{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4) حصر المولى– سبحانه– حياة الإنسان في هذه الآية الكريمة، حيث إنها في تعب ونصب وكبد، غير أن هذه الحيوات يختلف فيها الناس بين من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبين من جعل الحياة الدنيا همه، والمال إلهه، ومتع الدنيا هدفه، مع أن الاثنين كتب عليهم التعب في الدنيا من أجل جمع المال، غير أن غاية الاثنين وأهدافهما اختلفت، فالأول جمعها من حلال وأنفقها في حلال، وسخر كل شيء في حياته لخدمة البشرية ولسعادة الجميع وطاعة لربه، وهو على النقيض من الآخر الذي عمل لنفسه وعاش لنفسه بعيدًا عن دينه.
لم يحرم المولى سبحانه جمع المال أو الرقي في الدنيا أو الاستمتاع بالحياة بل جعلها مباحة لجميع العباد، لكن المسلم الحقيقي جعل كل ذلك في يده لا في قلبه، حيث ملأ قلبه بالإيمان وحب الرحمن، فعطف على الفقراء ورحم المساكين، ونثر ما معه من مال على مستحقيه وشكر الله فما كان من الله إلا أن زاده من فضله.
بل بلغ بنا الحال الآن في عالمنا الحالي أن كثر الانتحار، حتى وصل بنا الحال أن وضع العالم يوما للصحة النفسية وهو العاشر من أكتوبر، وذكر الموقع الرسمي للمكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة: أن شخصًا يموت كل 40 ثانية جراء الانتحار.
إن الإيمان قادر أن يقف حائلا أمام ما يصيب الإنسان من اكتئاب، والذي يعد السبب الأكثر شيوعًا لإقدام الناس على الانتحار، فدائمًا ما يصاحب الاكتئاب الشديد شعور غامر بالمعاناة، بجانب الإيمان باستحالة التخلص من هذا الإحساس، بل في كثيرٍ من الأحيان، يزداد شعور بالألم من جرّاء الوجود في هذا العالم لدى المصابين بالاكتئاب الحاد إلى أن يصبح أمرا لا يُحتمل.
معاناة الانتحار
لقد أرجع الكثيرون أسباب الانتحار إلى الأمراض العضوية والظروف الاجتماعية وقللوا من دور الايمان بالله والرضى بما قسمه سبحانه في التصدي لكل أسباب الانتحار الذي يدفع الكثيرين في دول كثيرة إليه.
لا ننكر الأسباب الأخرى كالأسباب الاجتماعية والظروف الاقتصادية، ومشاعر اليأس، والعزلة، والوحدة والتعرّض للتنمر وغيرها من الأسباب، غير أن السبب الروحي والقلبي يعد من الأسباب القوية التي تجنب الإنسان القدوم على الانتحار.
لقد حاول علماء النفس على مدى سنين طويلة البحث في الأسباب وراء الانتحار والأفكار التي تدور في خلد وعقل الأفراد الذين يفكرون بالأمر أو يتمنونه بصورةٍ أو بأخرى، ووضعوا أسبابًا كثيرة، غير أنهم يتغافلون عن السبب الديني.
علماء الغرب وضعوا بعض الأسباب المادية للانتحار، مثل: الأسباب التي نشرها روي بوميستر عام 1990م تحت عنوان (الانتحار: كهروب من الذات) والتي تمثلت في: عدم القدرة على تحقيق الآمال الفردية، ولوم الذات وإدانتها، الوعي العالي بالذات، المشاعر السلبية، تفكيك الإدراك، فقدان السيطرة على الذات.
غير أن بعض العلماء المسلمين وضعوا عددا من الأسباب، مثل:
- ضَعف الوازع الديني عند الإنسان، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى.
- عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية.
- الجهل والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس.
- الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر.
- المشاكل الأُسرية، والفشل، والشعور بالذنب أو الوَحدة.
ولذا وضع الإسلام منهاجًا بين الترغيب والترهيب لكل من يقدم على هذا الفعل بعدما أشعل القلب بجذوة الإيمان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا» رواه مسلم.
إن الانتحار فيه تسخُّط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمُّل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر، وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها، وإنما ملك لله الذي خلقها وهيَّأها لعبادته سبحانه، وحرَّم إزهاقها بغير حق.
ومن معينات التصدي للانتحار:
- العودة للدين الإسلامي الحنيف.
- الحضور القلبي الدائم مع الله.
- التعلق الشديد به سبحانه.
- إعلاء منظومة القيم الإسلامية.
- زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع، خاصة الشباب والمراهقين، عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية.
- رفع الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس.
.