المعايشة ضرورة تربوية

يوجد عوامل كثيرة تؤثر في تكوين شخصية المتربي؛ كالمربى والبيئة والمجتمع والمواقف والقدوة، ولكن يظل المربى هو المحور الأساسي وصاحب التأثير الواضح في تكوين الشخصية، وله القدرة علي أن يوظف العوامل الأخرى للتأثير في المتربي.

كما أن المربي صاحب التأثير الأساسي في دوائر التربية الثلاث: دائرة التربية الذاتية (الجهد الذي يبذله الفرد لتربية نفسه)، ودائرة التربية الجماعية (الخاصة والعامة) ودائرة التربية الفردية (والتي تتم بين المربى والمتربي)، وهذه العملية التربوية لا تتحقق ولا تُحدث التأثير في الشخصية إلا بالمعايشة، فالمعايشة مسار أساسي ومن أهم وسائل التربية وبدونها يقل التأثير.

 

والمعايشة هي: مصاحبة المربي للمتربي بشكل مستمر؛ فكريًا وعاطفيًا وسلوكيًا؛ بهدف التعرف عليه والتأثير فيه.

 

وتبرز أهمية المعايشة في  التقويم الصحيح والدقيق، والتعرف على أحوال المتربي، للارتقاء بجوانب الشخصية، وحل المشكلات التربوية، والرعاية والمتابعة وتوفير الاحتياجات.

 

جوانب المعايشة

ويوجد عدة جوانب للمعايشة تتلخص في التالي:

  • المصاحبة المستمرة لفترات طويلة (مع التنويع فى مجالات المعايشة وعدم التركيز على جانب واحد)
  • التعارف الشامل (التعرف على الجوانب المختلفة للشخصية كالميول والاتجاهات وما يحب وما يكره).
  • التفاعل والتواصل على المستوى الفكري والنفسي والروحي والقلبي، ومن العوامل التي تقوى هذه الروابط كوحدة الفهم والغاية والأهداف والرسالة، ويبقى هذا التواصل القلبي المفتاح الأهم لنجاح المعايشة.
  • المعايشة الهادفة التي ليست مقصودة لذاتها بل لتحقيق أهداف تربوية؛ كتوثيق العلاقات ومعالجة العيوب السلوكية والفكرية والنفسية واكتشاف الطاقات وتنمية المواهب والمهارات.
  • المناخ الصحي الإيجابي، وهناك عدة عوامل تؤثر فى هذا المناخ:

* بناء الثقة، فلابد أن يطمئن الفرد إلى كفاءة وأمانة من يربيه وعلى المربى أن يضبط أدائه ويكون وثيقاً في التوصيل والنقل.

* سعة صدر المربى، وحسن استقبال الملاحظات وقبول النصيحة.

* إتقان مهارة التوجيه التربوي والتحفيز والبعد عن الجفاء في التكليف وتوجيه الأوامر.

* المحاسبة التربوية المناسبة، فالمحاسبة تأتى بنتائج عكسية إذا لم تتم بالشكل التربوي السليم.

- الإنصاف وتحرى الدقة في الحكم على الأشخاص، مع الشفافية والمصارحة في التعامل مع المشكلات وحفظ الأسرار.

 

مهارات المربي

وحتى يحقق المربي المعايشة الفعالة يحتاج لعدة صفات ومهارات، منها:

  • الربانية: التذكير الدائم بالله واليوم الآخر وربط التكليف بالأجر والثواب (حق الشيخ بالتربية الروحية).
  • القدوة: التأثير بالسمت الحسن فالمعايشة يتولد عنها المحاكاة وقد ينتقل الخلل من المربى إلى الفرد دون أن يشعر.
  • يَألف ويُؤلف: لابد من إشاعة جو من الحب لإحداث المناخ المناسب للتوجيه.
  • الاتزان في العواطف والانفعالات: استقبال المواقف والأحداث دون تهويل أو تهوين، والاتزان في ردود الأفعال والبعد عن رد الفعل العنيف.
  • سعة الصدر وسلامة القلب: لا يكفي أن يكون المربى واسع الصدر تجاه إخوانه بل لابد من سلامة الصدر أيضاً فكلاهما لا يغنى عن الآخر، ويدعو لهم بظهر الغيب.
  • القدرة على التوصيل والنقل والتوريث: وهى مهارة ضرورية لإتقان توريث الخبرات المتراكمة لدى المربى.
  • القدرة على اكتشاف وتنمية وتوظيف المواهب والقدرات.
  • القدرة علي التقويم الصحيح والدقة في الحكم على الأشخاص.
  • القدرة على الاستيعاب وحل المشكلات.
  • استثمار الوسائل التربوية في تحقيق المعايشة.

معوقات المعايشة

 من أهم معوقات المعايشة التربوية ضيق وقت المربى وانشغاله، ويجب تخفيف الأعباء عن المربى قدر الإمكان ليقوم بدوره المطلوب، ويستطيع المربى أن يتغلب على هذه المشكلة بالطرق التالية:

  • استشعار عِظم الأجر والثواب.
  • استثمار الوقت المتاح.

أشكال المعايشة

من أشكال المعايشة التواصل الفردي بلقاءات متكررة و متقاربة، المعايشة الجماعية.

 نماذج للاقتداء

  1. تربية الله عز وجل لنبيه موسى-عليه السلام-:
  • هيأ الله له العمل في رعى الأغنام ليتعايش مع بيئة تحتاج إلى الصبر والأناة (لأنه كان سريع الغضب) تمهيداً لقيامه بحمل الرسالة.
  • موسى -عليه السلام-والغلام (يوشع بن نون): رباه بالمعايشة في رحلته الطويلة إلى الخضر.
  • موسى والخضر-عليهما السلام-: والتربية والتعليم عبر المصاحبة والمعايشة
  1. محمدٌ-صلى الله عليه وسلم-
  • مع سيدنا جابر بن عبد الله، وتفقده لأحواله بعد زواجه من امرأة ثيب لترعى أشقائه الصغار وكيف خاطبه بخطاب يناسب سنه ويلامس احتياجاته-هلا بكراً تداعبها وتداعبك-ثم شعوره بأزمته المادية فاشترى منه ناقته الضعيفة ثم أهداها إليه.
  • محمدٌ-صلى الله عليه وسلم- والرجل الذي جاء يطلب الصدقة وهو قادر على الكسب، وكيف أقنعه بالابتعاد عن المسألة وأرشده إلى العمل -وضع له برنامجاً عملياً لحل مشكلته وتابعه حتى النهاية- أعطاه المدة المناسبة لتحقيق أهدافه. وازن بين احتياجات عمله وبيته.

 

توصيات هامة للمعايشة الفعالة

  • الصبر وحسن المعاملة ومراعاة الضعيف والبطيء مع الاستفادة من النقاط الإيجابية.
  • المشاركة معهم فيما تكلفهم به ولا تتخلف إلا لعذر قاهر، وتجنب فرض التكاليف المرهقة.
  • لا تُفت بغير علم في أي مجال.
  • لا تحجب الكفاءات (وتجرد لله حتى وان أخذ مكانك).
  • ركز على البناء والتربية الوقائية التحصينية ولا تنتظر وقوع المشكلات.
  • أعط أولوية لعلاج العلل القادحة أولاً.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم