Business

القرآن ومنهجية التربية بالحوار

حريٌّ بنا أن نفهم المنهج القرآني وأساليبه في تربية الطفل، إذ تعددت هذه الأساليب، منها أسلوب الحوار والمناقشة، وأسلوب المشورة، وكذلك أسلوب التربية بالقدوة، وأسلوب التربية المباشرة أو الإلقائية أو غيرها من الأساليب.

وقد ارتأت الدكتورة أمل كاظم زوير- جامعة بغداد- كلية التربية للبنات، أن تبين الأسلوب القرآني في الحوار مع الطفل وأثره في تربيته وتوجيهه لحل المشكلات التي تعترضه بالحوار، بحيث ينشأ الطفل في هذه الحياة وهو متسلح بمهارة الحوار، التي تعد وسيلة ذات أهمية كبيرة للشورى، وتبادل الأفكار والتزود بالمعلومات، حل المشكلات.

 

أسلوب الحوار والمناقشة بين الأب وابنه في القرآن الكريم

وأسلوب الحوار يقتضي وجود طرفين أو أكثر يدور الكلام بينهم في صورة حوار، بقصد من ورائه الحكم على أمر ما إيجابًا أو سلبًا، وهي طريقة من طرق توضيح المعنى وتثبيته، وتتميز بجذب انتباه السامع أو القارئ نحو الموضوع الذي تتحدد معانيه، وتنكشف أبعاده بطريقة تقوم على السؤال والجواب، والأخذ والرد، والاعتراض والمراجعة، ولا يخفى ما في ذلك من عناصر الجذب والمتابعة والتشويق التي تساعد على إدراك الحقيقة إدراكا واضحًا لا خفاء فيه.

أما المناقشة فهي: إحدى الأساليب التفاعلية المستخدمة في التربية، وهي تقوم على طرح موضوع ما لمعالجته، والوصول إلى قرار بشأنه، لذلك فهي تعتمد على تبادل الآراء وتواصلها بين الأفراد.

وقد ورد هذا الأسلوب من الخطاب في القرآن الكريم، عند حوار سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، وحوار نوح عليه السلام مع ابنه، وحوار لقمان الحكيم مع ابنه. ومنها:

حوار سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام

قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات)، نلحظ في هذه الآيات أن سيدنا إبراهيم الشيخ الكبير، المهاجر من الأرض والوطن، المقطوع من الأهل والقرابة، ها هو ذا يرزق في كبره بغلام، طالما تطلع إليه، وما يكاد يأنس به، وصباه يتفتح، ويبلغ معه السعي– أي لما مشى مع أبيه، وأصبحت له القدرة على مساعدة أبيه في العمل-و يرافقه في الحياة، حتى يرى في منامه أنه يذبحه، ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية، فلا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم، ويعرض هذا الأمر الهائل على ابنه في هدوء وفي اطمئنان عجيب قال: {يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.

فإبراهيم الأب يعرض على ابنه هذا العرض، ليناقشه فيه. ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه، من أجل الوصول إلى قرار بشأنه، فهو لم يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي، إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر، فالأمر في حسه هكذا، ربه يريد، فليكن ما يريد، وابنه ينبغي أن يعلم، وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلامًا، لا قهرًا ولا اضطرارًا؛ لينال هو الآخر أجر الطاعة. وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم، إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها، وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى، فكان جواب الابن في غاية الأدب والتودد مع أبيه قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، ولم يأخذ الأمر بطولة وشجاعة، ولم يأخذه اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلًا ولا حجمًا ولا وزنا، إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه، فقال: {سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، في غاية الأدب مع الله عز وجل، وفي أعلى درجات الطاعة والتسليم له تبارك وتعالى.

ونستخلص من الآيات الكريمات الفوائد التربوية التالية:

  1. شرع القرآن الكريم للطفل من الحقوق ما يحفظ عليه حاضره، ويؤمن مستقبله، ومن أهم هذه الحقوق ما يأتي: إثبات النسب، حق الرضاعة، وحق النفقة، والتربية والتعليم، وحق العدل بين الأبناء.
  2. إن المربي عندما يتجه القرآن الكريم سوف يلمس فيه صورًا وأساليب رائعة في التربية والتعليم، تعينه في رسم نموذج تربوي لتوجيه الطفل في ظل التحديات المعاصرة، منها أسلوب الحوار والمناقشة، متمثلًا في حوار كل من النبي إبراهيم مع ابنه إسماعيل، وحوار النبي نوح عليه السلام مع ابنه، ولقمان الحكيم مع ابنه، وحوار النبي يعقوب مع ابنه الصغير يوسف عليهما السلام.
  3. يعد الحوار الهادئ المتزن، المقرون بالموضوعية والأدب والاحترام والصراحة الوسيلة المثلى لتحقيق الغايات، وتنمية الثقافة بشكل راقٍ ومهذب.
  4. يجب الاقتداء والتأسي بالرسل والأنبياء في علاقتنا مع أبنائنا، بحيث تكون علاقة أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسيه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل، ومن علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب والابن.
  5. يجب على الآباء الامتناع عن اللجوء إلى العقاب مباشرة عند خطأ أولادهم، وليستبدلوا العقاب بحوار ونقاش طويل حول الخطأ الذي ارتكب، وليتزودوا بالجلد والصبر وطول البال أثناء الحوار، وليعيروا انتباهًا لأسئلة أولادهم وليحاوروهم ليُكسبوهم هذه المهارة عند الكبر، لحل كافة المشكلات التي تعترض طريقهم، بحيث يرث الأطفال هذه المهارة ويحملونها معهم في حياتهم، متسلحين بوسيلة عظيمة للشورى، وتبادل الأفكار والتزود بالمعلومات، وحل المشكلات.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم