أولادنا

لغة الطفل وتحديات العولمة

كان الغرب سباقًا إلى الاهتمام بلغة الطفل وأدبه، ولم يكن للعرب القدامى اهتمام بذلك؛ لأنهم صرفوا جهودهم للحفاظ على سلامة اللغة العربية، ووضع القواعد التي تصونها من اللحن والانحراف.

وفى القرنين الماضيين بدأ الشعراء في نظم القصائد وأخذ الكتاب في صياغة القصص، وانبرى المؤلفون يضعون كتبًا تعلم فن الكتابة، وفى هذه الدراسة التى أعدها الدكتور أحمد مطلوب، يرى أنه من المؤسف أن كثيرًا مما نظم أو كتب كان بعيدًا عن مدارك الأطفال.

 

صياغة الكلمات الملائمة للطفل

أولًا: عربية فصيحة، ليتعود الطفل على استعمال الفصيح مبكرًا.

ثانيًا: ثلاثية ليسهل النطق بها، ومعظم الكلمات العربية ثلاثية وهو ييسر اختيار الكلمات المناسبة للأطفال.

ثالثًا: مركبة من حروف يسهل النطق بها، إذ بعض الأصوات اللغوية تحتاج إلى تحريك عدد أكبر من العضلات للنطق بها.

رابعًا: حسنة الوقع على الأذن ليأنس بها الطفل

خامسًا: واضحة المعنى قريبة من مدارك الأطفال.

سادسًا: مستعملة في أنحاء الوطن العربي لتتوحد لغة الأطفال.

سابعًا: وضعية؛ لأن الطفل لا يدرك استعمال الكلمة في غير ما وضعت له في أصل اللغة العربية.

 

صياغة الجمل والعبارات فيراعي فيها

أولًا: موافقة للرتبة اللغوية، ليس فيها تقديم وتأخير غير ضروري ومهم، أو جمل اعتراضية تحدث تعقيدًا لفظيًا ومعنويًا.

ثانيًا: منسابة لها إيقاع جميل، ليس في الشعر وحده، وإنما في النثر أيضًا؛ لأن الطفل يأنس بالإيقاع ويطرب له.

ثالثا: قصيرة، ويفضل أن تتركب من كلمتين أو ثلاثة، فيقال مثلًا: «الشمس طلعت» أو «طلعت الشمس» ولا يقال: «طلعت الشمس بعد غياب طويل ففرح الناس بها».

رابعًا: ذات دلالة واضحة، فلا تصاغ جمل أو عبارات صحيحة نحويًا، وليس لها معنى، وكان سيبويه قد فرق بين المستقيم الحسن، والمحال، والمستقيم الكذب، والمستقيم القبيح وما هو محال كذب.

خامسًا: التقليل من استعمال الضمائر المتصلة لأنها تعود إلى متقدم يعد غائبًا عند الطفل، فيقال مثلًا: «جلس خالد بين أحمد ومحمود»، بدلًا من «بينهما».

سادسًا: التقليل من استعمال الظروف المنصوبة، فلا يقال «سافر خالد ليلًا»، بل يقال: «سافر في الليل»؛ لأن الطفل في مراحله الأولى يستعمل الظروف كما هي: «الصباح- الظهر- العصر- المساء- الليل» ولا يستعملها منصوبة على الظرفية.

سابعًا: التقليل من استعمال الحال منصوبًا مفردًا، أو مقدرًا جملة فيقال: «جاء خالد يمشي» لا «ماشيًا» أو «وهو يمشي»، لأن استعمال الصيغ النحوية غير مألوفة لدى الطفل، ولن يدركها إلا حين يتقدم به العمر.

ثامنًا: الاكتفاء بالمشهور من أدوات الاستفهام والنفي، واختيار ما يتلفظ به الطفل، وما يشترك فيه الأطفال العرب والشائع بينهم مثل: «أين- متى- كيف» في الاستفهام و «لا» في النفي.

تاسعًا: إرجاء استعمال الشرط إلى سن متقدمة لما فيه من قواعد لا يدركها الطفل، وإن كان يستعمل هذا الأسلوب في خطابه اليومي أحيانًا.

عاشرًا: تجنب العبارات المجازية في المراحل الأولى من عمر الطفل، فلا يقال مثلًا: «جنحت الشمس إلى الغرب» بل يقال: «غابت الشمس».

 

النمو اللغوي عند الطفل

إن اللغة عند الطفل تنمو كما ينمو هو، فإذا ما تجاوز السابعة من عمره زيد في ثروته اللغوية، وطولت الجمل والعبارات لتعبر عن المعارف الجديدة، لأن الجمل القصيرة في هذه المرحلة لا تعبر عن المستجدات وعما يريد الطفل وقد نمت معارفه ومداركه، حتى إذا ما بلغ العاشرة من عمره أصبح قادرًا على التعبير بنفسه عما يحس به، وفي هذا الوقت نذكر له بعض القواعد النحوية لتعينه على تركيب الجمل والعبارات بدقة، على أن تُذكر له القواعد الضرورية بأسلوب سهل واضح، لأن إثقاله في هذه السن بما تزخر به كتب النحو المدرسية الآن يؤدي إلى نفوره من النحو

لم يكن هذا التصور بعيدًا عن الشعراء والكتاب والمؤلفين، إذ وُفق كثير منهم في استعمال اللغة القريبة من مدارك الأطفال، وكادت لغة الأطفال في الوطن العربي تتوحد في النصف الثاني من القرن العشرين بفضل:

أولًا: انتشار الوعي القومي في الوطن العربي، ونشأة الصغار في ظل هذا الوعي الذي أرجع للعرب مكانتهم بين شعوب الأرض.

ثانيًا: الاهتمام بالعربية التي نزل بها القرآن الكريم.

ثالثًا: كثرة ما كتب في أدب الأطفال من شعر وقصص ومسرحيات وتوجه بعض الأدباء إلى الأطفال، وإنتاج ما يروق لهم من أدب يسليهم، ويؤنسهم ويكسبهم اللغة والمعارف، ويحبب إليهم الأوطان.

رابعًا: اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بلغة الضاد مسايرة للوعي القومي في ذلك الحين.

خامسًا: العناية بمسرح الطفل، وتقديم المسرحيات بلغة فصيحة تلائم الصغار.

سادسًا: إصدار مجلات خاصة بالأطفال.

سابعًا: تقديم جوائز للأطفال الذين يشتركون في المسابقات وإلقاء الشعر والخطب في الاحتفالات والمناسبات القومية والوطنية.

وتكاد بعض عقود القرن العشرين تكون من أكثر العقود ازدهارًا في العناية بلغة الطفل وأدبه، وباللغة العربية عامة لأنها من أهم مقومات وحدة العرب، ولم يبق ذلك الازدهار، ولم تظل العناية بالعربية قائمة، إذ بدأ الكرى يلف الصحوة اللغوية منذ العقد الأخير من القرن الماضي، لأسباب منها:

أولًا: العولمة التي من أهداف دعاتها السيطرة على العالم، والقضاء على اللغات القومية، والثقافات الوطنية، والاستقلال السياسي والاقتصادي.

ثانيًا: التوجيه الداخلي والخارجي نحو اللغات الأجنبية، والاستهانة بالعربية من بعض المسؤولين والخارجين على الأمة العربية.

ثالثًا: إيمان بعض المثقفين الذين تنكروا لأمتهم ووطنهم بأن لا مستقبل للعرب إلا باللغات الأجنبية.

رابعًا: نشاط المراكز الثقافية الأجنبية والدعاية للغاتها وثقافاتها وتقديم الجوائز لمن يكتب بها أو يؤلف، كما تفعل الفرنكفونية الآن.

خامسًا: عودة الدعوة إلى الإقليمية وتجزئة الوطن الواحد، وإحياء ما عفي عليه الزمن ليكون سمة تميز وترسيخ كيان، وظهر لأجل ذلك منتفعون يضعون المعاجم ويؤلفون الكتب ليعززوا دعاة الإقليمية والتجزئة.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم