Business

رمضان والمسارات الأربعة

إن رمضان لفرصة ذهبية ونفحة ربانية للصدق مع النفس وصفائها، فلا شهوات، ولا شياطين، إضافة إلى جماعية الطاعة، من صيام وقيام وقراءة قرآن، فهذه وغيرها عوامل محفزة للمراجعة وتصحيح المسار، فعلينا أن نصدق النية مع خالقنا ومولانا، ثم نأخذ بالأسباب: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} (التوبة :46)، فالواجب علينا أن نتوقف ساعة صدق مع أنفسنا، نستشعر فيها التفريط، ولا نتهاون كالغافلين، وفى حديث ابن مسعود رصي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا؟» وأشار الراوي بيده فوق أنفه.

وفي هذه الدراسة، يرى الباحث متولي البراجيلي، أننا تنتظم حياتنا أربعة مسارات: مسارنا مع الله، وأول ذلك توحيده وتقواه، ومسارنا مع رسول الله، ودليل ذلك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسارنا مع الناس ويظهر ذلك في أخلاقنا ومعاملاتنا معهم، وأخيرا مسارنا مع أنفسنا.

 

المسار الأول: مع الله تبارك وتعالى

أصل الأصول وأوكد الواجبات، هي وظيفة العمر: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 99)، من أجل تقواه خلق الله السموات والأرض، وجعل الجنة والنار، والتقوى سبب السعادة في الدارين، بها ينال العبد محبة ربه ورضاه، وبدونها يشقى العبد ويبغضه ربه. إن لمن أكبر النعم على العبد أن يوفق لتقوى الله وطاعته، وأن يثبت عليها، فتلك -والله -لهي الكرامة.

هي الوصية الجامعة لجميع الأمم من الأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء: 131)، وهي سبيل النجاة، والمخرج من كل الأزمات، والتفريج لكل هم وغم قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2)، وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق :4).

وهي موعظة (المودع) من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنهما؟ الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال: «عليكم بتقوى الله ...»

وشهر الصيام هو شهر التقوى، فالله تعالى ذكر في كتابه أن العلة من فرض الصيام هي تحقيق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة :183).

 

المسار الثاني: مع الرسول صلى الله عليه وسلم

أمر الله تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في عشرات المواضع من القرآن، وجعل طاعته صلى الله عليه وسلم من طاعة الله قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء: 80)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء: 64)، وأقسم بذاته سبحانه وتعالى بنفي الإيمان عمن لم يتحاكم إليه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65)، فهذه النصوص وغيرها تؤكد وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحال جماعة من الناس يعرضون عن سنته، ويقولون لا نأخذ إلا بكتاب الله. كما بحديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله ...».

 

المسار الثالث: مسارنا مع الناس

وقد أمر الله عباده بالإحسان إلى الناس والإحسان أوجب في رمضان، وكما بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النار». قال يا رسول الله: فإن فلانة يذكر قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة» (مسند أحمد وغيره).

 

المسار الرابع: مسارنا مع أنفسنا

وعلل أنفسنا كثيرة من كبر وعجب، وحسد وحب الرئاسة، والعلو ومقت إخواننا ، فتفقد أحوال نفسك وعليك بتزكيتها، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات: 40- 41) وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (الشمس: 9)، وفى الحديث عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «... اللهم أت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ...» فاجعل لنفسك عند إقبالها على أمراضها لوما، فلقد أقسم الله تعالى بالنفس اللوامة: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (القيامة: 1).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم