ملــف أولادنــا

نصائح تربوية لأولياء الأمور، أساليب التربية الإسلامية للأبناء الذكور والإنثاء ، حلول لمشاكل الشباب، وبناء جيل مسلم واعٍ.

ملــف أولادنــا

الأسرة ومسؤولية التربية الإيمانية

الأسرة ومسؤولية التربية الإيمانية

الأسرة المسلمة ومسؤولية التربية الإيمانية

ملخص دراسة للدكتور محمد عمر الحاجي

 

عندما نقول: "الأسرة المسلمة"، فمن البديهي أننا نعني الأسرة التي التقى ركناها على تحقيق الهدف الذي شرع من أجله تكوين الأسرة، ولو تأملنا بعض آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع لوجدنا أن أهم أهداف تكوين الأسرة هو:

١- إقامة حدود الله:

أي تحقق شرع الله ومرضاته في كل شئونهما، وعلاقاتهما الزوجية، وهذا معناه إقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله، أي على تحقيق الهدف الأسمى للتربية الإسلامية.

٢- الأثر التربوي لتحقيق هذا الهدف:

وهكذا ينشأ الطفل ويترعرع في بيت أقيم على تقوى من الله، ورغبة في إقامة حدود الله، وتحكيم شريعته، فيتعلم، بل يقتدي، بذلك من غير كبير جهد أو عناه، إذ يمتص عادات أبويه بالتقليد، ويقتنع بعقيدتهما الإسلامية حين يصبح واعيًا.

إن التربية الإيمانية إلى جانب أنها تضبط السلوك الشخصي للفرد فإنها ترفع من مستوى الإيجابية والفاعلية وتعزز من درجة الاحتساب في إصلاح الذات وفي نفع الآخرين .

 

ومما يؤكد ضرورة التربية الإيمانية :

1- التأمل السريع في هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في تربيته لأصحابه يتضح بجلاء الاهتمام بالتربية الإيمانية وتقوية العلاقة مع الله سبحانه وتعالى في كل الأحوال.

2- التغيير الحقيقي للفرد والمجتمع والأمة لا يكون بدون تغيير النفوس كما قال المولى عز وجل :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وأساس تغيير النفوس هو إصلاح علاقتها مع الله عز وجل .

3- توارد الفتن والانفتاح الفضائي وتكاثر الشبهات وضعف التدين العام وتردي العملية التربوية وغياب دور الأسرة والمدرسة التربوي وغيرها لا يمكن تعويضها وسد فراغها إلا بوجود حافز داخلي ووازع ذاتي وهذا لا يتأتى إلا بتربية إيمانية قوية .

4- انتشار أمراض تربوية وانحرافات سلوكية خطيرة حتى في مواقع وبرامج التربية نفسها مثل سيطرة حظوظ النفس أو التعلق بشهوة أو الإصرار على معصية أو الانجراف في مستنقع المخدرات أو عدم القيام بالواجبات الشرعية وأكبر من ذلك التعلق بأفكار وشبهات عقدية منحرفة والجدال لها.

5- الاهتمام - بقصد أو بدون قصد – والتركيز على طرق تربوية ومناهج لا تهتم ولا تعتني بالتربية الإيمانية .

 

ولو تأملت في المنهج النبوي العملي للتعامل مع المخالفات والانحرافات على مستوى الفرد أو على مستوى المجموع تجد العلاج بالإيمانيات هو العلاج الرئيس بل التربية الإيمانية هي المنهج التربوي القرآني والنبوي من أول يوم في الانتماء لهذا للدين .

سورة المزمل مثلا من أول ما نزل من القرآن وفيها فُرض قيام الليل على قوم لا يستطيع أحدهم أن يجهر بإسلامه فضلا عن أن يطبق تعليماته ويقوم بشرائعه ولمدة عام تربوي يطلب منه وجوبا قيام الليل كجرعة تربوية إيمانية ضرورية .

إن التربية الإيمانية سلاح المؤمن أمام المحن وزاده في طريقه إلى الله وسلوته في الخلوة وهي ما يمكن أن يقال عنه الحارس الشخصي له من الوقوع في مزالق الشهوات وفتن الشبهات .

إن المسلم إذا قويت علاقته بالله -سبحانه وتعالى- وزاد إيمانه وامتلأ قلبه حبا له وخشية وتوكلا ويقينا وإيمانا فإنه يرتقي في سلم الثبات إلى أن يصل إلى الله خالصا مخلصا .

بل إن الاتصاف بالصفات والأخلاق العظيمة كالصبر والبذل والتضحية والوفاء والصدق إن لم يكن دافعها إيمانيا فإنها تنقطع وقت الحاجة إليها .

 

ما أكثر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تركز على المسؤوليات التي يحملها المربون تجاه أولادهم، وبخاصة الآباء والأمهات؛ لأن تلك المسؤوليات تشمل فترة زمنية طويلة، تعود إلى ما قبل الزواج، وتمتد إلى أن يصبح الإنسان مكلفًا يتحمل مسؤولياته بنفسه.

فمن ذلك قوله تعالى في معرض الحديث عن المسؤولية تجاه الأهل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، وقوله سبحانه في سياق النصائح الموجهة للمسؤولين، وذلك من خلال التوجه بالخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه: 132).

وفي دراسة للدكتور محمد عمر الحاجي يؤكد لنا أن الشريعة الإسلامية تركّز على فكرة مهمة مفادها تعويد الطفل منذ الصغر على فهم أصول الإيمان وأركان الإسلام، بحيث يفهم حقائق الإيمان بالغيبيات كالإيمان بالله سبحانه، وبالملائكة، وبالكتب، وبالرسل والأنبياء عليهم السلام، وبالبعث والحساب، والجنة والنار، إضافة إلى التركيز على التمسك بالعبادات وأمور العقيدة والسلوك والآداب والأحكام والأخلاق.

 

التربية الإيمانية المبكرة

وثمة إرشادات وتوجيهات ووصايا عدة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح، تحض على التربية الإيمانية المبكرة، فمن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله))، وذلك حتى تكون بدايات معرفته كلمة التوحيد.

وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولاكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، وذلك حتى يعتاد الولد على أداء العبادات التي تهذب جسمه وروحه وعقله.

وروى الطبراني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه).

يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ... وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق.

وبالتالي، فالمنهج التربوي له مقدمات توصل إلى نتائج.

 

ولهذا فعلى المربين أن يرتبوا مسألة التعامل التربوي مع الأولاد على الشكل التالي:

  1. أن يرشدوهم إلى الإيمان بالله، وذلك من خلال التفكر في آلائه ونعمه، وما بث في هذا الكون الفسيح من محسوسات، تجعل العاقل يسجد بين يدي الخالق سبحانه، معترفًا بتقصيره وعجزه.
  2. أن يغرسوا في نفوسهم روح الخشوع والتقوى والعبودية لله رب العالمين، وذلك من خلال اتباع الوسائل التي تقوي في النفس الخشوع والتقوى، مثل: الخشوع في الصلاة، والتعود على التباكي عند سماع القرآن الكريم.
  3. أن يربوا فيهم روح المراقبة لله سبحانه في كل تصرفاتهم وأحوالهم، وذلك من خلال ترويضهم على أن الله سبحانه يعلم السر وأخفى، ويعلم ما تخفيه الصدور، وأنه مراقب لكل تصرفاتنا ومطلع عليها.

ففي العمل يجب أن يراقب الإنسان ربه، ويكون مخلصًا فيه، قاصدًا من خلاله وجه الله سبحانه، كما قال تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} (البينة: 5).

وهذا ما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة، ورحم الله الغزالي عندما أشار في كتابه ((إحياء علوم الدين)) إلى ذلك بقوله: قال سهل بن عبد الله التستري: كنت أنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي يومًا: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة، فقلته فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة. قال: فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يومًا: يا سهل! من كان الله معه، وناظرًا إليه، وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية.

ودار الزمن دورته، وأصبح سهل من كبار العارفين، ومن الصالحين، وذلك بفضل خاله الذي أدبه وعلمه ورباه على الإيمان والمراقبة.

فعلى المربين ألا يدعوا فرصة سانحة تمر إلا ويغرسوا في قلوب وصدور الأطفال الإيمان مصحوبًا بالمراقبة، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة الراسخة، وإذا لم يحصن الطفل منذ صغره بالتوجيه الديني، وبالعقيدة الإسلامية، وبالفضائل والأخلاق الحميدة، فإنه لاشك سيترعرع على الفسوق والانحلال، وسيتبع الهوى والنفس الأمارة بالسوء.

 

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم