المسجد الأقصى
بقلم: م أحمد شوشة
منذ المؤتمر الصهيوني الأول الافتتاحي للمنظمة الصهيونية، الذي عقد بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897. والصهاينة وأوروبا وامريكا تدفع في تحقيق المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وكان مخططًا الانتهاء منه بعد مائة عام أي عام 1997؛ ولكن اليوم نحن في عام 2025 ، ولم يتمكن المشروع من التمكين ولم يستقر هذا الاحتلال يوما على أرض فلسطين.
يقول الاستاذ محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات:
"منذ وجد الاحتلال في فلسطين، وجدت المقاومة ولم تتوقف. ذلك أن فلسطين بأقصاها وقدسها ومقدساتها وبركتها وعمق مكانتها في قلوب مئات الملايين تشكل بحد ذاتها برنامجا ملهما للتضحية والعطاء".
الشكل الموجي للمقاومة
المقاومة في فلسطين تأخذ شكلا موجيًّا، تصعد وتهبط مدا وجزرا، تتقد جذوتها فتشغل العالم.. أو تخبو فينشغل عنها الناس.. لكنها لا تنطفئ ولا تتوقف.
من ثورة القدس سنة 1920 مرورا بثورة يافا 1921 وثورة البراق 1929 وانتفاضة 1933 وإعلان القسام للجهاد 1935 والثورة الكبرى 1936-1939، وحرب 1948، ثم متابعة للمسيرة بانطلاقة العاصفة سنة 1965 والثورة الفلسطينية المعاصرة، والانتفاضة المباركة 1987-1993، وانتفاضة الأقصى 2000-2005، وصولا إلى حروب المقاومة في قطاع غزة ضد الاحتلال 2008-2009، و2012، و2014، كلها موجات متتابعة لجهاد أبناء فلسطين وتضحياتهم.
الجسد الفلسطيني الذي أثخنته جراح الاحتلال وأوجعه الخذلان العربي والإسلامي والدولي، وأغضبه وأثقل كاهله وجود قيادات فلسطينية دون مستوى عطائه بكثير.. مازال قادرا على البذل والتضحية، وهو في كل مرة يفاجئ الجميع بقدراته وإبداعاته". (انتهى).
معركة طوفان الأقصى تضج مضاجع التحالف الصهيوني الغربي الأمريكي.
هذه المعركة الطويلة والعنيفة بين الفلسطينيين والتحالف اليهودي الأوروبي الأمريكي لم تخمد لحظة على مدى سنوات ، و كل طرف يعمل بنفس القوة إلى الآن – هكذا شاءت إرادة الله عز وجل- ولابد أن تأتي لحظة ينهزم أحد الطرفين وينهار، والأمر بالنسبة للفئة المسلمة المؤمنة محسوم بوعد الله عز وجل بالنصر والتمكين للفئة المؤمنة (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
واللافت للانتباه أن المعادلة وأهدافها منذ بداية المعركة على مدى 128 عامًا (1897 الي 2025) لم تتغير تغيراً ملحوظًا وتتمثل في الآتي:
أولاً: أطراف المعادلة ثابتة
1. الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية:
- الشعب الفلسطيني يقاوم ويقدم تضحيات عظيمة.
- الشعوب الإسلامية متفاعلة مع الحق الفلسطيني، ولكنها مكبَّلة بالنظم الحاكمة المرتبطة بالمشروع الصهيوني الغربي بدرجات متفاوتة.
- تخاذل أغلب الزعامات والنخب الحاكمة العربية والإسلامية عن مناصرة القضية الفلسطينية بجدية، إلا بقدر ما يخدم بقاءها في الحكم والسلطة، وبما لا يغضب الصهاينة والغرب والأمريكان.
2. اليهود الصهاينة:
- الصهاينة يقاتلون بشراسة وبدون احترام للقوانين الإنسانية.
- الصهاينة صامدون بحبل من الناس.
3. حكومات وشعوب الغرب وأمريكا
- الدعم المستمر بكل أشكاله وأحجامه وتكاليفه للكيان اليهودي.
- الشعوب الغربية مُبعدة عن حقيقة الصراع وتأثيرها ليس قويًا.
- بعد معركة طوفان الأقصى توجد إفاقة حقيقة للشعوب اتجاه الصهيونية العالمية وأهدافها، ولكن تقاومها الحكومات.
4. العالم والمنظمات الدولية:
- المنظمات الدولية كعصبة الأمم والأمم المتحدة ومجلس الأمن وما شابه قد وقعوا في دائرة النفوذ الغربي الأمريكي، وبالتالي لا يمكن أن ينهضوا بأي دور لصالح العرب، أو لصالح قضية العرب.
- تأييد دولي من الدول الكبري كالصين وروسيا بما يحقق مصالحها، وتدافعها مع الغرب وأمريكا.
- دول ما يطلق عليه العالم الثالث أو النامي تتأرجح مواقفها، ودعمها للقضية الفلسطينية في الغالب داخل وخارج المنظمات الدولية تخضع لحسابات معقدة.
- بعد طوفان الأقصى تحركت بعض منظمات الأمم المتحدة "محكمة العدل الدولية"، وكذلك تصريحات لبعض المسؤولين كأمينها العام ضد الممارسات الوحشية لليهود في فلسطين المحتلة وغزة تحديدًا. وكذلك تحركت بعض حكومات دول العالم الثالث مع شعوبها في تقديم الدعم السياسي والإعلامي للفلسطينيين.
ثانيًا: الأهداف المعلنة لكل الأطراف أيضًا ثابتة:
- الفلسطينيون:
• الدفاع عن النفس والأرض.
• عن دين الأمة الإسلامية والأقصى ومقدساتها.
• الدفاع عن العالم الإسلامي ومنع اليهود الصهاينة والغرب من الهيمنة عليه.
- اليهود الصهاينة:
• إقامة وطن قومي يهودي لليهود يشمل ما بين النهرين النيل والفرات.
• السيطرة التامة على المنطقة العربية والإسلامية.
• إحلال اليهود مكان العرب والمسلمين في دولتهم المزعومة " إسرائيل الكبرى".
• إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى
- حكومات الغرب وأمريكا
• بناء قاعدة عسكرية استيطانية غربية قوية دائمة في قلب العالم العربي والإسلامي، تملك نفس الحقد النفسي الدفين اتجاه العرب والمسلمين وتدافع عن نفسها بشراسة قبل أن تدافع عن الغرب، (الكيان اليهودي/ إسرائيل).
• هذا الكيان اليهودي وظيفته الدفاع عن المصالح الغربية في المنطقة العربية و الإسلامية.
• تمزيق وتهديد وجود العالم العربي والإسلامي وإجهاض أي مشروع حضاري محتمل للعالم العربي والإسلامي.
ما أشبه اليوم بالبارحة
يقول الإمام البنا عن ثورة 1936 الفلسطينية في اليوم الخامس عشر بعد المائة في سبيل الله( ):
ليتصور المسلمون هذا الوقت الطويل يمضي على أقل من مليون من خيرة العرب الأمجاد، ومصالحهم كلها معطلة، وحوانيتهم مغلقة، ومصانعهم مقفلة، وحقولهم جدباء، وموارد أرزاقهم ناضبة، والجنود محيطون بهم من كل مكان، يقتلون ويأسرون حتى ترملت الحرائر وجاع الأطفال وذهب المال وضاع العيال، كل ذلك وهؤلاء الأبطال لا تلين لهم قناة، ولا ينال منهم يأس، ولا يعطون الدنية، ولا يقبلون المذلة والضيم، ولا يفرطون في الوديعة المقدسة التي شاء الله أن يكونوا حراسها الأمناء.
إن الفلسطينيين الأبطال حين يقومون بهذا الواجب لا ينقذون فلسطين وحدها، بل ينقذون العالم الإسلامي كله والشرق كله من شر مستطير وخطر داهم، فإن اليهود إذا استوطنوا فلسطين -ولن يتم لهم هذا الاستيطان- فسيكونون أشد العقبات في سبيل نهوض الشرق وتقدمه واتصاله، وسيجلبون إليه أفظع النكبات الخلقية والأدبية، إلى جانب أنهم سيستنزفون دمه وماله، ويرمون أقطاره بالخراب الاقتصادي والاضطراب المالي، وسوف لا تقف مطامعهم عند حد فلسطين، فإن فلسطين أضيق من أن تتسع لستة عشر مليونًا، وأقل من أن تُرضى مطامع اليهود الذين ضاقت بهم بلدان العالم كله فلفظتهم إلى فلسطين.
مائة يوم وخمسة عشر يومًا تمر على الفلسطينيين الأمجاد وهم يقارعون ويجالدون ويجاهدون ويكافحون لا يبالون، أوقعوا على الموت، أو وقع الموت عليهم، حتى أنطقت بطولتهم البكم، وأسمعت ثورتهم الصم، وحتى كان من البريطانيين أنفسهم من اقتنع بأحقية مطالبهم وضم صوته إلى أصواتهم، ونعى على أمته مناصرة الباطل ومقاومة الحق، ونادى بوجوب النزول على حق فلسطين، وكل ذلك وإنجلترا تترقب لا تريد إغضاب اليهود، ولا تود خسارة عطف العالم الإسلامي، وهى في ذلك تضع ذهب اليهود في كفة وعواطف المسلمين في كفة أخرى، واليهود يبذلون عن سعة، ويميتون القلوب والضمائر بالبذل، ويشترون العطف بالمال، ويمنون إنجلترا ويعدونها، فماذا فعل المسلمون لقاء ذلك؟
لو أن الأربعمائة مليون مسلم في العالم -أربعمائة مليون نحلة صغيرة- وأخذت كل واحدة منها تطن في جانبها لأقلق دوى هذا الطنين بال إنجلترا، ولأزعجها وهددها ورجح كفة العرب وانتصرت قضية فلسطين، فكيف وهم أربعمائة مليون آدمي، يستطيع كل منهم أن يقول وأن يبذل وأن يعمل.
الحق أن العالم الإسلامي كله قصر تقصيرًا عظيمًا في قضية فلسطين، وأن فلسطين قد برهنت للدنيا كلها على أنها تستحق أشرف حياة وأنبل مطلب، وأنها جديرة بأن تمنح أفضل ما يمنح المجاهدون الصابرون الشرفاء من عز الحياة وفوز النصر.
ولئن خمدت جذوة فلسطين- وسوف لا تخمد إلا بخمود الباطل إن شاء الله- فلا إثم على فلسطين ولا حرج، فقد قضت الحق وقامت بما هو فوق الطاقة، ولكن الإثم كل الإثم على المسلمين في أنحاء الأرض.
فما هذا التخاذل الشائن والسكوت المعيب؟ وليس في الدنيا قوة تتحكم في القلوب، أو تحبس العواطف، لقد كنا نعزو غفلة المسلمين عن مساعدة فلسطين في أول الثورة إلى يأسهم من نجاحها وضعف ثقتهم بمصابرة الفلسطينيين لخصومهم فيها، وما كانت بطولة فلسطين يومًا من الأيام في ميزان الشك والريبة، وهم أحفاد الأبطال الأماجد. وكنا نتمنى أن تزول هذه الغفلة إذا صمدت فلسطين واشتدت ثورتها، وها هي الثورة تمتد إلى الشهر الثالث والناس هم الناس، فما هذا أيها المسلمون وأنتم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟!
أيها المسلمون، أيدوا فلسطين، وابذلوا في سبيلها، ولن تعدموا طريقا تودعون فيه تبرعاتكم، وإعاناتكم، وارفعوا الاحتجاجات إلى الحكومة البريطانية متتالية متتابعة، وصوروا فيها آلامكم وعواطفكم وشعوركم، وأشعروا اليهود في كل مكان أنكم عليهم غاضبون، واعلموا أن ذلك أضعف الإيمان ليس وراءه من الإيمان حبة خردل."(انتهي).
وعلى الطريق كانت المواقف نفسها أثناء انتفاضة الأقصى (2000م /2005م):
وأختصر من رسائل الإخوان المسلمين الموقف الرسمي للجماعة _ الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000 وتوقفت فعلياً في 8 فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ الذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً(آنذاك) و محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون في الآتي:
أولاً: حقائق واعتبارات
1. إن العدو الصهيوني صاحب مشروع أعلن عنه على ملأ من العالم في بازل 1898 ، يبدأ بإنشاء دولة وسط عالمنا العربي والإسلامي وفوق أرضنا وأشلائنا في خمسين عاما ، ثم تصل إلى وطن قومي ممتدا من النيل إلى الفرات فوق مقدساتنا وعلى حساب إسلامنا وبإزالة لوجودنا ودورنا الحضاري .
2. إن العدو الصهيوني وهو يسخر كل الإمكانات ويلجأ إلى كل السبل والدروب للوصول إلى الهدف ، ليس ثمة ما يمنعه من التفاوض إذا كان فيه تحقيق لهدف مرحلي ، أو يمثل خطوة لبلوغ الهدف النهائي. أيضا ليس ما يمنع من عقد الاتفاقات والمعاهدات وتحديد المرجعيات، ما دامت تمثل سبيلا أو وسيلة لبلوغ الهدف ، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من وضعها على الرف إذا حققت الغرض ، أو استنفدت الغرض ، وكما أعلن السفاح شارون أن أسلو .. ومدريد.. وطابا.. وغيرها، قد انتهت وتلاشت بعد أن أدت دورها.
أيضا يعتبر العدو السلاح والتفوق فيه وسيلة من وسائله الناجعة لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.
3. إن الولايات المتحدة قد حددت موقفها من العرب والمسلمين ...ومن قضايا العرب والمسلمين.. وعلى وجه خاص القضية الفلسطينية .. ويتمثل هذا الموقف في الانحياز التام لليهود الذين اغتصبوا فلسطين ، وشردوا الملايين من شعبها ، كما يتمثل في دعم الكيان الصهيوني الغاصب الذى أقامه المغتصبون على أرض فلسطين ، بالمال والسلاح، وليكون له التفوق في السلاح والتكنولوجيا والاقتصاد.
فالسلاح الذى يهاجم به الصهاينة المحتلون الشعب الفلسطيني الأعزل ، سلاح أمريكي، والدماء التي تسيل على أرض فلسطين هي دماء العرب و المسلمين، والمدن والقرى يجرى هدمها ودكها بالسلاح الأمريكي.
4. كما أن أوربا قد حددت موقفها: بدءا من إصدار إنجلترا لوعد بلفور وانتهاء بتأييد الكيان الصهيوني والانحياز له ضد العرب أصحاب الأرض والديار المعتدى عليهم والمغتصبة كافة حقوقهم. كافة الدول الأوربية تتهم الأشقاء الفلسطينيين ظلما وبهتانا بالعنف والإرهاب، وتطالبهم بالكف عن العنف والإرهاب ، حتى تتمكن من إقناع الصهاينة باستئناف المفاوضات ، والمفاوضات في المفهوم الأوربي ليست سبيلا للعرب لتحرير شبر من الأرض أو إقامة دولة على شبر من الأرض ، ولكنها سبيل للوصول بالعرب إلى الرضا والقبول أو الرضوخ والاستسلام لما هو معروض أو مفروض أمريكيا وصهيونيا.
5. وإذا كانت أمريكا وأوربا قد حددتا موقفهما في وضوح وهو الانحياز للكيان الصهيوني في سفور ، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن -وقد وقعا في دائرة النفوذ الأمريكي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر- لا يمكن أن ينهضا بأي دور لصالح العرب ، أو لصالح قضية العرب ، لقد فشل العرب على مدى سنوات في استصدار قرار بإرسال مراقبين دوليين للضفة وغزة .. معنى هذا أننا نحرث في البحر حين ننتظر إنصافا من الولايات المتحدة أو نصرة من أوربا أو تعاطفا من المنظمات الدولية ، أو تحركا مما يسمى بالمجتمع الدولي.
لقد أسست معركة طوفان الأقصى
منطلقُا لمرحلة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية
عندما أعلن سماحة السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين عن عقد المؤتمر الإسلامي الأول في بيت المقدس في الفترة من 27 رجب إلى 7 شعبان 1350هـ الموافق 8/12/1931 إلى 18/12/1931م أرسل الإمام الشهيد حسن البنا رسالةً إليه تتضمَّن تصور الإخوان المسلمين لحل القضية ليعرضها على المؤتمر جاء فيها:
"أيها السادة أعضاء المؤتمر.. إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وزكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شيء وقفًا عليهما حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا، والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم؛ فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق، وقد أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن وجود قوم معروفين بسيماهم بين المؤمنين مثبِّط لهممهم فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)﴾ (التوبة).
ثم قال:
أمر الدفاع عن فلسطين والمقدسات الإسلامية عامةً، أمرٌ يهم المسلمين جميعًا، ولسنا بصدد استعراض أدوار قضية العدوان والدفاع؛ فذلك شيءٌ مُلِمٌّ به حضراتكم كل الإلمام، ولكن المهم الآن أن تفكروا في الوسيلة العملية لكف المعتدين وشل حركاتهم في حدود السلم والقوانين.
لقد علمنا أن الخطب والاحتجاجات لا تُجدي ولا تُسمع".(انتهى).
طريق النصر والتمكين
إن الطريق واضح والانتصار عبره مضمون، والوصول إلى تحرير الأرض كاملة من خلاله مضمون، إلا أن له متطلبات يأتي في مقدمتها:
أولًا: واجبات عامة:
1. أن نؤكد عروبة وإسلامية القضية بالقول والعمل، وأنها قضية المسلمين الأولى وجرحهم النازف من القلب. ويعني ذلك تحديد مرجعية القرار وتأكيد الوحدة الفلسطينية.
2. أن نعتمد الجهاد سبيلا للخلاص والتحرير، والعزة والكرامة. وأن الطريق الوحيد إلى المسجد الأقصى معروف، وأوضح من ضوء الشمس، وهو (الجهاد في سبيل الله)، و(الاستشهاد من أجل إنقاذ الأمة)، والله عز وجل يقول: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج:39)، أما الذين يخذلون من يستغيث بهم في الشدائد والنوازل، ولا يستجيبون لنداء المظلوم فهم الذين يخرجون من هذه الدنيا غير مأسوف عليهم من أحد ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ (الدخان:29).
3. على الحكومات العربية والإسلامية أن تعيد النظر في السياسات، والاتجاهات، على الصعيد الداخلي والخارجي وإزالة الجفوة والجفاء بينها وبين الشعوب، كي تتحقق الوحدة في كل قطر على الأصول الصحيحة. وحشد كافة الإمكانات والطاقات لمواجهة حاسمة لابد آتية مع عدو غاصب متبجح، فلا يكون إلا النصر أو الشهادة، وصدق الله العظيم:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ). [التوبة:111].
4. وحدة الأمة ضرورة؛ فإن الأعداء يضعون الخلافات بين أبناء الأمة الواحدة ويخططون لاستمرارها، ليبقى المسلمون هكذا ضعفاء، ثم يرتع العدو في المنطقة، يجول ويصول.
5. إن مسئولية الأمة- حكامًا ومحكومين- في هذه الفترة غايةً في الخطورة، وإنَّ بيت المقدس- قلب العالم الإسلامي- وما حوله يَئِنُّ اليومَ أنين المظلومين والضارعين من تدنيس أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا.
يجب أن يشغل بال المسلمين اليوم أحوال المسجد الأقصى، وكيف نستعيده مرة أخرى، نستعيد ما ضاع منا من أرض فلسطين بكل الوسائل، وعلى أية صورة، هذا هو الأمر الحتم والهمُّ الكبير، فهذا هو بداية الطريق، وكل من سار على الدرب وصل، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق:37).
ثانيًا: واجبات خاصة
أيها الأحباب إخوة الطريق نلخص المطلوب في الاتي:
1. الوعي بحقيقة المشروع "الصهيوني الأمريكي الغربي" ومدي تهافته وشراسته.
2. الأمل والثقة في مشروعنا الإسلامي وأصالته وحاجة العالم إليه وإمكانية تحققه.
3. تربية الأمة وخاصة شبابها تربية جهادية شاملة، تبدأ من القلب السليم. و كما أوضحها الإمام البنا في رسالة التعاليم في الصفات العشر والأركان العشر للأخ المجاهد.
هذا هو الطريق الصحيح لتحرير العالم الإسلامي وفي القلب منه الأقصى المبارك والوصول الي الدولة الإسلامية الواحدة الراشدة و حتى الوصول الى أستاذية العالم إن شاء الله تعالى.
.