مع سرعة التقدم في هذا العصر، وتعقد مجالات التكنولوجيا في عصر المعلومات، ازدادت الحاجة إلى معالجة المشكلات في النظم والعلاقات، ومن ثم تطلب الأمر مزيدًا من العقول المفكرة والموهوبة والمبدعة التي تسعى إلى إنتاج حلول جديدة وأصيلة. وأصبح على الدول التي تنشد التقدم، والتي تريد أن تتبوأ مكانًا مرموقًا وسط عالم يزخر بالتقدم المذهل في شتى المجالات، أن تنظر إلى الثروة البشرية– التي هي رأس مال الأمم– نظرة أكثر وعيًا واهتمامًا عن ذي قبل، وتتمثل هذه الثروة في المفكرين والموهوبين والمبدعين الذين من شأنهم النهوض بالمجتمع، فلا تطور للمجتمع ولا تقدم دون إبداع.
ومن هذا المنطلق فإن الكشف عن المبدعين ورعايتهم وتنمية قدراتهم تمثل الأساس ونقطة الانطلاق الحقيقية في سبيل اللحاق بركب الحضارة والتطور، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال بيئة أسرية متفهمة لمراحل نمو الطفل واحتياجاته النفسية والعقلية، مؤمنة بدورها ورسالتها في دعم وتنمية روح الابتكار لدى أطفالها، وكذلك بيئة مدرسية قادرة على تنمية التفكير الإبداعي لدى تلاميذه، إلى جانب العديد من العوامل المساعدة.
وفى دراسة للباحثة نفين عبد اللطيف السيد النجار، بعنوان: «المؤثرات البيئية ودورها في تنمية الإبداع عند الطفل»، وقفت على أهم المؤثرات البيئية المحيطة بالطفل من بيئة أسرية وأخرى مدرسية، ومدى تأثيرها فيه، ودورها في ضرورة الاهتمام بتفكير الطفل والإلمام باستعداداته وقدراته الحقيقية دون مغالاة أو تقليل من شأنه، وأيضًا إمداده بما يحتاج من اهتمام ورعاية وتوفير استراتيجيات تربوية مناسبة تعده وتحفزه على الإبداع.
تعريف الإبداع ومكوناته
إذا كان علينا أن نلتقط الخيط من بدايته، فلعله من الحكمة أن نحاول العثور في تراثنا العربي على معنى هذا اللفظ خاصة وأنه دار حوله جدل كبير، ليس في لغتنا العربية فحسب ولكن لدى كثير من الباحثين في مختلف دول العالم، فقد ورد في لسان العرب: «بَدَعَ الشيءَ يُبْدِعُهُ بِدْعًا وَابْتَدَاعِه: أَنْشَأَهُ أَوَّلًا».
وقال أبو عدنان: «المبدع الذي يأتي أمرًا على شيء لم يكن ابتدأه إياه، وفلان بدعة في هذا الأمر: أي أول، لم يسبقه أحد. والبديع: المُحْدِثْ العَجِيب، والبديع: المبدع، وابتدعت الشيء: اخترعته لا على مثال، وأبدع الشاعر: جاء بالبديع».
ونرى أيضا ما ذكره الباحثون الغربيون عن مفهوم الإبداع، حيث يرى جيلفورد: أن الإبداع ليس منطقة معزولة من السلوك، حيث أن الطاقة الإبداعية تعتمد على توافر درجات متفوقة مما يطلق عليه قدرات الإنتاج التنويعي والتفوق في هذه القدرات، يؤدي إلى تفوق الطاقة الإبداعية بشرط الاستحواذ على قدر معقول من قدرات الإنتاج التقريري.
ومن خلال هذه التعريفات يمكننا النظر للإبداع على أنه نشاط عقلي مركب، موجه، وهادف، يتكون من عدة مراحل متتابعة يستخدمها الفرد في إنتاج أكبر قدر من الأفكار المتنوعة والمتعددة الاتجاهات لمواجهة مشكلة ما، والتي لم يسبق الوصول إليها من قبل، كما تتسم بالصبغة الشمولية.
الموهبة والابتكار
نظر العلماء والباحثون إلى الطفل الموهوب على أنه الطفل القادر على تحقيق ذاته، وله القدرة على خلق إنتاج جديد بالنسبة له وللبيئة المحيطة به، على أن يكون هذا الإنتاج نافعًا للمجتمع الذي يعيش فيه، أي هو الطفل القادر على إنتاج أكبر عدد من الارتباطات المتميزة بالتفرد، والتي تتضمن كُلًّا من المرونة والطلاقة والأصالة.
فالطفل الموهوب هو الذي لديه استعدادات فطرية وعقلية خاصة تمكنه في حاضره ومستقبله من تحقيق وإظهار مستوى أداء مرتفع وزائد عن المألوف عن أقرانه من الأطفال العاديين قبل المدرسة في أي مجال من مجالات النشاط الإنساني التي يقدرها المجتمع إذا ما توافرت لهذا الطفل الموهوب الرعاية التربوية المتكاملة والمتواصلة في الأسرة والمدرسة والمجتمع، فالموهبة حقيقة إنسانية يمكن الكشف عنها منذ الصغر، بل ويمكن ملاحظتها لدى الطفل الصغير قبل المدرسة عكس الابتكار الذي قد يظهر مرة واحدة في ابتكار شيء جديد وليد ظروف خاصة، وإن كانت الموهبة عادة ترتبط بالإبداع في هذا المجال.
خصائص الطفل المبدع
لا بد لنا في البداية أن نقرر أن كل طفل يعتبر بشكل أو آخر طفل مبدع له عقل مبدع، ومهما كانت درجة القوة والضعف في هذا العقل فإننا لا بد أن نجد فيه خصائص الإبداع أو الاستعداد للتميز والتفوق.
وقد يكون من الأفضل أن نتعرف على الإبداع بشكل مبسط حتى يمكن بعد ذلك أن نشخص ونحدد من ينطبق عليه هذا الوصف، فالإبداع هو امتلاك الفرد موهبه خاصة في مجال من المجالات كالرسم أو الموسيقى أو قرض الشعر أو الاختراع، وهو يعتمد في ذلك على امتلاك بعض الصفات العقلية المعروفة مثل:
- الأصالة: هي الندرة والتفرد في السلوك فهو طفل قدراته الإبداعية غير مألوفة بالنسبة للكثيرين فيستطيع حل عدة مشكلات دفعة واحدة.
- الإحساس بالمشكلات والتفاعل مع الواقع: المبدع لديه قدرة عالية على نقد الواقع المحيط به، والإحساس بمشكلاته، والسعي إلى ايجاد حلول لها، فهو صاحب نظرة عميقة، يفحص وينقب ويفتش عن كل شيء.
- المرونة: الإنسان المبدع لديه قدرة عالية على إنتاج أفكار متنوعة ومتجددة. الإنسان المبدع لديه قدرة عالية على الانتقال من حالة ذهنية إلى أخرى تبعًا للمواقف المتغيرة لذلك نادرًا ما يصاب باليأس أو بالعجز.
- الطلاقة: تعتمد في أساسها على التحرر من القيود والعوائق التي تعوق حركة الفكر، فعندما يتحرر العقل من قيوده ينطلق في سماء الخيال محلقًا في آفاق لم يسبقه إليها أحد، عندئذ تتدفق الأفكار والصور والتكوينات فيكون لديه القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية بسهولة ويسر.
- الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته: هي القدرة على مواصلة الجهد في نفس المسار حتى يتحقق له الإنجاز من خلال الجهد المبذول والعمل الدائب والطاقة المتحركة إلى أن يصل المبدع إلى غايته.
- النفاذ: تتحقق من خلال نظرة المبدع الفاحصة والدقيقة والقادرة على الوصول إلى عمق الأشياء، وعدم الاكتفاء بالمعالجة السطحية العابرة والتي تتصف بها حياتنا اليومية.
- التفصيل: إذا كان المبدع لديه نظرة عميقة للأشياء فهو بطبيعة الحال يبحث عن التفاصيل أيضًا، فهو عندما يفعل فعلًا فإنه يميل إلى إثرائه بعناصر جديدة تمنحه التميز والتفرد عن غيره.
سمات شخصية الطفل المبدع
لا شك أن شخصية الطفل المبدع تتكون من عدة خصائص تجعل منه شخصية متفردة متميزة في كل شيء وقادرة على إنتاج كل ما هو جديد، فعالم الأطفال هو عالم أسطوري ملئ بالسحر والخيال الحر، يستقى منه الطفل مادته وموضوعاته وأسئلته وإجاباته وأفكاره، لذلك نجده يخلط بين الواقع والخيال في كل شيء، ونجده يأتينا بعشرات الأسئلة والإجابات والأفكار التي تنبع من شخصياته المتأثرة بالبيئة المحيطة به وبأسلوب تنشئته، فنجد الكثير من المقومات الشخصية للطفل التي تدفعه للإبداع ومنها:
- نجده يتمتع بنمو سريع في قدراته العقلية عن طريق الأنشطة الإثرائية المتنوعة: مثل قدرته على الفك والتركيب، وقدرته على الترتيب والبناء.
- نجده يتمتع بطرق متعددة للتعبير عن أفكاره عن طريق الرسم، والموسيقى، والألعاب أو الحركات والتي تجعله قادرًا على الوصول إلى مستويات أعلى من أنماط التفكير الابتكاري.
- نجده قادرًا على إعادة تشكيل الأشياء وإنتاج شيء جديد منها، كما نجده قادرًا على حل بعض المشكلات أو التناقضات من خلال الأنشطة المختلفة مثل الصور أو القصص، وكلها تساعد على تنمية الإبداع لدى الأطفال.
- لديه القدرة على التعلم بصورة أسرع من أقرانه في الصف.
- لديه قدرة عالية على اكتساب كم كبير من المفردات اللغوية والتي بدورها تساعده في التعبير عن أفكاره بسهولة وتلقائية.
- لديه قدرة عالية على الفهم والاستيعاب وبالتالي تكون درجاته في الاختبارات التحصيلية مرتفعة.
- لديه دقة الملاحظة والقدرة على التفكير المجرد.
- لديه قدرة عالية على طرح الحلول المناسبة بفكر مفتوح.
- لديه درجة عالية من الاعتماد على النفس والاستقلالية والثقة بذاته وقدراته.
- لديه الصبر والمثابرة على تحقيق أهدافه.
- لديه قدر كبير من المغامرة والميول المتعددة.
- يتميز بذاكرة قوية تتيح له استرجاع الخبرات السابقة والاستفادة منها في المواقف المختلفة.
- يتميز بمستوى عالٍ من الدافعية لأداء المهمة المستهدفة، مع قدرة عالية على التركيز.
- يتميز بقوة حواسه الخمس وسرعة التجاوب معها.
- يتميز بقدرته على مواجهة المشكلات وحلها، وأقدر على إدراك العلاقات بين الأشياء.
- يتمتع بقدرته على الابتكار ولا يميل إلى الأعمال الروتينية، ويستطيع وضع الخطط وبلوغ الهدف.
وبذلك نجد أنفسنا أمام طفل مبدع يستطيع أن يقدم لنا من خلال إنتاجه وأفكاره كل ما يسمو بأحاسيسنا ويرتفع بأذواقنا في جميع مجالات الحياة.
ويرتبط الإبداع بضرورة توافر العنصر المنشط له المتمثل في المعلم أو المعلمة في المدرسة وكذلك الأنشطة المدرسية، كما أن الأسرة لها دور فاعل في تنمية هذا الإبداع، وكذلك وسائل الإعلام والاتصال، وغيرها من وسائل التنشئة المتكاملة في المجتمع.
أثر البيئة الأسرية على تنمية الإبداع لدى الطفل
تلعب البيئة الأسرية دورًا حيويًا وهامًا للغاية في تشكيل وإظهار قدرات الطفل الإبداعية لأنه يجب عليها أن تساعد طفلها وتنمي قدراته وتحقق له أهم مطالب النمو النفسي والاجتماعي. ومن ثم البيئة الأسرية هي الإطار الأول الذي يعيش فيه الطفل ويتأثر به قبل أن يصل إلى سن رياض الأطفال أو المدرسة. والأسرة هي نموذج التنشئة الذي يشجع على إبراز التفكير الإبداعي عند أبنائهم.
لذلك تعتبر الأسرة هي أول المؤثرات التي يتعرض لها الطفل في مراحل طفولته المبكرة، وتتميز هذه المرحلة بالمرونة وقابلية الطفل للتشكيل، فهو يتأثر بالجو النفسي والاجتماعي في محيط الأسرة، وهذا من الممكن أن يكون أحد العوامل المساعدة على الإبداع أو المعوقة له. فقد أكدت البحوث والدراسات أن الجو الديمقراطي في الأسرة من شأنه أن يعطي الفرص الملائمة لظهور إمكانات الإبداع، كما أن الأسرة التي تنشئ أبنائها على الثقة بالنفس من خلال ممارستهم للأنشطة المختلفة واكتساب الخبرات الجديدة تفتح القدرات الإبداعية الكامنة لدى أطفالهم وتمنحهم الفرص للتعبير عن أنفسهم وعما يثار في عقولهم من أفكار وتصورات قد تبدو في بعض الأحيان غريبة، لذا فإن لم تكن لدى الأسرة الثقافة الكافية التي تسمح لهم باستيعاب طاقات أبنائهم، من الممكن أن تكون أحد المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريق إبداعهم. فقد أثبتت البحوث أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين درجة تعليم الوالدين ومستوى ثقافتهم، وبين مقدرة الطفل على الإبداع.
والأطفال بصفة عامة والمتفوقين والمبدعون بصفة خاصة في حاجة إلى توفير رعاية خاصة تنطوي على البيئة المناسبة التي يوفرها الوالدين، والتي تشتمل على معرفتهم بأدوارهم وطرق رعايتهم واهتمامهم بأطفالهم المبدعين، لذا فللوالدين وأولياء الأمور أدوارًا مهمة في تنمية وتطوير الإبداع لدى أطفالهم والتي تتمثل في الآتي:
- تقبل أنماط التفكير الغامضة من الأطفال وعدم التذمر من كثرة الأسئلة، مع الميل إلى التسامح المقنن وعدم التسلط.
- تشجيع الأطفال على اتخاذ القرار، والمحاولة الذائبة لاكتشاف المجهول والغامض.
- احترام ميول واتجاهات الأطفال، وتشجيعهم على ممارسة الأداءات الجديدة.
- إدراك الوالدين لطبيعة الأطفال المبدعين والتي تبتعد عن الطاعة والامتثال للأوامر، والتي تتسم بدرجة عالية من الاستقلالية.
- السماح للطفل بالتعبير عن أفكاره بحرية، والتفاعل أكثر مع الأشخاص والعناصر المحيطة به.
- إيضاح النظم والقواعد المتبعة داخل الأسرة، ومعرفة ما هو صواب وما هو خطأ، مع التأكد على القيم الأخلاقية بدون مغالاة.
- البعد كلما أمكن عن لوم الطفل ونقده، والبعد عن معاقبته بعدوانية، والتشدد في تأديبه.
- لا بد من عدم ممارسة مبدأ التصحيح المستمر لأخطاء الطفل لأن استخدام هذا المبدأ يعوق إبداعه.
- توفير جو أسري هادئ، وعلاقات أسرية دافئة يساعد الطفل على إظهار إبداعه وتفوقه وكذلك إشعاره بالحنان والقبول من قبل والديه.
دور الأم في رعاية طفلها المبدع
الأم هي القدوة والنموذج في سنوات الطفل الأولى، بل يمكننا القول بأن الأم على مدى حياة الإنسان تلعب في حياته الدور الأول الذي يكون عاملًا فعالًا في مسار مستقبل الإنسان ككل، فهي التي تقدم له كل الأشياء والمواد التي يلعب بها، وهي التي تشجعه على أنماط السلوك المختلفة أو تمنعه من ممارسة بعض الألعاب أو الأنشطة، فالأم هي النافذة التي يطل منها على الحياة وعلى الواقع المحيط به، وهذه النافذة قد تكون مفتوحة وقد تكون مغلقة، قد تكون ذات لون مبهج وقد تكون ذات لون قاتم، وعلى أساس هذه النافذة تكون نظرة الطفل للواقع والحياة المحيطة به.
إذا فالأم هي طريق الطفل للتعامل مع الحياة، فإذا كانت الأم لديها الرغبة في تقديم طفل مبدع للمجتمع فإنها تستطيع ذلك بالفعل، وإذا كانت تريد تقديم طفلًا نمطيًا مطيعًا خائفًا من مخالفة القديم بكل ما فيه فإنها تستطيع ذلك أيضًا.
فالأم تؤثر بشدة في تنمية الابتكارية لدى الأطفال، لأن الأم الحنون ذات الطبع المستقر تولد لدى الطفل شعورًا بالأمن والطمأنينة، يكون منطلقًا لشعوره المقبل بالاستقلال، إنها تؤكد استقلاله عن طريق الحماية التي يقدمها له عطفها وحنانها، وذلك عندما تكون العلاقة بينه وبين أمه خالية من كل قلق، وتغدو الأم فيما بعد عونًا لطفلها على تطوير قدراته، وعلى اكتساب القيم والمعارف. ومن المفترض أن تعي الأم كيف تقدم العائلة إسهامات في النمو الفكري والعاطفي والإبداعي والابتكاري للطفل عن طريق تجويد البيئة العائلية التي يحيا فيها الطفل، وهو تعلم غير مباشر كما يجب على الأم أن تقدم العوامل المهيأة للإبداع لدى الطفل وتوجيهه ودفعه للأمام.
دور الأب في رعاية طفله المبدع
أما الآباء فلا بد أن يكونوا قادرين على رعاية أبنائهم عن طريق رعاية النشاطات المبدعة والتي تساعد على نمو الابتكارية في نفوس أبنائهم، فالنشاطات الابتكارية التي يساعد فيها الأب عديدة، منها توفير الوسائل المختلفة التي تساعد الطفل، ومن هذه الأنشطة الرسم واستخدام الصلصال وجمع المكعبات وغيرها من أنواع اللعب المختلفة، وكذلك اللعب معه، والاهتمام بالجوانب الإيجابية لدى أطفالهم، فإذا اتسم الآباء بالمرونة في ممارسة أدوارهم الاجتماعية ومشاركة الأبناء في اهتماماتهم وتشجيعهم على ممارسة مواهبهم وإبداعاتهم وتفكيرهم، فهذا يجعل الأطفال تتسم بالابتكارية.
فقد أوضحت الدراسات التجريبية أن آباء المبدعين يمثلون عاملًا حاسمًا في أدائهم الإبداعي من حيث استثارتهم لمواهب أبنائهم ومحاولة تنمية هذه المواهب، كما أن تصرفات الآباء والأمهات كما يتلقاها الأبناء أهم العناصر في تشكيل سلوكهم بوجه عام، وسلوكهم المعرفي والسلوكي بوجه خاص، وفي نفس الاتجاه أكدت الدراسات تميز أمهات الأبناء مرتفعي الإبداع بالسماح لأبنائهم في سن أكثر تبكيرًا بنوع من الاستقلال والسلوك الاستكشافي وحرية اتخاذ القرارات داخل المنزل وخارجه. كما أثبتت دراسة أخرى أن الأكثرين إبداعًا وصفوا آبائهم بأنهم أقل ميلًا إلى التسلطية والضبط والقهر، كما وصفوا أمهاتهم بأنهم أقل في التباعد العدائي وأقل في العقاب الرمزي والعقاب البدني المباشر.
وسائل تدعيم الوالدين لاكتشاف مواهب طفلهما وتنمية قدراته
مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين ومع كثافة الاهتمام بتنمية الإبداع ورعاية الموهبة بدأ الباحثون ينقبون عن الأساليب المناسبة التي تساعد من يهمه الأمر على رعاية الموهبة وتنمية الإبداع، وقد تنبه الباحثون إلى الدور الذي يلعبه الأستاذ الراعي وهو الوقود الذي يسهم بدرجة أو بأخرى في تطوير التلميذ نفسيًا وبدنيًا وفنيًا، ولأن الظروف الأسرية المناسبة تساعد على نمو السلوك الابتكاري لدى الطفل والذي يتجلى في تعبيره عن نفسه بتلقائية تخلو من الاتباعية والنمطية والروتينية، إلا أن هناك أمورًا يجب أخذها في الاعتبار:
- إعداد نشرات أو كتيبات دورية مبسطة تتضمن معلومات عن المتفوقين وخصائصهم، وكيفية التعامل معهم، والوسائل والأدوات اللازمة في رعايتهم.
- عقد دورات وندوات في الإذاعة والتليفزيون ومراكز خدمة المجتمع للتعريف بالمتفوقين والمبدعين، وكيفية التعرف عليهم وخصائصهم وحاجاتهم ورعايتهم، ويمكن الاستفادة.
- من مجالس الآباء في هذا الجانب.
- تأسيس جمعيات آباء ومعلمي الموهوبين في المناطق التعليمية المختلفة.
- فتح مواقع على شبكة العنكبوتية للتعريف بالموهبة والتفوق للطفل العربي بين الاكتشاف والرعاية.
ولكن ماذا علينا أن نفعل لتدعيم الوالدين حتى نمكنهم من الكشف عن طاقات أطفالهم وقدراتهم حتى تكون لديهم القدرة على إنتاج أجيال مبدعة تسعى إلى تقديم كل ما هو مبتكر وهادف؟
والرد على هذا التساؤل يلزمنا بالبحث والتدقيق لمعرفة السبيل الأمثل لبلوغ الهدف ويتمثل في:
- لا بد من الاهتمام أكثر بمشكلة محو الأمية في مصر، ووضع المزيد من البرامج والتصورات التي تشجع المجتمع بأكمله على مواجهة هذه العقبة، وإعطائها المزيد من الجهد والوقت والمال الذي يسمح باجتيازها في أقصر وقت ممكن، لأن درجة إبداع الطفل تعتمد على درجة تعليم الوالدين كما ذكرنا آنفًا، فكيف تقدم لنا أمًا غير متعلمة طفلًا مبدعًا ومبتكرًا يأتي بناءً على تخطيط واعٍ وليس لمحض الصدفة؟!
- يجب على وسائل الإعلام أن يكون من أهدافها الواضحة نشر ثقافة الإبداع والعمل على تخريج أجيال مبدعة من خلال برامج مخصصة لهذا الهدف بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
- يجب على الدولة متمثلة في الجامعات والمؤسسات التربوية المختلفة وضع برامج تدريب خاصة لكل أم وأب يوضح لهما الطرق الصحيحة في تربية الطفل وتنشئته، وكيفية اكتشاف مواهبه والأساليب العلمية التربوية لتنميتها وتدعيمها بأبسط الوسائل.
- توعية الأم بدور القراءة في نمو الإبداع عند الأطفال، فقد أثبتت الدراسات أهمية القراءة في تنشيط العقل واستثارة الخيال، فهي المسئولة عن تشكيل سلوك الإنسان ككل وسلوكه الإبداعي على وجه الخصوص.
- كما يجب تدريب الأم والأب وتوجيههما لكي يكونا منفتحين ومتحمسين لتحرير الطفل وفك قيوده وذلك من خلال الآتي:
- اقترابهم من عواطف الطفل وميوله.
- تشجيع الطفل على التخيل ومساعدته على الاستمتاع بالحياة.
- إثابة الطفل على أي عمل له قيمة فنية أو جمالية.
- توفير مكان يمارس فيه الطفل هواياته وألعابه.
- عدم عقاب الطفل إذا استخدم بعض أدوات المنزل في هواياته وألعابه، وتشجيعه على تلك الألعاب ما دام لا يقوم بتدميرها أو استخدامها في التدمير.
- تشجيع اهتمامات الطفل الفنية وعدم السخرية منه ما أمكن ذلك واصطحابه إلى المعارض الفنية والأماكن المهتمة بالفنون والعلوم.. إلخ.
- احترام أسئلة طفلهما مهما كانت غير مألوفة.
- إدراك الوالدين أن تنمية قدرات طفلهما الابتكارية لا بد أن تكون مبكرة إلى أقصى حد ممكن.
- يجب على الأسرة أن تتقبل ما ينتج عن طفلها من إبداع، مهما كان غريبا طالما لا يخالف الأخلاق والمبادئ الأساسية.
المدرسة ودورها في تنمية المهارات الابتكارية عند رياض الأطفال
أكد الباحثون في شئون الطفولة أن مرحلة رياض الأطفال مرحلة أساسية في العملية التربوية، فهي حلقة وسطى بين المنزل والمدرسة وخطوة أولية للسلم التعليمي، وهي فترة حاسمة في حياة الطفل لبناء شخصيته، وتكامل جوانب نموه الأساسية: من جسمية، وحركية، وعقلية وإدراكية، ولغوية وجمالية، ونفسية واجتماعية وهي مرحلة لها أبلغ الأثر في حياة الطفل المستقبلية.
لذا تعد المدرسة هي بيته الثاني والمدرسون والمدرسات بمثابة الآباء والأمهات والقدوة والنموذج الذي يحتذى به، ويصبح الزملاء بمثابة الأخوة، ولكن يزداد مناخ المدرسة عن المناخ العائلي بالمناهج الدراسية والأنشطة التربوية والنظام والتعاون وتوزيع المسؤوليات والاختصاصات وممارسة الهوايات، لذلك فهي تساهم في إظهار المهارات والقدرات الابتكارية، كما أن المناهج الدراسية تنمي في الطفل روح التساؤل ومحاولة حل المشكلات، وبذلك يزداد دور المدرسة أهمية وقوة في التأثير على التنشئة المتكاملة للطفل عمومًا وبالتالي التأثير على تنمية قدراته نحو الخلق والإبداع.
وإذا كنا هنا نتناول أهمية دور المدرسة في تنمية الإبداع لدى التلاميذ فإننا نركز بوجه خاص على مرحلة رياض الأطفال لما لها من أهمية بالغة في اكتشاف القدرات والإمكانات غير العادية لدى أطفالنا، ومحاولة جذب الانتباه لها لدعمها بكل السبل، كما نلفت الأنظار تجاه معلمة رياض الأطفال لأنها ببساطة هي كل شيء في هذه المرحلة، ودون نجاحها في تنمية القدرات الابتكارية لدى الأطفال فلا نجاح لهذا الدور مطلقا.
دور معلمة رياض الأطفال في تنمية المهارات الابتكارية
إن مراحل نمو الطفل تحتاج دائمًا إلى توجيه وتشجيع وتوفير إمكانيات وتقويم مستمر أثناء عملية النمو، وهذا هو الدور الذي تقوم به معلمة رياض الأطفال من خلال مساعدة كل طفل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من قدراته واستعداداته لإنتاج أفضل ابتكار وإبداع له، ويتم ذلك من خلال المواقف التي تنمي الروح الابتكارية لدى الطفل وتستثمر طاقاته، كما يجب على معلمة رياض الأطفال أن تقوم بالآتي:
- القيام بتعزيز ثقة الطفل بنفسه وبقدراته ومهاراته المختلفة، كما يجب عليها تنمية المفهوم الذاتي الإيجابي لديه.
- يجب عليها أن تعمل على إشباع حاجاته الاجتماعية والنفسية والأمنية والتعليمية.
- الاهتمام بمراعاة الفروق الفردية بين الأطفال بحيث تدفعهم إلى الابتكار بأنفسهم بتقديم مقومات الابتكار وتوفير وسائله، وبمساهمة مهارات الاتصال التعليمية الموجودة لدى المعلمة، حيث أن طبيعة الابتكار تختلف من طفل إلى آخر.
- يجب عليها أن تهتم بتنمية الابتكارات الجماعية حيث يشترك كل طفل في إنتاج الابتكار المشترك باستثمار قدراته الخاصة.
- يجب عليها استخدام استراتيجيات التدريس التي تعتمد على الاشتراك واللعب، وإجراء التجارب العملية وتنازل الأشياء والأدوات في البيت واستخدامها في التوصل إلى المعارف واكتساب المهارات وتنمية الاتجاهات الإيجابية لدى الأطفال.
- يجب أن تكون معلمة رياض الأطفال ذات قدرات ومهارات ابتكارية حتى تكون قادرة على تنمية ابتكار الأطفال، حتى لا تحول دورها في الفصل إلى دور سلبي يعمل على إهدار قدرات الأطفال الابتكارية.
- لمعلمة رياض الأطفال دور حيوي وأساس في التخطيط والتنفيذ والتقويم لأنشطة التعلم التي تؤدي إلى تنمية ابتكار الأطفال، حيث أنها تضع الأهداف التي يجب أن يحققها الأطفال من خلال أنشطتهم الابتكارية، كما تثير دافعية الأطفال من خلال تنوع الأنشطة والمواد والخامات ومصادر التعلم وإثراء العملية التعليمية.
- أن يكون لها حاسة تربوية ونفسية إيجابية تساعدها على اكتشاف وتنمية ابتكارية الأطفال ودفعهم إلى العمل الابتكاري الإيجابي كل في تخصصه.
- اهتمام معلمة رياض الأطفال بمهارات الاتصال مع أولياء أمور الأطفال، وإثارة وعيهم بكيفية الاهتمام بتنمية ابتكارية أطفالهم وذلك بتصميم أفضل برنامج ينمي ابتكارية الطفل إلى أقصى حد ممكن.
اللغة وأهميتها للطفل المبدع
اللغة هي وسيلة الفرد للتعبير عن مشاعره وعواطفه وما ينشأ في ذهنه من أفكار، وهي وسيلته لتلبية حاجاته، وتنفيذ رغباته، وتعد أداة للسيطرة على بيئته التي يعيش فيها، فهي ثمرة من ثمار التفكير الإنساني، كما أن لها مكانة كبيرة في حياة الإنسان بعامة، والطفل بخاصة فهي أداته للاتصال والتعبير والتحصيل وغيرها من الأشياء المهمة لديه.
ولما كانت اللغة من ضرورات الحياة والاتصال ومن أساسات التفكير فإنه من الضروري استغلال هذه الفرصة لإكساب الطفل قدرًا كبيرًا من المفاهيم والألفاظ والكلمات التي تنمي محصوله اللفظي، وتمكنه من اكتساب المهارات اللغوية في التعامل والتفاعل مع الآخرين، فالنمو اللغوي للطفل يتطور خلال هذه الفترة تطورًا سريعًا، حيث يمر بأقصى سرعة له خلال سنوات ما قبل المدرسة.
ولما كان تعلم الطفل للألفاظ والمفاهيم والكلمات في مرحلة ما قبل المدرسة من الأهمية بمكان فقد جعلت الدارسين والباحثين يدرجون تعلم القراءة والكتابة فيما بعد في مرحلة رياض الأطفال في محاولة منهم لإدخال الطفل إلى عالم الكتاب بما يحتويه من صور ومعلومات وأفكار شيقة ومثيرة له في مثل هذه السن الصغيرة، والتي تستثير حب الاستطلاع لديه، وكذلك لما للقراءة من أهمية بالغة في الارتقاء بالمستوى الفكري والتعليمي للطفل بما يساعده على التفكير في المعلومة وتحليلها ومن ثم تكون أول الطريق نحو تنشئة طفل مبدع.
ولكن هناك أمور عدة يجب أخذها في الاعتبار عندما نبدأ في تعليم الطفل المهارات اللغوية، وهي:
- علينا أن نحرص أن يتعلم الطفل في جو أسري هادئ يتمتع بالاستقرار والأمن والطمأنينة حتى تيسر له عملية التعلم.
- ينبغي علينا ألا نسرف في حماية أطفالنا أو في تدليلهم حتى لا نحرمهم من استقلاليتهم التي هي أهم عنصر من عناصر الشخصية المبدعة.
- يجب أن يتمتع الطفل بالقبول والحب من قبل والديه حتى وإن لم يستطع تحقيق آمالهم.
- يجب على الأم أو معلمة رياض الأطفال أن تبدأ في تنمية مهارات الطفل اللغوية تدريجيًا تبعا لدرجة النضج العقلي.
- ينبغي عليها أيضًا أن تنمي فيهم مهارة الاستماع لأنها تعد الوسيلة الوحيدة القادرة على نقل أفكارها إليهم عن طريق رواية القصص والحكايات الهادفة.
- ينبغي عليها أن تختار القصص التربوية التي تتمتع بقدر معقول من الخيال حتى لا يتعذر على الطفل عمل التوازن بين الواقع والخيال، فالقصص الخيالية التي تتحدث عن الأطفال والحيوانات والتي تصور المواقف الإيجابية التي تدعو إلى التفاؤل وحب الحياة، وهي القادرة على تحفيز الطفل على الاستماع بشغف في البداية ثم البحث عن القراءة فيما بعد.
- كما ينبغي عليها حين تقبل على سرد الحكايات والقصص للأطفال أن تختار كلمات بسيطة وألفاظ معبرة، ويجب أن تكون مخارج ألفاظها جيدة.
- ينبغي على الوالدين ألا يبدآ في تعليم الطفل لغة أجنبية قبل إتقانه للغته القومية وتراكيبها اللغوية الصحيحة حتى لا يعوق ذلك النمو اللغوي لكلا اللغتين.
القراءة وتنمية المهارات اللغوية للطفل المبدع:
القراءة هي المفتاح الأساسي للمعرفة، فلا توجد معرفة بدون قراءة، ولا يوجد اكتشاف أو ابتكار دون معرفة، لذا فالقراءة مهمة للجميع بصفة عامة، وأكثر أهمية للطفل على وجه تتضمن: القدرة على فهم معاني الكلمات، ومعاني الجمل والربط بين تسلسل الأحداث، مع القدرة على التركيز والتذكر والاستيعاب والنقد والقدرة على إعادة التعبير عما تمت قراءته.
ومن أهم مميزات القراءة أنها تفتح الباب أمام الطفل للتساؤل والاستفسار، فالقراءة الجيدة تساعد الطفل على تكوين أفكار ووجهات نظر خاصة به كما تساعده على المقارنة والمفاضلة التي هي أول الطريق للوصول إلى الحلول التي هي بدورها نوها من أنواع الابتكار.
والقراءة لا بد أن تبدأ مع الطفل منذ طفولته المبكرة، خاصة قبل سن المدرسة، لأنها من الأنشطة الابتكارية التي تعمل على تشكيل الطفل، فالقراءة مهارة مكتسبة يتم تنشئة الطفل عليها حتى تصبح عادة ملازمة له، ولكن هذه المهارة ترتبط بعوامل أساسية تؤثر في استعداد الطفل للقراءة والكتابة، من أهمها:
- الاستعداد العقلي.
- الاستعداد الجسمي (البصر – السمع – النطق – الصحة العامة).
- الاستعداد الشخصي والانفعالي.
- الاستعداد في الخبرات والقدرات اللغوية.
وإذا كنا نحاول خلق أجيال قارئة، فالأجدر بنا أن نعمق مفهوم القراءة الابتكارية في نفوس أطفالنا في مرحلة مبكرة من طفولتهم حتى نعدهم لأن يكونوا مبدعين، ولكي يتسنى لنا تنشئتهم وتعليمهم على مثل هذا المستوى من القراءة فإنه يجب أن تتيح معلمة رياض الأطفال المتميزة لهم فرص ممارسة القراءة الابتكارية بشكل ممتع ومثير لحب استطلاعهم وفضولهم عن طريق:
- طرح الأسئلة عن المعلومات التي يتضمنها النص المكتوب، ومحاولة الإجابة عليها.
- تفسير المعاني والمفاهيم التي يطرحها الكاتب أو المؤلف.
- التحدث عما ينقص النص المكتوب، ومحاولة تكملته وإعادة صياغته بشكل مبتكر.
- الغوص في المادة المقروءة ليكتشف الحقيقة فيها مستدعيًا ما يمتلك من أفكار، ويمزجها بخياله الابتكاري حتى يستطيع توظيفها في مواقف حياتية أخرى.
وخلال هذه العمليات يكون الطفل المبتكر قادرًا على:
- رؤية ما قرأه بطرق كثيرة ومتنوعة، وهذه هي المرونة.
- إنتاج أفكار جديدة وفريدة ومرتبطة بما قرأه، وهذه هي الأصالة.
- القدرة على إطلاق العنان للخيال فينتج أكبر كم من الأفكار المتنوعة المتعلقة بموضوع ما قرأه، وهذه هي الطلاقة.
دور المؤثرات البيئية في تنمية الإبداع لدى طفل ما قبل المدرسة
مما لا شك فيه أن تنمية مواهب وقدرات الطفل وتطويرها يعتمد بصورة أساسية على محورين رئيسين هما: البيئة الأسرية أولًا، ثم تأتي المدرسة عاملًا مؤثرًا ومكملًا لدور الأسرة ثانيًا، إلى جانب بعض العناصر المساعدة والتي تتمثل في المجتمع المحلي ووسائل الإعلام وغيرها، وهذه المحاور لا بد لها أن تتداخل وتتفاعل وتتكامل معا حتى تكون عناصر مساعدة للطفل على اكتشاف نفسه وتنمية قدراته، حيث لا يمكن تنمية إبداع الطفل ومواهبه استنادًا على أحدهما فقط دون الآخر، كما لا يمكن فصل تأثير أحدهما عن الآخر نظرًا للتداخل الكبير بينهما.
فقد أثبتت البحوث والدراسات أن الظروف الأسرية المناسبة هي العامل الأساسي في الكشف عن الموهوبين والمبدعين، كما أنها تساعد في تنمية السلوك الابتكاري عند الأطفال، فاصطباغ الجو الأسري بالأمان والتشجيع على المبادأة يساعد على نمو الإبداع لدى الأبناء، لهذا نجد ملامح ذلك الأمر تتضح في تقارير من المبدعين عن معاملة آبائهم لهم، حيث ذكر بعض المبدعين والمبتكرين أنهم كانوا يتمتعون أثناء تنشئتهم الاجتماعية بقدر كبير من الحرية في اتخاذ القرارات واكتشاف بيئتهم، وأنهم لم يتعرضوا لحماية زائدة أو لرفض من الوالدين، لذا فمرونة الأسرة تظهر في السماح لأبنائها بالقيام بأي نوع من أنواع النشاط الاستكشافي العقلي أو اليدوي، وعدم تصلبها في منع هذا النشاط له تأثير كبير في تنمية وتشجيع الابتكار والإبداع لدى الأبناء والعكس صحيح، لأن إكراه الأم لابنها يرتبط ارتباطًا سالبًا بدرجات الإبداع وبالسلوك الابتكاري للأبناء، والذي يتضمن بالضرورة عناصر الإنجاز الابتكاري أو الإبداعي.
ومما لا شك فيه أن الطفل الموهوب أو المبدع يبدي منذ عامه الأول بعض الإشارات الدالة على ذكائه والتي تشير إلى بعض اهتماماته، مثل الميول الفنية أو العلمية وغيرها، كما نجده يثير كثيرًا من التساؤلات حولها، كل هذا من شأنه أن يلفت انتباه الوالدين نحوه، ويستشعرون أن لديه استعدادات وقدرات تفوق أقرانه العاديين، كما أن له الكثير من المطالب ويحتاج إلى رعاية وعناية فائقة، وفي مثل هذه الحالة يصبح عليهما أن يستعينا بأحد الأخصائيين النفسيين حتى يجري عليه الاختبارات والفحوص النفسية التي تكشف ما لديه من استعدادات ومواهب وقدرات تمكنهم من التعرف على جوانب القوة فيتم استثمارها وتنميتها، وجوانب الضعف فيتم علاجها.
وهذه المعلومات والبيانات التي تحدد قدرات الطفل ومستوى ذكائه ذات أهمية كبيرة حيث يمكن بمقتضاها أن تتخذ قرارات مهمة بشأن إلحاق الطفل بالروضة في وقت مبكر، أو تقديم الإثراء التعليمي اللازم له، كما لا يقتصر دور الوالدين على ذلك ولكنهما يعملان إلى جانب الروضة عندما يلتحق الطفل بها على تعليم الطفل النظام، من خلال وجود قدر معقول من النظام والتنظيم بها، وتوفير الفرص المناسب لحب الاستطلاع والابتكارية، وغرس حب الكتب والقراءة في الطفل، وتوفير فرص مناسبة للعب والاستكشاف والاهتمام بالأنشطة الحركية.
ثم يأتي دور الروضة مكملًا لدور الوالدين، حيث تقوم معلمة رياض الأطفال بتحديد الاستراتيجيات التربوية المناسبة كالإثراء أو الإسراع لتنمية وتطوير ميول الأطفال واتجاهاتهم ويقع العبء الأكبر على معلمة الروضة في خلق الروح الإبداعية لأطفالها في الفصل، فهي مسئولة مسئولية كبيرة عن الظروف الخاصة التي تتيحها وتهيؤها للأطفال حتى تنمي فيهم روح الإبداع وتشجعها أو قد تقتلها باتباعها الطرق التقليدية في تعليم الأطفال، فحين تعطي الفرصة لأطفالها للتعبير عن أنفسهم بتلقائية حتى دون حاجة إلى مهارة أو أصالة أو نوعية إنتاج فهي تنمي فيهم نوعًا من الإبداع التعبيري، وحين تساعدهم على التعبير عن نشاطهم وتحسين أسلوب أدائهم وفقًا للقواعد العلمية فهي تنمي فيهم نوعا من «الإبداع الإنتاجي».
.