإن التجديد من خلال جماعة الإخوان المسلمين تجديدٌ للدورة الثانية من دورات الأمة، وهذا التجديد كما قلنا سابقًا هو تجديد منهجي، أو لنقل: استراتيجي، والنصر فيه نصرٌ للمنهج، وعودة الدين لما كان عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 19-20].

أولًا: المنهاج والدعوة والتنظيم والأمة الواحدة 

1- إحياء مفهوم الأمة الواحدة
2- المناهج العالمية
3- الدعوة إلى الإسلام
4- إعادة منظومة القيم الإسلامية (الصدق، الأمانة، الوفاء).
5- تكوين الشخصية الإسلامية، وتحقيق الصبغة الإسلامية والصبغة الإخوانية.
6- إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7- إحياء فريضة الدعوة إلى الله.
8- إحياء التنظيم الحركي.
9- إعمار المساجد وتجديد دورها ورسالتها.

ثانيًا: الحركة العلمية والفكرية

1- تعلم القرآن الكريم وتعليمه.
2- تعليم العلوم الشرعية، وإحياء دور العلماء، وإبراز الرموز العلمائية والفكرية، وتكوين التجمعات والهيئات العلمائية.
3- إنشاء رياض الأطفال والمدارس والجامعات ومراكز البحوث، والمنصات الإلكترونية، والبعثات العلمية، والمراكز الثقافية.
4- نشر الفكر الإسلامي الوسطي في العالم (من خلال المؤتمرات، والكتب، والدراسات، والمحاضرات، والندوات، والأعمال التلفزيونية والإذاعية والصحفية والإلكترونية).
5- تأكيد مقولة: إن المكتبة الإسلامية العالمية إما هي مؤلفات للإخوان المسلمين، أو لآخرين تأثروا بفكر الإخوان المسلمين.

ثالثًا: إحياء الأحكام الشرعية وتطبيق الشريعة في مختلف مجالات الحياة

في الجانب التشريعي:

إحياء فريضة التحاكم إلى شرع الله، حيث بدأت الشريعة تأخذ مكانها في المنظومات القانونية والدستورية، وأصبح لدى كثير من الشعوب رغبات في تطبيق الأحكام الشرعية على القوانين والتشريعات.

• في مجال الاقتصاد: 

1- نشر الاقتصاد الإسلامي، ومحاربة الربا.
2- إنشاء المصارف الإسلامية الملتزمة بأحكام الشريعة.
3- قيادة حملات المقاطعة لبضائع الدول المعادية للرسول ﷺ، وللقرآن، وللإسلام.

• في المجال المجتمعي:

1- إحياء أعمال الخير وإنشاء الجمعيات الخيرية، ورعاية الأيتام والفقراء والأرامل، ومحاربة الفقر والجهل والمرض.
2- إنشاء المستشفيات والعيادات والمستوصفات.

• في مجال الأحوال الشخصية وأحكام الأسرة:

1- مقاومة التشريعات المخالفة لأحكام الإسلام، كـ (سيداو).
2- إحياء دور البيت المسلم والتعريف بحقوق الأسرة.

• في مجال العمل السياسي:

1- إحياء فريضة المطالبة بقيام الدولة الإسلامية، والسعي إلى ذلك.
2- نشر الحياة الحزبية الإسلامية، وخوض التجارب البرلمانية، والمشاركة في الإدارات الحكومية.
3- تكوين الهيئات والروابط البرلمانية العالمية.
4- المشاركة في النقابات والروابط المهنية، وتكوين القيادات النقابية.
5- إنشاء الرأي العام الموحد في مختلف قضايا الأمة وشؤونها.

• في مجال الأندية الشبابية والكشفية والرياضية

1- تشجيع إنشاء الأندية الرياضية
2- تشجيع الفرق الكشفية
3- العناية الخاصة بالشباب

رابعًا: إحياء فريضة الجهاد وبيان دور الشهادة والشهداء، ومقاومة الاستعمار والاحتلال، وتحرير الأوطان والمقدسات

وأمثلة ذلك: فلسطين، أفغانستان، البوسنة والهرسك، ليبيا، الجزائر، تونس، المغرب، السودان.
 

.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم