المولد النبوي

مواد عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أخلاقه وشمائله، معجزاته، ودروس مستفادة من حياته لتطبيقها في عصرنا الحالي.

المولد النبوي

ذكرى مولد الرسول الأعظم

ذكرى مولد الرسول الأعظم

قبر النبي صلى الله عليه وسلم

بقلم الأستاذ الشهيد حسن البنا

طلبت مجلة الهداية الإسلامية ببغداد كلمة من فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين لتنشرها فى عددها الخاص بذكرى مولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه، فكتب فضيلته مقالا رأينا أن ننشره على صفحات مجلتنا فيما يلى:

هنالك فى مكة البلد الحرام الآمن، وبين أبوين فقيرين إلا من الطهارة والنقاء، نجم طفل لم يكن ليدرى أحد أن آمال الدنيا تعلقت به، وأن سعادة البشرية تتطلع إليه، وإذا كان فى أهل الفراسة من رأى فيه من دلائل العظمة النفسية وقوة الخلق ما يعده لعمل عظيم، ويجعل له شأنًا جليلا؛ فإن أحدًا من هؤلاء لم يستطع أن يدرك أن هذا الطفل على إقلاله سوف يطوى سلطان دولتين عظيمتين تحت لواء أمة بدوية ليس لها نصيب من علم، ولا حظ من حضارة، وكل حظها من ذلك هو ما رسمه لها محمد عليه الصلاة والسلام من الطريق إلى الدنيا وإلى الدين معًا.

ولقد درج المسلمون على أن يتناولوا قصة مولده عليه صلوات الله بالكثير من الوصف الذى افتتنت فيه أخيلتهم افتنانًا ليس معه زيادة لمستزيد، وليس بما ينفع فى وضعنا الحاضر أن نقتصر على تناولها بالأسلوب الذى كان أسلافنا يتناولونها به من قبل؛ فقد كان هؤلاء يتناولونها للتاريخ إن كانوا من الخاصة، أو إيثارًا للمتعة الروحية إن كانوا من العامة، وربما كان لهم آنذاك من الحياة في ظل الدولة الإسلامية المستقرة ما يبيح لهم هذا ويغريهم به ويشجعهم عليه. فأما الآن وقد تكالب الغرب علينا، ووضحت مقاصده فينا، ولم يعد عندنا شك فى أنه يتحرى إذلالنا واستغلالنا؛ فما أحوجنا إلى أن نقصد دائمًا إلى الفطنة والاعتبار بحياته الشريفة، ثم ما أحوجنا إلى القدوة بما كان يأتى -عليه السلام- من أعمال تشد من أزر الحق وترفع من منار الإسلام.

إن المسلمين اليوم فى حاجة شديدة إلى أن يتذكروا محمدًا رسول الله الذى احتمل الآلام، وصابر المشقات فى سبل بناء الإسلام وإقامة صرحه الشامخ حتى يكون له أن يقتدوا اقتداءً عمليًا يزلزل الأوهام فى نفوسهم والاستعمار فى أوطانهم، وإذا كان لهم أن يذكروا محمدًا الطفل الفقير اليتيم الذى لم يتلق فى مدرسة علمًا، ولم يدرك من عطف أبويه حظًا؛ فذلك لكى يستعينوا بهذه الذكرى على اليأس الذى ملأ النفوس؛ فهد العزائم، وضلل العقول من حيث يكون لهم أن يذكروا أن يتيمًا قِلا فى المال قد استطاع بالصبر والإيمان ليس غير أن يُنهض أمته، وأن يدفع بها إلى العالم كله، حاملة إليه النور منبعثًا من كتاب الله وهدى نبيه لكى يحمله على الهدى والفلاح.

وإذا كان عليه السلام قد ولد فى ظروف كان العالم فيها قلقًا حائرًا عاكفًا على اللذائذ المادية عكوفًا نسى معه جلال الروح، وغرق منه فى جحيم المادة، وإذا كانت النظم يومئذ لم يقوَ شىء منها على أن يمنح الناس شيئًا من الرضا، ولم يسبغ عليهم ظلا فى الطمأنينة؛ فالفقر المميت والترف الناهك هما مظهر الحياة الاجتماعية آنئذ، وإذا كانت دعوة محمد -عليه السلام- وحدها التى استطاعت أن تكون دواء هذه الأدواء؛ فعلى المسلمين فى كل مكان أن يتذكروا ذلك، وأن يزنوا الحال التى تحيط بهم بتلك التى تقدمت عليهم، وهم سيعلمون أنهم مقصرون فى تبليغ الدعوة وأداء الأمانة؛ بل عليهم أن يذكروا أنهم إن استطاعوا أن يحتجوا بعجزهم عن حمله إلى الناس كما حمله أسلافهم فليسوا بمستطيعين أن يحتجوا لعجزهم عن أن يحملوا به أنفسهم من بغى الباغين وإذلال المستعمرين.

هذه هي العبرة التي يجدر بنا أن نتشبث بها دائمًا حينما يكون لنا أن نتحدث عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام. والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مجلة الإخوان المسلمين – السنة الخامسة – العدد 137 –

10 ربيع الأول 1366هـ / 1 فبراير 1947م

.

قراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم