خواطر على الطريق .. طريق المسلم

خواطر على الطريق .. طريق المسلم

بقلم : أحمد شوشة

طريق الأنبياء والرسل

إن طريق المسلم هو طريق الأنبياء والرسل ومن تبعهم إلى يوم الدين، ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، وأصحاب هذا الموكب المهيب لهم صفات، ولهم مهمة، ولهم غاية، ولطريقهم طبيعة ربانية خاصة.

غاية الطريق ووسيلته

فأما الغاية فهي رضا الله عز وجل: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: 8]، وأما وسيلته فعبودية الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163]، وأما الدافع للسير في الطريق: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الزمر: 13].

مهمة الطريق

وأما المهمة فهي أداء حق الخلافة ودعوة الناس إلى الله الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر وإفراده بالعبادة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأرْضِ﴾ [الأنعام: 165]، ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ﴾ [النمل: 62]، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ﴾ [آل عمران: 110].

 

طبيعة الطريق

وأما طبيعة الطريق فهي طيبة آمنة في عمقها وحقيقتها في الدنيا والآخرة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]، ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: 62-64]، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].

وفي ظاهر هذا الطريق؛ المشقة والتعب: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان: 31]، ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110]، ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6].

ولكن جزاء هذا العَنت والجهد الذي بُذل في رضا الله عز وجل هو الجنة؛ ولذلك حقيقة الطريق؛ الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 119-121]، ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: 26].

وفي الحديث: {يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.} [صحيح مسلم]

صفات هذا الموكب العظيم

أما صفات هذه الأمة فهي كثيرة، وهي صفات لازمة لمن أراد السير في هذا الطريق المبارك: فهي معينة على السير، وكذلك هي لازمة للخليفة في خلافته وللداعية القدوة في دعوته، ثم هي لازمة لرضا الله ودخول جنته. ولذلك من المهم التعرف على بعض هذه الصفات.

من الأحاديث العظيمة للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه:

{بينما نحن عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ، لا نرَى عليه أثرَ السفرِ ولا نعرفُه، حتَّى جلس إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فأسند ركبتَه إلى ركبتِه ووضع كفَّيهِ على فخذِه ثمَّ

 قال: يا محمدُ أخبرْني عن الإسلامِ، ما الإسلامُ؟

قال: أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ وتقيمَ الصلاةِ وتؤتيَ الزكاةَ وتصومَ رمضانَ وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سبيلًا.

قال: صدقتَ.

قال عمرُ: فعجِبنا له يسألهُ ويصدقُه.

فقال: يا محمدُ أخبرني عن الإيمانِ ما الإيمانُ؟

قال: الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسُله واليومِ الآخرِ والقدرِ كلِّه خيرِه وشرِّه.

قال: صدقتَ.

قال: فأخبرني عن الإحسانِ ما الإحسانُ؟

قال: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ.

فقال: أخبرني عن الساعةِ متى الساعةُ؟

قال: ما المسئولُ عنها بأعلمَ من السائلِ.

فقال: أخبرني عن أماراتِها.

قال: أنْ تلدَ الأمةُ ربَّتها وأنْ ترَى الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشَّاءِ يتطاولونَ في البناءِ.

قال: ثمَّ انطلقَ الرجلُ.

قال عمرُ: فلبثتُ ثلاثًا.

ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: يا عمرُ أتدري من السائلُ؟

قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ.

قال: فإنه جبريلُ عليه السلام أتاكم يعلِّمَكم دينَكم}.

فهذا الحديث المبارك أوضح فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حقائق الدين ومراتبه وأركانه التي يرجع إليها كل أوامره ونواهيه؛ وهي الإسلام والإيمان والإحسان ثم الساعة. ولذلك نحتاج إلى وقفات نتأمل فيها المقصود من الإسلام والإيمان والإحسان، واليوم الآخر؛ فعلى قدر علمنا واعتقادنا وعملنا بهم جميعًا نكون من السعداء في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.

 

 

 

 

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم