أمر الله بصلة الأرحام والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتها والإساءة إليها، ووعد النبي صلى الله عليه وسلم بأن قطيعة الأرحام مانعة من دخول الجنة مع أول الداخلين.
ولقد انتشر في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة مشكلة كبيرة، وهي مقاطعة الأقارب بعضهم البعض، فأصبح الأخ يهجر أخاه، ويقاطع الأقرباء بعضهم بعضا، بل قد تصل الأمور في بعض الأحيان إلى اعتداء الابن على أبيه، وكل ذلك بسبب خلافات قد تكون تافهة في بعض الأحيان، وتستمر قطيعة الرحم بين الناس لأعوام عديدة، وهم يعتقدون أنه ذنب بسيط هيّن، غافلين عن الخطر العظيم الذي وقعوا فيه، إذ إن قطيعة الرحم كبيرة من الكبائر، وعد الله فاعلها باللعن والطرد من رحمته، وقد قال العلماء أن كل ذنب توعد الله -تعالى- فاعله بالعذاب، أو النار، أو اللعنة، أو الغضب، فهو من الكبائر، وروى أبو بكرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل اللهُ -تعالى- لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم» ( صحيح أبي داوود).
أهل العلم وصلة الأرحام
قال النووي رحمه الله تعالى: «صلة الرَّحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة، والسلام، وغير ذلك» (شرح مسلم 201/2).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «قال القرطبي رحمه الله تعالى: الرَّحِم التي توصَل: عامَّة وخاصة، فالعامَّة: رحِم الدِّين، وتجب مواصلتها بالتوادّ والتناصح، والعدلِ والإنصاف، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وأمَّا الرحم الخاصَّة: فتزيد للنَّفقة على القريب، وتفقُّد أحوالهم، والتغافُل عن زلَّاتهم» (فتح الباري [10 / 418] ).
وسئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: هل تجوز صِلة الرحِم عبر التليفون؟ فأجاب: نعم، هذا من صِلة الرحم، المكالمة الهاتفية، والمكاتبة بالقلم، كلها من الصِّلة، كونه يكتب إليه، إلى أخيه، أو عمه، أو قريبه، يسأله عن صحَّته وعن حاله، أو يكلمه بالهاتف - كلُّه طيِّب، كله من الصلة. (نور على الدرب للشيخ ابن باز، شريط رقم: 419).
أسباب قطع الرحم
ثمة العديد من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة قطع الأرحام، منها:
- الكِبر: فمن الناس من إذا بلغ منزلةً رفيعةً، أو مكانةً عاليةً في المجتمع، أو كان من الأثرياء، أو التجار المعروفين، ترفّع عن زيارة أقاربه وصلتهم.
- العتاب الشديد: حيث إن بعض الناس كثير العتاب والملامة، فإذا زاره أحد أقاربه من بعد غياب طويل، صب عليه وابلا من العتاب واللوم.
- الجهل: حيث إن عدم معرفة خطر قطيعة الرحم، وما يترتب عليها من عقوبة في الدنيا والآخرة يؤدي إلى التساهل فيها.
- ضعف التقوى: حيث إن ضعف التقوى وقلة الدين يؤديان إلى إهمال أوامر الله تعالى.
- قلة الاهتمام بالزائرين: فمن الناس من لا يكرم زوّاره، ويستقبلهم بكل برود من غير أن يُظهر الفرحة بزيارتهم.
- الشحّ والبخل: فقد يدفع الشحّ والبخل بعض الناس إلى قطع أرحامهم؛ خوفا من أن يطلب أحد أقاربهم الاقتراض من أموالهم.
- كثرة المزاح: إذ إن المزاح الثقيل قد يؤثر في الأنفس، ويجرح قلوب البعض، فتُورث البغضاء، وتسبب قطيعة الرحم.
- التقارب في المساكن: فقد تحدث الخلافات بين الأقارب بسبب الأطفال والنساء، ثم تنتقل إلى الوالدين فتؤدي إلى قطيعة الرحم.
- وقوع بعض حالات الطلاق بين الأقارب.
- الحسد.
- مظالم الميراث.
- قلة الصفح والتسامح بين الأقارب
عقوبة قطع الارحام
- قاطع الرحم ملعون في كتاب الله، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22-23)، قال علي بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواطن.
- قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين، قال الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 26-27).
- قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى: عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
- لا يرفع له عمل ولا يقبله الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم» رواه أحمد ورجاله ثقات وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
- قطعها قطع للوصل مع الله: عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه.
- سبب في المنع من دخول الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» رواه الترمذي.
.