يعتبر كثير من الباحثين والكتّاب المعاصرين سيد قطب واحداً من رموز الفكر التربوى الإسلامى، ورائداً من رواده، لجهوده العظيمة في المنافحة عن الثقافة الإسلامية والفكر التربوي، ضد النزعات الغربية المتطرفة في مجال الأدب والتربية.
ولسيد قطب مؤلفات عديدة متنوعة في الأدب والتربية والاجتماع والاقتصاد والدعوة والسياسة وكان من أبرز أعماله، تفسيره في "ظلال القرآن الكريم"، الذي قدم من خلاله تراثاً فكرياً تربوياً، جاء بين سطوره، مختلطاً بآراء وأفكار عديدة ومع ذلك لم يأخذ هذا التفسير، حقه من الدراسة التربوية العلمية.
وفى هذه الدراسة، يستعرض الدكتور محمود خليل أبو دف، أستاذ أصول التربية المشارك بالجامعة الإسلامية بفلسطين، معالم الفكر التربوي عند سيد قطب، من خلال تفسيره في ظلال القرآن، وتتناول جوانب عديدة من فكره التربوي فيما يخص رؤيته لخصائص المنهج الإسلامي في التربية، والطبيعة الإنسانية، والقيم، والتغير الاجتماعي والثقافي، والأسرة المسلمة كوسيط تربوي، وتربية الجماعة المسلمة.
التعريف بسيد قطب
ولد رحمه الله في عام 1906م، في قرية موشا التابعة لمحافظة أسيوط بمصر، حيث تلقى تعليمه الأساسي فيها، كما حفظ هناك كتاب الله تعالى، ليذهب بعد ذلك إلى مدينة القاهرة، ويلتحق بمدرسة المعلمين الأولية، ثم بعد ذلك بدار العلوم.
تخرج قطب في عام 1932م، بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب. وكان سيد قطب قد عمل مدرساً حتى يستطيع الإنفاق على دراسته العليا. نال سيد قطب فرصة كبيرة وهامة عندما ابتُعث للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1948م، وقد كتب العديد من المقالات عن الحياة هناك.
انضم إلى جماعة الاخوان المسلمين عام 1950م، وكان عضوًا في مكتب إرشادها ورئيساً لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.
ألقي القبض على محمد قطب، شقيق سيد، في عام 1965م، وهنا قام الأخير بإرسال رسالة احتجاجية إلى المباحث، لتعتقله الشرطة هو الآخر في العام ذاته. وقد حكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم في شهر أغسطس من عام 1966م.
القيمة التربوية لتفسير "فى ظلال القرآن"
من خلال استقراء تفسير الظلال، يتضح أن سيد قطب عالج قضايا تربوية عديدة لعل من أبرزها:
- التصور الإسلامي عن الإنسان والكون والحياة، وخصائص المنهج الإسلامي في التربية، والطبيعة الإنسانية، والقيم، والتغير الاجتماعي والثقافي، والأسرة المسلمة كوسيط تربوي، وتربية الجماعة المسلمة، ونظرة الإسلام إلى المعرفة والعلم، بالإضافة إلى جوانب أساسية في تربية الشخصية المسلمة: (التربية العقائدية، التربية الأخلاقية، التربية الجهادية، التربية الاجتماعية).
- وأيضًا تزويد المسلم المعاصر بدليل عملي مكتوب عن سمات الشخصية الإسلامية المنشودة ولذلك كان يركز على الجانب العملي لمعناها والإيحاءات الحية التي تقود العاملين في طريق الدعوة والإصلاح، ولهذا نراه يركّز كثيراً على بيان طبيعة الإيمان وحقيقته وقيمته ومقوماته في الحياة الإنسانية وآثاره في النفس والسلوك والحياة على مستوى الفرد والمجتمع.
- وبيان ملامح وسمات المجتمع الإسلامي، الذي ينشئه القرآن الكريم والتعريف بالأسس القويمة، التي يقوم عليها ورسم الطريق الحركي الجهادي لإنشائه وذلك من منطلق أن الجماعة ضرورية لتربية الأفراد تربية قرآنية ناجحة.
- وبيان معالم الطريق التي تسلكه الجماعة المسلمة إلى ربّها ورسم سماته وتحديد مراحله والتحذير من الفتن والمغريات والمعوقات فيه.
خصائص المنهج الإسلامي في التربية
تناول قطب خصائص المنهج الإسلامي في التربية، بما يجسد نواحي الإعجاز التربوي في هذا المنهج الرباني المستمد من كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ويمكن بيان أبرز هذه الخصائص، كما وردت في تفسير الظلال على النحو الآتي:
أ- الانطلاق من التصور العقائدي
فالمنهج الإسلامي في التربية، يقوم على أساس إرساء التصور الاعتقادي وجعله المحرك الأول والأكبر في النشاط الإنساني. وقد جاءت السنة النبوية، لتؤكد على أهمية العقيدة في التربية، حيث كانت تربيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه، مبنية على أسس عظيمة وأصول كبيرة أولها العقيدة الصحيحة التي حواها القرآن الكريم، بما فيه من الآيات التي تدعو إلى التوحيد.
ولكي تؤتي التربية ثمارها فإن "المنهج الإسلامي في التربية، يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ويجعل العبادة، وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية".
ب- مخاطبة الفطرة الإنسانية بالآيات الكونية
التربية بالآيات من أساليب التربية الإسلامية الفاعلة ويقصد بها "تربية عقل الإنسان وسمعه وبصره ومشاعره بالآيات، على حسن الإدراك وعلى الاستبصار واستخدام الحواس وإرهافها لتوصله إلى معرفة مسبب الأسباب ومعرفة الحق في كل النتائج والأسباب".
ويشير قطب إلى تميز المنهج الإسلامي في التربية، من حيث كونه "يخاطب الفطرة البشرية بآيات الله الكونية المبثوثة حول الإنسان في هذا الكون والتي يعلم سبحانه أن فيها لغةً مفهومة وإيحاءات مسموعة ولذا لم يلجأ المنهج القرآني إلى الأسلوب الجدلي العقيم، الذي جاء فيما بعد عند المتكلمين والفلاسفة، لأن الله يعلم أن هذا الأسلوب لا يصل إلى القلوب ولا يدفع إلى حركة ولا يؤدي إلى بناء حياة".
ج- تنظيم دوافع الفطرة وعدم محاربتها
أشار قطب إلى أن "الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها ويرفعها عن المستوى الحيواني ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية".
د- اعتماد أسلوب التربية بالعمل والممارسة والتجريب
يؤكد قطب على أن منهج التربية في الإسلام، منهج واقعي عملي، لا منهج نظري معرفي، مهمته بناء نظرية وعرضها لذاتها. ويقدم تفسيراً تربوياً ونفسياً لطبيعة هذا المنهج في التربية بقوله: " فقد علم الله أن هذه الخليقة البشرية، لا تصاغ صياغة سليمة ولا تنضج نضجاً صحيحاً ولا تصح وتستقيم على منهج، إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية، التي تحفر في القلوب وتنقش في الأعصاب وتأخذ من النفوس وتعطي، في معترك الحياة ومصطرع الأحداث".
ويكتسب أسلوب التربية بالممارسة والعمل أهميته من خلال كونه: يؤدي إلى زيادة فهم التلاميذ لما تعلموه، ويحد من الملل الذي يصاب به التلاميذ من كثرة الدراسات النظرية داخل الفصول، وان ممارسة الشيء وتطبيقه، عامل قوي في حفظ المعلومة وصيانتها من النسيان ما أمكن.
هـ- توجيه المسلمين إلى الانفتاح على الخبرات النافعة
أشار سيد قطب إلى اهتمام المنهج التربوي الإسلامي بتوجيه المسلمين إلى الانتفاع بخبرات وتجارب الآخرين ممن قبلهم وذلك من خلال قوله: " هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى وهكـذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها وإلى سنته سبحانه وتعالى في تربية عباده المختارين، الذين ينقل إليهم رايته وينوط بهم أمانته في الأرض".
و- التدرج في معالجة السلوكات المنحرفة
يشير قطب إلى "منهج القرآن العجيب وهو يأخذ بيد الفطرة الإنسانية خطوة خطوة ومرحلة مرحلة ويصعد بها – في هينة ورفق وفي حيوية كذلك وحرارة وفي وضوح وعلى بصيرة – درجات السلم في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة في المعرفة والرؤية وفي الانفعال والاستجابة وفي التكيف والاستقامة".
ويوضح قطب لنا القاعدة، التي يقوم عليها مبدأ التدرج في المنهج التربوي الإسلامي، فحينما يتعلق الأمر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور الإيماني، فإن الإسلام يقضي فيها قضاءً حاسماً منذ اللحظة الأولى ولكن عندما ينطلق الأمر أو النهي بعادة أو تقليد أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث ويأخذ المسألة باليسر والرفق والتدرج ويهيئ الظروف الواقعية التي تيسر الطاعة والتنفيذ.
الأسرة المسلمة كوسيط تربوي
يشير قطب إلى أن الطفل في حاجة ماسة إلى رعاية الأسرة وملازمة الأبوين، أكثر من احتياجه لأى شئ آخر وذلك لأن الطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة من غيره، كما أن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيئة وتدريب للدور المطلوب من كل حي باقي حياته، ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة ودوره في الأسرة أعظم دور، امتدت طفولته لتحسين إعداده وتدريبه للمستقبل.
وتكتسب الأسرة أهميتها التربوية، من خلال كونها المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية وهي تزاول تنشئة العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي.
ويؤكد قطب على أن الأسرة، لا يمكن أن يناظرها –كمحضن تربوي– أي جهاز. ويشير إلى الآثار السلبية الناتجة عن إقصاء الطفل الصغير عن الأسرة فيقول: "إن الطفل الذي يحرم من محضن الأسرة، ينشأ شاذاً غير طبيعي في كثير من جوانب حياته، مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة".
ويؤكد قطب على المفهوم الشامل للرعاية الأسرية، فهي لا تقتصر على الجانب البيولوجي الجسدي فحسب، بل تتعداه إلى جوانب أخرى حيوية ومطلوبة وقد لخص أبرز الوظائف التربوية للأسرة، في تنمية النشء جسدياً وروحياً وعاطفياً، كما أنها مطالبة بتزويد النشء برصيد من المعرفة الإنسانية والتجارب التي تؤهله في حياة المجتمع الإنساني والمشاركة في حمل تبعته.
توصيات
أوصى الباحث في ضوء ما استخرجه من رؤية سيد قطب التربوية ما يلي:
- ضرورة رجوع الدارسين والباحثين إلى القرآن الكريم، لاستنباط ما فيه من مضامين تربوية تفي بحاجات المتعلمين، وحتى يتم ذلك لا بد من السعي لامتلاك المهارات الأساسية للتعامل مع كتاب الله قراءةً وفهماً وممارسة، تربية النشء المسلم على حفظ كتاب الله وتطبيق ما فيه في واقع حياتهم.
- اهتمام المدارس في بلاد المسلمين، بأساليب التربية العملية والحرص على ربط المعلومات بواقع الحياة والتخفيف ما أمكن من أساليب التعليم النظري القائم على الحفظ والاستظهار، وتنمية مهارات التفكير الناقد لدى المتعلمين المسلمين وتنمية إحساسهم بالمسئولية تجاه واقعهم المعاش.
- الاهتمام بغرس وتنمية القيم الإسلامية في جميع مراحل التعليم من خلال ربطهـا بالعقيدة الإسلامية والعبادات، وتوعية الجيل المسلم بقضية التغير الاجتماعي والثقافي، منطلقاً من التصور الإسلامي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهادات العلماء المسلمين.
- إعداد برامج تدريبية للدعاة إلى الله من أجل تطوير أساليبهم وتفعيل دورهم الإرشادي والتربوي في المجتمع، وتخصيص برامج إرشادية (إذاعية، وتلفازية) لتوعية الأسرة بوظائفها التربوية وتنمية قدراتها على أداء هذه الوظائف على أفضل وجه.
.