(الشورى والمساواة).. مواقف تربوية من غزوتي بدر والأحزاب

 

تعتبر السيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة تربوية نبويّة متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من المواقف التربوية العظيمة والفوائد الجليلة، التي تضع للدعاة والمعلمين والمربين منهج التربية في التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها، وهذه بعض من المواقف التربوية من حياة وسيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

غزوة بدر هي إحدى الغزوات المليئة بالمواقف التربوية، ولعل من أبرزها موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأكيده لمبدأ الشورى، باعتباره مبدأً من مبادئ الشريعة، وصورة من صور التعاون على الخير، يحفظ توازن المجتمع، ويجسّد حقيقة المشاركة في الفكر والرأي، بما يخدم مصلحة الجميع.. فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المؤيَّد بالوحي -استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرات:

  1. حين الخروج لملاحقة العير.
  2. وعندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها.
  3. واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر.
  4. واستشارهم في موضوع الأسرى؛ وكل ذلك لِيُعُّلم الأمة أن تداول أي فكرة وطرحها للنقاش يسهم في إثرائها وتوسيع أفقها، ويساعد كذلك على إعطاء حلول جديدة للنوازل الواقعة.

وهذا الموقف التربوي في ترسيخ مبدأ الشورى ظهر كذلك جليا في غزوة الأحزاب، إذ لما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزحف الأحزاب إلى المدينة، وعزمها على حرب المسلمين ، استشار أصحابه ، وقرروا بعد الشورى التحصن في المدينة والدفاع عنها، وأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- اعتمادا على خبرته في حرب الفرس، بحفر خندق حول المدينة، وقال: «يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا».. فوافقه وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر بحفر الخندق حول المدينة، وتمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة.

لقد أنزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشورى منزلتها ورسخَّها في حياة الأمة، إذ الحاجة إليها في الشدائد والقرارات المصيرية على غاية من الأهمية، فالشورى استفادة من كل الخبرات والتجارب، واجتماع للعقول في عقل، وبناء يساهم الجميع في إقامته، ولذا قال الله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى: من الآية38).

كما أقرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر والأحزاب -وغيرهما من غزوات- مبدأً آخر لا يقلّ أهمية عن الشورى، وهو تطبيق المساواة بين الجندي والقائد، ومشاركته لهم في الظروف المختلفة، يتضح ذلك في موقفه وإصراره -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر على مشاركة أبي لبابة وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- في المشي وعدم الاستئثار بالراحلة، وفي الأحزاب تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهمة الشاقة في حفر الخندق، وكان لمشاركته -صلى الله عليه وسلم- الفعلية في الحفر الأثر الكبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين.

لقد أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بدر والأحزاب -وغيرهما من الغزوات- موقفا تربويا عمليا في الشورى وأهميتها، وفي مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم