يتناول الباحث جمال سعد حاتمفى هذه الدراسة، ظاهرة الطلاق التي أصبحت تهدد كيان الأسر، وتزداد نسب الطلاق بصورة مفزعة في مصر والدول العربية، ويؤكد هذا الإحصائيات المخيفة عن انتشار تلك الظاهرة واستفحالها بسبب الابتعاد عن شرع الله حتى باتت ظاهرة مدمرة وقاتلة للمجتمع.
معدلات كارثية للطلاق
إن كل إنسان يبحث عن الحياة الأسرية المستقرة الهادئة دون مشاحنات، تسودها السعادة والبهجة والأمن والطمأنينة، ولقد حرص الدين الإسلامي على وحدة الأسرة وعدم تفككها فشرع حلولًا عملية يستهدي بها كل من الزوج والزوجة في حال استفحال الخلاف والشقاق بينهما، بل لقد أعطى الزوج حلولًا تدريجية تبدأ من الوعظ، وأن يهجر وأن يؤدب، وهذا ما يفعله الزوج في حالة وقوع الخلاف حرصًا على بقاء عشرة الزوجية، وحفظ كيان الأسرة سليمًا، أما إذا اشتد الخلاف بينهما فيختار كل منهما حكمً لحل المشكلات الناشئة بينهما.
وقد أمر المولى سبحانه وتعالى الزوج بالصبر حتى مع الكراهية، قال الله تعالى: {فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19). وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يفرك مؤمن مؤمنة ...» الحديث. وإن كان الأمر بالصبر هنا للرجل فهو يلزم المرأة أيضًا.
أما إذا استمر النزاع بين الزوجين مع استنفاد محاولات الصلح، فيكون الموقف بين أمرين؛ أحدهما: استمرار الحياة الزوجية مع وجود الشقاق والخلاف وسوء التفاهم، أو انفصال يجد فيه كل من الزوجين أمرًا آخر، قال الله تعالى: {إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: 35)، {وإن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًا مِّن سَعَتِهِ} (النساء: 130).
وفي الوقت الحاضر كثرت حالات الطلاق حتى صارت ظاهرة، ومع انتشار تلك الظاهرة المخيفة التي أصبحت تنهش في كيان الأسر والمجتمعات، تاركة وراءها آثارًا مدمرة، فإننا نستعرض بالأرقام بعض الإحصائيات عن شيوع تلك الظاهرة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية:
- ففي مصر ووفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن مركز معلومات دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء في دراسة بهذا الخصوص عن تفسخ العلاقات الأسرية وانهيار الروابط العائلية، فقد ارتفعت معدلات الطلاق حتى أصبحت مصر في مرتبة متقدمة من 7% إلى 40% خلال الخمسين عامًا الماضية مما يعني وقوع حوالي 240 حالة طلاق يوميًا، بواقع حالة طلاق واحدة كل 6 دقائق، ووصل عدد المطلقات في مصر حوالي 2.5 مليون مطلقة تقريبًا.
- وفي المملكة العربية السعودية أوضحت دراسة أجرتها وزارة التخطيط أن نسبة الطلاق ارتفعت في عام 2003م عن الأعوام السابقة بنسبة 20%، وقد بلغت نسبة الطلاق في العام الماضي بها 35%.
- وفي الإمارات العربية المتحدة بلغت نسبة الطلاق العام الماضي 36%، وكانت أعلى معدلات الطلاق في الشريحة العمرية من 20 إلى 30 عامًا؛ حيث بلغت نسبة المطلقين في تلك المرحلة السنية إلى 42% من إجمالي عدد المطلقين، وتنخفض حالات الطلاق بالنسبة للإناث بعد 39 سنة، بينما تصل عند الرجال إلى معدلات متقاربة بعد سن الـ 50 عامًا، ومعظم حالات الطلاق تمت في السنوات الستة الأولى من عمر الزواج.
- وفي الكويت هناك أكثر من 15 ألف مطلقة دون الرابعة والعشرين من العمر، وقد بلغت عدد حالات الطلاق اليومي 18 حالة طلاق، وبهذا تجاوزت نسبة الطلاق 42% حسب إحصائيات وزارة العدل الكويتية.
- وفي قطر أكدت دراسة تناولت ظاهرة الطلاق في المجتمع القطري أن نسبة الطلاق قد بلغت 31.8% عام 2000م، في حين أوضحت دراسة أخرى في عام 2003م وجود 319 حالة طلاق مقابل 978 حالة زواج، وأن أكبر نسبة من المطلقين 27% تتركز في الفئة العمرية 25-29 سنة، و19% تتركز في الفئة العمرية 30-42 سنة.
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا
وقد اشترط الإسلام الزواج بصاحب الدين في كلا الطرفين، على أن يكون هذا الدين عند الرجل مرضيًا، ثم اشترط خلقه وأمانته، وهي مظهر الدين كله، وأيسرها أن يكون الرجل للمرأة أمينًا على عرضها وكرامتها وفي معاشرتها، فلا يبخسها حقها، ولا يسيء إليها، ولا يفتنها؛ لأن ذلك كله ثلم في أمانته، بل إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يبخسها حقها.
وفي ذات الوقت وهي أمينة على ماله وعياله، وعلى نفسها وعفتها كما قال نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-: «خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
فلو أن كل واحد من الزوجين عرف- في ضوء تعاليم ديننا الحنيف- ما له من حقوق وما عليه من واجبات لعاش الجميع حياة آمنة مستقرة لا تعرف القلق والاضطراب، ولا تقفُ عند حافة الهاوية مترقبة، أو متفادية هذا الكابوس المزعج الذي يُدمر أمن الأسر واستقرارها.
الاضطرار إلى الطلاق
الأصل في الزواج هو المودة والرحمة، إلا أنه تبعًا للطبيعة البشرية في الإنسان، واختلاف الطباع بين الزوجين، فقد يحدث بينهما ما يُعكّر الصفو، ويكدّر الحياة، وتستحيل العشرة، وتتحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق، وبدلًا من السكن والمودة والرحمة يصبح الشقاق والخصام، وسوء الأخلاق، ويقع الضرر المحقق على الزوجين أو أحدهما ومعهما الأولاد، ومن حولهما الأهل والأصحاب، وبهذا تفوت الحكمة التي من أجلها شرع الزواج.
يقول ابن قدامة الحنبلي -رحمه الله-: «فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا مجردًا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه».
الطلاق من حدود الله فلا تتجاوزوه
والطلاق حدٌّ من حدود الله، ومع ذلك فإننا نرى تساهلًا واستخفافًا في كثير من الأزواج بالطلاق، فهناك من يستهتر في حد من حدود الله، ولهذا جاء التحذير من تجاوز حدوده، فقال تعالى: {وإذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ولا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ومَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الكِتَابِ والْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: 231).
فيجب على الزوج الخوف من الله، وعدم التساهل في هذا الأمر، وإنه لو فقه الأزواج تلك الأحكام لما رأينا هذه الأرقام المخيفة وهذا التساهل في الطلاق، بل سيخف هذا كثيرًا، وصدق رسولنا الأمين -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرّقا حتى يردا على الحوض».
.