عوامل النصر

عوامل النصر

الأستاذ حسن الهضيبي


ما أروع التذكرة إن كان المُذكِّر بها حارس الدعوة و أسدها الإمام المستشار "حسن الهضيبي" رحمه الله ، و الذي قال عنه الأستاذ " مصطفى أمين " : (أُعجبت بصموده، انهالت عليه الضربات فلم يركع، حاصرته المصائب فلم ييأس، تلقى الطعنات من الخلف والأمام فلم يسقط على الأرض، كان يحلم و كل من حوله يائسون، كان قوياً وأنصاره ينفضون ويستضعفون) ولا عجب أن كان دعاؤه في كل حين " اللهم يا صاحب الفضل، أهِّلْنِي لرضاك ". فأنصتوا إليه -أيها الأحباب - إذ يقول :

أيها الإخوان: إن الله قد جعلكم جنودا لقضية الحق والفضيلة والعزة في وطنكم وفي العالم الإسلامي كله ، وإذا كان من واجب الجندي المخلص أن يكون مستعدا دائما للقيام بواجبه في خوض المعركة ، فإن من واجبكم أن تكونوا مستعدين دائما لما يؤدي بكم إلى النصر في ميادين الإصلاح والتحرير .ثم يبين الإمام - رحمه الله - عوامل النصر يستنبطها من غزوة بدر فيقول : 

الإيمان: 

فأول هذه العوامل الإيمان الذي لا يخالجه شك .. إن قلوب المؤمنين كانت عامرة بالإيمان ، كلهم آمن بأن الموت حق وأن الحروب لا تقصر الآجال ، و أن القعود في البيوت لا يطيلها : {قُلْ لَو كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلِيهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ…} آل عمران:154، وفي الحديث الشريف: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها وعملها) ، والذين يمنون على أمتهم بأنهم ضحوا بأرواحهم ، لم يقدموا في حقيقة الواقع شيئا . وإنما يجب عليهم أن يشكروا الله أن وفقهم لهذه التضحية ، فلنؤمن بالله وبحقنا ، ولنؤد ما يفرضه علينا الحق تعالى غير خائفين من الموت ولا مما يخيف الناس عادة ، (لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه أبدا ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه أبدا ، طويت الأقلام وجفت الصحف)

- المضـي:

ومن عوامل النصر أنه يجب علينا حين نعتقد أمرا لا نلتفت إلى تثبيط المثبطين ولا تخذيل المخذلين ، بل نمضي فيما اعتزمنا بعد تدبر و تفكر ، نذود عن أفكارنا ما عسى أن يكون قد علق بها من دواعي القعود ، وأن للمثبطين والمخذلين طرقا غاية في البراعة يلبسون فيها الحق بالباطل حتى يشتبه الأمر على الناس ، فليحذر الإخوان أن يستمعوا إلى شيء من ذلك أو أن يسرعوا إلى تصديق الأخبار التي تذاع فإن أغلبها مما يرجف به المغرضون. 

-التفويـض:

من دواعي النصر تفويض الأمر لله تعالى والرضى بما اختار والاعتقاد بأن الخير كله في ذلك ، فالخير الذي نجم عن فوات أبي سفيان للرسول و كان قد خرج للقائه ، ثم لقاء قريش وحربها والانتصار عليها وهي الفئة ذات الشوكة لم يكن هينا في تاريخ الإسلام ، بل كان شيئا خطيرا ، فقد انتصرت فئة قليلة على فئة كانت ثلاثة أضعافها ؛ فأدى ذلك إلى علو مكانة الإسلام و هيبته في نفوس العرب وإلقاء الرعب في نفوس المعاندين .. وهذا وذلك من عوامل قوة الدعوة وإضعاف خصومها.

- العـدة :

إٕن الله -تعالى- قد أمرنا أن نتخذ العدة فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} الأنفال : 60 ، وهذه هي سنة الله -تبارك وتعالى- الكونية في الأمم والشعوب ، وإعداد القوة لا يقتصر على القوة المادية ، ولعل قوة النفس بالإيمان وتحصينها بالتقوى والبعد عن المعاصي تقع في المرتبة الأولى من وسائل الإعداد ، ولكن لا يجب أن نعتقد أن العدة وحدها كفيلة بالنصر ، وقد ذكر الله في آيات كثيرة من القرآن {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} آل عمران :123، {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} التوبة:26-25، {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} الأنفال :17. 

لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله في عريشه أن ينصر المسلمين ويبالغ في دعائه مع أن الله قد وعده بالنصر ، ولعله فعل ذلك مخافة أن يختلج قلب مسلم بالظن بأن العدة كافية ، أو أن يختلج قلب مسلم معصية فيحبط عمله. 

فعلينا - أيها الإخوان - أن نزود أنفسنا بالقوة : قوة الإيمان وقوة التقوى وقوة الأخلاق والاستقامة ، وأخيرًا القوة المادية بجميع أنواعها.

وختم - رحمه الله - بوصية للإخوان ، فقال: فزكوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وحاربوا أهواءكم وشهواتكم قبل أن تحاربوا أعداءكم ، فإن من انهزم بينه وبين نفسه في ميدان الإصلاح أعجز من أن ينتصر على عدوه في معركة السلاح ، و كونوا مثلًا حيًّا بأقوالكم للأخلاق القرآنية حتى يعرفكم الناس بأخلاقكم قبل أن يعرفوكم بأقوالكم,. 

 

 

.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم