التصهين العربي: مفهومه ومراحله ومآلاته ومقاومته

لا تخفى خطورة التيار" المتصهين" بين العرب في صميم الأزمة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، من خلال هذا التيار المتغلغل في جسد الأمة عبر دواليب الحكم، ومواقع اتخاذ القرار، ومنابر الإعلام.

تشير كلمة" صهيون" في التراث الديني اليهودي إلى جبل صهيون والقدس، بل إلى الأرض المقدسة كلها. وأتباع هذه العقيدة يؤمنون بأن (الماشيح/ المسيح) المخلِّص سيأتي في آخر الأيام ليقود شعبه إلى صهيون الأرض، ويحكم العالم فيسود العدل والرخاء.

يذهب د. المسيري: " إلى أن السمة الأساسية للدولة الصهيونية أنها تجمع استيطاني إحلالي، يوظف الديباجات اليهودية، وأن نقطة انطلاقه هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المهوَّدة، التي تذهب في نهاية الأمر إلى أن اليهود شعب عضوي يعيش في الغرب ولا ينتمي إليه. ولذا يجب أن يوطَّن في أرض أجداده، أي فلسطين. التي يجب أن تفرغ ممن يتصادف وجوده فيها من البشر؛ وقد ترجمت هذه الصيغة إلى الشعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). 

وما كان للكيان الصهيوني أن ينغرس في المنطقة العربية لولا القوة البريطانية، وما كان لها أن تستمر إلى يومنا هذا لولا الرعاية الأمريكية.

ويقول الأستاذ أنور الجندي: وقد كشفت كتابات التلمودية والصهيونية منذ وقت باكر عن أن الأيديولوجية الصهيونية تخطط لإمبراطورية تتولى إسرائيل فيها مركز الثقل، وتشتغل هذه المخططات المسربة والمعلنة بالدرجة الأولى على:

  • تقسيم العالم الإسلامي وإثارة الفتن بين مكوناته.
  • إفساد عقائد المسلمين.
  • الحرب النفسية على العرب والمسلمين.
  • كسب عمالة حكام العالم الإسلامي.

أولا- مفهوم التصهين العربي:

يقول د. عبد العزيز كامل: "إن الصهيونية العربية؛ هي تلك الكيانات والشخصيات والهيئات العلمانية المنسوبة للعرب، والتي قامت ولاتزال تقوم بدور الخدم أو العبيد لهاتين الصهيونيتين (اليهودية والمسيحية) لتنفيذ أهدافهما الدينية؛ بوجهة لا دينية ولا أخلاقية في منطقتنا العربية، من خلال أوكار المحافل الماسونية، التي لها فروعُها ومؤسساتُها ومؤسسوها ورموزُها المعلنة أو الخفية بالخيانات والمساومات والتنازلات.

والمتصهينون العرب – بتعبير العقاد- طابور خامس في كل دولة. ولهم وسائلهم التي لا تتورع عن شيء من ضروب الرشوة.     

وتشمل اتجاهات التصهين العربي اتجاهات فكرية أربعة: التصهين الثقافي، والتصهين السياسي، والتصهين الاجتماعي، والتصهين الديني. بالإضافة للتصهين لاقتصادي. أما المفاهيم المتعلقة بالتصهين؛ فهي: التطبيع، السلام، العمالة، الطابور الخامس.

ثانيا- مراحل التصهين العربي:

مر تيار المتصهينين العرب بثلاث مراحل خطيرة:

المرحلة الأولى: من اتفاقية كامب ديفيد إلى اغتيال السادات (1978- 1981).         

المرحلة الثانية: الثمرة العطنة التي أنتجها مسار "أوسلو" حتى احتلال العراق2003م. الذي بدأ قبل عقدين، وكان يهدف، بالأساس، إلى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، والاعتراف بإسرائيل مقابل لا شيء. وهو المسار الذي تبنته بعض الحكومات العربية، وسعت إلى تسويقه وترويجه رسمياً وشعبياً.

المرحلة الثالثة: من احتلال العراق إلى يومنا هذا.         

 

ويذهب د. خليل العناني إلى أنه خلال العقدين الماضيين مر تيار "المتصهينين العرب" بثلاث مراحل أساسية: 

 أولها مرحلة "كوبنهاغن"، التي بدأت مع عقد مؤتمر كوبنهاغن الذي ضم أكثر من ستين شخصية إسرائيلية. وقد أثار المؤتمر لغطاً كبيراً في الأوساط العربية، آنذاك، ورآه كثيرون "نكوصاً" وارتداداً عن الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل. كان ذلك المؤتمر بمثابة أول رصاصة تطلقها إسرائيل في جدار المقاطعة الشعبية العربية.
وعلى الرغم من جمود مسار "أوسلو"، ووصول عملية السلام إلى حائط مسدود، طوال العقد الماضي، فقد تحولت جماعة "كوبنهاجن" من مجموعة أفراد إلى "تيار" يضم مثقفين وإعلاميين وأدباء ورجال دين، لا يدافع فقط عن منهج "السلام المجاني" مع إسرائيل، وإنما يدين المقاومة الفلسطينية ويشجبها، وينتقد كل عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي.     

المرحلة الثانية لتطور تيار "المتصهينين العرب": حدثت، قبل حوالي عقد، وتحديداً بعد وصول حركة حماس إلى السلطة عام 2006. فقد كان ذلك بمثابة نقطة تحول لم تأت على هوى هؤلاء المتصهينين الذين كانوا يراهنون على سقوط خيار المقاومة. ولذا، كان منطقياً أن ينتفض هؤلاء بعد صمود المقاومة وأدائها العسكري النوعي الذي أحيا فكرة المقاومة من جديد، ودفع بالقضية الفلسطينية مجدداً إلى مركز الاهتمامين العربي والعالمي.       

المرحلة الثالثة في تطور خطاب "المتصهينين العرب": وهي مرحلة "الجهر بالسوء من القول"، والتي لا ينتقد فيها هؤلاء المقاومة فحسب، وإنما أيضا يدافعون عن إسرائيل، ويتبنون خطابها نفسه تجاه المقاومة الفلسطينية، باعتبارها إرهاباً يجب القضاء عليه، في حين يجهر بعضهم بضرورة نزع سلاح المقاومة دون استحياء. وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي حين كان هؤلاء يعبرون عن مواقفهم على استحياء، فقد باتوا -الآن- أكثر جرأة وسفوراً في التعبير عن أفكارهم وانحيازاتهم. ولعل مصدر القلق أن هؤلاء "المتصهينين الجدد" نجحوا في بث سموم خطابهم ومنطقهم وأفكارهم بين قطاعات شعبية لا بأس بها، مستفيدين، في ذلك، من حالة النكوص التي يعيشها "الربيع العربي" وعملية خلط الأوراق التي تجري بين المقاومة المشروعة والإرهاب من جهة، وبين سيطرتهم ومن يدعمونهم على وسائل الإعلام من جهة أخرى.

         
ثالثا- مآلات التصهين العربي:

المآلات السياسية: الاعتراف بالكيان كدولة كاملة الحقوق، وتوطيد التحالفات العربية الإسرائيلية. وتقسيم العالم الإسلامي وإثارة الفوضى بين مكوناته.

المآلات الاقتصادية: توسيع الأطماع الصهيونية في خيرات المنطقة، واحتكار إسرائيل لاقتصاديات المنطقة.

المآلات العسكرية: الاستقواء العسكري الصهيوني وإضعاف جانب العرب، وقوف القوة العربية إلى جانب القوة الصهيونية.

المآلات الاجتماعية: إضعاف علاقة العرب بالدين، ونزع الحواجز وإذابة خصوصية الانتماء، والاختراق الرياضي الإسرائيلي للعرب.

 

رابعا- مقاومة التصهين العربي؛ وتشمل عدة وسائل، منها:

المناعة الدينية والأخلاقية في مقاومة التصهين.

المناعة الفكرية والوعي الجماهيري.

المناعة السياسية والاقتصادية.

المناعة التعليمية والإعلامية.

الإفادة من القوى والجماعات المضادة للصهيونية.

يقول د. عناني: لقد كشفت الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة، أن ظاهرة "المتصهينين العرب" ليست أمراً مفاجئاً، أو مؤقتاً، سوف ينتهي عندما تضع الحرب أوزارها، وإنما هي تيار ينمو ويترعرع بين ظهرانينا، ويزداد قوة وحضوراً وتأثيراً، وهو ما يتطلب عدم الاستخفاف به، أو مواجهته برعونة وانفعال. وإذا مددنا الخط على استقامته، سوف يتضح لنا أن هذا التيار هو نتيجة لعملية ممنهجة ومنظمة، تجري رعايتها وحمايتها من أطراف عديدة (رسمية وغير رسمية)، هدفها الأساسي تزييف الوعي، وقلب الحقائق، وإنهاء الصراع مع إسرائيل شعبياً، بعد أن انتهى رسمياً. وما لم تتم مواجهة هذا التيار بشكل منهجي ومنظم وواع، فلربما يأتي اليوم الذي يطالب فيه هؤلاء الشباب العرب بالتطوع في الجيش الإسرائيلي، باعتباره "جيش الله المختار".

 

 

 

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم