سيد قطب .. المفكر الإسلامي (في ذكرى استشهاده)
(1324-1387هـ/ 1906-1966م)
مصطفى القاسمي
هو سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، كاتب وشاعر وأديب ومفكر إسلامي، ولد في 9 أكتوبر 1906م ، بقرية (موشا) إحدى قرى أسيوط، بمصر. سافر إلى القاهرة، ودرس في دار العلوم، وتخرج فيها عام 1933، وعندما كان طالبا كتب كتاب " مهمة الشاعر في الحياة "، مما جعل أستاذه الدكتور محمد مهدي علام ، أحد أساتذة دار العلوم ، وهو يقدم لهذا الكتاب يقول: "إنني أَعُدُّ سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم، وإذا قلت دار العلوم فقد عنيت دار الحكمة والأدب".
وتعرف سيد عن طريق خاله على حزب الوفد، وعلى الأديب عباس محمود العقاد.
كانت اهتماماته في شبابه أدبية نقدية؛ مارس وظيفة النقد الأدبي سنوات عديدة. ونظم قصائد شعرية ، وقدّم الروائي نجيب محفوظ إلى الوسط الأدبي.
وتجلت مكانته الأدبية، وتفوق على أقران جيله في مجال النقد الأدبي، وانظر إليه وهو يخاطب يحيى حقي(ومن هو يحيى حقي) مخاطبة الأستاذ لتلميذه :
" أوه ! يحيى حقي!
أين كانت هذه الغيبة الطويلة؟ وفيم هذا الاختفاء العجيب؟
لست أذكر متى قرأت له أول أقاصيصه؟ إنه عهد طويل. حتى لقد نسيته. لولا " قنديل أم هاشم"... حقي رجل كسول، مهمل، يستحق التعزير على تفريطه في موهبته الفذة" .
عمل سيد قطب مدرسا في وزارة المعارف، ثم استقال منها، وأوفدته الوزارة إلى أمريكا في بعثة تربوية للاطلاع على مناهج التربية والتعليم، فأقام فيها سنتين ، وعاد سنة 1950م. اختلف مع قيادة الثورة المصرية، وفي عام 1953 انتظم في جماعة الإخوان المسلمين. طاله الأذى والتنكيل والبطش وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما ، وأفرج عنه عام 1964 بعد تدخل الرئيس العراقي عبد السلام عارف، ثم أعيد اعتقاله عام 1965، وعُذِّب عذابا تقشعر من هوله الأبدان، وحوكم محاكمة جائرة ظالمة، وحكم عليه بالإعدام ، ونفذ زبانية السجن الحربي الحكم في 29 أغسطس 1966 الموافق 13 جمادى الأولى 1386هـ. ألف عددا كبيرا من الكتب، من أشهرها: في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق، والنقد الأدبي أصوله ومناهجه .
الخلاف والنزاع في فكر سيد قطب ( نص واحد وقراءات متعددة)
شغل سيد قطب الناس بفكره، واختلفوا كثيرا حول قراءة هذا الفكر، وبخاصة ماورد في كتابيه: معالم في الطريق"، و" في ظلال القرآن".
لقد غفل الذين تعاملوا مع سيد قطب بجفاء ، ونسوا أو تناسوا أن ما كتبه سيد - بعد التزامه النهج الإسلامي - كان في فترة عصيبة، من الحكم الناصري لمصر، كان أكثر الكتَّاب في هذه المرحلة يستخدمون الرمز ولا يجرؤون على التصريح. كما يقول جيلز كيبل في كتابه (النبي والفرعون).
وسيد قطب ، بشر ، يؤخذ من كلامه ويترك، إلا أن هذا الاختلاف لا يجعلنا نغمط الرجل حقه، أو نتجاوز في حقه ، بعيدا عن النزاهة العلمية. فيكفيه أنه جاد بروحه في سبيل دينه.
يقول المستشار سالم البهنساوي: " لقد اضطر سيد قطب لاستخدام عبارات غير محددة لمواجهة الأنظمة الاستبدادية؛ وفي مقدمتها النظام الناصري المصري. والذين فهموا ذلك لم يختلفوا على مفاهيم الشهيد وأفكاره.
إن ثراء النص والفكرة لدى سيد قطب، والمعالجة الأدبية التي تناول بها أفكاره، جعل الناس يختلفون في تناولهم لمقاصد النص وتفسيردلالاته، ومن هنا حدث الاختلاف، ووقع الخلاف. وتستطيع أن تقول إن موهبة سيد الأدبية، جعلته يقدم نصا يفتح إمكانيات تأويل متعددة، بتعدد زوايا النظر. وربما ذهب بعض الغلاة في الدين إلى تفسير أقواله ليوافق مذهبهم أو فكرهم.
وقد أرسل الأستاذ محمد قطب (ت 2014) إلى جريدة الشهاب اللبنانية، خطابا يوضح ويدافع فيه عن فكر الشهيد سيد قطب، وأيضا لتقديم مفتاح لقراءته بطريقة لا تشكل خطورة. وقد كتب محمد قطب:" ليس هناك شيء في كتاباته (أي سيد قطب) يتعارض مع القرآن والسنة ... أما بالنسبة لمشكلة الانفصال(المفاصلة)، فقد أوضحت عباراته أنه كان يقصد الانسحاب العقلي" الذاتي" للمسلم الملتزم، بعيدا عن هؤلاء الذين لا يشعرون بأي التزام تجاه تعاليم الإسلام ، وليس انفصالا ماديا فعليا" .
ويقول يوسف العظم:" وبشكل عام فصياغة" معالم في الطريق" لا يجب أن نأخذها بشكل حرفي على الإطلاق؛ فقد كان سيد قطب مؤلفا وليس فقيها، وأحيانا ما كان يجرفه أسلوبه الخاص .
ويقول الفرنسي جيلز كيبل في كتابه (النبي وفرعون): الدولة الاستبدادية هي التي تعطي نموذجا للجاهلية؛ فالجاهلية في نظر سيد قطب عبارة عن تجمع يحكمه أمير فاسق يريد ان يعبده الناس من دون الله، يحكم وفقا لأهوائه وشهواته، بدلا من أن يعمل بالمبادئ المستوحاة من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وعن سبب الاختلاف في المفاهيم الواردة في كتاب " معالم في الطريق"، وفي كتاب " في ظلال القرآن"، قال: " إن إعدام سيد قطب المبكر وضع مفاهيمه وأفكاره في متناول الشعب بكل ما احتملته من مضامين غير واضحة أيضا (فهو صاحب أسلوب أدبي رفيع، وموهم أحياناً بعباراته، وكذلك مصطلحات مجملة تحتاج إلى بيان ) وأدى ذلك إلى وقوع سلاح التكفير".
لقد أعاد سيد قطب قراءته للقرآن الكريم، ليعقد المقارنات بين طبيعة الخلاف والصراع الحالي، وبين الإسلام والجاهلية، خلال حياة الرسل بمصطلحات جديدة، وكان منهجه الفكري الجديد مفاهيم لا تعتبر أحكاما شرعية بفكر الأفراد والمجتمعات، فقد أوضح صاحب هذه المصطلحات أنها ليست إلا تصورات لطبيعة الصراع، ومعالم على طريق هذا الصراع.
لهذا يخطئ من يستخلص منها أحكاما شرعية بكفر الأفراد أو المجتمعات، فالمقارنات التي أوردها بين الجاهلية الأولى والحضارة المادية والمعاصرة - ليست لاستخلاص حكم شرعي مماثل لحكم الله في الجاهلية الأولى.
إنها مقارنة لمعرفة طبيعة الخلاف والصراع، والذي يجهله الكثيرون أنه من الخطأ البين: أن نستخلص من هذه المقارنة حكما بكفر الشعوب الإسلامية المحكومة بهذه الأنظمة العسكرية، ولا بكفر أشخاص الحكام. إن مصطلح الجاهلية في فكر سيد قطب يراد به جاهلية المناهج والتشريعات التي تناهض شريعة الله وتحاربها .
ومن وجهة نظر يوسف العظم، يجب التفرقة بين التكفير والجاهلية. فقد استخدم سيد قطب الجاهلية ليشير إلى التخلف الفكري والأخلاقي. وبهذا المعنى، فمن المنطقي تماما أن نسمي المجتمع المعاصر مجتمعا جاهليا، ويجوز للدعاة أن يفعلوا ذلك، وهذا لا يعني تكفير المجتمع .
وفي رسالته للدكتوراة حصر الدكتور صلاح دحبور أخطاء الكتَّاب والشباب الذين تناولوا سيد قطب بالنقد، في الآتي:
1- تعمد البحث عن الأخطاء وتسجيل العيوب.
2- عدم التفريق بين الخطأ في المنهج، والخطأ في الفروع، والذي هو من طبيعة البشر.
3- الخطأ في النتيجة؛ وذلك باستبعاد فكر الشهيد وكتبه، استنادا إلى الخطأ في المقدمات المتمثلة في: اتهامهم له بتكفير المجتمع، وأن مجتمع المسلمين دار حرب.
4- قياس فكر سيد قطب على ما يحمله الناقد من معتقد أو مذهب، ومن ثم الحكم بخطئه في كل ما يخالف هذا المذهب، دون إدراك أن فكر سيد قطب فكر سلفي قبل الخلاف المذهبي والكلامي.
5- عدم جمع أقواله في الموضوع الواحد، ثم التركيز على موضع واحد وتفسيره، طبقا لانطباع الباحث وما يهواه.
6- إغفال المنهج الإسلامي في الحكم على الفكر عند تعارضه.
وأخيرًا تقول الكاتبة إحسان الفقيه في مقال لها : لماذا أحب سيد قطب ؟
أحب سيد قطب لأنه هو الذي أخذ بيدي للعيش في ظلال القرآن، فأدركت أنها نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها.
أحب سيدًا، لأني تعلمت منه معنى استعلاء الإيمان وكبرياء الإسلام.
أحب سيدًا، لأني أدركت معه أن عقيدة المؤمن هي وطنه، وقومه وأهله.
أحب سيدًا، لأنني فهمت معه معنى أن تكون كلمة الله هي العليا، ومعنى أن يكون الدين كله لله، ومعنى ومصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه.
أحب سيدًا، لأني تعلمت منه معنى الحرية الحقيقية، التي هي التحرر من كل شيء إلا لله.
أحب سيدًا، لأني أدركت أن العدل الحقيقي لن يكون إلا بشريعة الله.
أحب سيدًا، لأني تعلمت منه أن أحتقر الطغاة.
أحبه، لأنه استشرف مستقبله دون أن يسمي نفسه؛ فهو كما قال:" كم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام، كما نصرها باستشهاده".
.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ