نقصد بالتراث التربوي الإسلامي كل ما كتبه علماؤنا المسلمون عبر عصورنا التاريخية الإسلامية الزاهرة في قضايا وموضوعات التربية، سواء كان مخطوطًا أم منشورًا، ولعلنا عندما نقصر تراثنا على عصورنا الإسلامية الزاهرة نسقط عامدين عصور الضعف والانحطاط الذي عاشته الأمة بضعف دولة الخلافة العثمانية ووقوع كثير من أجزائها تحت قبضة المستعمر الغربي، ثم وقوعها هي في النهاية في فلك تبعيته.
وفى دراسة للدكتور عبد الرحمن النقيب، بعنوان: (منهجية التعامل مع التراث التربوي الإسلامي) -2000-، يرى أنه رغم فترات الضعف، إلاّ أنها أنتجت لنا موروثًا تربويًّا مشتركًا في أن الولاء للإسلام كان ولاءًا عامًّا لا تنازعه ولاءات أخرى مضادة كالوطنية والعلمانية إلخ؛ مما انعكس على وحدة التراث التربوي وجعله جديرًا بأن يطلق عليه تراث تربوي إسلامي، فهو تراث تربوي لأنه تناول قضايا وموضوعات التربية؛ وهو تراث تربوي إسلامي؛ لأن ولاءه العام كان لثقافة الإسلام المستمدة أصلًا من القرآن والسنة.
غير أن هيمنة الأصول الأولى (القرآن والسنة) على تراثنا التربوي الإسلامي عبر تلك العصور الطويلة لا يعني أن هذا التراث كان دائما صورة نقية لتلك الأصول، وأنه لم يتأثر بالثقافات الوافدة، أو لم يتأثر بظروف الزمان والمكان، وما تفرضه تلك الظروف على طريقة التعامل مع تلك الأصول الأولى التي صدر منها التراث، خاصة وأن تلك الأصول تسمح بهذا التعدد في الفهم والتفسير والتأويل.
ورغم أن هذا التغريب كان يزحف إلى عقل وقلب الأمة، إلا إن حماة التراث للأسف كانوا أضعف من صد هذا التيار وأعجز من أن يقدموا البدائل الإسلامية لمشكلات الأمة، وفي ظل نظم سياسية مستبدة، وهيمنة غربية كاسحة، سيطرت المنهجية الغربية رويدًا رويدًا على الفكر ونظم الحياة، وغابت المنهجية الإسلامية الصحيحة أو حجبتها غيوم الغرب عن السيطرة أو التأثير، ووفد لنا الفكر التربوي المعاصر المتجه إلى الغرب منذ نشأته وحتى الآن، وطويت صفحـة تراثنا التربوي أو هكذا أريد لها أن تطوى إلى حين، ولعل هذا الحين قد آن له أن يزول بإذن الله.
التراث التربوي بمعناه الواسع ومعناه الضيق
عند الحديث عن تراثنا التربوي يحلو للبعض أن يقلل من كم هذا التراث، ويظن أن الكتابات التربوية المتخصصة قليلة، مع شعور خفي أن علم التربية كما يدرس الآن بتصانيفه الحديثة، وعناوينه وموضوعاته الحالية لا يكاد يوجد لدى المسلمين، وبهذا الفهم الضيق والمتعسف لضآلة حظنا من التراث التربوي تتوه حقيقتين:
الحقيقة الأولى:
لأن تراثنا بصفة عامة قد ضاع أكثره عبر العصور بالتدمير أحيانًا، والإهمال أحيانًا، وتفرقه بين المكتبات العامة والخاصة ومكتبات الأفراد، والمعروف منه يوجد أكثره خارج بلاد المسلمين في مكتبات أوربا وأمريكا وروسيا وحتى الهند، ولا توجد جامعة أو معهد في عالمنا العربي والإسلامي حتى الآن يستطيع أن يزعم أنه يضم هذا الــتراث.
الحقيقة الثانية:
إن المقصود بتراثنا التربوي لا بد أن يتسع بحيث لا يقتصر على تلك الكتب التي تناولت التربية وموضوعاتها بشكل متبلور ومحدد، وإنما يمتد ليشمل تلك الآراء والأفكار التربوية لعلمائنا المسلمين، والتي وردت متفرقة وعرضية أحيانًا أثناء البحث في قضايا تتعلق بالفلسفة والآداب والطب والتاريخ والرحلات، وهي كثيرة جدًّا يتعذر الإحاطة بها، ولم يعطها الباحثون ما تستحقه من الدراسة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن كتابات ابن سينا الفلسفية لها دلالاتها التربوية، وكتابات الجاحظ الأدبية لا تخلو من فكر تربوي، وكتب التاريخ الإسلامي والرحلات لا تخلو من نصوص تربوية تتحدث عن المؤسسات العلمية وما كان يدور فيها من مجالس علم، وما يدرس وكيف يدرس وعدد الطلاب... إلخ، بل إن كتب الطب لابن سينا وابن الجزار القيرواني قد تناولت مراحل سني المهد، والفطام، والرضاع، وغيرها من الموضوعات التربوية.
ولذلك فعند دراستنا لتراثنا التربوي الإسلامي دراسة وافية فإن دائرة اهتمامنا لا بد ألا تقتصر على تلك الكتابات التربوية المتخصصة التي كتبها أصحابها بصورة مستقلة عن التربية، بل لا بد أن تتسع تلك الدائرة لتتضمن آراء وكتابات فلسفية وأدبية وسياسية واجتماعية وطبية ذات مضامين تربوية بالغة الأهمية؛ مما يجعل مشروع دراسة تراثنا التربوي الإسلامي مشروعًا صعبًا لا تقوم به إلا العصبة أولو القوة.
المواقف المختلفة من دراسة تراثنا التربوي:
لا أجد مؤسسة تربوية واحدة في عالمنا العربي والإسلامي قد اهتمت بدراسة تراثنا التربوي الإسلامي دراسة واعية متخصصة، ولعل الإعداد العلمي لمعظم هيئات التدريس بتلك الكليات من أكبر العوامل التي تحول بينهم وبين الإقبال على مثل تلك الدراسات التراثية، يضاف إلى ذلك موقفهم من التراث التربوي الذي يتسم في معظمه بتبخيس هذا التراث، لقد ذكر أحد هؤلاء الأساتذة مرة أن رفًّا واحدًا في مكتبة تربوية غربية معاصرة أفيد للباحث من قراءة كتب التراث التربوي مجتمعة، وعلق آخر على اختياري لموضوع فلسفة ابن سينا التربوية كموضوع لدراسة الماجستير هل ستجعل الفسيخ (يقصد آراء ابن سينا) شربات (يقصد فكرا تربوي معاصر)!!.
إن نزعة التبخيس لتراثنا التربوي تعكس الجهل بهذا التراث، وهم معذورون بعض العذر بحكم تكوينهم العلمي على هذا الجهل، ولكن الأخطر من ذلك أن هذا التبخيس يلازمه- أو لعله بسبب التبعية الكاملة للفكر الغربى التربوي، والوقوع ضحية الإعجاب الكامل بهذا الفكر، والعكوف عليه ترجمة ونقلًا- تجاهل كامل لخصوصيتنا الثقافية وهويتنا العربية والإسلامية؛ مما ترتب على ذلك من تغريب لنظمنا التربوية.
وأمام هذا التجاهل والازدراء لتراثنا التربوي ظهرت بعض الكتابات التي يغلب عليها الانفعال ورد الفعل، والثأر لكرامة تراثنا التربوي المجروح، فإذا ببعض تلك الكتابات تنسب إلى تراثنا التربوي آخر ما وصل إليه الفكر التربوي المعاصر في شتى المجالات من رياض أطفال، إلى تفريد التعليم، إلى المدارس غير الصفية... إلخ، وكأنها ترى الاكتفاء بهذا التراث؛ مما يوقعها في كثير من صور التضاد؛ لأن هذا التراث فيه الغث والثمين، كما يوقعها في كثير من صور العجز عن إدراك الواقع وتطوره في نرجسية هي أقرب للمرض منها إلى الصحة.
وقد يكون لبعض علمائنا بحكم زمانهم آراء في التغذية وأنواع معينة من الطعام وتأثيرها على الذاكرة والحفظ، وهي آراء قد يتجاوزها عصرنا بما وصل إليه من علوم ومعارف جديدة، وقد يقف بعضهم موقفًا معينًا من تعليم المرأة، فلا يحث عليه ولا يعظم من شأنه إما لظروف عصره، أو لموقف خاص به نحو المرأة، وهذه آراء ومواقف يرد عليها في ضوء فهمنا لأصولنا الإسلامية الصحيحة، ومقاصد هذا الدين الحنيف، وقس على ذلك سائر ما ورد بتراثنا من آراء فإنها تحتاج إلى قراءة فاحصة وناقدة وواعية، نأخذ منها ما يفيد، ونرد منها ما خالف الشريعة أو تجاوزته علوم العصر.
قيمة دراسة تراثنا التربوي:
(أ) التراث وشخصية الأمة:
إن عودتنا إلى هذا التراث التربوي سوف تظهر لنا مقدار إسهامنا في تطور الفكر التربوي العلمي ومقدار قدرتنا على أن نسهم اليوم من جديد في صياغة هذا الفكر وتوجيهه، ولعله من أكبر عوامل غربة الفكر التربوي والنفسي على أرضنا إنما يرجع إلى رفض الغالبية له على أنه فكر غير أصيل في معظمه، لم يضرب بجذوره في أعماق تربتنا الثقافية، ولم ينهل من مناهل تراثنا التربوي والنفسي، بحيث يعرض نفسه عرضًا جديدًا يوافق فكرنا وتراثنا التربوي الأصيل.
(ب) التراث والقضايا المعاصرة:
ذلك أن هناك كثيرًا من القضايا التربوية المعاصرة يمكن أن نجد لها وجهات نظر عربية إسلامية أصيلة، مثلًا: ما صفات المعلم الذي نريده؟ كيف نعده الإعداد الكافي؟ ما أهداف التعليم الذي نريده لأبنائنا؟ أهو تعليم مهني أم تعليم إنساني أم ماذا؟ ما أفضل أنواع العلاقة بين الدولة والتعليم؟ كيف نعمم التعليم بأرخص تكلفة ممكنة وبأفضل مستوى؟ كيف تستخدم دور العبادة في نشر التعليم؟ كيف يشارك الشعب في تكلفة التعليم ونشره؟ كيف يوجد الحافز الأدبي لدى العالم والمتعلم للإقبال على العلم والتعليم؟ كيف ننهض بدراسة لغتنا القومية؟ وهل يمكن أن تكون العربية لغة علوم؟ بل كيف نجعل لغتنا العربية لغة عالمية للعالم الإسلامي كما كان ذات يوم؟ ما هو التعليم الأمثل للفتاة؟ الولاء لمن في التعليم: للدولة كفكرة أم للدولة كحزب أم للدولة كأفراد؟ ما مفهوم الشخصية لدى علماء المسلمين؟ ما هي الصحة النفسية والمرض النفسي لديهم؟ وهل لديهم أساليب للعلاج النفسي... إلخ، هذه بعض القضايا والمشاكل المعاصرة التى يمكن أن يكون لتراثنا التربوى رأي فيها ويمكن العودة إليه للنظر والمناقشة والاستئناس، لذلك كله كانت حاجتنا إلى دراسة تراثنا حاجة ماسة لكي نؤصل فكرنا التربوي ونجعله فكرًا شعبيًّا مقبولًا من الناس، يتفاعلون معه كجزء أصيل من ثقافتهم، وليس كفكر وافد غريب في معظمه.
(ج) التراث وتأصيل مفاهيمنا التربوية المعاصرة:
نحن في خطابنا التربوى المقروء والمسموع نستخدم مفاهيم تربوية مختلفة كالإنسان والمعرفة والأخلاق وأهداف التربية... الخ، وكل مفهوم من تلك المفاهيم يعكس بنية معرفية معينة، وكلما كانت المفاهيم محددة وواضحة كلما كان الخطاب واضحًا ومحددًا، ولكن ماذا يحدث إذا اختلفت المفاهيم لاختلاف البنية المعرفية التى يصدر عنها المفهوم؟ ماذا إذا استعرنا مفاهيم تربوية مسكونة بقيم الغرب وثقافته واستخدمناها في إطار إسلامي له قيمه وثقافته الإسلامية؟ هنا يحدث القلق المفاهيمي، وعدم وضوح الرؤية.
ما الإنسان في الحس الغربي؟ وما الإنسان في الحس الإسلامي؟ ما المعرفة بالمعنى الغربي؟ وما المعرفة بالمعنى الإسلامي؟ ما الأخلاق؟ ما أهداف التربية... الخ، إلى غير ذلك من المفاهيم التربوية المستخدمة في حقل التربية.
إن التأكيد على ضرورة تحرير مفاهيمنا التربوية من التبعية للغرب، وإعادة صياغة تلك المفاهيم صياغة إسلامية سوف يستلزم منا الاستعانة بتراثنا التربوي الإسلامي من أجل تحرير معظم مفاهيمنا التربوية المعاصرة من التبعية للغرب، من هنا تصبح دراسة تراثنا التربوي ضرورة علمية لتأصيل مفاهيمنا التربوية.
(د) التراث وتكوين المنهجية الإسلامية في البحث التربوي المعاصر:
لم يعد من المقبول القول بأن هناك منهجية علمية واحدة Paradigm لدراسة الظواهر التربوية، بل منهجيات مختلفة ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن منهجية علمية إسلامية لدراسة الظواهر، منهجية علمية إسلامية ثاوية خلف كل الدراسات والبحوث التربوية التى أنتجها علماء المسلمين في جميع حقول المعرفة ومنها التربية، وتدريب الباحثين المعاصرين على استخدامها من خلال قراءة هذا التراث وتحليله وتقييمه من خلال مدى قربه أو بعده عن تلك المنهجية.
طرق مختلفة لدراسة التراث التربوي
رغم أن قضية الاهتمام بدراسة التراث التربوي ينبغي ألا تطرح نفسها كقضية جزئية أو قضية منفصلة عن مشروع الأمة للنهوض الحضاري، ومن ثم فهي أكبر من أن يتصدى لها الجهد الفردي للباحثين، إلا أنه حسب علم الباحث لا توجد كلية أو مؤسسة أخذت على عاتقها مشروع دراسة تراثنا التربوي الإسلامي دراسة شاملة علمية كجزء أصيل من مشروع عام للنهوض الحضاري للأمة، وفي غيبة مشروع متكامل لدراسة هذا التراث ترعاه أحد المؤسسات المهتمة بنهضة الأمة فقد ترك هذا الأمر لمحاولات اتسمت بالجزئية والانتقائية وعدم التكامل والتنسيق فيما بينها، ومما زاد الوضع سوءًا قلة المتخصصين في دراسة التراث التربوي الإسلامي، ومعظم من تصدوا لدراسة هذا التراث لم يفعلوا ذلك لتخصص أعطوه كل وقتهم وعمرهم، وإنما فعلوه كنشاط فرعي أو جزء من نشاطهم العلمي، والتخصص في هذا المجال: مجال التراث التربوي تخصص صعب يحتاج الكثير من الوقت والجهد لإتقانه واكتساب مهاراته. وفي غيبة التفرغ الكامل الدءوب لإتقان هذا المجال فقد تعددت محاولات الأفراد لخدمة هذا التراث، وأخذت أشكالًا شتى تفاوتت حظوظها من الدقة والعمق وخدمة هذا المجال، ويمكن محاولة رصد تلك المحاولات في الاتجاهات التالية:
(أ) اتجاه اهتم بنشر هذا التراث التربوي وتحقيقه على اختلاف في درجة الجودة والإتقان في هذا النشر والتحقيق، ومن النماذج الجيدة في هذا المجال:
1- رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي (ت 243هـ) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ط 5، مكتبة النهضة، القاهرة، 1988.
2- الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه، لأبي الهلال العسكري (توفي بعد 390هـ) تحقيق مروان قباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1986.
3- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (توفي 463هـ) تحقيق الدكتور / محمود الطحان «جزءان»، مكتبة المعارف، الرياض، 1983.
4- تقييد العلم، للخطيب البغدادي، تحقيق يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية، ط2، 1974.
5- آداب المفتى والمستفتى، لابن صلاح الشهرزوري (ت 643هـ) تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1986.
ومن النماذج متوسطة الجودة للنشر والتحقيق والتى لم تلتزم بالمنهج العلمي في تحقيق المخطوط التربوي التزامًا كاملًا، يمكن أن نذكر:
(1) أدب الدنيـا والدين للمـاوردي (ت 450هـ) تحقيق مصطفى السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1955م.
(2) كتاب الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي (جزءان) تحقيق إسماعيل الأنصاري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1980.
(3) تعليم المتعلم طريق التعلم، للزرنوجي (ت 593هـ) تحقيق مصطفى عاشور، مكتبة القرآن، القاهرة، 1986.
(4) التبيان في آداب حملة القرآن، للإمام النووي (ولد سنة 631هـ) تحقيق عبد القادر الأرناؤط، مكتبة دار البيان، دمشق، 1983م.
(5) تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، لبدر الدين بن جماعة (توفي 733هـ) تحقيق محمد هاشم الندوي، بدون.
وبجوار تلك الدراسات التى يمكن أن نسميها (تحقيق المخطوط) بالمعنى العلمي المتعارف عليه بين أهل الاختصاص، هناك الدراسات التى لا تهتم بتحقيق المخطوط بل تكتفى بنشره بدون تحقيق، مع دراسة الرجل وعصره وآرائه التربوية، ثم يأتي نشر المخطوط كملحق، ومن الدراسات التي نحت هذا النحو:
- التربية في الإسلام أو التعليم عند القابسي: لأحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف 1983، والذي يعد دراسة ضافية عن التعليم في الإسلام من خلال الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين للقابسي، ولقد نشر في نهاية الدراسة رسالة القابسي، آداب المعلمين لابن سحنون كملاحق.
- المذهب التربوي عند ابن سحنون (202 - 256 هـ)، عبد الرحمن عثمان حجازي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986.
- المذهب الـــتربوي عند ابن جماعة (639 - 733هـ)، عبد الأمير شمس، دار اقرأ، بيروت، 1986.
- الفكر الـــتربوي عند ابن خلدون (732 - 808 هـ) وابــــــن الأزرق (896 هـ)، عبد الأمير شمس الدين، دار اقرأ، بيروت، 1984.
- المذهب التربوي عند السمعاني: شفيق محمد زيعور، دار اقرأ، بيروت، 1986.
- الفكر الـتربوي عند ابن طفيل (495 أو 505 - 581هـ) عبد الأمير شمس، دار اقرأ، بيروت، 1986.
وهناك دراسات اتخذت من المخطوط منطلقًا لدراسة ضافية في الفكر التربوي الإسلامي ليس عند صاحب المخطوط فقط، بل ربما في الفكر الإسلامي بصفة عامة، مثل دراسة على خليل أبو العنين: قراءة تربوية في فكر أبي الحسن البصري الماوردي من خلال كتاب أدب الدنيا والدين، دار الوفاء، القاهرة، 1993، ودراسة الدكتور عبد الغني عبود: الفكر التربوي عند الغزالي كما يبدو من رسالته (أيها الولد المحب)، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982، والدراسة الأخيرة بالذات تعتبر دراسة ضافية ليس لفكر الغزالي فقط، بل ربما للفكر الإسلامي التربوي عمومًا.
بينما اكتفت بعض دور النشر لأسباب تجارية بحتة بنشر المخطوط التربوي بدون أي تحقيق أو تعليق أو تعريف بصاحبه، بل إن بعضها قد خلا حتى من مجرد فهرست لمحتويات المخطوط، ومن تلك النوعية الرديئة لمجرد نشر المخطوط أو طباعته، يمكن أن نذكر:
(1) تهذيب الأخلاق، لابن مسكويه (توفي 421هـ) نشرته دار الكتب العلمية، بيروت، 1981م، بدون أي تحقيق أو تعليق.
(2) ميزان العمل، لأبي حامد الغزالي (توفي 505هـ) نشرته دار الكتاب العربي، بيروت، 1983 بدون أي تحقيق أو تعليق.
(3) جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، لابن عبد البر القرطبي (توفي 463هـ) دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م.
(4) أدب الإملاء والاستملاء، للسمعاني (توفي 562هـ) دار الكتب العلمية، بيروت 1981م.
(5) طلب العلم وطبقات المتعلمين (أدب الطلب ومنتهى الأرب) لمحمد بن على الشوكاني (توفي 1250هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1982.
ولاشك أن عملية نشر وتحقيق المخطوط هي الخطوة الأولى للاستفادة من تراثنا التربوي، وكل دراساتنا للتراث التربوي تعتمد بالدرجة الأولى على توفر هذا التراث منشورًا ومحققًا، ولكن يلاحظ أن ما نشر وحقق من هذا التراث حتى الآن مازال قليلًا، وأنه لا يخضع لخطة علمية منظمة في إطار حركة بعث تربوى إسلامي، كما يلاحظ أيضًا أن معظم من تصدى لنشر التراث التربوي وتحقيقه حتى الآن هم من غير التربويي ؛ وذلك لأن الإعداد العلمي للتربويين في عالمنا العربي والإسلامي لا يمكنهم من إتقان تلك المهارة، مهارة تحقيق المخطوط؛ إذ لا توجد كلية تربية واحدة تدرس منهج تحقيق المخطوط من بين مناهج البحث التى تدرسها لطلابها؛ اعتقادًا منهم أن هذا يخرج عن دائرة اختصاصهم، وهو اعتقاد خاطئ؛ لأن التربويين هم المسئولون بالدرجة الأولى عن دراسة هذا التراث التربوي وتحقيقه ونشره.
(ب) دراسة أعلام التراث:
من ألوان الدراسات التراثية في مجال التربية تلك الدراسات التى تتناول أحد أعلام التربية الإسلامية وتحاول التعريف بهؤلاء الأعلام، مع عرض آرائهم التربوية في الإنسان والكون والمعرفة والأخلاق والمجتمع، وأهداف التربية، والمنهج، وطرق التدريس، وغير ذلك من الموضوعات التربوية التى تناولها التراث التربوي لهؤلاء الأعلام، ومن أمثلة هذا النوع من الدراسات:
(1) أبو حامد الغزالي، فلسفته وآراؤه في التربية والتعليم: محمد نبيل نوفل، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1967م.
(2) فلسفة التربية عند إخوان الصفا: نادية يوسف جمال الدين، ماجستير كلية التربية، جامعة عين شمس، 1973م.
(3) نظرية التربية عند الشاطبي، دراسة تحليلية لكتاب الموافقات: جويبر مطر الثبيتي، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة أم القرى، 1980م.
(4) بدر بن جماعة حياته وآثاره في مجال التربية والتعليم: ماجدة محمد حسن، رسالة دكتوراه، كلية التربية بالمنيا، 1984م.
(5) الفكر التربوي عند الخطيب البغدادي: مالك أحمد سالك معلوم، ماجستير، كلية التربية، المدينة المنورة، 1988م.
وطبيعي أن تأتي مثل تلك الدراسات انتقائية وفق اختيار الباحث، أو اختيار الأستاذ المشرف إذا كانت رسالة جامعية، وقد تحظى بعض الأعلام بحسن الحظ فتعرف وتدرس، بينما الغالبية العظمى مازالت في طي النسيان، ولعشوائية اختيار هؤلاء الأعلام، ولعدم وجود خطة أو تنسيق لدراستهم بصورة علمية تغطي جميع العصور فقد يحظى عالم بأكثر من دراسة، وتكاد تتكرر وتتشابه تلك الجهود كما حدث مع أعلام مثل الغزالي، وبدر بن جماعة، وابن خلدون، ولعل ممَّا يساعد على وجود تلك الظاهرة عدم وجود مؤسسة علمية حتى الآن تتبنى عملية تراثنا التربوي وتحقيقه بطريقة علمية متكاملة، ومن ثم التعريف بأبرز أعلامه الذين يستحقون الدراسة والبحث؛ بحيث تغطى دراسة هؤلاء الأعلام جميع العصور وشتى المدارس الفكرية المختلفة على اتساع رقعة دار الإسلام.
(ج) دراسة الإسهامات التربوية للتراث:
هناك لون آخر من ألوان التعامل مع التراث اتخذ صورة الكشف عن الإسهامات التربوية للعلماء المسلمين في مجال التربية، سواء اتخذت تلك الدراسات الطريقة الطولية عبر العصور للحديث عن تلك الإسهامات، أم اتخذت الطريقة العرضية حسب موضوع تلك المساهمات، ومن نماذج النوع الأول من تلك الدراسات يمكن أن نذكر كتاب الفكر التربوي العربي الإسلامي: الأصول والمبادئ أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987م في مجلد ضخم يقع في 1080 صفحة، تناول في جزء كبير منه الإسهامات النظرية للفكر التربوي العربي الإسلامي، والتيارات الكبرى في هذا الفكر، معتمدًا في ذلك على المتيسر من كتب التراث التربوي، ولكن لم تكتب حتى الآن كتابات تبرز بصورة جامعة مقدار ما أسهم فيه التراث التربوي العربي في مجالات التربية المختلفة، مثل: فلسفة التربية وما يتصل بها من نظرة إلى أهداف التربية، والمعرفة، والأخلاق، والطبيعة الإنسانية، والمناهج، والإدارة، والتمويل... إلخ، ولعل تلك المرحلة من النظرة الكلية إلى إسهامات تراثنا التربوي عبر العصور قد يأتي في مرحلة تالية عندما تتجمع لدينا الكثير من الدراسات التى تتناول تلك الإسهامات بطريقة جزئية أو عرضية.
أما عن الدراسات التراثية التى أبرزت مواقف التراث من قضايا تربوية معينة، سواء عند مفكر أو أكثر، أو تناولت القضية عبر العصور، فيمكن أن نعطى نماذج لها بمثل تلك الدراسات عن النوع الأول:
(1) التربية السياسية والأخلاقية في فكر الماوردي: نبيه أبو اليزيد، رسالة ماجستير، كلية التربية جامعة طنطا، 1987م.
(2) العلاقة بين العالم والمتعلم عند الإمام الغزالي: سعيد عباس ملايحي، رسالة ماجستير، كلية التربية جامعة أم القرى، 1987م.
أما الدراسات من النوع الثاني فيمكن أن نستشهد لها بالدراسات التالية:
(1) مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي وأثره في التربية الإسلامية، كمال أحمد عبد ربه، رسالة دكتوراه، كلية البنات جامعة عين شمس، 1986م.
(2) مفهوم الطبيعة الإنسانية في الفكر التربوي الإسلامي: حسين فؤاد أحمد، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1988 م.
(3) آداب المتعلم في الفكر التربوي الإسلامي: أحمد محمد إبراهيم فلاته، رسالة ماجستير، كلية التربية بالمدينة المنورة، جامعة الملك عبد العزيز، 1990م.
وطبيعي أنه كلما ازدادت معرفتنا بالتراث، ومعرفتنا بأعلامه كلما ازدادت الدراسات التى تتناول الأبعاد المختلفة لمساهمات هذا التراث في صياغة أفكار وتطبيقات تربوية يمكن أن تسهم في مسيرة إصلاحنا التربوي الإسلامي المنشود.
(د) نشر منتخبات من التراث:
ثم يأتي أخيرًا لون آخر من ألوان التأليف في التراث التربوي وهو الذي يقتصر على نشر نماذج ومقتطفات من كتب التراث مع نسب تلك المقتطفات لصاحبها، ووضع عناوين من عند صاحب المنتخبات لتلك المقتطفات، والتعريف الموجز أحيانًا بصاحبها، ولعل من أشمل تلك المقتطفات وأكثرها فائدة، هذا المجلد الضخم الذي ألفه إبراهيم النجار، البشير الزيني، الدار التونسية للنشر، 1985م، والذي اشتمل على حشد هائل من النصوص التراثية، والتى صنفها صاحبا المنتخبات تحت موضوعات تربوية هي: الهياكل التعليمية، أهداف التعليم ومحتواه ومناهجه، المعلم، المتعلم، وتحت كل موضوع حشد كمًّا هائلًا من المنتخبات التراثية شملت عددًا كبيرًا من أعلام التربية عبر العصور المختلفة.
ثم تأتي بعد ذلك أعمال أقل موسوعية من تلك المنتخبات، مثل: آداب المتعلمين، ورسائل أخرى في التربية الإسلامية لأحمد عبد الغفور عطار، بدون، بيروت، 1967م، الذى نشر ربما لأول مرة رسالة آداب المتعلمين لنصر الدين الطوسي، ومحمد ناصر: الفكر التربوي العربي الإسلامي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1977م، والذي قدم تعريفًا موجزًا بكل من ابن سحنون، والفارابي، والقابسي، وابن مسكويه، وإخوان الصفا، وابن سينا، والغزالي، والزرنوجي، وابن جماعة، وابن خلدون، كما قدم قراءات معنونة أو مقتطفات من مؤلفات هؤلاء الأعلام في مجال التربية، وكذلك آراء ومواقف تربوية ونفسية صائبة في التراث العربي الإسلامي: لنوري جعفر، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، 1982م، وغيرها من كتب المنتخبات التي لا تخلو من فائدة؛ لأن اختيار تلك المنتخبات ليس عملًا سهلًا أو عشوائيًّا، وإنما يعكس دائمًا وجهات نظر أصحاب تلك المنتخبات، وما شعروا بقيمته وأهمية نشره والتعريف به.
وإذا كانت معرفتنا بالتراث التربوي حتى الآن ما زالت متواضعة، فإن دائرة الاختبار، وتصنيف أمثال تلك المنتخبات لا بد أن تكون ضيقة، ولعل الجيل القادم أن يكون أكثر حظًّا في التعرف على تراثنا التربوي الإسلامي، وقدرة على تقديم الكثير من كتب المنتخبات للباحثين المشتغلين بالتربية.
الاتجاهات والمدارس الفكرية داخل تراثنا التربوي
لعل من دلائل الحيوية والخصب تعدد الاتجاهات والمدارس الفكرية داخل تراثنا التربوي؛ مما يدل على القوة والعافية التى أتاحت لكل تلك الاتجاهات والمدارس أن يكون لها إسهامات في مجال التربية خلال عصور الازدهار الإسلامي، ويمكن من خلال ما هو متاح حاليًا وهو قليل أن نرصد عدة اتجاهات ومدارس فكرية داخل هذا التراث المتاح، ولا شك أن معرفتنا سوف تزداد اتساعًا وعمقًا كلما درسنا هذا التراث أكثر، واكتشفنا الجديد فيه، وعرفنا ما نجهله الآن، ولا أدل على ذلك من أننا منذ ثلاثين عامًا تقريبًا وعند تسجيلي لدرجة الماجستير كان الشائع والذائع بين الدارسين لتراثنا التربوي أنه يقع داخل ثلاثة مدارس فكرية:
- الاتجاه الفقهي: ممثلًا في ابن سحنون، والذي كان له امتداده عند الكثير من المؤلفين الفقهاء فيما بعد، مثل: القابسي (403هـ) وابن عبد البر القرطبي (463هـ) والزرنوجي (571هـ) وغيرهم.
ولعل هذا الاتجاه الفقهي هو أكثر الاتجاهات حظًّا من حيث كثرة الدراسة والتأليف فيه؛ إذ درست الآراء التربوية عند أئمة المذاهب الأربعة فرادى ومجتمعين، كما درست آراء غيرهم من الفقهاء باختلاف العصور، مثال ذلك:
- الفكر التربوي الإسلامي عند أئمة المذاهب الأربعة وتطبيقاته: نجم الدين نصر، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة الزقازيق، 1990م.
- الفكر التربوي عند الفقهاء والمحدثين في نهاية القرن الخامس الهجري: فتحى محمد حسين، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة قناة السويس، 1990م.
- الفكر التربوي عند الإمام الشافعي (150 - 204هـ): فاطمة محمد السيد على، قسم التربية بشبين الكوم، جامعة المنوفية، 1981م.
وغير ذلك من الدراسات، وطبيعي أن ينال هذا الاتجاه هذا الحجم من الاهتمام؛ ربما لأن كتبه التراثية هي أكثرها توافرًا لدى الباحثين، وربما لأنه أكثر الاتجاهات بالفعل تأثيرًا في حركة العلم والتعليم طوال العصور الإسلامية بجوار ما ناله الفقه والفقهاء من مكانة وتقدير في نفوس المسلمين.
- الاتجاه الفلسفي في التربية، ممثلًا في: ابن مسكويه، والذي كان له اتجاهاته التربوية ممثلة في كتابات ابن سينا (428هـ) وإخوان الصفا (القرن الخامس) ونصـير الدين الطوسي (672هـ) وغيرهم.
ورغم أن هذا الاتجاه الفلسفي لم ينل من الذيوع والشيوع ما ناله الاتجاه الفقهي طوال عصورنا الإسلامية لسوء الظن بالفلسفة والفلاسفة، وللطبيعة المعقدة التى كتبت بها تلك الكتابات الفلسفية، إلا أن دراسات عديدة قد تناولت هذا الاتجاه بالدراسة والتحليل منها:
- فلسفة التربية عند إخوان الصفا: نادية يوسف جمال الدين، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1973م.
- الآراء التربوية في كتابات ابن مسكويه المعلم الثالث (325 - 421هـ): أحمد أبو عرايس، رسالة ماجستير، كلية التربية بطنطا، 1977م.
- دراسة لآراء كل من روسو وابن طفيل في تربية الطفل في كل من كتابيهما إميل وحي بن يقظان: نجية أحمد يسن حجاج، رسالة ماجستير، كلية البنات، جامعة عين شمس، 1984م.
- الاتجاه الصوفي في التربية ممثلًا في أبي حامد الغزالي، والذي كان له اتجاهاته التربوية ممثلة في كتابات محيي الدين بن عربي (638هـ) وجلال الدين الرومي (672هـ) وغيرهم.
ولقد حظي هذا الاتجاه أيضًا بالكثير من الدراسات أكثر من الاتجاه الفلسفي، وأقل من الاتجاه الفقهي، ولعل الشعور العام بالقهر السياسي والعجز عن الفعل الحضاري قد دفع بالكثير من الباحثين في التماس السلوى والعزاء في مثل تلك الدراسات، أو الهجوم على أعلامه كرموز للسلبية والهروب من الحياة، ونال الغزالي نصيب الأسد من هذه الدراسات مدحًا وقدحًا كما في مثل تلك الدراسات:
- أبو حامد الغزالي فلسفته وآراؤه في التربية والتعليم: محمد نبيل نوفل، رسالة ماجستير، كلية التربية: جامعة عين شمس، 1967م.
- التوجيه الإسلامي للنشء في فلسفة الغزالي: عارف مفضي البرجسي، رسالة ماجستير، آداب عين شمس، 1980م.
- العلاقة بين المعلم والمتعلم عند الإمام الغزالي: سيد عباس ملايحي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1987م.
كانت هذه الاتجاهات التربوية الثلاثة هي التى شاعت لدى الباحثين في السبعينات من هذا القرن، وقطعًا كان الوعي بتلك الاتجاهات وأثرها في مجال التربية والتعليم وعيًا عامًّا لم يتضح بعد لقلة الدراسات حول تلك الاتجاهات.. أما الآن فقد زادت معرفتنا بتلك الاتجاهات التربوية الثلاثة، وزادت الدراسات حولها، بالإضافة إلى بروز اتجاهات جديدة يمكن رصدها من خلال دراسة ما استجد من معرفتنا بهذا التراث، وعلى سبيل المثال لا الحصر فنحن نستطيع أن نميز الآن بين:
* اتجاه اجتماعي في التربية، ممثلًا في ابن خلدون (808 هـ) والذي كان له أصداؤه في كتابات ابن الأزرق وغيره، ولمزيد من التعرف على هذا الاتجاه في تراثنا التربوي يمكن الرجوع إلى (الفكر التربوى في مقدمة ابن خلدون): محمد أحمد الصادق الكيلاني، رسالة ماجستير، كلية التربية بالمنصورة، 1974م، والتنشئة الاجتماعية في ضوء الفكر التربوي الإسلامي: أحمد جمعة حسانين، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة أسيوط، 1987م.
* اتجاه معتزلي في التربية، ويمكن الرجوع إلى: (المعتزلة فلسفتهم وآراؤهم في التربية والتعليم) لعلاء الدين أمير محمد مهدي، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1981م، و(النظرية والتطبيق في فكر المعتزلة التربوي) لنجم الدين نصر أحمد، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة الزقازيق، 1985م لمعرفة معالم هذا الاتجاه التربوي الإسلامي.
* اتجاه أدبي في التربية، ويمكن الرجوع إلى الفكر التربوي في كتابات الجاحظ، محمد سعيد القزاز، رسالة ماجستير، كلية التربية، طنطا، 1981م؛ للإلمام بهذا الاتجاه وعطائه التربوي، الأدب وعلاقته بالتربية دراسة للمضمون التربوي لأدب عبد الله بن المقفع، لمحمد إبراهيم المنوفي، رسالة ماجستير، كلية التربية بطنطا، 1987م.
* اتجاه شيعي في التربية، والرسالة الوحيدة التى درست هذا الاتجاه حتى الآن هي (الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية) لعلاء الدين محمد مهدي، كلية التربية جامعة عين شمس، وهي تكشف عن جوانب من العطاء التربوي للشيعة تستحق الدراسة والتأمل.
* اتجاه علمي في التربية، يكشف عن الجانب العلمي أو التربية العلمية في العصور الإسلامية، ولعل دراسة: الإعداد التربوي والمهني للطبيب عند المسلمين، مرجع سابق، ودراسة جمال محمد الهنيدي: تربية علماء الطبيعيات والكونيات المسلمين في القرون الخمسة الأولى من الهجرة، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة المنصورة، 1998م، تعطي صورة عن عطاء علمائنا المسلمين في مجال التربية العلمية، وتسهم في تصحيح الصورة عن التربية الإسلامية بأنها تربية دينية وأدبية وليست علمية.
* اتجاه حرفي ومهني في التربية، كذلك يمكن أن نرصد من خلال تراثنا تربية حرفية ومهنية، ولعل دراستنا (الاتجاه الحرفي والمهني في الإسلام) في بحوث التربية الإسلامية، ج3، دار الفكر العربي، 1986 م، ودراسة جمال محمد الهنيدي: (التربية الحرفية والمهنية في الإسلام)، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة المنصورة، 1994م، أن تكون خطوة على إبراز هذا الاتجاه في تراثنا التربوي الإسلامي.
تلك بعض الاتجاهات والمدارس الفكرية والتربوية التي أمكن رصدها حتى الآن، وربما أمكننا في القريب رصد اتجاهات أخرى كالتربية العسكرية مثلًا، والباحث في تطور دراسة تلك الاتجاهات يمكن أن يلحظ الحاجة الاجتماعية التي كانت وراء كثرة الدراسات حول اتجاه معين من تلك الاتجاهات وتأخر ظهور بعضها لحين وجود الطلب الاجتماعي عليها، فالاتجاه الفقهي في التربية أكثر عمومًا وشيوعًا؛ لأنه أكثر شعبية واتصالًا بالجماهير، وعندما يكثر الحديث عن التنوير وإعمال العقل تظهر الدراسات حول الاتجاه الفلسفي، وعندما يزداد الشعور بالفساد والإفساد وتقل القدرة على الفعل تظهر الدراسات حول الاتجاه الصوفي، وعندما يزداد الإيمان بالعلم الحديث كأداة مهمة في التغيير تظهر الكتابات حول الاتجاه العلمي، وعندما يصبح الاقتصاد هو محور التقدم والتخلف يظهر الاتجاه الحرفي والمهني في دراسة التراث، ولعل حاجة الأمة الآن إلى إحياء روح الجهاد لتحرير الأرض وحماية المسلمين في كل مكان أن تدفع إلى دراسات جديدة حول التربية العسكرية في تراثنا التربوي الإسلامي.
منهج تحقيق المخطوط التربوي
لا يمكن لمثل تلك الدراسة أن تكتمل دون التوقف وقفة مناسبة أمام منهج تحقيق المخطوط التربوي؛ ذلك لأن جميع دراساتنا التراثية تتوقف بالدرجة الأولى على مدى توفر هذا التراث في صورته؛ الصحيحة المحققة والمضبوطة، وما لم يتوفر للباحثين والدارسين في حقل التربية هذا التراث أو الكم الأكبر منه على الأقل فستظل أحكامنا ودراستنا حول التراث أبحاثًا ناقصة وغير دقيقة، يضاف إلى ذلك أن كتب مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ومنها التربية، تتجاهل تمامًا منهج تحقيق المخطوط، وما يمكن أن يسهم به هذا المنهج في تطوير المعرفة التربوية عمومًا، وتطوير مناهج ومنهجية البحث التربوي الإسلامي على وجه الخصوص، وكيف يمكن استخدام هذا المنهج بكفاءة في مجال التربية، ويأمل الباحث مستقبلًا ألا يخلو مؤلف في مناهج البحث في العلوم التربوية والسلوكية من الحديث عن المنهجين: الأصولي وتحقيق المخطوط.
وهناك كتب كثيرة تتناول منهج تحقيق المخطوط وخطواته، بدأ من اختبار المخطوط الذي يستحق التحقيق إلى جمع النسخ المختلفة للمخطوط من مصادره المتعددة، إلى ترتيب المخطوط حسب أقدميته واقترابه من المخطوط الأم أو الأصلي، وتصنيف نسخ المخطوط واعتماد نسخة أصلية أو النسخة الأم للتوثيق، على أن تكون غاية المحقق من وراء تحقيق المخطوط أولًا وآخرًا تقديم هذا المخطوط كما وضعه صاحبه، بنصه الحرفي دون زيادة أو نقصان، ومن ثم فإن المحقق للمخطوط ينبغي عليه ألا يثقل حواشي المخطوط بالشروحات للألفاظ والعبارات ولا بالمقارنات بين الأفكار، ولا بالإضافات والتعليقات على المعلومات ولا بالترجمات للأعلام، وأن يبقي ذلك في حدود المعقول والمقبول، لكي لا يتحول اهتمام القارئ من النص إلى الشرح، بمعني ألا يذكر المحقق في الحواشي إلا ما يتعلق مباشرة بالمخطوط.
ويشترط لمن يقوم بأبحاث التحقيق الشروط الآتية:
(1) أن يكون عالمًا باللغة العربية ـ ألفاظها وأسالبيها.
(2) أن يكون ذا ثقافة عامة.
(3) أن يكون على علم بأنواع الخطوط العربية، وأطوارها التاريخية.
(4) أن يكون على دراية كافية بعلم المكتبات والفهارس.
(5) أن يكون عارفًا بقواعد تحقيق المخطوطات وأصول نشر الكتب.
(6) أن يكون متخصصًا في موضوع المخطوط، فإذا كان يريد تحقيق مخطوط في المنطق، فعليه أن يكون ملمًا إلمامًا كاملًا بعلم المنطق وتاريخه وتطوره، وإذا كان يريد أن يحقق مخطوطًا في الفقه، عليه أن يكون متخصصًا في الفقه. وهكذا لا بد من التخصص الدقيق في موضوع المخطوط.
ولذلك فنحن نؤكد هنا على ضرورة أن يتصدى التربويون بأنفسهم لتحقيق المخطوط التربوي، فهم الأقدر علي فهمه وحسن الاستفادة به، وليس من المعقول أن يقوم غير التربويين بتحقيق معظم مخطوطاتهم التربوية، مما يمثل خللًا في المنهجية العلمية ذاتها.
ويعتمد منهج التحقيق على الخطوات التالية:
أولًا: التأكد من أن الكتاب لم يحقق من قبل، وذلك بالرجوع إلى فهارس دور الكتب والمخطوطات والمجلات العلمية المعنية بهذا الشأن.
ثانيًا: البحث عن النسخ الأخرى للمخطوط، فقد تكون هناك نسخة بخط المؤلف، ونسخ أخرى أملاها المؤلف على تلاميذه، ونسخة ثالثة منقولة عن الأصل، وقد تكون هناك نسخ أخرى منسوخة بعد عصر المؤلف.
ثالثًا: الموازنة بين النسخ والمفاضلة بينها، بحيث يقدر الباحث قيمة كل نسخة؛ لكي يحدد أي النسخ هي الأصل وأيها الفرع.
رابعًا: تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
خامسًا: ضبط عنوان الكتاب.
سادسًا: مقابلة النسخ لحصر وجوه الاختلاف بينها وإثبات ذلك في الهامش.
سابعًا: تخريج الآيات والأحاديث والنصوص الواردة بالكتاب المحقق إذا ثبت أن مؤلفه قد استقاها من مؤلف آخر، فالتخريج هو عبارة عن تحديد مواطن النقل في المخطوط ونسبتها إلى مصدرها وأصحابها.
ثامنًا: الترجمة للأسماء الواردة بالمخطوط بذكر نبذة قصيرة عن المولد والحياة والأعمال العلمية.
تاسعًا: التعليق، وذلك بشرح الكلمات والأفكار الغامضة الواردة في النص.
عاشرًا: التقديم، وهو كتابة مقدمة عامة تحتوي على تعريف واضح بموضوع الكتاب وأهميته في مجاله، ومقارنة الكتاب بما قبله وما بعده من مؤلفات مماثلة له؛ لإبراز أهميته العلمية والمنهجية، والتعريف بالمؤلف تعريفًا وافيًا بالحديث عن نشأته وتطوره، وعصره من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ثم ملخص واف وشرح موجز لأهم موضوعات الكتاب، وما احتوى عليه، بأسلوب قريب إلى الأفهام. ثم بعد ذلك يتحدث عن وصف المخطوط وعدد صفحاته ومقاسه وعدد الأسطر في كل صفحة وعدد الكلمات في كل سطر، ونوع الخط، ونوع الحبر والورق، وبيان طريق الباحث في التحقيق، وما عاناه في ذلك.
ولكي يصل الباحث التربوي إلى مخطوط يستحق الدراسة فإن عليه الرجوع إلى كثير من مصادر المخطوطات التي تورد له عناوين المخطوطات المختلفة، كما أن عليه الاطلاع على كثير من فهارس المكتبات العربية والأجنبية؛ بحثًا عن المخطوط المهم الذي يرى الباحث أهمية تحقيقه ونشره ودراسته.
ولعل من أهم مصادر المخطوطات التي ينبغي أن يرجع إليها الباحثون ما يلي:
* الفهرست في أخبار العلماء وما صنفوه من الكتب، لمحمد بن إسحاق النديم، ويحتوي علي 6400 اسم كتاب، تعود إلى القرون الأربعة الأولى للهجرة.
* كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون وذيوله: إيضاح المكنون، وهدية العارفين، لمصطفى بن عبيد الله المعروف بحاجي خليفة، ويحتوي على ما يقرب من الخمسة عشر ألف اسم كتاب.
* مفتاح السعادة لطاشكبري زادة.
* معجم المصنفين للتونكي.
* تـاريخ الأدب العربي، لبروكلمان (1868 - 1956)، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار المعارف بمصر، 1959 ـ 1961، 3 ج.
* تاريخ التراث العربي (باللغة الألمانية)، لفؤاد سيزكين، 10 ج، وقد ترجم الجزء الأول في مجلدين: فهمي أبو الفضل، وراجعه: محمود فهمي حجازي.
* معجم المخطوطات المطبوعة، لصلاح الدين المنجد (1954 - 1970).
* مجلة معهد المخطوطات العربية لجامعة الدول العربية.
* نشرة أخبار التراث العربي، التي يصدرها معهد المخطوطات العربية التابعة لجامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
* مجلة المجمع العلمي العربي بالقاهرة.
* مجلة معهد الدراسات الشرقية بلينينجراد.
* مركز سيد المختار الكنتي للمخطوطات العربية القديمة، قاوة، مالي.
أما فهارس المكتبات التي تساعد الباحثين على اختيار المخطوط المناسب فمنها:
(أ) فهارس المكتبات العربية:
* دار الكتب الوطنية في بيروت.
* مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت.
* مكتبة المعهد الألماني في بيروت.
* المكتبة الظاهرية بدمشق.
* مكتبة الأسد بدمشق.
* المكتبة العثمانية بحلب.
* مكتبة المتحف العراقي.
* مكتبة الأوقاف العامة ببغداد.
* مكتبة الأوقاف العامة بالموصل.
* المكتبة العامة في الكويت.
* مكتبة جامعة الملك سعود في الرياض.
* المكتبة المركزية بجامعة الملك عبد العزيز.
* مكتبة الأوقاف في طربلس الغرب.
* مكتبة الأوقاف في بنغازي.
* المكتبة الوطنية في تونس.
* مكتبة جامع الزيتونة في تونس.
* مكتبة جامع القيروان في تونس.
* المكتبة العامة في الرباط.
* الخزانة الحسنية في الرباط.
* دار الكتب الأهلية المصرية بالقاهرة.
* مكتبة جامعة الأزهر بالقاهرة.
* مكتبة البلدية بالإسكندرية.
* مكتبة جامعة الدول العربية بالقاهرة.
* مكتبة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
(ب) فهارس المكتبات الأجنبية، ومنها:
* المكتبة المركزية بجامعة طهران.
* المكتبة العامة في استامبول.
* مكتبة أيا صوفيا في استامبول.
* مكتبة جامعة عليكرة في الهند.
* مكتبة الفاتيكان في روما.
* فهرس المخطوطات بفلورنسا في إيطاليا.
* مكتبة الأمبروزيانا في ميلانو.
* المكتبة الأهلية في مدريد.
* مكتبة الإسكوريال في مدريد.
* مكتبد مدينة كاسل في ألمانيا.
* مكتبة بون في ألمانيا.
* مكتبة نورمبرغ العامة في ألمانيا.
* مكتبة برلين في ألمانيا.
* مكتبة غونتجن في ألمانيا.
* مكتبة فرانكفورت في ألمانيا.
* مكتبة شلنهايم في ألمانيا.
* مكتبة روستوك في ألمانيا.
* مكتبة ميونيخ في ألمانيا.
* مكتبة أرلنجن في المانيا.
* المكتبة الوطنية في باريس La Bibliotheque Nationale
* مكتبة جامعة السوربون في باريس Sorbonne.
* مكتبة المركز الوطني للأبحاث العلمية في باريس L.L.O.
* مكتبة معهد اللغات الشرقية في باريس.
* مكتبة المتحف البريطاني في لندن.
* مكتبة جامعة كمبردج في إنجلترا.
* مكتبة الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية.
* مكتبة جامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية.
* خزائن المخطوطات في جامعة قارات في قازان بروسيا.
* مكتبة موسكو في روسيا.
* مكتبة سان بطرسبرغ في روسيا.
* مكتبة بودابست في هنغاريا.
* مكتبة ليدن في هولندا.
* مكتبة بون في سويسرا.
* مكتبة كوبنهاجن في الدانمارك.
* مكتبة فيينا في النمسا.
ولقد مر علينا حينٌ طويل من الدهر كنا نظن أن المخطوطات العربية قاصرة على مجال العلوم والأدب، وأن حظ المسلمين من المخطوطات التربوية حظ قليل، ولكن بعض الاهتمام بالمخطوطات العربية في الفترة الأخيرة أظهر لنا أن هذا التراث العربي والإسلامي يشتمل على آراء في التربية وعلم النفس وتجارب سابقة في مجال التربية، كما أكدت لنا أن تلك الحضارة الإسلامية الزاهرة لا يمكن أن تقوم بغير دعائم تربوية ومؤسسات ونظم تعليمية، وجهلنا بهذا التراث لا يقلل من قيمته، والمعروف أن كثيرًا من مخطوطاتنا العربية- ومن بينها مخطوطات التربية وعلم النفس- قد تعرضت خلال رحلتها الطويلة منذ إنتاجها حتي الوقت الحاضر لظروف صعبة، من إحراق، إلى إغراق، إلى نهب وسلب، إلى نقل إلى مكتبات أجنبية، وأن الكثير منها أيضًا قد نقل إلى مكتبات أوربية وأجنبية في الشرق والغرب على السواء، كما يوجد بعضها في أنواع متعددة من مكتبات عالمنا الإسلامي، وخاصة في تركيا وإيران وباكستان، سواء في مكتبات عامة أو مكتبات خاصة أو أفراد، وحتى ما يوجد لدينا من مخطوطات حالية فنحن لا نعرفه ولا ندرسه ولا ننشره أو نحققه أو نستفيد منه، وقد كانت النتيجة الحتمية لذلك كله هي جهلنا الكامل أو الكبير بحقيقة تطور التربية في عالمنا العربي والإسلامي، وعدم معرفتنا الواضحة بمراحل تقدمنا العقلي، وأسباب نهضتنا العلمية وعوامل ما طرأ علينا من جمود ثقافي وأفول شمس حضارتنا الزاهرة.
خطة شاملة لخدمة تراثنا التربوي والنفسي
أرجو أن أكون قد نجحت إلى حد ما في إبراز أهمية العودة إلى تراثنا التربوي في محاولة جادة لجمعه ودراسته الدراسة العلمية التي تكشف عن جوانب القوة والأصالة فيه.. وإذا كنت قد نجحت في هذا، وإذا كنا قد اقتنعنا بأهمية التراث وضرورة العمل على خدمته، فإن السبيل إلى ذلك هو وضع خطة شاملة يكون غرضها ما يأتي:
أولًا: المسح الشامل لكل كتب التراث التربوي الإسلامي، سواء في داخل العالم العربي أو العالم الإسلامي أو دول العالم الأخرى؛ بحيث نحدد بالضبط ما يوجد من مخطوطات عربية تتعلق بالتربية لدى الأفراد والمكتبات في داخل العالم العربي وخارجه، فإذا تم هذا المسح الشامل لتلك المخطوطات، وحصرنا أعدادها ومحتوياتها وأشهر المهتمين من الباحثين والناشرين بأمر تلك المخطوطات انتقلنا إلى المرحلة الثانية من الخطة وهي:
ثانيًا: مرحلة الجمع لتلك المخطوطات في مركز خاص بدراسات التراث التربوي العربي الإسلامي، وسيكون هذا الجمع لها عن طريق الشراء أو التصوير، ويقوم المركز بعد الحصول على المخطوطات بفهرسته وتحديد موضوعه المهم ورءوس موضوعاته، وبعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة.
ثالثًا: مرحلة النشر والتحقيق والخدمة: فبعد توافر حصيلة من المخطوطات تبدأ عملية التحقيق والنشر بطريقة علمية تحليلية؛ إذ لا يكتفي المركز بنشر المخطوط، بل لا بد من التحقيق والتعليقات العلمية وتحليل ودراسة المحتوى الفكري لكل مخطوط.
خاتمة الدراسة
ولكي يمكننا الاستفادة الكاملة من تراثنا التربوي والنفسي فإن المشتغلين بهذا الميدان لا بد لهم من الجمع بين الثقافة الإسلامية الواسعة بعلومها المختلفة وفروعها العديدة؛ حتى يمكنهم التعامل مع هذا التراث فهمًا وتحقيقًا واستيعابًا لكل قيمه ومعانيه ومدلولاته، وفي نفس الوقت فلا بد لهم من اتصال وثيق بالفكر التربوي والنفسي المعاصر، وبكل ما وصل إليه هذا الفكر من أبحاث وآراء ونظريات؛ حتى يمكنهم معالجة قضايا التراث بدون إغفال لمنظور الفكر التربوي والنفسي المعاصر، إن الباحث في هـذا الميدان (الـتراث التربوي) إذا لم يكن على اتصال كامل بالفكر التربوي المعاصر فستكون أعماله أعمالًا متحفية لا تخدم واقعنا المعاصر، بل ربما وقع في أخطاء فكرية نتيجة جهله بهذا الفكر الحديث، وكذلك فإن الذي يعرف الفكر التربوي المعاصر دون أن يملك ثقافة إسلامية واسعة لن يكون قادرًا في الغالب على فهم هذا التراث التربوي أو تقدير أهمية التفاعل مع نصوصه وقيمه وأفكاره، بل ربما قلل من شأن هذا التراث لجهله به أو عدم فهمه له، والإنسان دائمًا عدو ما يجهل.
وإذا كانت كليات التربية الحالية في مصر لا تهتم غالبا بإكساب الطلاب ثقافة إسلامية واسعة تمكنهم فيما بعد من معالجة قضايا التراث التربوي والنفسي، فإن هذا النقص يمكن تلافيه باستخدام مقرر دراسي للثقافة الإسلامية في الدراسات العليا لمن أراد أن يتخصص في ميدان التراث التربوي.
والآن وبعد أن حددنا أهمية الاهتمام بدراسة تراثنا التربوي والنفسي، وكذا المهام والخطوات المطلوبة لتحقيق هذا التراث ونشره والشروط الواجب توافرها لمن يعمل بهذا المجال، أرجو أن يكون قد اتضح أن جهدًا مثل هذا لا يمكن أن يقوم به فرد واحد أو كلية واحدة، بل إن الأمر يتطلب إنشاء مركز خاص لدراسة هذا التراث، يكون له باحثوه المتفرغون والمشرفون على مثل هذه الأبحاث، ويكون لذلك المركز مجلته ومطبوعاته وبحوثه ومنشوراته، وإلى أن يتحقق هذا فإن هذا الواجب يظل أمانة في أعناق كافة الهيئات التربوية وكافة الباحثين وعلماء التربية على أرض هذا الوطن، ومهما كان الواجب شاقًّا والرحلة طويلة فإن رحلة الألف ميل تبدأ دائمًا بالخطوة الأولى على الطريق.
.