الأسرة المسلمة هي الوحدة الأولى لبناء المجتمع، ذات كيان مستقل محكوم بنظام إسلامي في تكوينها، وعلاقاتها، والقيام بمهامها، والتي من أهمها تربية أبنائها وتنشئتهم.
فالتربية الأسرية في النظام الإسلامي توفر المتطلبات التربوية اللازمة لضبط العلاقات الأسرية على أساس أحكام الإسلام، فتتكامل في ضوء هذه العلاقات قيم الوالدية مع قيم البنوة، مكونة قيم العمومة والخؤولة، ممزوجة بعلاقات التواد والتراحم مع الأجداد والأحفاد.
وهدفت الدراسة التي أعدّتها الدكتورة هيفاء فياض فوارس، جامعة اليرموك – الأردن، إلى الكشف عن الوظيفة التربوية للأسرة في الإسلام، وقد خلصت إلى أن الوظيفة التربوية للأسرة المسلمة تتمثل في مسؤولية الوالدين عن إعداد أبنائهم إعدادًا متكاملًا في جميع جوانب شخصياتهم: روحيًا، وجسميًا، وعقليًا، ونفسيًا، واجتماعيًا.
الوظيفة التربوية للأسرة المسلمة
الأسرة أول المؤسسات وأهمها التي تناط بها الوظيفة التربوية، خاصة أنها البيئة الاجتماعية الأولى التي تنجب الأبناء، ومن ثم تتولاهم بالرعاية والبناء المتكامل في جوانب شخصيتهم المختلفة.
يقول الكيلاني: «إن دور الأسرة لا يقف عند الإنجاب الجسدي للإنسان، وإنما يتبع هذا الإنجاب الجسدي إنجاب عقلي، وإنجاب نفسي، وإنجاب اجتماعي»، ولا يكون هذا إلا من خلال عمليات:
- تنشئة الأبناء على الاستعدادات والقدرات الفطرية.
- تنمية قدرات الأبناء، وتلبية حاجاتهم في المجالات المختلفة.
- ضبط سلوكيات الأبناء وتوجيهها.
- تزكية نفوس الأبناء، والعمل على تهذيبها.
مجالات الوظيفة التربوية للأسرة
تعتبر الأسرة المسلمة من أول المؤسسات التي يقع على عاتقها مسؤولية تربية الأبناء، المتمثلة في قيام الوالدين بتنمية قدراتهم المختلفة، وتلبية حاجاتهم المتعددة وإشباعها، وذلك في جوانب شخصياتهم المتعددة، وبيان هذه الجوانب والمجالات في المطالب الآتية:
(أ) الإعداد الروحي
تعد الرعاية الوالدية للأبناء في المجال الروحي من أهم مجالات الوظيفة التربوية للأسرة؛ حيث تتعهد النوازع الفطرية لدى الطفل، فتحيي ما فطر عليه من الإسلام. وهذه الرعاية تضمن الأمور الآتية:
أولًا: مسؤولية الرعاية الإيمانية:
ومن مظاهر توجيه الوالدين للأبناء في المجال الإيماني ما يأتي:
- تعليم الأولاد صفات الله وأسمائه.
- تربيتهم على روح المراقبة ﷲ سبحانه وتعالى.
- ترسيخ العقيدة عن طريق تعليمه الأذكار: وليس المراد فقط أن يحفظ أذكار الأحوال والمناسبات من أكل وشرب ونوم ويقظة، إنما زيادة على ذلك يعلمه الدعاء وطلب الحاجة من الله، وإذا مشى في الظلام يعلِّمه ذكر الله والاستئناس به، والتسمية عند الفزع، والدعاء عند المرض، حتى يتعلم الاستغاثة، ويعلمه الرُّقية الشرعية والتوكل على الله وطلب الحاجة منه وحده.
- ترسيخ العقيدة عن طريق التفكر بأن يلفت نظر الطفل إلى مظاهر الكون وارتباطها بالتوحيد، وهذا الربط يشعر الطفل بالتوازن النفسي.
ثانيًا: مسؤولية الرعاية التعبدية:
- تشجيع الطفل على ممارسة العبادة، وذلك من خلال مكافأة الولد وترغيبه وتشجيعه.
- تدريب الأبناء على أداء الشعائر الدينية، فيقع على عاتق الوالدين مسؤولية تدريب الأطفال على الصلاة، والصيام.
- توجيه الطفل إلى الخشوع وإحسان العمل وتصحيحه من الخطأ.
ثالثًا: مسؤولية الرعاية الأخلاقية:
- غرس معاني التضحية والبذل والعطاء.
- تربية الأبناء على حسن الخلق.
- تربية أفرادها على الصدق والأمانة، ولا تتحقق هذه الأخلاق إلا عندما يكون الأبوان نموذجًا عمليًا في الأخلاق أمام الأطفال.
رابعًا: مسؤولية الرعاية الدعوية:
إن إعداد الطفل دعويًا يأتي بعد تربيته إيمانيًا، وخلقيًا وعلميًا وغير ذلك، فبعد إعداد الأسرة المسلمة طفلا مؤمنًا، قائمًا بالعبادات متحليًا بالأخلاق الكريمة، قويًا في جسمه، فاهمًا لكل ما يدور حوله، لا بد من تكليفه بمهمة تبليغ الرسالة التي قد تحلى بآدابها وأخلاقها.
فالتربية الدعوية للطفل ثمرة ألوان التربية الأخرى التي تمكنه من حمل هم الأمة، والدفاع عما تعانيه من تشرذم وتفرق ومصائب.
(ب) الإعداد الجسمي
- الاهتمام بالصحة الجسمية للولد قبل ولادته باختيار كل من الزوجين للآخر.
- توفير قدر من التغذية المناسبة للطفل، وبذلك تشبع حاجة الجوع الفطرية.
- كما على الوالدين تشجيع أبنائهم على ممارسة الرياضة؛ وذلك من خلال التشجيع على ممارسة الأنشطة الرياضية.
- العناية بنظافة الطفل وحسن مظهره، وحمايته من إصابات البرد والحر وحوادث السقوط والاحتراق، وشرب المواد الضارة؛ مما يحفظ أجساد الأبناء من الضرر.
(ج) الإعداد العقلي أو الفكري
- استثارة دوافع حب الاستطلاع، واكتشاف المجهول عند الأبناء، من خلال إفساح المجال لهم في الحركة واكتشاف موجودات البيت.
- إشراك أفراد الأسرة في تقديم حلول للمشكلات التي تواجه الأسرة.
- تشجيع أفراد الأسرة على المذاكرة وتقديم النصح والإرشاد لهم في ذلك؛ إذ تقع على الوالدين مسؤولية توفير التعليم المناسب لأولادهم، والإشراف على متابعة أطفالهم في التعليم المدرسي.
- تكوين العقلية العلمية المؤمنة لدى الطفل وذلك من خلال جعل الطفل يفكر بعقلية الإسلام، وينظر بمنظار الإسلام إلى الكون والحياة.
- حث الأسرة أبناءها على حفظ القرآن، وتلاوة آياته، وسماعها وحفظها.
- مراعاة المبادئ العامة للصحة العقلية عند الطفل، والتي من أهمها:
- مراعاة النمو الطبيعي للقدرات العقلية، وذلك من خلال التدرج في تقديم المعلومات للطفل.
- إثارة انتباه الطفل إلى متغيرات الطبيعة وظواهرها المتجددة؛ إذ أن الكون كله طبيعة ميتة، إذا نظرنا إليه من زاوية الألفة، ولكن إذا نظرنا إليه من زاوية الحركة المتجددة في كل أفلاكه، وجدنا لكل شيء حولنا صورة حية تثير انتباهنا، وتحرك العقول للتفكر بها.
- الاهتمام بالأغذية التي تسهم في نمو القدرات العقلية، والابتعاد عن الأغذية التي تخدر العقل، وتتلف قدراته.
- توفير المكتبة المنزلية الصالحة، وانتقاء الكتب المناسبة للطفل بعيدًا عن المجلات والقصص الفاسدة.
(د) الإعداد النفسي
- تربية الأولاد على الثبات الانفعالي.
- إشباع المطالب العاطفية من سكن ومودة ورحمة، والتي بدورها تحقق إشباع حاجات الطفل النفسية، والتي تتمثل في الحاجة إلى الحب والانتماء، والحاجة إلى الشعور بالأمن النفسي، وحاجة الطفل إلى تقدير الذات، وتحقيقها.
(هـ) الإعداد الاجتماعي
- أن تغرس الأسرة في الأفراد روح الاستعداد لتحمل المسؤولية وعمارة الأرض؛ حيث إن الأسرة أول موطن لإكساب الفرد هذه المعاني.
- احترام الأبناء، وإعطاؤهم فرصًا للتعبير عن خبراتهم داخل البيت وخارجه.
- تنمية قيمة الانتماء للأسرة.
-
.