تؤكد الأبحاث التربوية أن ما يحصل عليه الطفل من زيادة في جرعات الاهتمام والرعاية والتدليل عن الحد المألوف، قد ينقلب إلى ضده، مما يكوِّن خصالاً سيئة ضارة لديه، ويعزى إلى كونه - الطفل - ليس كائناً محايداً في الأسرة، وإنما يتحدد انطلاقاً من المقام الذي يعطى إياه من قبل الأسرة عموماً ومن قبل الوالدين على وجه الخصوص، وعلى ذلك فقد يختلف الإخوة فيما بينهم تبعاً للمكانة الخاصة التي يحظى بها لدي والديه..
وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث عبدالحميد غزي بن حسن، مساؤى تدليل الطفل، ويرى أن أن كثرة التدليل والرعاية الزائدة تولد لدى الطفل خصالاً سيئة ضارة، ومنها: الاعتماد على الأبوين، وتولد الأنانية في شخصية الطفل، وزرع الضغينة بين الأطفال، وترك الأهل حبل الولد على غاربه.
أسباب الظاهرة
ولعل من جملة الأسباب التي تكمن خلف ظاهرة الدلال للطفل، هو ما يمثله الطفل بالنسبة للأم، فقد يمثل لها معنى أو أكثر في الوقت نفسه، أو أنها وجدت فيه توكيدا لأنوثتها ودليل نضج وتقدم عن طريق الأمومة، وهو نتاج وجودها.. وهو موضع اعتزازها بنفسها أو قلقها الوجودي، وهو ضمانة استمرار الحياة الزوجية، ومجسد آمالها ورغباتها التي لم تستطع تحقيقها.
وقد تحب الأم أحد الأبناء وتدللـه وتعطيه مكانة مفرطة على حساب الآخرين والعالم الخارجي على حد سواء، لأنه ولد بعد طول انتظار، أو بعد موت عدة أطفال أو إجهاض متكرر، أو يعزى إلى قدوم ولد بعض عدة بنات.. وقد تدلل الأم الطفل لأنها ترى فيه مرآة ذاتها.. ترى الطفلة التي كانت والتي ما زالت تعيش في لا وعيها.. أو لأنه يثير فيها قلق الموت، نظراً إلى اعتلال صحته وأصابته بالأمراض.
وقد يكون وراء هذا الدلال المفرط، تعويضاً ونفيا لميول عدوانية تجاهه.. وربما تدلل الأم أحد أطفالها كي تنافس والدتها على الأمومة.. وقد تجد الأم في ممارستها الدلال المفرط والعناية الزائدة لطفلها، تعويضاً نرجسياً عن فشلها العلائقي، أو محاولتها للتدليل كأسلوب في الرشوة العاطفية كي تستقطبه إلى جانبها في حالة تحويل الإحباط الزوجي إلى تنازع على حب الأطفال من خلال محاولة كل من الزوجين تقديم الرشوة إلى الأبناء.
الآثار السلبية للضلال
الدلال يترك لا محالة آثاراً سلبية ضارة لدى الطفل وقد تصل في خطورتها إلى مستوي الظلم والجور على باقي الأبناء، يقول صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم»، والعدل بين الأبناء يجب أن يكون في كل شيء ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وقد بشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يعدل بين أولاده ببشرى عظيمة: «فهم على منابر من نور يوم القيامة».
ومن الآثار السلبية أيضا أن الطفل عندما يكبر لا يستطيع أن يعمل أي عمل إلا بمساعدة أبويه، فلا يأكل إلا بيد أمه، مما يؤدي الأمر إلى الالتصاق بأمه لأنه لا يطيق مفارقتها.. ولا يطيق الالتحاق بالمدرسة بسبب الارتباط العضوي والنفسي بأمه وأبيه وبيته.
وأيضا فإن من صور الدلال الضار الاستجابة لكافة رغبات الطفل، ما يولد عنده الأنانية وحب الذات، لدرجة قد تدفعه إلى حب التملك والرغبة في الحصول على كل شيء وبشتى الوسائل والسبل، حتى ولو كان عن طريق العنف والنزاع.
وأيضاً من مساوئ الدلال على سلوك الطفل، قلة المناعة عند الطفل، وتدهور صحته، نظراً للرعاية الزائدة للطفل والقلق الزائد عن الحد الطبيعي بشأنه، مما يستدعي الطبيب حتى ولو عطس أو سعل، والضار في بعض الأحيان، تلك الآثار السيئة لبعض الأدوية، لذلك نكون قد نزعنا من الطفل أهم نعمة رزقها الله له.
.