Business

معاني الهجرة وأسبابها

الهجرة لغة تعني ترك شيء إلى آخر أو الانتقال، من حال إلى حال أو من بلد إلى بلد، يقول تعالى: {وَالرُّجَزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 50)، وقال تعالى: {واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}، واصطلاحًا: هي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وهذه هي الهجرة المادية.

أما الهجرة الشعورية فهي معاداة وإنكار كل ما لا يرضي الله أو يخالف شريعة الله، ويظهر المسلم هذه المعاداة بكل الوسائل المتاحة كالجوارح والقلب واللسان، ويعمل على تغييرها بكل الإمكانات المتاحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

وفى هذه الدراسة، التى أعدها الدكتور طلال حمزه عبيدات، يرى أن معنى الهجرة يتسع ليشمل ترك الرذائل والمنكرات والابتعاد عنها وهجرها والانتقال إلى مكارم الأخلاق، فتكون في هجر الرذائل سواء في الأخلاق أو هجر العشوائية في أعمالنا إلى التخطيط، وهجر الجدال الذي لا طائل منه إلى المجادلة العلمية القائمة على الحقائق، وهجر عدم إتقان العمل والغش إلى العمل الصحيح المنتج الخالي من الغش والتدليس.

 

هجرة الأنبياء قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

لا شك أن الهجرة إحدى وسائل الوقاية من اضطهاد الكفر للإيمان في بداية الدعوة، ولم تكن هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة به دون غيره، بل كانت سنة الأنبياء، حملة الرسالات السماوية، ودعاة البشر للتخلص مما هم فيه من إلحاد وشرك وجهل لحقيقة الله، والانتقال إلى عبادة الله الذي خلق الكون وما فيه، فقد هاجر قبله سيدنا إبراهيم عليه السلام حين وقف قومه ضده وعادوه، بل كان أقرب الناس إليه وهو أبوه على رأس من يعادونه، وهاجر مع إبراهيم عليه السلام ابن أخيه نبي الله لوط، وكذلك فإن نبي الله موسى هاجر من موطنه وأهله إلى مدين فرارًا من اضطهاد فرعون وخشية أن يقتله.

وهنا يمكن القول: إن هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت لنفس الأسباب والظروف التي هاجر بسببها إبراهيم عليه السلام، وهي معاداة أهله وأقربائه له، ووقوفهم في طريق دعوته، بل إن أقرب الناس إليه كان أشد الناس عداوة له، وهو عمه أبو لهب الذي كان يدور مع الرسول في الأسواق، فعندما ينتهي الرسول من التبشير بالدعوة ويطلب من الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ فيتبعه أبو لهب قائلًا لهم: لا تصدقوه إنه كذاب! فيسأل من لا يعرف من هذا؟ فيقول الناس: هذا محمد يدعو إلى دين جديد وهذا عمه أبو لهب يكذبه.

 

أسباب الهجرة

إن الأسباب التي تدعو إلى الهجرة عديدة منها:

  1. الهجرة فرار بالدين وخشية عليه وذلك حتى لا يرغمه الحكام الكافرون أو الطغاة المتجبرون على ترك دينه والارتداد إلى الكفر.
  2. الهجرة فرار من الظلم الاجتماعي والاقتصادي: فإذا لحق بالإنسان المسلم ظلم اجتماعي أو اقتصادي وخشي إن لم يهاجر أن يمتد ذلك الظلم إلى دينه فواجب عليه أن يهاجر من هذا البلد إلى بلد آخر يجد فيه العدل والمساواة، قال تعالى: {والَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ولأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (النحل: 41). 
  3. الهجرة من أرض الفساد وانتشار الرذائل وهتك العرض أو المساس به، فإذا كانت أرض ينتشر فيها الفساد، وعدم الالتزام بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، وخشي الإنسان أن يطاله من ذلك ما يدنس عرضه وشرفه وجب عليه الانتقال إلى مكان تسوده الأخلاق الحميدة، ويتمسك أهله بمبادئ الدين وتعاليمه.
  4. واجب على المسلم أن يهاجر من أرض الشرك إلى أرض الإسلام عندما تقوم الدولة الإسلامية ويتكون المجتمع الإسلامي وذلك بهدف تدعيم الدولة الإسلامية بقوى بشرية وتقنية وعلمية.
  5. أما الهجرة الشعورية فهي معاداة وإنكار كل ما لا يرضي الله أو يخالف شريعة الله، ويظهر المسلم هذه المعاداة بكل الوسائل المتاحة كالجوارح والقلب واللسان، ويعمل على تغييرها بكل الإمكانات المتاحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
  6. وكان هدف الهجرة المباركة من مكة إلى المدينة هو الانتقال بالرسالة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، والمؤرخون يقسمون سيرة الدعوة الإسلامية إلى مرحلتين متميزتين: العهد المكي الذي يمثل مرحلة الدعوة، والعهد المدني الذي يمثل مرحلة الدولة.

لقد كان هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من هجرته إلى المدينة إيجاد موطئ قدم للدعوة تنعم فيه بالأمن والاستقرار حتى تستطيع أن تبني نفسها من الداخل وتنطلق لتحقيق أهدافها في الخارج، ولطالما راود هذا الهدف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرة لأصحابه: (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب).

ولهذا هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة والمسلمون معه ليقيموا دولة الإسلام ولما فتحت مكة أصبحت دار إسلام بعد أن كانت دار الكفر والشرك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد) وعندما أسلم أهل مكة أرادوا أن يهاجروا فقال صلى الله عليه وسلم: (مضت الهجرة لأهلها) أي الهجرة المفضلة التي بين الله تعالى منزلة أهلها بقوله: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ ورِضْوَانًا} الحشر: 8، فتلك الهجرة هي التي كانت قبل الفتح، أما بعد الفتح فلا هجرة من تلك الدار المفتوحة لأنها دار السلام.

  1. وكان من أهداف الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته تكثير الأنصار، وإيجاد رأي عام مؤيد للدعوة؛ لأن ذلك يوفر عليها الكثير من الجهود ويذلل في طريقها الكثير من الصعاب، ويوجد المجال الخصب الذي تتحقق فيه الأهداف، والمنطلق الذي تنطلق منه الطاقات، ولهذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم الأنصار الإسلام وينشر دعوة الله فيها، ولما تيقن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تكون رأي عام مؤيد للدعوة في المدينة حث أصحابه إلى الهجرة إليها وقال لهم: (هاجروا إلى يثرب فقد جعل الله لكم فيها إخوانًا ودارًا تأمنون بها). 
  2. هجرة المسلم لصاحب المعصية، المصر على ارتكاب الآثام والمنكرات القولية منها والفعلية، والذي من شأنه إمكانية التأثير المباشر أو غير المباشر على المسلم، ولو من باب المشاهدة أو المحادثة أو المخالطة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} الأنعام: 68.
  3. عدم قدرة المسلم على إظهار دينه علانية، وإقامة شعائر هذا الدين بكل حرية كالصوم والصلاة جماعة في الأعياد وأيام الجمع وارتداء الزي الإسلامي المحتشم، فإذا كان لا يستطيع ممارسة هذه الشعائر فإنه يكون في بلاد معادية للإسلام، فيجب عليه تركها والهجرة منها إلى بلد مسلم يستطيع أن يقيم فيه جميع شعائر الدين بكل حرية.
     

لماذا كانت المدينة دار الهجرة

لقد كانت الهجرة معركة من معارك الخلاص بالحق إلى المكان الحصين الأمين، ووقع اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة لتكون دار الهجرة، ويعود هذا الاختيار إلى عدة أسباب، منها:

  1. بيئة المدينة الزراعية التي يغلب على أهلها التفكر في ملكوت السموات والأرض، والتدبر لقدرة الله تعالى على الإبداع والخلق؛ فأهل المدينة أكثر استعدادًا لتقبل الدعوة إلى الله الخالق، وهم يرون الآيات الدالة على وجوده وعظمته في حياتهم اليومية، أكثر من أهل مكة الذين يعيشون على التجارة التي تتطلب الانشغال الدائم والسعي في مختلف أنحاء الأرض من أجل الكسب والربح وكنز المال.
  2. تهيئة الجو في المدينة لاستقبال الدعوة الفاتحة بالهدى والنور، حيث أن بيعات العقبة الثلاث التي كان قد بايع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أشخاصًا من أهل المدينة في مواسم الحج، أوجدت للإسلام ركنًا وللإسلام أتباعًا وللمسلمين أنصارًا، وتردد في بيوتها صوت القرآن وكلمة الإيمان.
  3. وجود أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم من بني النجار في المدينة، فلن تكون هجرته إليها غريبة ولا عجيبة؛ لأن التواصل بين الأرحام والتعاطف بين الأقارب مما لا تستنكره الإنسانية العاقلة.
  4. وجود قبر والد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن عبد المطلب الذي لم يره الرسول، حيث أدركه الموت وهو في رحلة تجارة إلى غزة هاشم في المدينة حيث دفن فيها والرسول ما زال حينها في بطن أمه، فكان من الطبيعي أن تتعلق ذاكرة الرسول بموت أبيه ومثواه، وأن يهفو قلبه إلى البقعة التي ضمته للأبد.
  5. توسط المدينة الطريق بين مكة والشام، ولأهل مكة ارتباط وثيق بالشام، فإليها رحلتهم كل عام، وفيها تدور تجارتهم ونشاطهم الاقتصادي، فالمدينة ذات موقع استراتيجي مهم جدًا يستطيع المسلمون فيه أن يقطعوا الطريق على المشركين ويهددوهم في رحلاتهم وتجارتهم مع الشام.
  6. وأخيرًا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة دار هجرة لأنه كان يتطلع حوله فيجد ثلاثة بلاد: مكة والطائف والمدينة، أما مكة فقد ضاقت بالدعوة، ولم تبق صالحة للمقام، وأما الطائف فرفضوا نصرة الرسول واعتدوا عليه وأداموا قدميه، فلم يبق إلا المدينة فوجههم الله تبارك وتعالى إليها، ويؤيده بنصره وهداه حتى يتحقق النصر.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم