إن تزايد هجرة الناس وفرارهم إلى المدينة –مركز الخلافة– يجعلنا أمام مشكلتين ظهرتا في آن واحد، المشكلة الأولى مشكلة السكن، أما الثانية فمشكلة نقص الطعام، مما أدى إلى عدم قدرة المدينة على استيعاب هذه الأعداد الوافدة من اللاجئين، وتوفير المأوى والسكن لهم، فضلاً عن عجزها عن سدَّ احتياجاتهم من المؤن والطعام.
ولم تغب هذه الإشكالية عن مخيلة عمر (رضي الله عنه) صاحب القدرات والفكر الثاقب والمتمرس على هذه الأمور، إنه يطلب المعونة من ولاته على الأمصار كالشام والعراق، فلبّى الجميع النداء كما أنه عيّن رجالاً يقومون على الوافدين فيقسَّمون ما كان يصل من الأمصار من طعام وإدام على من يحتاجه من الناس، فكان هؤلاء يعملون طيلة اليوم –عمل طوارئ– حتى إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر (رضي الله عنه) لينقلوا له تقريرًا مفصلاً عن كل المستجدات على الساحة، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة.
ويجب أن نشير هنا إلى أن ما يفتخر به علماء الاقتصاد في العصر الحديث من معالجات للأزمات الاقتصادية ونقص الغذاء أيام الحروب، وخاصة ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر (نظام البطاقات) التموينية، يعتبر الخليفة عمر (رضي الله عنه) هو أول من وضع أسسه ومارسه على أحسن صورة وشكل.
ومن جهة أخرى أمر عمر (رضي الله عنه) العاملين لديه بإجراء إحصائية دقيقة عن عدد القادمين إلى المدينة ممن يتناول العشاء على الموائد العظيمة التي كان يعدها فوجدوهم سبعة آلاف رجل، ثم أمرهم بإحصاء العيالات الذين لا يأتون والمرضى والصبيان فكانوا أربعين ألفًا، وبعد مدة زاد عدهم فأحصوا فكان من تعشى عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفًا، فكانت قدور عمر (رضي الله عنه) يقوم إليها عمّاله من السحر يهيئون لحوم النحور ويعدون الطعام حتى يصبحوا ثمّ يطعمون المرضى منهم ويعملون العصائد.
.