Business

المنهج الإسلامي في تربية المراهق.. كيف عالج ثغرات المنهج المادي

لقد تجنبت التربية الإسلامية مرض المراهقة ومضاعفاته حين أوجدت للشباب مثلا «أعلى» أو «رسالة» يصرف طاقاته من خلالها وذلك بديلا عن الخلل الذي يعاني منه المنهج المادي في التعامل مع المراهق وهو ما ركز عليه الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في دراسته التي طرحت الرؤية الإسلامية لمعالجة ثغرات المنهج المادي.

 

العلاقة بين الخالق وبين الإنسان.. علاقة عبودية

  • معني العبودية وأهميتها

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفكار والأعمال والمشاعر والعواطف في حياة الفرد والجماعات، وفي جميع الميادين الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغير ذلك: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).

وأهمية هذه العبادة أنها العلة الرئيسية للخلق والإيجاد: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات :56)

والإنسان بحاجة إلى «هدف» يعيش من أجله ويتفانى في «محبته» وتتوجه إليه أشواقه ويتفاعل معه طلبا وطاعة، وعبادة الله هي «المثل الأعلى» الذي يوفر هذا الهدف للأفراد وعليها تجتمع كلمة الجماعات ويتآلفون يتآخون، وحين يضل الإنسان هذا الهدف السامي فإنه ينكفئ على أهداف دنيا تتمثل في خدمة دوافع الشهوة بمظاهرها المختلفة.

وهنك فرق بين أن يكون الهدف من الحياة هو عبادة الله عز وجل وبين أن يكون الهدف عبادة الغرائز والشهوات. فلقد أثبت تاريخ الإنسان على الأرض أن الإنسان يرتقي ويتسامى ويتقدم علميًا واجتماعيًا حين يعبد الله. ولكنه حين يعبد شهواته يقع ضحية الفرقة والصراع والعزلة والوحدة والاغتراب وكلها تنتهي بتحطيم الإنسان أفرادا وجماعات.

والإنسان بحاجة إلى الحرية والانعتاق من ذل الاسترقاق. وأسوأ أنواع الاسترقاق هو استرقاق الإنسان من قبل غرائزه وشهواته، بل إن الرق الخارجي لا يحدث في حياة الإنسان إلا إذا سهل طريقة الرق الداخلي، أو الرق النفسي.

  • مظاهر العبادة

المظهر الديني والاجتماعي والكوني:

المظهر الديني فموضوعه: علاقة المسلم بالخالق (التعريف بالخالق وممارسة الشعائر الدينية المحددة).

والمظهر الاجتماعي فموضوعه: علاقة المسلم بالأفراد والجماعات (التعريف بالفضائل الاجتماعية وممارستها)

وأما المظهر الكوني: فموضوعه علاقة المسلم بالكون المحيط (التعريف بالكون المحيط ومكوناته واكتشاف القوانين والخصائص والتطبيقات وكيفية التعامل معها والانتفاع بها ومن ثم معرفة نعم الله تعالى التي تفوق الحصر والإحاطة).

وتؤكد فلسفة التربية الإسلامية على وجوب تكامل المظاهر الثلاثة للعبادة ووحدتها لأن الفصل بينها يؤدي إلى تعطيل فاعلية كل منها ويؤدي إلى خراب المجتمع: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (الماعون).

وهذا الفهم الذي يجمع بين المظهر الديني والمظهر الاجتماعي للعبادة كان وراء الموقف الحازم الذي وقفه أبوبكرالصديق رضي الله عنه من حركة –الردة والمرتدين– بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم، ومن هذا الفهم كانت صيحته المشهورة أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: «والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة».

  • كمال العبادة:

وتبلغ العبادة أكمل صورها من خلال الرسوخ «بالمعرفة والعلم» المفضي إلى «العمل والتطبيق»؛ محبة كاملة لله من خلال العلم بنعمه، ورجاء وتوكل كاملين عليه من خلال العلم بقدرته، وخوف كامل منه وحده من خلال العلم بقوته وجبروته وسلطانه؛ ومحصلة هذه الأمور الثلاثة التقوى وخشية الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور} (فاطر :28).» قال الرازي في تفسيره: «الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة، كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول النصاب».

  • أثر غياب مفهوم العبادة في التربية الحديثة ونقد المعاصرين لذلك:

كان الفكر الكنسي يوجه التربية قبل النهضة الحديثة ويقدم مفهوما للعبادة لا صفاء فيه للمظهر «الديني» ولا وجود «للمظهر الاجتماعي والمظهر الكوني»، وبسبب هذا الاضطراب والنقص قام رد فعل معاكس واتخذت التربية طابعا علمانياً لا أثر للعبادة فيه، ثم تتالت التفصيلات والتفريعات في هذا الاتجاه تصطدم بالفطرة البشرية فكانت النتيجة؛ أن قسما من الناشئة انسحب من الحياة القائمة وراح يبحث عن إله يعبده ودين يعتقده (أي نحلة وأي دين) يتيح له صورة للإنسان تتناسب وما يبحث عنه. وقسم انسحب من الحياة في اتجاه معاكس وراح يبحث عن السعادة في دنيا الأوهام التي تقدمها له حياة الانحلال والمخدرات وألوان الانحراف. ولعل أكبر مثل لذلك ما يجري على القارة الأمريكية نفسها.

العلاقة بين هذا «القلق الديني» وبين «غياب علاقة العبادة» من التربية الحديثة أن التربية الحديثة تحرم الناشئة من حاجتين أساسيتين هما وجود «المثل الأعلى» يتبناه الناشئة ويفنون فيه، وتوفير فرص «المشاركة الجدية» لخدمة هذا المثل الأعلى وصرف طاقاتهم المتفجرة في سبيله، وهاتان الحاجتان من التربية الحديثة أفرزتا مضاعفات سلبية في حياة الناشئة أهمها ما أسماه فقهاء التربية الحديثة «المراهقة» وهذه فتوى خاطئة أصدرها علماء النفس الحديثين تبريرا للسياسات الجائرة التي يمارسها مترفو العصر من أصحاب الرأسمالية والشركات الدولية. فالمراهقة ليست ظاهرة حتمية في تطور العمر الزمني للإنسان. إنها مشكلة يمكن تجنبها كليا من حياة الفرد وألا يمر الإنسان بها أبدا وهي من مزاعم علماء النفس في المجتمعات الصناعية الرأسمالية ومرض من أمراضه الاجتماعية وهي تحصل كالتالي:

في المجتمعات الرأسمالية الصناعية «يربي» الفرد ليكون عاملا «منتجا – مستهلكا» ولكن في كثير من الأحيان يصبح عدد العمال أكثر من الوظائف المتوفرة، ولذلك يبقي الفرد «مستهلكا» غير منتج. وتتضاعف حدة هذه المشكلة عند الناشئة حيث يبقون دون عمل ولا رسالة في الحياة تستهلك قدراتهم وطاقاتهم العارمة ويطلب إليهم أن يتكدسوا في شوارع دون عمل أو نشاط حتى يأتي الحاجة إليهم. وفي هذه الحالة بدل أن يستهلك الإنسان طاقاته في عمل بناء يدخل في صراع مع هذه الطاقات النفسية والجسدية الباحثة عن متنفس وهو ما أسموه بالمراهقة. فالمراهقة هي مصارعة طاقات وقدرات عقلية وجسدية معطلة محبوسة، ولمواجهة هذه المشكلة لجأت المجتمعات الحديثة إلى وسيلتين:

الأولي: إطالة مدة الدراسة المدرسية

حيث يسجن الشاب والشابات في غرف الدرس حوالي (25) سنة من عمرهم ليستمعوا للكلام دون العمل وليعانوا من ضيق الطاقات المحبوسة وما قد يتبع ذلك من انحرافات نفسية وجسدية.

الثانية :هي محاولة إشغال الناشئة

بمشروعات الرياضة وبرامج الشباب والفن، ولكنها حلول سطحية لا تناسب ووسع الإنسان الذي أودعه الله فيه، ولا توفر النشاط إلا لعدد قليل جدًا تصيبهم الأمراض النفسية والاجتماعية أكثر من غيرهم عن طريق ألقاب البطولة الرياضية والفنية التي يطلقونها عليهم.

  • منهاج التربية الاسلامية لتجنب مرض المراهقة

لقد تجنبت التربية الإسلامية مرض المراهقة ومضاعفاته حين أوجدت للشباب مثلًا «أعلى» أو «رسالة» يصرف طاقاته خلال «الجهاد في سبيلها»، وحين وفرت للشباب فرص «المشاركة» جنبا إلى جنب مع الكبار من خلال المجالس العامة والمواجهات العامة التي يمارسها الكبار، ومن خلال المشاركة في فرص العمل الجهادي والاجتماعي، وليست ظاهرة التربية الإسلامية ظاهرة تاريخية بل ظاهرة مستمرة. فكل فرد يجد الفرصة لتلبية حاجاته النفسية في «المثل الأعلى» والعمل في سبيله لا يمر في مرحلة المراهقة السلبية، وأحسن مثال لذلك هم الناشئة الذين يشاركون في المبادئ والنشاطات الأيديولوجية التي تتبناها حركات الإصلاح المختلفة.

  • واقع مؤسساتنا التربوية من منهاج التربية الاسلامية

ومن الموضوعية أن نقول إن مؤسسات التربية في العالم الإسلامي لا تجسد «علاقة العبادة» بمظاهرها الثلاثة التي استعرضناها. إن المشكلة التي تعاني منها هذه المؤسسات هي التقليد والاغتراب، وتتجلى مضاعفات هذه المشكلة في أمرين:

الأول: مؤسسات التربية الحديثة

هذه المؤسسات التربوية الحديثة تقلد المؤسسات التربوية في الغرب وتقوم بنفس المهمة ولكن بدرجة أسوأ. فالفرد في هذه المؤسسات يعد ليكون بالدرجة الأولي «مستهلكا» لكل ما يرد إلى الأسواق من مصانع الخارج، ولا يُعد ليكون «منتجا» إلا بالقدر الذي تتطلبه أعمال «السكرتارية والبيروقراطية» التي تدير العمل في «الوكالات» التي تتولى تسويق المنتجات الواردة من الخارج. فهي مؤسسات مغتربة عن قضايا المجتمعات الإسلامية الحاضرة.

الثاني: مؤسسات التربية الإسلامية

هذه عزلت عن واقع الحياة فهي تحدث الناشئة عن «المثل الأعلى» الذي رفعه «الآباء» ولكن لا توفر لهم فرص المشاركة في خدمة «المثل الأعلى»  وتكون النتيجة هي قول لا عمل، تنفجر مضاعفاته في أشكال التطرف والتزمت أو التحلل والمروق.

بتصرف من كتاب فلسفة التربية الإسلامية.. دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية وفلسفات التربية المعاصرة.. الفصل الأول: أهمية البحث في فلسفة التربية الإسلامية، تأليف د . ماجد عرسان الكيلان.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم