أطفال غزة تحت وطأة التجويع
﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾. [البروج: 4-6].
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42].
إنَّ ما يجري في غزة اليوم من تجويع وحرق وقتل منهجي ومتعمّد ضد المدنيين والأطفال والنساء؛ ليس حدثًا طارئًا، بل هو امتداد لسلسلة تاريخية من الحقد اليهودي المتجذّر تجاه أهل الإيمان، وتواطؤ دولي مع صهيونية مجرمة. لكن الله الذي وعد عباده المؤمنين بالنصر، لا يُخلف الميعاد. فكيف كان سلوك أعداء الله مع الأنبياء والمصلحين؟
قتل اليهود لأنبياء الله ولكل مصلح وداعية وتحالفهم ضد المؤمنين
لقد وصف الله بني إسرائيل في القرآن بأنهم قتلة الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: 112].
بل لم يتورعوا عن محاولة قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، حين دسوا له السم في الشاة، كما ثبت في صحيح البخاري، وعندما أرادوا إلقاء حجر عليه من فوق جدار.فهذا السلوك الدموي ليس طارئًا على تاريخهم.
بل هو دَيْدنُهم تجاه كل نبي ومصلح وداعية إلى الله. قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾.[آل عمران: 21].
لقد درجت يهود على حرب أهل الإيمان، وحكى القرآن ذلك، وبيّن تحالفهم مع أعداء الله ضد المؤمنين.
و بيّن القرآن أن اليهود ليسوا وحدهم في كراهيتهم لأهل الإيمان، بل هم يتحالفون مع النصارى والكافرين في حربهم، قال تعالى:﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ [المائدة: 80].
واليوم، يعيد التاريخ نفسه في غزة، حيث تتحالف القوى الغربية والأنظمة المتواطئة واللوبيات اليهودية في العالم لتمكين الكيان من الإبادة والتجويع.
المجازر الحديثة وتفاصيل التجويع والحرق في غزة ونداء" أبو عبيدة":
من دير ياسين إلى كفر قاسم، ومن صبرا وشاتيلا إلى مخيم جنين، وحتى المجازر اليومية في غزة، يثبت اليهود وحلفاؤهم أنهم آلة حرب لا تعرف الرحمة.
لقد فُجّرت مستشفيات الأطفال، وهُدّمت المساجد على رؤوس المصلين، ومُنع الدواء والغذاء والماء والوقود، ومُورست سياسة "التجويع حتى الركوع".
لكن غزة لم تركع… بل تصرخ في وجه العالم كله: "لن نستسلم… وسنثبت على عهد الدم والشهداء."
وقد جاء خطاب "أبو عبيدة" ليحمّل الجميع المسؤولية تجاه ما تعيشه غزة من تجويع وإبادة.
في لحظات مفصلية، يخرج المتحدث باسم القسام "أبو عبيدة" بكلمات تُحرك الروح في جسد الأمة، كما في ندائه الشهير للأمة:
- «أنتم خصوم كل طفل يتيم، وكل ثكلى، وكل نازح ومشرد ومكلوم وجريح ومجوع، وأن رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذلوا بصمتكم».
- وقال مخاطبًا قادة الأمة وعلماءها وحكامها: “أنتم خصومنا أمام الله يوم القيامة” .
- وشدد أنه لا يعفي أحدًا من المسؤولية، ولا يستثني أحدًا ممن يملك القدرة على التحرك والتأثير .
- وقدّم تحية لكل الأحرار في العالم الذين حاولوا التضامن وكسر الحصار ورفع الظلم عن أهل غزة.
- ونادى بضرورة التضامن الشعبي والإسلامي والعربي، وأنه ليس بالكلام وحده، بل بالفعل.
تأصيل مفهوم الوحدة والأخوة الإسلامية
والتضامن الإسلامي والعربي الذي دعا إليه الخطاب، لم يأت من فراغ ، إنما يرتكز على مفهوم إسلامي واضح هو مفهوم" الأمة الواحدة " الذي تحدث عنه القرآن، وحث على التمسك به.
لقد أكد القرآن أن وحدة الأمة ليست خيارًا، بل أصلًا من أصول الدين، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 92].
وما يجري في غزة ليس شأنًا فلسطينيًا داخليًا، بل هو جُرح في جسد الأمة الواحدة، كما أن دعمهم ليس تفضلاً بل حقٌّ لهم في أعناقنا، كما قال ﷺ: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه). [رواه البخاري ومسلم].
ولا يتحقق معنى الأخوة ما لم نشعر أن معاناة غزة هي معاناتنا نحن، وأن كل طفل يتضور جوعًا هناك هو امتحان لضمير الأمة جمعاء.
غزة معركة الصمود والنقاء
في الوقت الذي تخوض فيه غزة معركة الصمود والبقاء، لا تكتفي آلة الاحتلال الصهيوني بالقصف والتدمير، بل تستخدم التجويع كأداة حرب، في محاولة لكسر إرادة شعب أعزل ومحاصر منذ أكثر من 17 عامًا. ويجد الإنسان المسلم نفسه أمام سؤال عميق ومُلِحّ: ما مسؤوليتنا الفردية والجماعية عمّا يحدث في غزة؟ وهل يكفي أن نُشاهد ونشجب؟
إنّ الإسلام لا يقرّ الحياد في قضايا الأمة، ولا يقبل أن يكون المسلم سلبيًا في مواجهة الظلم، فضلًا عن أن يكون صامتًا أمام تجويع الأطفال وقتل المدنيين. يقول النبي ﷺ:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). [رواه مسلم].
وهذا يحمّل كل مسلم – أفراد و جماعات وحكام ومحكومين – مسؤولية حقيقية تجاه ما يجري في فلسطين، لا يُعذر فيها بالبعد الجغرافي أو قلة الإمكانات، فالمسؤولية لا تنتهي بالنية الطيبة أو العاطفة الجياشة، بل تكتمل بالعمل المؤثر.
وعلى الرغم من هذه المأساة التي يعيشها أهلنا في غزة، فإن الله كتب النصر لعباده المؤمنين، مهما طال الزمن، وكثرت المحن والابتلاءات ، وهذه سنة الله الماضية إلى يوم القيامة.
سنة الله في نصر المؤمنين وهزيمة الطغاة
إنَّ تاريخ الأمم وقصص الأنبياء تشهد أن أهل الباطل وإن تفوقوا بالعدة والمال والدعم، فإن خاتمتهم إلى زوال، لأن وعد الله نافذ، قال تعالى:
﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ ﴾[الصافات: 171–173].
إنها معركة استنزاف لكنها أيضًا معركة تمحيص، ولئن تأخر النصر فهو لحكمة، ولعل الله يُخرِج من هذه النكبة نواة يقظة كبرى في الأمة.
واجبات عملية :
حتى لا تبقى مشاعر الغضب والغيرة في دائرة التفاعل العاطفي فقط، إليك بعض الواجبات العملية التي يمكن للجميع القيام بها:
1- دعم روحي وتربوي:
- الدعاء و التوصية بالبذل والعطاء في مجالس الذكر و التزكية
- تنقية النفوس وتوحيد الصفوف ونبذ الفرقة، على كافة المستويات.
2- الإعداد الجهادي للفرد والأمة:
- الإعداد والتفوق في كل المجالات: العلمية والبحثية ، والتكنولوجية و الصناعية ، والصحية والبدنية، والسياسية والاقتصادية، والإيمانية والعبادية ، والسلوكية والأخلاقية، والإعلامية والفنية ، والتعدينية، والزراعية، و والعسكرية و المدنية .. إلخ.
3- نصرة إعلامية وثقافية:
إرسال رسائل - بشكل مستمر- من خلال أدوات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني؛ التي تفضح ممارسات الكيان الصهوني و الحكومات الداعمه له، وعمل حملات بكل الطرق الشعبية على لوقف حرب الإبادة والتجويع في غزة والضفة وسائر فلسطين المحتلة، وذلك إلي : كافة الجهات المحلية والدولية ، المدنية والحكومية والمنظمات الدولية و الإعلامية و الحقوقية والبرلمانات ، وكذلك إلي الأصدقاء والمعارف حول العالم.
- دعم المحتوى الفلسطيني المقاوم، وفضح الرواية الصهيونية في الإعلام.
4- دعم مالي مستمر:
- علي المستوي العام : التبرع لصالح المشاريع الإغاثية في غزة من خلال مؤسسات موثوقة.
- علي مستوي الأفراد : تخصيص جزء من الدخل الشهري لنصرة شعبنا في فلسطين .
5. حراك جماهيري:
- إقامة فعاليات ومهرجانات ووقفات تضامنية.
- التواصل مع برلمانات ومنظمات حقوقية للعمل على إيقاف جريمة التجويع باعتبارها جريمة حرب وإبادة جماعية.
- التوا صل الشخصي - بشكل جماعي أو فردي - مع الشخصيات العامة مثل رجال الدين و الفكر والرأي والتأثير، و أعضاء البرلمانات و أعضاء منظمات حقو ق الإنسان والسياسين و الإعلامين و الرياضين و... .
6- المقاطعة وفضح التطبيع:
- تفعيل المقاطعة بكل أنواعها : الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية ، والرياضية، وغيرها.
- فضح محاولات التطبيع واتفاقيات أبراهام ، وتوعية الشعوب بمقاومة ذلك.
خاتمة
في غزة لا تموت الأجساد وحدها، بل تموتُ فينا قيمُ العدالة، ويُختبر ضمير الإنسانية . فغزة كشفت زيف الإنسانية والحضارة الغربية، وأحرجت الصامتين من أبناء الأمة. إنها محطة فاصلة لاختبار الضمائر، وصحوة للأحرار في كل مكان. إن الصمت الدولي تجاه تجويع غزة، وتواطؤ بعض الأنظمة، جريمة لا تغتفر. فإما أن نكون مع نصرة غزة ؛ أو نصمت ونرضى أن نُكتب في سجل الخذلان الأبدي.
إن اليسر يأتي مع العسر﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [ الشرح: 5]. ونور الفجر يأتي بعد اشتداد الظلام، وفي أحلك الظّروف وأصعب المراحل وأوج المحن تتجلّى قدرات الله الباهرة؛ الّتي تتجاوز قنطرة العقول وإدراك البشر، ليتبدّد الظّلام بصبحٍ جديدٍ. يقول الله تعالى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110]. فالتمسوا تلكم التّجليّات بالتّجرّد والثّبات.
إن على أمتنا الإسلامية أن تتيقظ للتهديد الذي يواجهها ، والإجراءات الخطيرة التي تستهدف تهويد المسجد الأقصى المبارك، وأن تتحمل الأمة وحكوماتها وشعوبها المسؤولية تجاه ما يحدث. فالخطب جلل، والمصاب عظيم . يقول الله تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. [ التوبة: 41]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. [آل عمران: 200].
.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ