رؤية الإخوان التربوية في الحياة السياسية

 

من رحمة الله عز وجل بالخلق أنه تداركهم برسالاته وكلامه، ووجههم إلى ما يصلح أحوالهم في دنياهم قبل أن يحشروا إليه فيحاسبهم على ما كان منهم من خير وشر، وقدر لهم أن يعيشوا جماعات في مجتمعات وجعل بينهم حدا يعيشون في كنفه لا يبغى بعضهم على بعض وهو تقوى الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، ووهبهم لغة الحوار والتفاهم والسياسة لتستمر كينونة الكون في مهمتها وهى الاستقرار والتعمير.

وفي دراسة حصرية «للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية» للباحث عبده دسوقي عن «رؤية الإخوان التربوية في الحياة السياسية» يعرض فيها للمفاهيم السياسية التي يتبناها الإخوان المسلمين ونتائجها التربوية على المجتمعات والشعوب.

 

مفهوم السياسة

للسياسة مفاهيم كثيرة بعضها يحيد عن المعاني التي غرسها الإسلام في أبناءه، ويريد الغربيون الانسياق وراءها مثل نظرية ميكافيلي التي تعني أن الغاية تبرر الوسيلة.

والسياسة بمفهومها ليست حرام في شريعة الإسلام، وهو ما وصفها القرآن بالحكم والقيام على شئون الرعية بشتى مسمياتها، كما ذكرها القرآن تحت عنوان الإمامة والخلافة والولاية والحكم فجعلها أمانة بيد الحاكم، وضرورة عقدية لهداية الإنسان، وإصلاح الحياة البشرية، لتحقيق العدل، وتطبيق القانون والنظام اللذين يحفظان إرادة الحق والعدل والخير في هذا الوجود.

فكلمة «سياسة» تطلق على كل عمل يتعلق برعاية الأمة، وتدبير شؤونها.. سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية، أو إدارة الدولة، أو نشاط الأفراد والأحزاب الإسلامية، أو القضاء وإدارة العلاقات الخارجية والدفاع عن الأمة والعقيدة والأوطان... إلخ. إذن فالحكومة مسؤولة عن رعاية شؤون الأمة، والأمة مسؤولة عن رعاية شؤونها، ومن رعاية شؤونها، مراقبتها للسلطة، ومحاسبتها، وإسداء النصح والمشورة، وتحديد الموقف منها عند الانحراف، والخروج عن الخط الإسلامي: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 58-59).

يقول ابن خلدون في السياسة الشرعية بأنها: «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به»([1]).

ولهذا فالسياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، ولا فرق في الإسلام بين السياسة والدين، وبهذا الاعتبار فالنبي كان يستعمل السياسة الحكيمة الراشدة في حكمه، وفي تدبير شئون الدولة؛ لأنه نزل بشريعة تعمل على تحقيق المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.

والدعوة التي نادى بها الإخوان ما هي إلا الإسلام الذي جاء به رسول الله ﷺ بشموله لا فرق بين جزء وجزء آخر، يقول رسول الله ﷺ: «إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِدِينِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ»([2]).

يقول الإمام البنا: «فمن ظن أن الدين– أو بعبارة أدّق الإسلام– لا يعرض للسياسة، أو أن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه، وظلم علمه بهذا الإسلام»([3]).

لكن السياسة التي أرادها الإخوان وعملوا على تربية الشعوب عليها لم تكن السياسة الحزبية المقيتة التي كان تؤدي للفرقة بين الناس من أجل صراع على السلطة، لكنها السياسة التي تبنى على مصالح العامة، يقول الأستاذ البنا:

«إن الفارق بعيد عن الحزبية والسياسة، وقد يجتمعان وقد يفترقان، فقد يكون الرجل سياسيًا بكل ما في الكلمة من معانٍ، وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه، وقد يكون حزبيًا ولا يدري من أمر السياسة شيئًا، وقد يجمع بينهما فيكون سياسيًا حزبيًا أو حزبيًا سياسيًا على حد سواء، وأنا حين أتكلم عن السياسة في هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة، وهي النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال»([4]).

 

أرض الواقع السياسي

كان الواقع الذي نشأت فيه وترعرعت جماعة الإخوان المسلمين أليم، حيث كانت البلاد تموج في مستنقع الاستعمار الذي جثا على صدر الوطن الإسلامي وعمل على تمزيقه وبث روح العداء فيه، والصراع على القومية المقيتة، بالرغم أن الشاعر ظل يصرخ:

فأينما ذُكر اسمُ اللهِ في بلدٍ                 عددتُ ذاكَ الحمى من صلبُ أوطــاني ([5]).

ولقد اشتعلت نار الغيرة الاجتماعية بين فئات المجتمع ما بين غني يرتع في ثراء الاستعمار والخيانة، وما بين فقير يتجرع كؤوس الذل والضنك، وبين اقتصاد كل ما فيه من خير مسلوب لصالح المحتل بقوانين ومعاهدات وافق عليها أصحاب الكروش من الأحزاب، كما سيطر عليها، كبار الملاك ورجال المال عليها والذين انشغلوا بلعبة السلطة والانتخابات مما أدى إلى استهلاك طاقات المصريين في غير موضعها بدلا من توحيد الجهود لتحقيق الاستقلال، كما عمد الاحتلال لاحتواء الأحزاب، والتي قبلت جميعها المفاوضات مع المحتل محولين الصراع معه من ثورة شعب ضد معتد غاضب إلى مفاوضات سياسية مع قوة محتلة لن يأتي من ورائها إلا التحايل والالتفاف على الوضع.

 

أهداف الإخوان التربوية من العمل السياسي

كما ذكرنا لم يكن الإخوان يهدفون من وراء العمل السياسي لصراع يدخلون فيه مع بقية الأحزاب، لكنهم أرادوا أن يغرسوا روح الإسلام والتربية الحقيقية في العاملين في هذا الحقل، كما يغرسون فيهم الفهم الشامل للدين الذي لا يفرق بين أخلاقيات المسلم وأخلاقيات السياسي، وأن يسير الجميع على نهج الرسول الأمين وصحبه الكرام في التعامل السياسي، حيث اعتبروا التربية السياسية منهجًا يرتقي بالشعوب وبأخلاقهم وفهم للحياة وطبيعة الدنيا؛ إذ أن التنشئة السياسية تعبر في أوسع مضامينها عن كيفية نقل المجتمع لثقافته السياسية من جيل إلى جيل حيث يتم اكتساب القيم والاتجاهات والعواطف والمعارف السياسية المختلفة.

فالتربية السياسية عند الإخوان المسلمين هي الجهود التي قاموا بها من أجل تكوين وتنمية المعتقدات والمعارف والاتجاهات التي تؤدي إلى القبول الإيجابي لمبادئ الإسلامي وأهدافه قبولا واعيا والالتزام به ومحو آثار الاستعمار بأشكاله من داخل النفس لدى المواطنين الذين خاطبتهم هذه الجماعة، والتي تؤدي إلى التفكير الاستقلالي المستند إلى أسس الإسلام في الحكم وشئون الأمة الداخلية والخارجية وتوعيتهم بالقضايا المحلية والقومية والعالمية الراهنة وبحقيقة ما يدور في الموقف السياسي؛ كما تعني التوعية العقدية بضرورة الجهاد في سبيل الإسلام بحيث يكون الفرد المخاطب سلاحا للدفاع عن قضايا الإسلام والتصدي لأعدائه، وبحيث يكون قادرا على الدفاع عن حقوقه كمواطن والالتزام بأداء واجباته، وفعالا في العمل الاجتماعي بأنواعه مشاركًا في الحياة السياسية بكفاءة([6]).

إن جماعة الإخوان قد لعبت دورا هاما في الحياة الفكرية والسياسية في مصر واهتمت بفئات المجتمع المصري بالدفاع عن حقوق هذه الفئات والمشاركة في خدمات متعددة لصالحها ([7]).

1- نبذ الخلاف

سعى الإخوان للعمل وسط الناس على نبذ الخلاف وعدم الصراع من أجل المصالح الفردية وغرس المعاني التي تعلو المصالح العامة وتغليبها، فيقول الأستاذ البنا: «تميزت هذه الدعوة بخصائص خالفت فيها كثيرًا من الدعوات التى عاصرتها زمنها البعد عن الخلاف الفقهي لأن الإخوان يعتقدون أن الخلاف فى الفرعيات أمر ضروري لا بد منه؛ إذ إن أصول الإسلام آيات وأحاديث وأعمال تختلف فى فهمها وتصورها العقول والأفهام، لهذا كان الخلاف واقعًا بين الصحابة أنفسهم وما زال كذلك، وسيظل إلى يوم القيامة»([8]).

2- الوحدة

دعا الإمام حسن البنا إلى الوحدة الإسلامية، حيث كان تصوره لكيفية تحقيقها تصورًا واقعيًا عمليًا، قائمًا على التدرج، وجعل علاقة الوحدة الإسلامية بالوحدة الوطنية والقومية، علاقة تحديد وتكامل، وليست علاقة إلغاء وتناقض، يقول الأستاذ البنا: «من أول يوم ارتفع صوت الإخوان المسلمين هاتفا بتحية الجامعة العربية والأخوة الإسلامية إلى جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية وكان ذلك منذ سبعة عشر عاما، وكان الإخوان ينظرون من وراء سجف المستقبل القريب فيرون أن الدنيا ستصير ولا شك إلى التجمع والتكتل، وأن عصر الوحدات الصغيرات والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك أن يزول([9]).كما أن الوحدة أحد المنجيات العشرة التي وضعها البنا في نظام الأسر التعاوني»([10])

3- عدم تكفير المخالف

كان من الأهداف الرئيسية للإخوان في العمل السياسي عدم تكفير المخالفين في الرأي أو وجهات النظر، فلكل فرد له رؤيته وفهمه، ولقد أعلى الإخوان شأن هذا الهدف وعمدوا لإشاعته وسط الجميع، فقال الأستاذ البنا: «لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر»([11]).

4- رفض صور الاحتلال والصهيونية

هدف الإخوان لبث روح العزة والكرامة في النفوس والعناية بتربية الشعوب عليها، فلم يكن هدفهم مقصورا على مصر فحسب، لكن كانت غايتهم تشمل كل البلاد الإسلامية، ولذا عملوا على التخلص من المحتل بكل صوره سواء بالقول أو الفعل، سواء بالكتابات والمؤتمرات والمراسلات أو بالأعمال العسكرية ضد كل محتل.

يقول الأستاذ البنا: «هدف الإخوان المسلمون منذ نشأتهم أن يجددوا لهذه الأمة شبابها، ويبعثوا إليها مجدها، ويخلقوا روحا جديدا فى الجيل الجديد على أسس الإسلام؛ والإسلام كما عرفوه وآمنوا به نظام شامل لمختلف نواحي المجتمع، وبرنامج كامل يبنى الأمة على أقوم الدعائم، وأرقى المبادئ، وأروع المثل، كما يكفل لجميع العناصر والأديان حياة هانئة تحت ظلال العدالة، والإخاء، والمساواة، فهو كافل الحريات، وحامى الأقليات، ومحقق الإنصاف بين مختلف الطبقات».

ولقد كان من البديهي أن يطبع الإسلام تابعيه على الحرية التامة، والعزة المطلقة فلا يرتضون ذلا فى الأرض ولا هوانا: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].

لهذا كان لزاما عليهم- لكي يحققوا للأمة ما يرتجون لها من عزة وكرامة- أن يعملوا جاهدين على تحريرها من نير الأجنبي، واستخلاصها من براثن الاستعمار الغاشم مستوحين فى ذلك روح الحق، ونزاهة القصد ونهج السبيل»([12]).

وأيضا من ضمن الأهداف:

  1. أن يؤمن العضو بمعتقداتهم الأساسية ذات المدلول السياسي.
  2. وأن تتكون عنده العواطف والاتجاهات السياسية المتفقة مع العنصر السابق.
  3. وأن يكون واعيا برسالته وبتنظيمه وبالقضايا السياسية التي تكون الواقع السياسي في مجتمعه وواعيا بحقيقة ما يدور في الموقف السياسي وعيا يدفعه إلى العمل للتغيير.
  4. وأن يكون إيجابيا ومشاركا في قضايا مجتمعيه السياسي والاجتماعي بمختلف صور المشاركة وأن تكو لديه قدرات المشاركة السياسية.

 

وسائل الإخوان في العمل السياسي

طفت المسألة الوطنية على سطح الحياة السياسية فكان للإخوان أعمال سياسية متعددة المحاور، كما كان للإخوان وسائل متعددة ومتنوعة ومبتكرة استطاعت أن تصل لكل أبناء المجتمع من أعلى الهرم حتى الموجودين في أكناف الجبال، فقد امتلك الإخوان رؤية شاملة، وإدراكًا ناقد، وإحساسًا بالمسئولية، ورغبةً في التغيير، ومن هذه الوسائل:

1- الصحافة

أدرك الإخوان المسلمون أهمية الإعلام في نشر الدعوة وتطويرها منذ عهد مبكر؛ ولذا فقد حرصوا على استخدام كل الوسائل الإعلامية المتاحة لخدمة الدعوة بداية من: الدرس، والخطبة، والنشرة، وصولًا إلى الصحيفة التي كانت في ذلك الوقت قمة العمل الإعلامي، واحتلت الصحافة مكانة كبرى لدى الإخوان، فأصبحت الصحافة منذ مجلة جريدة (الإخوان المسلمون) أحد أركان العمل بالجماعة، حيث تميزت صحافة الإخوان بأنها دخلت عالم السياسة مع الجماعة، فخاضت كثيرًا من المواجهات مع أوكار الفساد وأصحاب النفوذ؛ ولذا تعرض كثير منها للإغلاق والمصادرة، وكان من أهم سماتها:

اهتمامها بكافة شئون الحياة، وحرصها على إصدار أعداد خاصة للمناسبات والقضايا الهامة للارتقاء بوعي القراء العام، كما طورت نفسها من حيث التحرير والإخراج ومعالجة القضايا المختلفة ببراعة مهنية عالية، مع الحفاظ على الطابع الإسلامي العام([13]).

2- المؤتمرات

حرص الإخوان على عقد المؤتمرات سواء الدعوية أو السياسية أو الصحفية بهدف تصحيح المفاهيم، وإيضاح الالتباس لدى الجميع، ولنشر القضايا الوطنية والخاصة بالعالم الإسلامي، حيث كان يدعى إليها كبار رجال الدولة والسفراء وكبار الصحفيين، وتاريخ الإخوان حافل بهذه الوسيلة الفعالة التي جذبت إليهم الكثير.

3- الرسائل والبرقيات

استخدم الإخوان مخاطبة الملوك والرؤساء، كما خاطبوا المؤسسات العالمية ووزراء خارجية الدول من أجل القضية الوطنية المصرية، أو الاعتراض والتنديد على ما يحدث للبلاد الإسلامية من انتهاك لحرياتها، وتراث الأستاذ حسن البنا به الكثير من هذه الرسائل والبرقيات الرسمية والشعبية.

4- الجوالة

استطاعت برامج الجوالة أن تسهم في تكوين الوعي السياسي عند الإخوان عن طريق الجانب التثقيفي في المعسكرات المحاضرات- الدراسات – الأناشيد- وكانت محاور الوعي فيها هي: الوعي بالإسلام والوعي بقضايا مصر والعالم الإسلامي والوعي بتاريخ مصر الحديث والوعي بالمذاهب السياسية والفكرية الحديثة والوعي بأهداف الإخوان ووسائلهم عن طريق دراسة قانون النظام الأساسي ورسالة التعاليم ورسالة الجهاد.

كما استخدموا غيرها من الوسائل التي كانت تخدم فكرتهم وقضيتهم، مثل الإضرابات والبيانات والمظاهرات والمقاطعة والمشاركة في الانتخابات.

 

النتائج المترتبة على التربية السياسية للإخوان

1- إيقاظ الوعي السياسي لدى الشعوب

لقد استطاع الإخوان إيقاظ الوعي السياسي والمجتمعي لدى الشعوب، فقد أيقظوا الوعي بالإسلام، والوعي الحركي، والوعي بالقضايا السياسية المطروحة في المجتمع، والوعي بالموقف السياسي الراهن.

فكان الهدف من إيقاظ الوعي أن يدرس الشعب حقوقه ويتفقه فيها ويتنبه إلى مطالبه المشروعة بهدف استنهاض العزائم للعمل لنيل هذه الحقوق وكانت وسيلتهم في ذلك التفقيه السياسي هي المؤتمرات الشعبية والبيانات في الصحف واجتماعات المدارس السياسية([14]).

وقد أوجبت الجماعة على كل عضو أن يكون مدربا على الخدمات العامة وأن يسارع دائما في الخير وأن يشترك في جمعيات البر والخدمة العامة والجوالة ليقدم النفع إلى الآخرين.

2- بث روح العزة في نفوس الناس

حينما عرف الناس حقيقة إسلامهم وتعايشوا معه عرفوا معنى العزة التي وصفها الله سبحانه: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المائدة:54)، وقد رأينا ذلك في موقف الشيخ محمد فرغلي–إمام مسجد قناة السويس- فيصف الأستاذ البنا ذلك بقوله: «وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكنًا خاصًا بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفسي والاجتماعي ارتفاعًا عجيبًا، لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة– خلافة الله في أرضه– فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله ﷺ: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، ثم عفُّوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق.

أحس الأجانب المسئولون في هذه الشركة بعد فترة أن عمال الشركة قد تغيروا تغيرًا ملحوظًا، فهم وإن زادوا في عملهم حتى ظهر ذلك في إنتاجهم إلا إنهم صاروا يعتزون بكرامتهم، ولا يقبلون إهانة من أي مسئول مهما علت مرتبته، ومهما كان وراء ذلك من ربح مادي لهم؛ وعلم الرؤساء في الشركة أن سبب ذلك هو هذا الإمام الذي ينشر بين العمال أفكارًا صحيحة، ونبيلة ومثالية، لكنها ستحد من سلطتهم على العمال، فخشوا على أنفسهم من هذا التغير الذي طرأ عليهم، وقرروا إقصاء الشيخ»([15]).

3- الوقوف بالمجتمع على حقيقة الأحزاب

كان معظم الأحزاب التي نشأت في مصر على فكر المصلحة الفردية، حيت سارع إليها الأعيان لتأمين ثرواتهم، مما كانوا لقمة سائغة للإنجليز الذين استخدموهم في ضرب الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال، وبذلك ظل المحتل عشرات السنين جاسم على صدر الأمة الإسلامية، ولا أفضل من قول أحمد ماهر باشا للنحاس باشا- حينما حاصرت المدرعات قصر الملك فاروق عام 1942م وأجبرته على تعيين النحاس باشا رئيسا للوزراء، حيث قال له: إنك تؤلف الوزارة علي أسنة الحراب البريطانية بعد أن رأيت الدبابات بعيني رأسك، فقال النحاس باشا: أنا لم أر دبابات ولا حرابا وأنا أؤلف الوزارة بأمر جلالة الملك، كررها مرتين ورد عليه إسماعيل صدقي باشا: نعم يا باشا. لقد جئت متأخرا بعد أن انصرفت الدبابات حتى لا تراها أما نحن جمعيا فقد رأيناها ساعة جئنا إلى القصر.

وقد كتب محمد حسين هيكل قوله بعد عشر سنوات على الحادث: «إن يوم 4 فبراير عام 1942 من الأيام الحالكة السواد في تاريخ مصر وفي تاريخ إنجلترا في مصر فقد ارتبط بحكام لطخوا تاريخ أوطانهم بالعار وجللوا أعلامها بالسواد»([16]).

4- المشاركة الإيجابية السياسية

لقد كان من نتائج التربية السياسية للإخوان أن استيقظ الوعي لدى الشعب فتحركوا للمشاركة والمساهمة الفعالة في الحياة السياسية، وأصبح الجميع ينطلقون في الحياة السياسية من منطلق واعي، وفهم واقعي للصراع السياسي، واختيار الأفضل.

5- تحرك الشعب لتغيير الحكم الفاسد

حيث تحرك الشعب لتغيير نظام الحكم الفاسد المتمثل في الملكية، وقد شارك الإخوان في ثورة 23 يوليو 1952م مما دفع الناس للخروج لتحية الجيش ومساندته في ثورته وقبوله بما قام ضد الملك، يقول عبد الناصر عن مشاركة الإخوان فيها: «إن جماعة الإخوان المسلمين كانت من أكبر أعوان الحركة قبل قيامها وقد تكثف الاتصال بين تنظيم الضباط وبين جماعة الإخوان من أجل الإعداد للحركة واستمرت اجتماعاتهم منذ 26 يناير 1952 حتى ليلة قيام الثورة وقد وافق الإخوان على أهداف حركة الجيش التي ذكرها عبد الناصر وهي إصلاح نظام الحكم السياسي بإرساء قواعده على أساس حكم نيابي سليم تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عناصر الفساد وعملاء الملك، إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل بشرط أن تكون مبادئ الإسلام هي الأساس الوحيد لحكم مصر، وأن يتشاوروا مع الإخوان في المهمات الكبرى كما اتفقوا على أن يساند ضباط وجنود الإخوان وأفرادهم الحركة وعلى قيام مجموعة من متطوعي الإخوان المسلمين بحماية طريق السويس لاحتمال تحرك القوات البريطانية لضرب الثورة»([17]).

 قامت التربية السياسية للإخوان على أساس الاشتراك المتضامن والمنتج بين جميع أفرادها في أعمال داخل التنظيم وفي واقع المجتمع وهم بهذا قد أعطوا مفهوما جديدا وحيويا لوسائل التربية السياسية فهي ليست ممثلة في الصحافة أو البيانات في المؤتمرات فقط أو التعليم السياسي المباشر فقط، بل هي مجموعة متكاملة من الوسائل التي تؤدي إلى المشاركة الجماعية والمنتجة في واقع التنظيم وواقع المجتمع ومن أهمها نظام الأسر ونظام الجوالة بمحاوره الثلاثة.

ويؤكد هذا أن التربية السياسية قد تجاوزت الخطابية والديماغوجية إلى خطط وبرامج تربوية لتكوين كوادر سياسية واعية ونشطة تقوم بعمليات التربية السياسية داخل التنظيم وبين أفراد المجتمع وقد تجاوز بذلك الخلل الذي كان موجودًا سابقًا عند البعض.

ولهذا يجب ضرورة التمسك بالقيم والخلقية في جميع الممارسات السياسية ومن ثم ضرورة التربية الخلقية الفعالة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام التي يجب أن تكون أدوات للتغيير الخلقي نحو الأفضل ([18]).

 

المصادر:

([1])  مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، دراسة أحمد الزعبي، دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت / لبنان, ٢٠١٦م، صـ 97.

([2])  أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 237) من طريق محمد بن زكريا الغلابي.

([3])  رسالة نظام الحكم، رسائل الإمام البنا

([4])  رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين عام 1938م، مرجع سابق

([5])  البيت لأبي تمام الطائي.

([6])  عثمان عبد المعز رسلان، "التربية السياسية عند الإخوان المسلمين"، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة،١٩٩٠م

([7])  زكريا سليمان بيومي: دور الجماعات الإسلامية في مصر في الحياة السياسية (1928- 1948م)، مكتبة وهبة – القاهرة: (1412 هِ=1991م).

([8])  رسالة المؤتمر الخامس، رسائل الإمام البنا.

([9]) مجلة الإخوان المسلمين، العدد (95)، السنة الرابعة، 22 ربيع الثاني 1365ﻫ- 26 مارس1946م، ص(3).

([10]) رسالة نظام الأسر

([11])  رسالة التعاليم، رسائل الإمام البنا.

([12]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (89)، السنة الرابعة، 7 ربيع أول 1365/ 9 فبراير 1946، ص(3- 5).

([13]) جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، درا التوزيع والنشر الإسلامية، جـ6، 2006م

([14]) عثمان رسلان: مرجع سابق

([15]) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

([16])محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية، جـ2، دار المعارف، 1990م.

([17])  محمد نجيب: كلمتي للتاريخ: المكتب المصري الحديث، 1972، صـ 61.

([18])  عثمان رسلان: مرجع سابق

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم