Business

التربية.. علم وفن واستثمار

 احتفى الأدب العربي بالأبناء وخلع عليهم أوصافا كثيرة، تفصح عن منزلتهم ومكانتهم، وتبين عميق محبة الآباء لهم؛ فهم فلذة الكبد، وقرة العين، وثمرة القلب، ووصف القرآن الكريم الأبناء بأنهم «زينة الحياة»؛ وهو وصف فيه من الجمال والبهجة ما فيه، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: 46). وجعل الدعاء بصلاحهم واستقامتهم مما يتوجه به «عباد الرحمن» إلى الله سبحانه، فيقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74).

وفى هذه الدراسة، يرى الباحث السنوسي محمد السنوسي أن أفضل استثمار يعود بالنفع على المرء وعلى أولاده، بل وعلى مجتمعه الذي ينتمي إليه، هو أن يستثمر أمواله وطاقاته في هذا «الإنسان» الذي يشكل عماد الحضارة، من خلال صقله بـ«العلم» الذي يمثل أساس أي حضارة.

 

أمانة لديك

إن أبناء الإنسان الذين يتركهم بعد مماته، وقد أحسن تربيتهم، وأدى حق الله فيهم؛ هم أفضل ذكر حسن له، يجعل من حياته امتدادا غير منقطع، بل هم إحدى ثلاث تستمر بها صحيفة الإنسان في الامتلاء بالحسنات بعد وفاته ومفارقته دار العمل والكسب؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

وقيام الإنسان بما توجبه عليه هذه النعمة وتلك الأمانة، يعني بالضرورة أن يهتم بأبنائه، عقلا وروحا وجسدا، على السواء؛ إذ إن بعض الآباء يظن -خطأ- أنه بمجرد توفير حاجات أبنائه المادية، فإنه يكون قد برهم وأحسن واجبه تجاههم. كما أن البعض يظن أن انشغاله معظم الوقت بمتطلبات أبنائه المعيشية، يمثل ذريعة له عن تقصيره في حسن رعايتهم وتفقد أحوالهم.

 

التربية..  علم وفن

كثيرة هي النصائح والتوجيهات والإرشادات التي يمكن أن تقال في هذا المقام، وهي في مجملها لا تخفى على أحد؛ لكن المشكلة في وضعها موضع التطبيق، وقبل هذا التطبيق لابد أن يعرف الإباء ثلاثة أشياء مهمة عن التربية:        

 

  • أن التربية علم وفن.
  • وأن من الواجب مراعاة طبيعة المراحل العمرية المختلفة التي يمر بها الأبناء.
  • إضافة إلى أن «تعليم الأبناء» هو خير ما يمكن أن يستثمر فيه الآباء، ويعود بالنفع عليهم وعلى أبنائهم وعلى مجتمعهم.

 

مراحل مختلفة.. وزمان مختلف

يمر الإنسان في حياته بأطوار مختلفة، تندرج إجمالا تحت ثلاث مراحل: الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة. ولكل مرحلة منها طبيعة وخصائص مختلفة.

  • فما يناسب مرحلة الطفولة، حتما لا يناسب ما يليها من مراحل؛ ولذلك جعل الإسلام لكل مرحلة ما يناسبها من الأحكام الفقهية، في مثل قول النبي ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع». وجاء في الحكمة: «داعب ولدك سبعا، وأدبه سبعا، وعلمه سبعا، ثم اترك حبله على غاربه».

لكن المشكلة الكبرى، التي تتوالد عنها مشاكل لا حصر لها، تحدث حينما يتعامل الآباء مع أبنائهم على أنهم أطفال دائما، كأنما توقف الزمان عندهم لا يتحرك أبدا! فلا يراعون التغيرات النفسية والجسدية والعقلية التي تطرأ عليهم، ولا يتيحون لهم الاعتماد على أنفسهم والتعبير عن ذواتهم ومشاعرهم ورغباتهم وتطلعاتهم، ولا يسمحون لهم بأن يروا الحياة والأحياء من خلال عيونهم هم لا عيون آبائهم.

 

خير استثمار

وإن أفضل استثمار يعود بالنفع على المرء وعلى أولاده، بل وعلى مجتمعه الذي ينتمي إليه، هو أن يستثمر أمواله وطاقاته في أبنائه حيث هذا «الإنسان» الذي يشكل عماد الحضارة، من خلال صقله بـ«العلم» الذي يمثل أساس أي حضارة.

ويرى أحد الباحثين أن جميع شواهد التطور في العالم تؤكد ضرورة استثمار العنصر البشري بكل طاقاته؛ لأن ذلك هو ما يحقق الفارق في التقدم والتطور؛ وأنه لابد من تخريج قوة بشرية لها القدرة على التطوير والتحديث؛ وذلك من خلال المؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد العليا، وأن يسهم التعليم العالي في رسالة بناء الإنسان وتطويره.

وفي لفتة مهمة، يشير أحد الباحثين إلى أن مفهوم «الاستثمار» ارتبط بمفهوم «التنمية الشاملة»؛ التي تهدف إلى تحسين نوعية الحياة، وقدرة الإنسان على التعامل مع العلم والمعرفة وتقنيات العصر؛ وأن «التنمية» بهذا المفهوم تتوقف على التعليم الجيد للإنسان، فالتعليم هو المحور الأساسي للتنمية والنهضة الحضارية.

  • كذلك من المهم أن يهتم الآباء بتنمية الجانب العملي والمهاري عند أبنائهم منذ الصغر، ولو عن طريق الألعاب التي تنمي الذكاء، وتدفع العقل لمزيد من التفكير؛ وألا يولوا الأهمية للحفظ فقط؛ لإحراز أعلى الدرجات، فيتحول الأطفال إلى آلات لا تعي شيئا مما تحفظ. وللأسف فإن نمط التعليم في كثير من الدول العربية يغذي هذا الاتجاه، ولذلك ليس مفاجئا أن تتراجع جامعاتنا بعيدا في قائمة الترتيب على مستوى العالم!
  • على الآباء أن يتركوا لأبنائهم الحرية كاملة في المجال الذي يريدون التخصص فيه، فلا يفرضون عليهم دراسة بعينها؛ فالعلم - بمفهومه الواسع، ومجالاته المتعددة، النظرية والعملية - مطلوب للأمة، ويمكن أن يبدع الإنسان في أي مجال من تلك المجالات، مادام قد اختاره عن رغبة وقناعة ومناسبة لمهاراته؛ وبالتالي يستطيع من خلال ذلك أن يكون ناجحا في الحياة، نافعا لمجتمعه.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم