Business

محطات تربوية فى حياة الشيخ علي الطنطاوي

يعتبر الشيخ علي الطنطاوي (ت: 4 ربيع الأول 1420هـ - 18يونيو 1999م) أحد أعلام هذه الأمة علما وعملا، فقد ترك ما ينيف عن ستين كتابا، إضافة إلى بنين وحفدة اشتغلوا على إنتاجه الفكري والعملي جمعا وترتيبا وتحقيقا وطباعة وحديثا وكتابة.

وإذا كان الشيخ الطنطاوي رحمه الله قد عرف بغزارة إنتاجه الفكري والإسلامي المتنوع، من مقروء ومرئي ومسموع، كما اشتهر ببيانه وفصاحته وبلاغته حتى لقب بأديب الفقهاء، وفقيه الأدباء، حيث كان كاتبا خطيبا متحدثا داعيا إلى الحق قويا فيه جريئا، اشتغل في التعليم العالي والقضاء والصحافة والإعلام. وتميز بخفة روحه ودعابته ومزاحه الهادف الذي يسري عن النفس، ويكسبها الخفة والنشاط، فقد يسر الله له سبحانه الجمع بين التربية العصرية والتقليدية.

وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث محمد شعطيط، محطات في حياة الشيخ على طنطاوي، كأنموذج تربوي ناجح يستحق فعلا أن يتخذ نبراسا يقتدى به في الأسر ورياض الأطفال والمدارس والمعاهد، وينسج على منواله لإخراج جيل تربوي فريد.

 

قيمة التربية

كانت التربية عند الإمام الطنطاوي من أولى الأولويات، وكان يضرب لذلك مثالا ببناء الدور؛ فكلما احتجنا إلى بناء أكثر علوا كان لزاما أن نضع أساسا متينا. وهكذا التربية، كلما احتجنا إلى بناء جيل متين متكامل التربية كنا مطالبين بتربية إيمانية عميقة أساسها الإيمان العميق والإحساس الدائم بمراقبة الله.

 كما كان يدعو رحمه الله إلى الاهتمام بمربي الأجيال، فعلى أكتافهم يقوم هذا البناء الشامخ. يقول رحمه الله: «المعلم الابتدائي هو الأساس، والأساس لا يُرَى، ولكن البناء لا يقوم إلا عليه، هذا الأساس هو التعليم الابتدائي، لا يراه الناس على حقيقته ولا يقدرونه قدره، ولو كان بيدي شيء من الأمر، أو كان لرأيي قليل من الوزن، لاقترحت أن يشترط في معلم الابتدائي الشهادة الجامعية، وفوقها دورة في التربية وتعليم الصغار، وأن يُعطى مثل راتب أستاذ الشهادة الثانوية. نطالبه بالكثير بعد أن نعطيه الكثير، إن ضعف معلم الابتدائي لا تصلحه قوة مدرس الثانوي ولا أستاذ الجامعة».

 

علم النفس والتدريس

وقد ساعده على التوفيق بين النظرية والتطبيق والجمع بينهما معا في تآلف عجيب، اهتمامه الكبير بعلم النفس، فقد قرأ عنه الكثير من المؤلفات. كما أن اشتغاله بالقضاء لفترة من الزمن ثم مدرسا أعاناه -بعد فضل الله- على فهم نفسيات الناس وسبر أغوارهم مما سهل عليه حسن تربية حفدته، وأكسبه تجربة في حسن التعامل معهم وإبداع حلول فريدة لما كان يعترض آباءهم من عقبات وحواجز في تدبير اختلافاتهم.

 

القدوة الحسنة

كان الإمام الطنطاوي رحمه الله عالما عاملا، لا يأمر بعمل إلا ويكون مبادرا إلى العمل به -نحسبه كذلك والله حسيبه- وكان كثيرا ما يجمع حفدته ويقترح عليهم أن يقوموا بتقويمه وتقييمه وإبداء ملاحظاتهم على شخصه. ورغم أنه كان موقفا صعبا إلا أن له وقعا كبيرا على نفوس أبنائه وحفدته. بحيث يشعرهم ألا أحد فوق النصح والإرشاد والتوجيه، كما أنها كانت فكرة ذكية منه رحمه الله لمعرفة اهتمامات الأطفال والجوانب التربوية التي يركزون عليها أو تلقى عندهم الاهتمام أكثر من غيرها.

 

الرحمة واللطف

الرحمة باب كبير من أبواب التربية وصدق الله عز وجل إذ يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ...} (آل عمران: 159). ورحمة الشيخ الطنطاوي تتجلى في حدبه على حفيداته وأحفاده وحنوه عليهم، وحرصه على أن ينعموا بالرعاية اللازمة الكاملة. فكان يمنع إحدى حفيداته من الذهاب إلى الدراسة إذا رأى عليها أمارات التعب أو المرض أو رأى أنها لم تنم جيدا.

 

تحبيب المطالعة للأطفال

غرس الشيخ رحمه الله في حفدته حب طلب العلم والمطالعة منذ نعومة أظفارهم. وكان شعاره: «بدل أن تعطيني سمكة علمني كيف اصطادها»؛ فكان يحيل كل من يسأله من أبنائه على مصادر المعرفة ومراجعها مباشرة تحت إشرافه وبتوجيه منه. فقد تعامل أحفاده مع أمهات الكتب وهم أبناء عشر، أمثال (الأعلام للزركلي)، وكتب الشيخ أحمد أمين، وغيرها من الكتب في شتى أصناف المعرفة.

 

حسن الرعاية والاهتمام

تحدثنا فيما سبق عن رحمة الشيخ ولطفه، ونتحدث هنا عن حسن رعايته واهتمامه بعائلته الصغيرة والكبيرة، بحيث كان رحمه الله يظهر اهتماما كبيرا وبارزا للجميع، من شتى الأعمار، ذكورا وإناثا، في كل المناسبات وفي كل الأحوال: يسأل عن المريض حتى يبرأ، وعن الطالب حتى ينجح، يمد يد العون للمحتاج، وينفس كربة المكروب، وييسر على المعسر، ويمد ذا الحاجة حتى يكتفي، لا يبخل بالمساعدة مادية ومعنوية؛ حالا ومقالا، وقد بقيت معه هذه الخصال حتى وهو في التسعين من عمره رحمه الله رحمة واسعة.

 

التشجيع وقصة النفائس

كان الشيخ رحمه الله يولي عناية بالغة للهدايا والإشارات اللطيفة والتحف الرائعة، التي وإن كانت لا تكلف الكثير، لكنها تترك الأثر البالغ في نفوس الأطفال. من ذلك مسألة النفائس التي كان الشيخ رحمه الله يحتفظ بها في خزانة خاصة لا يملك غيره مفاتيحها. نفائس من كل نوع ومن شتى الأشكال والأحجام معدة لمختلف الأعمار. كما كانت هداياه عبارة عن قطع نقدية إضافة إلى شهادات تقدير كان يكتب عليها أسماء الأطفال المراد تشجيعهم بخطه الجميل، ليفرحهم أولا ثم ليغرس في نفوسهم حب المثابرة والإبداع وليحفزهم على مزيد من الجهد والعطاء.

 

بين الدنيا والآخرة

ما يميز العالم الرباني هو أنه يأخذ بيدك إلى الله عز وجل، لا يشغلك بالدنيا عن الآخرة، ولا بالآخرة عن الدنيا، والإمام الطنطاوي رحمه الله من هذا الصنف، فقد ربى أبناءه وحفدته على ابتغاء الدار الآخرة دون نسيان الدنيا. يتجلى ذلك في سلوك من تربوا على يديه، ونهلوا من معينه من حيث المحافظة على الصلاة والاهتمام بالعبادة إضافة إلى الاهتمام ببعض الرياضات لتقوية الجسم الذي هو في البداية وعاء الروح.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم