وحدة الأمة من الوعي إلى السعي

الأمة هي (كل جماعة يجمعها أمر إما: دين، أو زمن، أو مكان واحد، سواء كان الأمر الجامع تسخيرًا أم اختيارًا). والمقصود بوحدة الأمة الإسلامية: اجتماع المنتسبين إلى الإسلام على أصول الدين وقواعده الكلية، وعملهم معا لإعلاء كلمة الله –سبحانه وتعالى- ونشر دينه، تحقيقًا لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران: 110]. كما ورد النص على وحدة هذه الأمة في القرآن الكريم في آيات أُخَر كقوله تعالى: في سورة الأنبياء (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92]، وفي سورة المؤمنون في قوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52].

 والمتأمل لآية آل عمران يجد الله تعالى قد وصف المسلمين بأنهم خير أمة، وذكر موجبات تلك الخيرية وهي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى، وأتى بجميعها على صيغة الجمع ليدل على وجوب اجتماعهم واتفاقهم، وأن هذه الأعمال الجليلة لا تقوم إلا باجتماعهم ووحدتهم.

مقومات وحدة الأمة:

والناظر في أمم الأرض سواء كانت أمما اختيارية أو تسخيرية يجد أنه لابد لها من مقومات تجمعها وروابط تشد بعضها إلى بعض، وقد اجتمع للأمة المسلمة كل عناصر الوحدة لو كان قومي يعلمون ويعملون، ومن أهم هذه المقومات:

  1. وحدة الإيمان والعقيدة، وقد خط القرآن الكريم أصولها في قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
  2. وحدة الشعائر والشرائع، وقد شرع الله -تبارك تعالى- للأمة ما يكون محطات لتزودها بالوحدة كالعبادات اليومية كالصلوات الخمس، والأسبوعية كصلاة الجمعة والسنوية كصلاة العيدين، والصيام، وعبادات العمر كالحج.
  3. وحدة المصادر والمراجع قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى: 13].

 

والأمة التي تمتلك مثل هذا الرصيد وغيره من عوامل الوحدة كاللغة والعادات والتقاليد وتتنوع في ثقافتها ومعارفها وتركيبها تنوعًا نافعًا، أمة قادرة على كسر كل القيود وتخطي كل الحدود لتصل إلى غاية كبرى هي رضا الله سبحانه وتعالى؛ فتعتبر أن دينها هو جنسيتها، لا جنسية الطين والتراب وأن حياتها في الذود عن مقدساتها، وأن فناءً في سبيل الحق لهو عين البقاء حتى نعيش ونتحقق بما كنا نترنم به صغارًا:

يا أخي في الهند أو في المغرب /// أنا منك أنت مني أنت بي

لا تسل عن عنصري عن نسبي/// إنه الإسلام أمي وأبي

وقول القائل:

ولست أدري سوى الإسلام لي وطنا /// الشام فيه ووادي النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله في بلد///             عددت أرجاءه من لب أوطاني

طوفان الأقصى وتحرير وعي الأمة: 

يرى د. سليمان صالح " أن من أهم الدروس التي قدمتها المقاومة الفلسطينية للأمة أن الحياة ترتبط بالحرية والعزة، فلا خير في حياة الذل والعبودية والانكسار؛ لذلك أعادت لنا معركة طوفان الأقصى معنى الحياة.

أصبحت الأمة تدرك أن المعركة ليست فقط معركة عسكرية يتم فيها تحديد النصر بالمقاييس المادية، وحسابات المكاسب والخسائر، بل معركة ثقافية، تشكل بداية لعملية تحرير العقول والقلوب من الاستعمار الثقافي الغربي.. ومعركة وجود تدافع فيها الأمة عن حقها في الحياة طبقًا لعقيدتها.

وتوضح المظاهرات في بعض الدول الإسلامية، ومقاومة الرواية المعادية للمحتل، أن الوعي بدأ يعود بأننا أمة واحدة – بعيدًا عن مناكفات القطرية - تشعر بالحزن والألم لرؤية دماء الفلسطينيين تتدفق في غزة، وتعبر عن غضبها على النظم المستبدة التي تقيدها وتنتهك حقوقها، وترفض الحصار الظالم الذي تفرضه الدول الغربية على غزة بهدف فرض الاستسلام على شعب فلسطين".

لقد ظن الغرب ووكلاؤه في بلاد العرب والمسلمين أن الأمة قد تخدَّرت (أو فقدت الوعي) لدرجة أن يُفعل بها من شاء ما يشاء. لكن تقديراتهم خابت وخسرت في الرهان على موت أمة الإسلام، بعدما رأينا هذا التضامن الهادر من شعوبها مع غزة والقضية الفلسطينية.

لقد بات من المؤكد ، ومن خلال ردات الفعل العربية والإسلامية الشعبية ، التي كانت في أوجها حين نزلت الشعوب العربية قاطبة ، من المحيط إلى الخليج إلى الشوارع تطالب بفتح الحدود للجهاد في سبيل تحرير فلسطين - صحة المقولة الداعية إلى أن الطريق إلى تحرير فلسطين سيقود إلى الطريق لوحدة الأمة العربية ، وهو ما يدركه الاستعمار الغربي وأدواته الحالية من العرب والعجم، ولذلك فهو يقدم الدعم اللازم لاستمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، ومن هنا فإنهم يعملون على عدم إقامة دولة فلسطينية؛ لأنهم يدركون أن قبلة العرب والمسلمين السابقة مازالت كما هي في نفوس المسلمين، وستبقى كذلك دائمًا وأبدًا ، وأن الشعوب العربية والإسلامية حاضنة أساسية لشعب فلسطين وقضيته العادلة . 

كما تؤكد ردات الفعل الشعبية أن كل مخططات الاحتلال للتطبيع مع دول عربية أصبحت فاشلة، وسط تزايد الكراهية في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية.

كما بدأ الربط بين احتلال أرض فلسطين، وانتهاك حقوق الإنسان في الحياة والتعبير والتغيير، فالدول الاستعمارية الغربية تعمل لفرض سيطرة إسرائيل على المنطقة، وتوفر لها أسباب القوة المادية، في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق الشعوب الإسلامية في الديمقراطية، وفي بناء نظم حكم تعبر عن آمالها في حياة كريمة، تستثمر فيه ثرواتها لبناء مستقبلها.

كما أوضحت معركة طوفان الأقصى أن هناك علاقة قوية بين حرية الشعوب وتحرير فلسطين، فالعقول التي تمتلك الحرية والإرادة تستطيع أن تبتكر وتنتج الكثير من الأفكار التي لا يتوقعها العدو، وثورة العقول هي أساس بناء المستقبل.

إن استعادة الأمة لوعيها بالقدرة على تغيير الواقع أهم الإنجازات، والجماهير التي خرجت إلى الشوارع ستنطلق في طوفان جديد لتختار قياداتها، وتعبر عن إرادتها، وتكافح ضد الاستعمار الثقافي الذي كبل قدرتها على الفعل، وبناء القوة وتحقيق الإنجازات.

 

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم