"القرضاوي" يتحدث عن براعة المدرسة التربوية للإخوان المسلمين

كانت الأمة الإسلامية في منتصف القرن الرابع عشر الهجري وقبل ظهور حركة الإخوان المسلمين في حالة ضعف شديد؛ دمرت الخلافة، ومزق الوطن الإسلامي شر ممزق بين براثين المستعمرين من بريطانيين وفرنسيين وغيرهم، وعطلت أحكام الإسلام، وسيطرت القوانين الوضعية والتقاليد الغربية والقيم الأجنبية على حياة المسلمين، وبخاصة الطبقة المثقفة منهم، نتيجة لهيمنة الاستعمار الكافر على أزمة التعليم والتوجيه والتأثير، فخرجت أجيال تحمل أسماء إسلامية وعقولا أوروبية.

وانضم هذا الفساد الذي وفد مع الاستعمار الدخيل، إلى  الفساد الذي خلفته عصور الانحطاط والتخلف، فازداد الطين بلة، والداء علة.

ويذكر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا" أن الله الذي شاء وتكفل بحفظ القرآن، وبقاء الإسلام، وإظهاره على الدين كله، أن يجدد لهذا الدين شبابه، ويعيد لجسد الأمة الهامدة روحه وحياته من جديد، فكانت دعوة الإخوان المسلمين، وكان حسن البنا مؤسس هذه الحركة.

مدرسة الإخوان المسلمين مدرسة نموذجية ناجحة للتربية الإسلامية الحقة، وأهم ما حققته هو تكوين جيل مسلم جديد، يفهم الإسلام فهما صحيحا، ويؤمن به إيمانا عميقا، ويعمل به في نفسه وأهله ويجاهد لإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، وتوحيد أمته.

وقد ساعد على هذا النجاح جملة عوامل:

  1. إيمان لا يتزعزع بأن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع، وبناء الرجال، وتحقيق الآمال.
  2. منهاج للتربية محدد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصدر، متكامل الجوانب، متنوع الأساليب، قائم على فلسفة بينة المفاهيم، مستمدة من الإسلام دون سواه.
  3. جو جماعي إيجابي هيأته الجماعة، يعين كل أخ على أن يحيا حياة إسلامية عن طريق القدوة والمشاركة الوجدانية والعملية مع إخوانه وقيادته.
  4. قائد مرب بفطرته وبثقافته وبخبرته، وهبه الله شحنة إيمانية نفسية أثرت في قلوب من أتصل به.
  5. عدد من المربين المخلصين، الأقوياء الأمناء، آمنوا بطريقة القائد ونسجوا على منواله، أثروا في تلاميذهم، ثم أصبح هؤلاء التلاميذ أساتذة لمن بعدهم.... وهكذا.
  6. وسائل مرنة متنوعة، بعضها فردي وبعضها جماعي، بعضها نظري وبعضها عملي، بعضها عاطفي وبعضها عقلي...

 

خصائص التربية عند الإخوان المسلمين

  أولا: الربانية

  • عماد التربية الربانية هو القلب الموصول بالله عز وجل، والقلب يحتاج إلى ثلاثة أشياء:
  • وقاية.... ليسلم

وقاية من حب ٍالدنيا والمصل الواقي منه؛ هو اليقين بالآخرة، وتذكر مثوبة الله سبحانه، والموازنة بين تفاهة ما عندنا وعظمة ما عند الله." الإخلاص: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده وجه الله تعالي وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو جاه أو تعب أو تقدم أو تأخر. وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة”قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)”(الأنعام).

  • غذاء.... ليحيا

غذاء القلوب إنما يتم بدوام الصلة بالله عز وجل، والقيام بذكره وشكره وحسن عبادته، من هنا كان من المقومات الأساسية التي قامت عليه التربية الربانية الإخوانية؛ العبادة لله تعالي. فهي الغاية الأولي من خلق المكلفين، والعبادة – بالمعني العام-اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال. ولكنا نقصد هنا العبادة بالمعني الخاص، وهو التنسك والتقرب لله تعالي بإقامة شعائره وذكره وشكره.

ومن العناصر الأساسية التي حرص الإخوان عليها في العبادة:

  1. التزام السنة واجتناب البدعة.
  2. الاهتمام بالفرائض، فإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفرائض.
  3. الترغيب في صلاة الجماعة.
  4. الترغيب في التطوع: (التهجد –الدعاء – الاستغفار – الاذكار – الورد – الصيام -..).
  5. الترغيب في ذكر الله تعالي بالمأثور.
  • علاج.... ليشفي 

الإخوان بشر من بني آدم، فلا غرابة أن منهم الخطائين، الذين يخالفون ما به أمروا، أو يرتكبوا ما عنه نهوا، ولكن خير الخطائين التوابون المستغفرون، وهذا هو العلاج الذي تحتاج اليه القلوب لتشفي: التوبة النصوح والاستغفار الصادق، ولا سبيل إلى ذلك الا بالشعور بالذنب، وخشية العقوبة من الرب، والتضرع إليه بصدق العبودية، وذل الاعتراف.

 

ثانيا: التكامل والشمول:

إنه التكامل والشمول الذي تميز به الإسلام في مجال العقيدة، وفي مجال العبادة، وفي مجال التشريع، يتميز به أيضا في مجال التربية، والجوانب الأساسية التي عالجتها التربية عند الإخوان هي ما يلي:

  • الجانب العقلي

لقد ساء فهم المسلمين للإسلام نتيجة أمرين هامين: أولهما: رواسب عصور التخلف، وثانيهما: آثار الغزو الفكري أو الاستعمار الثقافي. وكان على التربية الإخوانية أن تواجه آثار الجهل القديم، والتجهيل الجديد، وأن تجتهد في وضع منهاج متكامل لتثقيف ”الأخ المسلم” تثقيفا يستمد عناصره من ينابيع الإسلام الصافية قبل أن تكدرها الشوائب بالزيادة أو الحذف، بعيدا عن تعقيدات المتكلمين، وتكلفات المتصوفين، واعتراضات المتفقهين.

ولذلك كان القرآن الكريم وتفسيره أول مصادر الثقافة لدي الإخوان، يليها السنة المطهرة، على أن يرجع في توثيقها وشرحها لأئمة الحديث الثقات،ثم علومهما. وكذلك التاريخ الإسلامي، والتيارات المعادية كالصهيونية والماسونية وغيرهما. وكذلك أهتم الاخوان بالعلوم الاجتماعية والطبيعية من خلال اهتمامهم بشريحة الطلاب.

وكان من نتاج ذلك أن تخرج من مدرسة الإخوان علماء كبار في شتي المجالات سواء في التخصصات الشرعية أو الاجنماعية او الطبيعية أمثال الأساتذة: سيد سابق، محمد الغزالي – العسال – عبد القادر عودة - حسان حتوت – إبراهيم أبو النجا – كامل الشريف – أحمد عبد العزيز – السباعي – الصواف – زغلول النجار – عبد الحميد الغزالي – عادل كمال – البيانوني – وغيرهم كثير.

  

  • الجانب الخلقي:

"إن أزمة العالم إنما هي أزمة نفوس وضمائر، قبل أن تكون أزمة اقتصاد وسياسة" وإن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا، أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل، قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لايعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدا وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره.

علي هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلي هذه القوة الروحية الهائلة تبني الأمم، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا.

وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملا وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(النجم: 28).

هذا قانون الله تبارك وتعالي وسنته في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا ”إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”( الرعد:11). ”أقيموا دولة الإسلام في صدوركم، تقم على أرضكم".

ومن أهم ما عني الإخوان بغرسه في أنفس رجالهم من الفضائل الخلقية:

1- الصبر:

“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"(لقمان: 17).

2- الثبات:

"وأريد بالثبات، أن يظل الأخ عاملا مجاهدا في سبيل غايته، مهما بعدت المدة، وتطاولت السنوات والأعوام، حتي يلقي الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية، وإما الشهادة في النهاية ”مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”(الأحزاب: 23)”.

"والوقت عندنا جزء من العلاج، والطريق طويلة المدي، بعيدة المراحل، كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود، مع عظيم الأجر، وجميل المثوبة.

وأفة بعض من المنتسبين إلى الدعوات: قصر النفس، وضيق الصدر، فينقطعون وسط الطريق، أو يرجعون، أو ينحرفون يمنة أو يسرة، بعد أن بعدت عليهم الشقة، وثقل عليهم السير، وطال عليهم الطريق."

3- الأمل:

الرجاء في انتصار الإسلام، والثقة بأن المستقبل لهذا الدين، وأن نصر الله قريب، وإن ادلهمت الخطوب، وتفاقمت الكروب، واليأس من لوازم الكفر، والقنوط من مظاهر الضلال ”إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"(يوسف:87)" وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ("(الحجر: 56)"، إن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد.

ويؤكد البنا حتمية النصر للإسلام بثلاثة أدلة:

الدليل الشرعي: " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”(التوبة: 32).

الدليل التاريخي: إن هذا الدين أشد ما يكون قوة، وأصلب ما يكون عودا، حين تحيط به النوائب، كما في حروب الردة، وحروب الصلبيين والتتار، حتي أن التتار الغالبين يدخلون مختارين في دين المغلوبين.

الدليل الحسابي: لقد كانت قيادة الحضارة يوما شرقية بحتة على يد الفراعنة والهنود والصين والفرس، ثم انتقلت إلى الغرب عن طريق اليونان والرومان، ثم عادت إلى الشرق عن طريق حضارة الإسلام، ثم انتقلت إلى الغرب الحديث كما نري اليوم، وها نحن ننتظر أن تعود إلى الشرق مرة أخري، بعد أن أفلس الغرب معنويا وروحيا”.

4- البذل:

وهو الأخلاق التي ربي عليها الإخوان، وقد يعبر عنه بالتضحية.

 

  • الجانب البدني:

البدن هو مطية الإنسان للوصول إلى أهدافه، والقيام بأعبائه الدينية والدنيوية ”إن لبدنك عليك حقا”، وهدف الاخوان من هذه التربية:

  1. صحة الجسم وسلامته من الأمراض.
  2. قوة الجسم ومرونته، ففي الحديث: ”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”، وفي الأثر”علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل”.
  3. خشونته وتحمله، فلا تكفي صحة الجسم وقوته، ما لم يألف الخشونة، ويتعود احتمال المشقات.

 

  • الجانب الجهادي:

مفهوم الجهاد أعمق من مفهوم العسكرية؛ إن العسكرية انضباط وتدريب، ولكن الجهاد إيمان وأخلاق وروح وبذل، مع الانضباط والتدريب كذلك أيضا. وقد حكي الأستاذ كامل الشريف في كتابه ”الإخوان في حرب فلسطين” من الوقائع والقصص البطولية ما ينبغي أن يروى للأجيالليكون عبرة وذكرى، وكذلك كتابه ”المقاومة السرية في قناة السويس” الذي أرخ لجهاد الإخوان ضد الانجليز.

وكذلك من الجهاد محاربة الفساد والقيام بحق الدعوة والثبات على تبليغها وتحمل مشاقها وطول طريقها، وفي الحديث: ”جاهدوا المشركين بأيديكم وأموالكم وألسنتكم”.

" وأريد بالجهاد: الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، والمقصود بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ”من مات ولم يغزو ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية”.”وأول مراتبه: إنكار القلب، وأعلاها؛ القتال في سبيل الله، وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر. ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة، وسعة أفقها، تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين ”وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ”(الحج:78)."

إن هذا الإباء الأشم الصلب، من قضية الإسلام، وقضايا المسلمين، ورفض كل محاولة للمساومة عليها أو التفريض فيها، طالما عرض الحركة لتدبير المكايد لها، وحياكة المؤامرات لضربها، بل العمل على اقتلاعها من الجذور، لو استطاعوا.

وهذا هو السر وراء المحن القاسية المتلاحقة، والضربات الهمجية المتتابعة، وبرغم هذا لم تلن قناة الإخوان للوعد والوعيد قبل المحن، ولا لانت قناتهم أثناء المحن، ولا لانت كذلك بعد المحن لقد صبروا صبر الرجال، وثبتوا ثبات الأبطال، وإن شئت قلت ثبات المؤمنين، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

 

  • الجانب الاجتماعي:
  1. إن فعل الخير جزء لا يتجزء من مهمة المسلم التي أمره الله بها، فهو مأمور بفعل الخير والدعوة إليه كما هو مأمور بالصلاة والزكاة.
  2. المسلم عضو حي في جسم مجتمعه، لابد أن يحس بألامه ويعمل على إزالتها أو تخفيفها، ولا يسعه أن يقف متفرجا أمام جائع أو مريض وهو يقدر على إعانته.
  3. إن عمل الخير نفسه من أعمال نشر الدعوة، فالدعوة كما تنشر باللسان والقلم تنشر بالاحسان والعمل. وفي الجماعة طاقات تقدر على خدمة المجتمع، ولا تقدر على العمل الفكري أو التربوي، فمن الخير ألا تترك فارغة.

 

  • الجانب السياسي:

ونعني به: ما يتصل بشئون الحكم، ونظام الدولة، والعلاقة بين الحكومة والشعب، والعلاقة بين الدولة وغيرها من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، والعلاقة بالمستعمر الغاصب..وغير ذلك من القضايا العديدة المتنوعة.

تقوم التربية السياسية لدي مدرسة ”حسن البنا”علي جملة دعائم أهمها:

  1. تقوية الوعي والشعور بوجوب تحرير الأرض الإسلامية من كل سلطان أجنبي بكل وسيلة شرعية. من المطالبة لدى الهيئات الدولية، وكسب الرأي العام العالمي، إلى المقاطعة الاقتصادية لسلع المستعمر ومنتجاته، إلى التعبئة والدعاء والقنوت إلى  إعلان الجهاد المقدس.
  2. إيقاظ الوعي والشعور بفرضية إقامة ”الحكم الإسلامي” وضرورته، فهو فريضة شرعية، وضرورة قومية وإنسانية.
  3. إيقاظ الوعي والشعور بوجوب الوحدة الإسلامية، فهي أيضا فريضة دينية وضرورة شرعية.

كانت تربية الإخوان السياسية تربية إسلامية خالصة، لأنها تستند مقوماتها ومفاهيمها من الإسلام وحده، وكانت تربية إيجابية واعية، تقوم على الفهم لا التهريج، وعلي العمل لا الكلام، وعلي البناء لا الهدم، وعلي الحق لا الهوي، وعلي التضحيات وإنكار الذات، لا على المغانم وإتباع الشهوات.

 

ثالثا: الإيجابية والبناء

 لقد حرص البنا على تجنيب الإخوان السلبية، وروح المراء والجدل العقيم، وفتح لهم مجالات العمل، وهي مجالات كثيرة ومتنوعة، تشرئب لها أعناق المجاهدين:

  •  فكان الركن الثالث من رسالة التعاليم ركن ”العمل”: ”وأريد بالعمل..ثمرة العلم والإخلاص”وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى  عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”(التوبة: 105).

       ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:

  1. إصلاح نفسه حتي يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدا لنفسه، حريصا على وقته، منظما في شئونه، نافعا لغيره. وذلك واجب كل أخ على حده.
  2. تكوين بيت مسلم. وذلك واجب كل أخ على حده.
  3. إرشاد المجتمع. وذلك واجب كل أخ على حده، وواجب الجماعة كهيئة عاملة.
  4. تحرير الوطن.
  5. إصلاح الحكومة.
  6. إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية.
  7. أستاذية العالم.

وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة، وعلي كل أخ باعتباره عضوا في الجماعة. وما أثقلها من تبعات، وما أعظمها من مهمات، يراها الناس خيالا ويراها الأخ حقيقة، ولن نيأس أبدا، ولنا في الله أعظم الأمل ”وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”(يوسف:21).

  • والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى  خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى  الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى  المراء المذموم والتعصب.
  • ويقول في الوصايا:
  1. قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف..
  2. اتل القرآن أو طالع أو استمع أو اذكر الله ولا تصرف جزءاً من وقتك في غير فائدة..
  3. اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام..
  4. لا تكثر الجدل في أي شأن من الشئون أيا كان فإن المراء لا يأتي بخير..
  5. لا تكثر الضحك فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور..
  6. لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد..
  7. لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج فإنه رعونة وإيذاء..
  8. تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بخير..
  9. تعرف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يطلب إليك ذلك، فإن أساس دعوتنا الحب والتعارف..
  10. الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك على الانتفاع بوقته وإن كان لك مهمة فأوجز في قضائها..
  • تربية الأخ على أن يجعل الدعوة أكبر همة، ومحور حياته، وغاية سعيه، وأن يعتبر هداية فرد واحد إلى الإسلام خيرا له مما طلعت عليه الشمس ”وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلى  اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"( فصلت: 33).
  • التربية على الحرص على الوقت والانتفاع به، ولقد استطاع الإخوان الاستفادة من وقتهم ختي في السجون والمعتقلات وبلاد المنافي والهجرة.

 

رابعا: الاعتدال والتوازن

التربية الإخوانية توازن بين العقل والعاطفة، وبين المادة والروح، وبين النظر والعمل، وبين الفرد والمجتمع، وبين الشوري والطاعة، وبين الحقوق والواجبات، وبين القديم والجديد.

  • في التعامل مع التراث الإسلامي:

وقد انتفعت الحركة بالتراث الإسلامي كله، فأخذت من علماء الشريعة العناية بالنصوص والأحكام، ومن علماء الكلام الاهتمام بالأدلة العقلية ورد الشبهات. ومن علماء التصوف العناية بتربية القلوب وتزكية النفوس، مع الحرص البالغ على التحرر مما علق بهذا التراث من شوائب ومحداثات، والرجوع إلى الينبوع الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.

" نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعين من السلف الصالح، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتي لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا الله عز وجل به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين الشرية جمعاء”.

  • في النظرة إلى المجتمع وتحديد هويته:

قامت تربية الإخوان على عدم الذوبان في المجتمع أو مسايرته في خيره وشره، وحلاله وحرامه باسم ”التطور" أو”التحديث” ونحو ذلك من العناوين التي يتكئ عليها دعاة ”التغريب" وأدعياء ”التجديد” في ديار المسلمين.

كما لم تقم أيضا على رفض المجتمع والاستعلاء عليه، ومعاملته معاملة العدو للعدو، ومخاطبته من بعيد، ومن عل، بأنف شامخ وخد مصعر، وشعور بالعزلة والاستكبار.

وإنما قامت التربية على أساس الاهتمام بالمجتمع والتفاعل مع أحداثه، والاحساس بآلامة وآماله، بحيث يفرح الأخ المسلم لأفراحه، ويأسي لأساه، ويعمل لإسعاده.

  • في موقف الدعوة من الوطنية وغيرها:

فهو لا يصدم أصحاب هذه الدعوات برفضها رفضا مطلقا، كما لا يقبلها قبولا مطلقا، ولكن يقسمها ويصنفها إلى ما هو مقبول لموافقته للفكرة الإسلامية، وما هو مرفوض لمنافاته لها.

 

خامسا: الإخوة والجماعة

من المعاني الأساسية التي ربي عليها الإخوان المسلمون: الإخوة والمحبة في الله، ولا غرو فاسمهم يحمل هذا معنى ”الإخوان" وقد جعل الإمام البنا ”الإخوة أحد أركان البيعة العشرة.

“وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).

والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71)، وهكذا يجب أن نكون."

ولقد كان المركز العام للإخوان المسلمين؛ ملتقي عالميا تصهر فيه كل الجنسيات ولا يبقي الا رباط  العروة الوثقي، وكلمة التقوي، كلمة الإسلام.

 

خاتمة

ولا ننسى أن نقول أن الحركات في فترات ازدهارها وإقبالها يدخلها كثير من الطامعين ومرضى القلوب، الذين لا يريدون إلا الدنيا ومظاهرها، كما يقولون آمنا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وهؤلاء لم تسلم منهم دعوة، ولم يخل منهم مجتمع، حتي مجتمع المدينة في عصر النبوة.

فمن زعم أن مجتمع الإخوان مبرأ من العيوب نظيف مائة المائة، فقد جهل الإخوان، وجهل الواقع، وجهل التاريخ.

غاية ما نقوله: إن الإخوان المسلمين في مجموعهم يمثلون الصفوة من أبناء هذه الأمة، تحرر عقول، وطهارة قلوب، وزكاة أنفس، واستقامة أخلاق، ونظافة سلوك، وحماسا لدين الله، وحبا لخير الناس، وغيرة على الإسلام، وعملا على استعادة مجده، وتحكيم شرعه، وسيادة أمته.

 

"إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”(هود:88).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم