Business

لا ضرر ولا ضرار فى الحج

 

الحج فريضة من الفرائض التي فرضها الله سبحانه على الأمة المحمدية لغفران الذنوب وتطهير النفوس، ولذا يسعى كل حاج لتوفير احتياجاته لأداء هذه الفريضة، كما يحرص على عدم وقوع ضرر منه تجاه أحد من باقي الحجيج لأن الحج لا ضرر فيه ولا ضرار، وهو المعنى التي كتب فيه الأستاذ الدكتور رجب أبو مليح حيث جاء فيه:

جاءت شريعتنا الغراء لرفع الضرر، ليس عن المسلمين فحسب، وليس على الناس فقط، بل رفعت الضرر عن كافة المخلوقات على ظهر الأرض، بل لا نكون مبالغين إن قلنا عن الكون كل الكون بما فيه ومن فيه.

 فرفعت الضرر عن المسلمين بوضع التشريعات والقوانين التي تحفظ على الناس دينهم ونفوسهم، وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وجعلت هذا من الضرورات أو المقاصد الأساسية التي جاءت الشريعة بحفظها.

ونظرية الضرر في الشريعة الإسلامية بناء محكم، وعمل منظم، وطرق عملية تعمل كلها وفق منظومة متكاملة لرفع الضرر.

فليست الشريعة الإسلامية توجيهات نظرية ، ولا خطب وعظية، ولكنها أحكام عملية يجب تطبيقها حتى يأمن الناس على نفوسهم وأعراضهم وأموالهم.

وهذه النظرية تعتمد على أدلة متعددة، من القرآن والسنة، كما تفرعت عنها قواعد أخرى معضده ومفسرة لها.  

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)

وهذا الضرر إن كان منهيا عنه في الحياة العادية فهو في مجال العبادات أشد، حيث إن الله لا يقبل من عباده أن يتقربوا إليه بما فيه إيذاء أو ضرر بأنفسهم، أو ضرر بآخرين، يقول الله تعالى: (... وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء: {29}.

ويقول تعالى: (...وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة:{195}

 وإن كان الله ـ تعالى ـ حرم علينا الضرر بصفة عامة فهو في باب العبادات أوجب، لأن الله لا يتقرب إليه بالمعاصي، ولكن بالطاعات حتى تكون مقبولة عنده سبحانه وتعالى، ويمكننا ذكر بعض الأمثلة التي تقع أثناء فريضة الحج، أو قبلها وبعدها، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن لكل مسلم عاقل أن يقيس عليها.

أولا : الحصول على التأشيرات عن طريق الرشوة وأخذ حقوق الناس

كثير من الناس تدفعهم الرغبة في أداء الفريضة، أو تكرار الحج والعمرة إلى الحصول على التأشيرات بغير وجه حق، ويضطر للكذب، ولدفع الرشاوي المتعددة، وظلم زملاء العمل من أجل الحصول على تأشيرات الحج والعمرة.

وينسى هذا المسكين قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا" وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" .

ونحن نسمع ـ بسبب المغالاة في تكلفة الحج وغير ذلك ـ عن تحايلات كثيرة، وعن تزييف في أوراق رسمية، وكذب ، ودفع الرشوة من أجل أن يحصل المسلم على فرصة لأداء هذه الفريضة ، حتى لو كان ذلك سيترتب عليه ظلم لزملاء العمل، فيحج الرجل عن طريق البعثات الرسمية عدة مرات ، ويترك زملائه الذين لا حيلة لهم دون حج !!

 وكل ذلك حرام، وأكل لأموال وحقوق الناس بالباطل، والنية الحسنة، وحب أداء العبادات لا يشفعان في أكل حقوق العباد.

ثانيا: التدافع والتزاحم عند أداء الفريضة

وهذا يكون الدافع له أيضا الحرص الزائد، وعدم الفقه بأحكام الحج، وعدم ترتيب الأولويات، وفهم الرخص التي شرعها له رحمة بعبادة، فنرى التقاتل حول تقبيل الحجر ولمسه، وربما يحدث من جراء التزاحم، احتكاك الرجال بالنساء، وإيذاء الشيوخ والمرضى، بل ربما أدى ذلك إلى قتل النفس التي حرم الله ـ تعالى ـ قتلها بغير حق في كتابه الكريم في أكثر من موضع، وقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: (لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك).

وقد رجح العلماء المعاصرون الرأي الذي يقول بتوسعة وقت الرمي، فيكون في أي وقت من النهار أو الليل، والطواف أو السعي  في الأدوار العليا إن تعسر الطواف أو السعي في الدور الأول، وتوكيل الحاج من يرمي له الجمرات إن عجز عن رميها بنفسه لكبر سنه أو مرضه.

وعلى المسلم أن يأخذ بأيسر الآراء حتى لا يؤذي نفسه أو غيره عند أداء المناسك، وعلى العلماء أن يفتوا المسلمين بالأيسر ويتركوا التشدد، حتى لا يشقوا على الناس، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر في يوم النحر إلا قال افعل ولا حرج.

ثالثا: في ظل من نسمعه عن انتشار الأمراض المعدية كانفلونزا الخنازير وغيرها.

 على المسلم أن يأخذ بكل الأسباب التي تمنع من الإصابة بالمرض أو نقله للغير، ومن تعاليم الإسلام أنه حثنا على عدم إلقاء النفس للتهلكة، ومنها نعلم أن الوقاية خير من العلاج، وكما تقول الحكمة الصائبة "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، وبهذا وردت الأحاديث النبوية الشريفة.

رابعا: بعض المسلمين لا يعتني بموضوع النظافة، فيلقي بالمهملات في أي مكان، ويأكل ويشرب بالطريقة التي تؤذي الآخرين، ويلوث أماكن الوضوء وقضاء الحاجة، والإسلام الحنيف يدعو إلى الطهارة ويحث عليها.

خامسا: قد يسوء خلق بعض الناس خاصة في الزحام الشديد، ونتيجة للتعب أثناء مناسك الحج، فيؤذي المسلمين حتى صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ)

فعلى المسلم ـ إن كان حريصا على سلامة حجه ـ، أن يكظم غيظه، ويعفوا عن الناس، ويكون من المحسنين.

سادسا: عند العودة عادة ما يرجع الناس بأطنان من الهدايا والمشتريات، وهذا يؤدي إلى الإضرار بالآخرين حيث تزيد هذه الأحمال على الطائرات والبواخر والحافلات التي تنقل الركاب ليعودوا إلى أوطانهم، وقد يظن الإنسان أنه حر في مال يفعل به ما يشاء، ما دام لن يشتري حراما ، ولكن الأمر أعمق من هذا حيث تؤدي هذه الأحمال الثقيلة إلى خطورة على أرواح الناس، وتأخير في سرعة الإجراءات التي تتسبب في الوقوف ساعات في المطارات والموانيء، وقد يشق هذا مشقة بالغة على كبار السن والمرضى!

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم