7- تدريب النفس على القناعة والاقتصاد في المعيشة
فمن هدى القرآن قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)ْ (البقرة). ومنه قوله سبحانه يبين ضوابط الإنفاق، في سياق وصفه تعالى لعباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} (الفرقان).
فالمولى عز وجل لا يريد للمسلم أن يكون أسيرا لشهواته، بل يأكل ليعيش، لا يعيش ليأكل؛ لذا توعد من يقع أسيرا لشهواته؛ فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)} (مريم).
وبين سبحاه أن الناس سيسألون عن النعيم الذين يتنعمون فيه؛ قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} (التكاثر).
لذا، فقد ربى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على القناعة بالقليل من المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك من حظوظ النفس، كما رباه على ترك الشهوات؛ وشاء سبحانه أن يهيئ الظروف القاسية لتربية الصحابة؛ لأنهم يعدون لحمل أمانة شاقة؛ وهي تبليغ دين الله للناس كافة، فقدر الله تعالى حصار الكفار لبني هاشم.
وقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته على هذا الأسلوب؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعنها أيضًا أنها قالت لعروة رضي الله عنه: «والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال ، ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم نار. قلت -أي عروة- يا خالة: فما كان معيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر، والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها؛ فيسقينا».
إن المسلم الذي يعده الإسلام ليعمر الأرض، وينشر الحق والخير والعدل يحتاج إلى صبر وقوة عزيمة وصفات ومؤهلات لا يمكن تحقيقها إلا إذا تدرب عليها سلفًا؛ ولا يليق بمن يستجيب لشهواته أنى تحركت أن يكون أهلًا لهذه المسئولية؛ فقد يبيع صاحب الشهوة دينه بعرض من الدنيا؛ لذا حرص الإسلام على إعداد أبنائه؛ حتى لو كانوا من الموسرين ـ لتحمل المشاق، ولله در عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: «اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم».
وقد شاءت إرادة الله سبحانه أن يعيش المسلمون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حياة كلها جهاد ومجاهدة؛ فبرغم أن فترة القتال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتجاوز تسع سنوات، فإنه قاد سبعًا وعشرين غزوة ـ على حد قول فريق من كتاب السيرة ـ وهذا يعني أنه كان لا يمر أربعة أشهر إلا والمسلمون في موقعة لقتال الكفار؛ فإذا أضفنا السرايا التي كان يرسلها النبي صلى الله عليه وسلم لمهام عسكرية محددة ولم يقدها بنفسه، اتضح لنا أن حياتهم كلها كانت إما تخطيطًا للجهاد، وإما ممارسة له؛ لذا نجح النبي صلى الله عليه وسلم في تربية هؤلاء الصحابة الكرام؛ ومن ثم واصلوا المسيرة بعده؛ فسادوا وقادوا حتى ملأوا ربوع الكون بنور الإسلام وعدله.
تطبيق أسلوب تدريب النفس على القناعة والاقتصاد في المعيشة
مثال تطبيقي في البيت:
أن يحرص الأب ـ ولو كان موسرًا على التوسط في الإنفاق، والاعتدال في عطائه لأبنائه مصروفاتهم الخاصة.
مثال تطبيقي في المدرسة:
أن يخطط المعلم لتلاميذه مواقف تربوية ـ وخاصة في الرحلات وغيرها من الأنشطة ـ يدربهم فيها على قوة تحمل الجوع والعطش؛ وحسن التدبير؛ كأن يعطيهم ميزانية الرحلة، وتكون مالا قليلا، ويطلب منهم إدارة الرحلة والإنفاق عليها.. والمعسكرات من الأنشطة الفعالة في هذا النمط التربوي.
.