Business

المضامين التربوية في خطبة الوداع

 

حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجةً واحدة، كانت أعظم حجة في التاريخ كله وأفضلها، أقام فيها شعائر الله - تعالى - وعظَّم حرماته، وصدع بدينه، وبيَّن للناس مناسكهم، وخطب فيهم يعلمهم ويبشرهم وينذرهم.

 

إن من حضرها طاف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت، ووقف معه في عرفة، وفي المشعر الحرام في مزدلفة، وشاركه في الهدي وفي الجمار، وبات معه في مِنى، واستمع إليه وهو يخطب في الناس يعلِّمهم مناسكهم ودينهم، ويحضهم على ما فيه فلاحهم، وينهاهم عما يضرهم؛ فلو كان الأمر بالاختيار لاختار كل المسلمين أن يحجوا معه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولكن ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

 

وقد تضمنت خطبته في ذلك الموقف العظيم مضامين عظيمةرصدها الباحث إبراهيم الحقيل، فيما يلى :

 

المضمون الأول : حرمة الدماء والأموال والأعراض :

 

وقد قدم  النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته تحريم الدماء والأعراض والأموال على أي أمر آخر، ولو كان هذا الأمر ترسيخ التوحيد ( الذي كان في فِقرَة تالية )؛ لأن التوحيد لا يقام ويرسخ رسوخاً كاملاً بلا أمن.

 

وكرر النبي - صلى الله عليه وسلم - حرمة الدماء والأموال مرة أخرى بقوله : « وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ... وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ...، وهذا التكرار إما أن يكون تأكيداً لما سبق، وإما أن يكون إبطالاً لما يعتقدون حِلَّه أو استمرارهم عليه لكونه كان قبل النهي عنه.

 

المضمون الثاني : ترسيخ التوحيد، والقضاء على كل مظهر من مظاهر الشرك :

 

وذلك ظاهر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ" .

 

قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - : « يدخل فيه كل ما كانوا عليه من العبادات والعادات مثل دعواهم يالِ فلان ويالِ فلان، ومثل أعيادهم وغير ذلك من أمورهم  .

 

وأمر الجاهلية هو ما عارض الديانة الربانية، ولا يقتصر على ما كانت تعرفه العرب من عبادة الأوثان، أو ما تعتقده من أفكار خاطئة، أو ما ترتضيه من عادات وأعراف.

 

بل يدخل في مصطلح ( أمر الجاهلية ) كل ما عارض الإسلام في كل زمان ومكان؛ لأن دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي إلى آخر الزمان، وهي إلى الناس كافة.

 

المضمون الثالث : امتثال الآمر لما يأمر به، وانتهاؤه عما ينهى عنه، والبَدء في ذلك بنفسه وأهل بيته وقرابته :

 

فإن ذلك أدعى لقبول الناس لقوله، وهذا ظاهر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ من دِمَائِنَا دَمُ ابن رَبِيعَةَ بن الْحَارِثِ كان مُسْتَرْضِعاً في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ .

 

وهذا واجب من واجبات الدعوة عظيم، وأدب من آدابها رفيع، وهو سلوك الأنبياء - عليهم السلام - فلم يُنقَل عن أحد منهم أنه خالف قوله فعله، ولو وقع ذلك منهم لعيَّرهم به المكذبون من أقوامهم، فلما لم يقع ذلك منهم عُلِم أن طريقة الأنبياء وأتباعهم من الدعاة هي موافقة العلم العمل، وإتباع القول الفعل؛ كما حكى الله - تعالى - عن شعيب - عليه السلام - أنه قال : ] وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [ (هود : 88).

المضمون الرابع : الوصية بالنساء، وبيان ما لهن وما عليهن في بيت الزوجية :

 

وذلك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فَاتَّقُوا الله في النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ الله وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" .

 

فهذه الوصية هي من البناء الاجتماعي المتين، والإصلاح الأسري المكين؛ ذلك أن صلاح الزوجين وأداء كلِّ واحد منهما للآخر حقَّه فيه صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة يعود على المجتمع بأجمعه بالصلاح والاستقامة.

 

المضمون الخامس : الوصية بالتمسك بكتاب الله - تعالى - والاعتصام به والتزامه :

 

فالكتاب والسُّنة هما تَرِكة النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا، وهما العلم الذي خلَّفه لأمته « وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ الله... وهذه الوصية تتضمن التمسك بالسَّنة؛ لأن الأمر بالاعتصام بالكتاب يلزم منه الأمر بالاعتصام بالسُّنة.

 

المضمون السادس : إشهاده - صلى الله عليه وسلم - الناس على بلاغه لدين الله - تعالى - لهم :

 

وهو أعظم إشهاد في التاريخ البشري، في أشرف زمان ومكان، استشهد عليه أفضل البشر، وشهد له أفضل أتباع نبي؛ فشهد له أهل الموقف كلهم وهم زهاء مئة ألف، ولا يُعرَف في التاريخ كله شهود يضاهون هذا العدد، وكانت شهادتهم على أهم القضايا وأعلاها، وهي دين الله - تعالى -.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم