تعتبر ظاهرة التشرّد وأطفال الشوارع من الظواهر المنتشرة في جميع أنحاء العالم بنسبٍ متفاوتةٍ، وقد بدأت تشغل بال الحكومات نظراً إلى زيادة انتشارها وآثارها السلبيّة على المجتمع، حيث تكتسب هذه الظاهر أهمية خاصة بوصفها تعكس خلل واضح في أجهزة وأساليب التنشئة من خلال مؤسساتها المختلفة ، وما تعكسه بكل واقعية وصدق من مشاكل عدم التكيف الاجتماعي والنفسي ومشاكل الأسرة والبيئة ، التي تؤدي إلى نبذ هؤلاء الأطفال ، فيهيمون على وجههم دون هدف أو ارتباط أسري ، متخذين من الشارع مأوى لهم ومجالاً لكسب قوت يومهم، وقد يقعوا في أيدي المنحرفين الذين يستغلونهم ويدفعونهم إلى ارتكاب الأفعال الإجرامية.
إنّ المتشرّد يفتقد الشعور بالأمان والحماية، ولا يحمل أي طموحٍ للمستقبل ، وإنّما يقتصر تفكيره على تأمين غذائه وتأمين مكانٍ لنومه، ففي الغالب يعيش المتشرّد على بقايا الطعام من المطاعم، أو حاويات القمامة، أو مساعدات الناس الخيريّة.
ومن المؤكد أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست مشكله بسيطة يمكن حلها بزيادة مستوى التسامح أو الاحترام للأطفال، لكونها ناتجة عن مشاكل عدم التكيف الاجتماعي والنفسى ، ومشاكل الأسرة والبيئة في كل مظاهرها وعواملها ، والتي تؤدى في النهاية إلى تربية هؤلاء الصغار على أن وجودهم بلا هدف أو ارتباط أسرى ، فيتغذون من الشارع ويتخذونه مأوى لهم أو مجال لكسب يومهم([1]).
الإخوان والطفولة المشردة
إن مرحلة الطفولة مرحلة تكوين اللبنة الأساسية لتكوين شخصية الطفل، فتعد هذه المرحلة من أكثر المراحل تأثيرًا في حياة الفرد في المستقبل.
وكما اهتم الإسلام بالنشء منذ المهد سار الإخوان على منهج دينهم فاهتموا بهذا النشء الذي يرجى أن يشب فيصبح عماد الأمة وقوتها ومصدر عزها ولذا حرصوا أشد الحرص على توفير المناخ التربوي الملائم لهذه النبتة حتى تينع فتصبح نبتة طيبة يقوم بقوتها وصلاحها المجتمع.
وقضية أطفال الشوارع من القضايا المهمة التي يجب ان تؤرق كل من يعمل لمصلحة الوطن وسلامة افراده وأمان مستقبله ، خاصة أن هؤلاء الأطفال أصبحوا ف مرمى أعداء الأمة من المبشرين ومروجي الأشياء القاتلة كالمخدرات وغيرها لاستشعارهم بعدم قيمة هؤلاء الأطفال إذا حدث لهم مكروه، فلن يعبأ أحد إذا تم القبض عليهم أو قتلهم.
وبحسب ما أفاد به موقع "إخوان أون لاين" فإن غالبية الأطفال المتسولين من أسر بسيطة جدًّا أو تكاد تكون معدمة تتميز بكثرة عدد أفرادها، ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال في بيوت بسيطة تتكون في معظم الأحيان من غرفة واحدة، والوالدان غير مثقفان أو بمعنى أصح أميان، ويترك غالبيتهم الدراسة بعد ذلك ليقضوا أكثر من خمس ساعات في التسول خارج المنزل وبتشجيع من أمهاتهم وآبائهم([2]).
ولذا نظر الإخوان إلى الجوانب الإنسانية التي تحتم على كل مسلم أن يرعى هؤلاء الأطفال الذين حرموا حنان الأب والأم والبيئة الطيبة التي لم يتربوا فيها، وقد أخذت جهود الإخوان في هذا المضمار شوطا كبيرا منذ بدأ حسن البنا بذرة هذه الدعوة حتى بلوغ الجماعة رأس الهرم برئاسة البلاد.
كيف عالج الإخوان ظاهرة التشرد
لقد وجد الإخوان أن ظاهرة التشرد وانتشار أطفال الشوارع تعود في الأساس إلى الفقر والتفكك الأسري، ومن ثم تعاملوا مع هذه القضية الخطيرة التي أصابت غالب أفراد المجتمع على عدة مستويات:
المستوى الأول: وهو تشخيص الظاهرة، وبيان أسبابها، وتوضيح مظاهر تلك القضية وخطورتها، وآثارها على الأفراد والمجتمع والأمة بأسرها.
المستوى الثاني: فقد قدم الإخوان فيه رؤيتهم لعلاج هذه المشكلة من خلال فهمهم للكتاب والسنة والتاريخ والحضارة الإسلامية، وذلك بناء على حل الإسلام لهذه المشكلة تأصيلاً نظريًّا وواقعًا عمليًّا.
أولاً: أسباب تفشي الفقر في المجتمع ومظاهره
رأى الإخوان أن أسباب تفشي هذه الظاهرة متعددة، لعل أولها هو عدم التوزيع العادل للثروات مما أنتج انقسام الناس في المجتمع إلى طبقات على أساس ما يملكون، ثم توقف الأغنياء تقريبًا عن إخراج الزكاة التي هي حق الله في المال فضلاً عن قلة الصدقات([3])، وكذلك الإسراف في أسباب الزينة ومظاهر الترف واللهو بأنواعه المختلفة والارتفاع بالكماليات، في الوقت الذي يعيش فيه الملايين في شبه أكواخ، ويعاني أكثر من مليون شخص من الملاريا والبلاجرا، وأكثر من 14مليونًا من أمراض الرمد، و8ملايين من أمراض معدية، و2مليون من أمراض سرية، و2مليون مرض عادي، بما يعني 3أمراض للفرد الواحد من أبناء الطبقة المنتجة.
ومن أسباب انتشار الفقر أيضًا -ولعله من أهمها- هو النظام السياسي السائد، خاصة الحكومات المتعاقبة والناتجة عن الحزبية المتناحرة التي كان همها تحقيق مكاسب سياسية دون النظر إلى بؤس الفلاحين والعمال وباقي أفراد المجتمع؛ حيث إن رجال الأحزاب كانوا يسمعون عن الطبقات الفقيرة من خلال الكتب والمقالات، في حين أنهم يعيشون في دور أحزابهم المشيدة بأنواع من الأثاث يجهله أبناء الشعب([4]).
ثم إن هناك سببين آخرين اعتبرهما الإخوان من أسباب الفقر هما:
-فقد العمل بسبب عدم توافر فرص عمل، إلى جانب اكتناز المال وعدم تداوله التداول الذي يوفر مسارات عمل أمام أفراد المجتمع، وهذا الأمر يرجع للحكومات والأغنياء.
-العجز عن العمل لعدم الكفاءة أو لمرض أو لعدم وجود نأهيل مناسب للعمل([5]).
ولأن الفقر مرتبط بعوامل متعددة في المجتمع، منها: سياسية، وأخرى اقتصادية، وثالثة اجتماعية، ورابعة ثقافية... إلخ، فإن آثاره على كل الجوانب في المجتمع، وسوف نعرض بالتفصيل لاحقًا آثاره على العمال والفلاحين وهما الفئتان الأكبر تأثرًا والأكثر عددًا في المجتمع، ولعل زيادة نسبة الأمراض والتسول والجهل والتخلف من أهم آثاره.
ثانيًا: رؤية الإخوان للظاهرة وكيفية علاجها
تعامل الإخوان مع قضية الفقر ليس ككونها قضية اجتماعية ذات أبعاد اقتصادية فحسب، بل نظروا إليها على أنها قضية متعددة الأبعاد، وللقضاء على هذه الظاهرة يجب فهمها جيدًا من جوانبها المتعددة، ومحاولة تقديم الحل الشامل لها، وقد رجع الإخوان -كعادتهم- إلى الحل الإسلامي لهذه القضية، والذي تعامل معها بهذا الشمول، حيث أشاروا إلى أن الإسلام بمبادئه نجح في القضاء على الفقر، وكان سر نجاحه أنه لم يحبس نفسه في الأوامر وحدها يلقيها في عنف وينفذها بجفاء -فقلما نجح تشريع أساسه الإكراه، ولكنه عمد إلى النفوس فهذبها ورققها وجعلها تفعل الخير كما تزاول متع الحياة، وقد عالج أسباب الفقر في صورة علاجه لفقد العمل بأن طالب الدولة بإيجاد الأعمال وإدخال الصناعات، حتى إنه جعل كل صناعة تحتاج إليها الأمة فرضًا يجب على الأقل أن تقوم به طائفة، وطالب الأغنياء في سبيل ذلك ألا يكنزوا الذهب والفضة والمال، وأن يجعلوه متداولاً بين الناس حتى يكون نواة المؤسسات الضخمة والمشروعات النافعة، ثم حرم السؤال، وحض على العمل وجعله عبادة تفضل العبادة، وجهادًا يفضل الجهاد، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل تفرغ للعبادة وترك الكسب حتى أصبح كلاًّ على أخيه: "أخوه أعبد منك"، وأوضح الإخوان للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عند حدود الأقوال فضرب لنا بنفسه مثلاً وتورع أن يقتات من أموال المسلمين وهو القوام عليهم الناهض لأعبائهم المصرف لأمورهم.
أما العجز عن العمل والذي هو من أسباب الفقر فقد أشار الإخوان إلى أن الإسلام نظر إليه نظرة تحترم الكفاءة وترحم الضعف، فلم يحرم الموهوبين من نتاج مواهبهم وثمار جهودهم، ولكنه حفظها عليهم وأبقاها لهم بشرط أن يكون للفقير فيها نصيب معلوم يأخذه من الدولة وهو مرفوع الرأس كما يأخذ الموظف منها أجره سواء بسواء، فارتفع بذلك عن مدارك المذاهب الهدامة التي تقتل الطموح وتشل النشاط وتنزل بالمفكرين والطامحين إلى حضيض الحمقى والبلهاء! ثم عمد إلى ناحية لا تزال كما كانت من قبل مثارًا للحقد الذي ينضح بالدم، فلم يشأ أن يترك قومًا يموتون بالتخمة وقومًا يموتون بالجوع؛ لأنه يعلم أن الفقراء لايتألمون لشقائهم بقدر ما يتألمون لسعادة الأغنياء التي امتنعت عليهم، ولذلك حارب الترف وأمات كثيرًا من أسبابه ومظاهره، فحرم لبس الذهب والحرير للرجال، وحجر على السفهاء الذين ينطلقون وراء الهوى والشهوة يبذرون الأموال ذات اليمين وذات الشمال، وقطع الطريق على مذاهب السرف ومسالك الفسوق الخمر والزنا والميسر واتخاذ الأخدان... إلخ، واعتبرها محرمات فاستطاع بذلك أن يهيئ الجو لإنقاذ عشرات العائلات من غائلة الجوع والجهل، هذا هو الجو الذي يلتقي فيه الغني والفقير التقاء الإخوة في الأسرة، الكبير يبذل عطفه ونفعه والصغير يبذل حبه وولاءه، ولم يكتف الإسلام بهذا بل دعا إلى الصدقة وحث عليها ورغب فيها وفتح لها منابع لا تغيض أبدًا، حيث إن أساسها الحب في الله، واعتمد الإسلام أن هذا هو العلاج المادي، أما العلاج المعنوي فلم يجعل الغنى سببًا في ارتفاع المنزلة عند الله ولكنه قال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات: 13]([6]).
وعلى المستوى الداخلي للإخوان حدد الإمام البنا منذ أن وضع رسالة "الأسر" عام 1943م أن من أهداف الأسرة التربوية الثلاثة هدف التكافل الذي يعان من خلاله الفقير في جو أسري يسوده الود والحب والأخوة، أما على مستوى المجتمع فقد أوردنا في الكتاب الرابع والخامس جانبًا من نشاط الإخوان في تقديم العون للفقراء والمحتاجين، وكيف اتخذ هذا النشاط أشكالاً متعددة([7]).
اعتنى الإخوان بقضية التشرد وأولوها أهمية كبيرة مطالبين بالعناية بكبار السن وتقديم الخدمات والعنايه بهم في أخر حياتهم ، ولذا كتبت المجلة تحت عنوان "الشيخوخة المشردة" تبين طبيعة حياتهم وظروف معيشتهم وحذرت من هؤلاء أكثر من غيرهم لتعرضهم للأمراض التى لا يستطيعون الإنفاق على علاجها فتراهم ملقون على الأرض صرعى المرض ، وقد بلغ بهم درجة خطيرة وكاد يقضي عليهم، وهؤلاء محتاجون إلى العطف والعناية والرحمة.
كما حذر الإخوان من خطورة انتشار هذه الظاهرة والتي تؤدى إلى وقوع هؤلاء الأطفال المشردين فى يد بعض المجرمين الذين يدربونهم على احتراف الإجرام وتنفيذ مطالبهم وخططهم الاجرامية, هذا غير احترافهم النشل والتسول, ومن ثم طالب الإخوان الحكومة برعايتهم وبناء الملاجئ التى تؤيهم([8]).
جهود تعليمية
قام الإمام البنا بوضع خطة تهدف إلى تدريب المحتاجين من مرتادي الشوارع على العمل الدائم ، فقام الإمام الشهيد بوضع برامج دائمة للتدريب على العمل وقد اهتم بمرتادي الشوارع وكان يتابعهم بنفسه، كما رسم الخطط المحكمة وضمنها الوسائل المعينة للوصول إلى الهدف المهم، وعمل على تعليم مرتادو الشوارع و تثقيفهم في كل المجالات الدينية والدنيوية ومحو أميتهم.
فأنشئ مدرسة ليلية في كل شعبة هدفها الأساسي محو الأمية الدينية التعليمية؛ حيث يجتمع العمال والفلاحون ومرتادى الشوارع، وكان ذلك في شعب الإسماعيلية وأبو صوير وعابدين والتي احتوى معهدها على فرعٍ لمكافحة الأمية والتشرد([9]).
وفي قنا وأسوان أنشأ الإخوان قسمين لمكافحة الأمية والتشرد ،أحدهما نهاري، والثاني ليلي، وحين وضعت الحكومة منهاجا لمكافحة الأمية والتشرد ، أثناء تولى العشماوى (باشا) وزارة المعارف سنة 1946 طلب من الإخوان أن يساعدوا الوزارة فى تنفيذ خطتها اعترافا منها بنفوذهم([10]).
توفير حاجة الطعام
اهتم الإخوان بالعديد من الأطفال المشردين والفقراء فعملوا على توفير متطلبات الحياة لهم وعلى رأسها الطعام، حيث قام الإخوان في بين منطقة السرايات والخرطة بإطعامِ حوالي مائة وخمسين فقيرًا مرة كل شهر، كما خصصوا يوما سمي (يوم الفقير)" تم تخصيصه للفقراء وأطفال الشوارع.
كما جمعت شعبة رشيد مبلغًا كبيرًا من أهل الخير، واستطاعت أن تقوم بكسوةِ 500 يتيم لمناسبة عيد الفطر المبارك وذلك حلا لمشكلة أطفال الشوارع وعدم تفشيها.
وقام الإخوان في أسوان بمشروع كسوةِ وتغذيةِ الفقراءِ لمناسبة عيد الفطر بصورةٍ متسعة، وقد كُسِي أكثر من 430 فقيرًا منهم 190 أرملةً و140 من البنات ما بين أطفال ويتيمات.
كما تبرَّعت جمعيةُ الإخوانِ المسلمين بجرجا بإطعامِ 500 فقير من كل الفئات المحتاجة ومنها أطفال الشوارع.
احتفلت منطقة دشنا بشهر رمضان فقامت بإطعام 200 فقير من مرتادي الشوارع في شهر رمضان أيام الجمع...وهناك الكثير من الأعمال الخدمة التي قام بها الإخوان للحد من ظاهرة أطفال الشوارع التي انتشرت بسبب عامل الفقر([11]).
الاهتمام الإعلامي
اهتم الإخوان بقضية أطفال الشوارع إعلاميا، فتحت عنوان "أبناء الشوارع وكيف يعيشون" كتبت مجلة الإخوان الأسبوعية أن أعداد المتشردين من أبناء الشوارع يزدادون كل يوم بسبب قسوة الحياة والمجتمع عليهم فتراهم يعيشون عيشة الحيوانات فى الشوارع لا يجدون ما يحميهم من الحر أو يستر جسدهم أو يرد عنهم البر القارص هذا غير تعرضهم لمطاردة البوليس, وطالب صاحب المقال الحكومة بإنقاذهم وتحسين حالهم([12]).
كما أن المجلة هاجمت الآباء الذين يدفعون بأبنائهم إلى التشرد بالرغم من كون هؤلاء الآباء يجلسون عاطلون على المقاهي ويسخرون أبنائهم فى بيع ورق اليانصيب تحت التهديد بل وإنزال العقاب بهم, وتساءلت المجلة لماذا أنشئت وزارة الشئون الاجتماعية مادامت لم تقم بدورها فى حماية الأطفال المتشردين([13]).
وفى عموده بعنوان "فى الطريق" كتب الأستاذ عبد الحليم الوشاحى تحت عنوان "الطفولة المشردة" يقول: «أهؤلاء الأطفال الذين يتزاحمون على أفاريز الشوارع وزوايا الطرق وينتقلون من ترام لآخر يلبسون الأسمال ويستترون بالخرق التى تظهر ما خفى من أجسامهم الهزيلة, هؤلاء الأطفال يطوفون طول النهار وأكثر الليل على المقاهى والحانات لعلهم يجدون ما يسد رمقهم, من هؤلاء تكونت عصابات النشل بعد أن وقع هؤلاء المساكين تحت رحمة رؤساء العصابات فيطلقونهم على وسائل النقل المزدحمة فيسلبون الأموال, فهؤلاء الصبية هم الذين يستخدمون فى توزيع المخدرات على مدمينها, هذا غير نبذ الطبقة الغنية لهم، فمن لهؤلاء؟»([14]).
أطفال الشوارع والتبشير
حارب الإخوان التبشير ووضعوا له الخطط، ونشروا الوعاظ والخطباء، غير أن المبشرين وجدوا فى الفقر أداة سهله ، استخدموها لجذب هؤلاء الفقراء للمسيحية، ففطن الإخوان لهذه المخططات فكتبوا للملك وشيخ الأزهر ورئيس الوزراء، وكلف مكتب الإرشاد الإخوان في كل قرية ومدينة بالتحري عن هؤلاء الأطفال وإنقاذهم من يدي المبشرين وتوفير ملاذات آمنة لهم.
وناشد الإخوان شعبهم.. محذرين من دسائس هؤلاء المضلِّلين وخداعهم، واغناء الناس للابتعاد عن مدارسهم ومستشفياتهم وملاجئهم وكتبهم.
فمثلا في منطقة أبي حماد بمديرية الشرقية استطاع الإخوان أن يمنعوا الإرساليات التبشيرية من إنشاء مدرسة للبنين كان غرضها الأساسي تكوين أجيال تنادي بمبادئهم وقيمهم وتؤمن بدينهم، وسارعت هذه الإرساليات وأسَّست مدرسةً للبنات ليدسوا إليهن سمومهم، إلا أنه سرعان ما اجتمع الإخوان بدار الجمعية وأخذوا يفكرون فى الأمر ويدرسون السبل ليدرءوا هذا الخطر الفادح، وقامت هذه اللجنة بالانتشار في المنطقة لتوعية أولياء أمور التلاميذ والتلميذات بمخططات المدارس التبشيرية، وتوضيح الحقائق للذين انخدعوا بمعسول الألفاظ([15]).
الإخوان ووضع إستراتيجية للحل
طرح الأستاذ/ كامل الشافعي وجهةَ نظرٍ سديدةً تطوِّر من إستراتيجية أعمالِ البرِّ والخدمةِ الاجتماعيةِ، وتحول وجهتها من أعمال البرِّ والإحسانِ فقط إلى وجهة التأهيلِ المهني لأطفال الشوارع ، وفتح أبواب العمل والإنتاج لهم فيقول: "لا يخفى أن موائدَ إطعامِ الفقراءِ وكسائهم وغير ذلك يشجِّع على البطالةِ والتسولِ ويدفع إلى الكسل؛ لأن المعروف أن مضغ الطعام المعد أسهل من جلبه بعرق الجبين والكد في إعداده، وإذن "فلتتعاون الجمعيات الخيرية وليكن هدفُها أن تغيِّر طرق البر القديمة وتسير في سبيل التصنيع ولا تكن حفلات الإطعام وغيرها إلا لمن أصابته الدنيا بعاهة أعجزته عن الكسب([16]).
ولم تكن هذه الوجهة بعيدةً عن تفكيرِ الإخوان المسلمين؛ فقد انتبهوا إليها، وكانت لهم فيها تجاربُ ناجحةٌ موفقة ، مثل ما قام به الإمام البنا وتم ذكره فى السطور السابقة.
كما قدمت صفية عبد الرازق علي، وسمية عبد الرازق علي، وسندس محمد، وفاطمة الموصل، ورقتين بحثيتين تضمنت عددا من الاقتراحات لكيفية مساهمة الإخوان في حل مشكلة أطفال الشوارع تضمنت البدء في تكوين مؤسسة إسلامية لرعاية أطفال الشوارع تضمن المساعدة في حل مشكلات العشوائيات والفقر من خلال دعم الأسر الفقيرة ماديا ومعنويا، وتفعيل دور الدولة في التصدي لمن يستغلون أطفال الشوارع في أعمال لا أخلاقية([17]).
ولقد تضمن برنامج حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين هذه الظاهرة في الباب الثالث بعنوان (العدالة الاجتماعية) حيث جاء في البند خامسا تحت عنوان (معالجة ظاهرة أطفال الشوارع) النص:
- تتركز فكرتنا بعد إيجاد حصر دقيق لهذه الشريحة بتوفير طرق ووسائل للتعامل مع هذه الظاهرة بعيداً عن الحل الأمني الذي يضر ولا ينفع ويدفع إلى المزيد من الانعزال والرفض والحنق من هؤلاء تجاه مجتمعاتهم لذلك ننوى الآتى :
- إنشاء قرى خاصة بهؤلاء الأطفال لتأهيلهم علميًا وتربويًا وأخلاقيًا، وتشجيع القطاع الخيري للإسهام في إنشائها والإنفاق عليها.
- إعادة تأهيل دور الأحداث لتتحول من مؤسسة عقابية تساهم في انتاج المزيد من أطفال الشوارع ، لتتحول إلى مؤسسة تربوية إصلاحية.
- علاج ظاهرة الطلاق ، والتفكك الأسري ، التي هى إحدى الروافد المهمة لهذه الظاهرة.
- توفير فرص عمل مناسبة لمن بلغ سنًا معينًا منهم([18]).
الإخوان البرلمانين وأطفال الشوارع
تبني الإخوان قضية أطفال الشوارع وقضايا المجتمع في البرلمانات السابقة، حيث اهتموا بها وبأسبابها وطرق حلها وتقديم استجوابات من اجل انتشار هذه الظاهرة الخطيرة والتي من الممكن أن تهدم أركان المجتمع لو انتشرت بكثافة.
فقد أكد صابر أبو الفتوح ــ عضو الكتلة البرلمانية السابقة للإخوان المسلمين ــ أن أطفال الشوارع كانوا محور استجواب قام بتقديمه لمجلس الشعب، تساءل فيه عن الجمعيات الخيرية ،التي تحصل على دعم خارجي ؛لتحقيق أهداف مشبوهة من خلال هؤلاء الأطفال ، معتبراً أن هذه الجمعيات تساهم في نشر هذه الظاهرة ،وليس محاربتها. مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تعد قنبلة موقوتة تهدد المجتمع المصري، وتسعى لإحداث الفوضى فيه، واعتبر أن هذه القضية تمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي ؛لأن هؤلاء أطفال مصر لو تم استغلالهم بشكل جيد سيتحولون لعناصر فعالة وإيجابية في المجتمع. مشيراً إلى الخشية من استغلالهم لإحداث فوضى منظمة تعمل ضد الثورة، وتسعى لإجهاضها وتحويلهم لبلطجية مأجورين ، وطالب وزارة التضامن الاجتماعي بإتباع عدد من الإجراءات ،التي تساعد على حل مشكلتهم، وتتمثل أهم تلك الإجراءات في رأيه في: الإشراف الكامل على الجمعيات الاجتماعية المتخصصة بهم، وكذلك توجيه الدعم لهذه الجمعيات ،ووضع خطة لتأهيل هؤلاء الأطفال من كافة النواحي الاجتماعية، والتربوية والمادية ؛حتى يتحولوا من قنبلة موقوتة إلى أداة لبناء المجتمع، وأكد أن ما قيل عن تناقصهم في شوارع الإسكندرية السبب فيه عدة أمور، أولها :استغلالهم ليصبحوا كبلطجية في وجه الثورة، وكذلك محاولة بعض أولياء أمورهم استعادتهم نتيجة للظروف الأمنية الصعبة خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى حدوث هذا الامر فعلاً ولكن مع قلة منهم. وأكد أن هناك الكثير منهم مازالوا يفترشون الشوارع، والطرقات ،ويبحثون عن مأوى لهم.
وأشار الدكتور محمد الحلواني ــ وكيل أول وزارة التضامن الاجتماعي بالإسكندرية ــ في حديثه عنهم إلى أن الاسكندرية تضم عدداً كبيراً جداً في شوارعها أكثر من أي محافظة أخرى؛ نتيجةً لما يسميه العاملين في هذا المجال "مشاكل آخر الخط"، فأي طفل هارب من أسرته يتجه نحو آخر محطة يتوقف فيها القطار بعيداً عن منزله، والإسكندرية من أهم مدن آخر الخط، مشيراً إلى أن أغلب هؤلاء الأطفال من خارج الإسكندرية، وأشار لأوضاعهم بعد الثورة فأكد أن أعدادهم الإجمالية لم تتناقص ،وأن تواجدهم في الشارع قد تناقص إلى حد ما؛ نتيجةً لنشاط الجمعيات الخيرية، والمؤسسات العالمية، التي تسعى لاحتوائهم ،وتوفير مأوى لهم، وطالب شباب الثورة بالعمل المنظم بالتعاون مع الجمعيات المتخصصة للمساعدة على القضاء على هذه الظاهرة، والمشاركة في حماية هؤلاء الأطفال.
وأكدت ــ أميمة الشيخ ــ رئيسة جمعية الريادة الخيرية لنا أن عدد أطفال الشوارع بالإسكندرية لم يتناقص، بل بالعكس وأن هذا الأمر تأكدت منه نتيجة للبحوث التي قامت بها الجمعية بعد الثورة ،بالاشتراك مع عدد من المنظمات العالمية، واعتبرت أن السبب الرئيسي لهذه المشكلة ؛هو التفكك الأسري خاصة في المناطق العشوائية ،مشيرةً إلى أن سبيل حل هذه المشكلة هو تجفيف منابع خروج هؤلاء الأطفال للشارع، وأن الجمعية تسعى بالفعل لهذا الأمر خاصة بعد الثورة، وبدعم كبير من شباب الثورة الذي كان يعمل على تجميل وتنظيف شوارع الإسكندرية، وأشارت إلى قيام عدد كبير من المتبرعين بعد الثورة بالتوقف عن تقديم أي دعم للجمعيات التي تعمل على مساعدة هؤلاء الأطفال بدعوى أن هؤلاء الأطفال لصوص، وبلطجية، لا يستحقون الدعم؛ وقد أدى هذا الأمر لعجز عدد كبير من الجمعيات حتى عن توفير الطعام لهؤلاء الأطفال ،مؤكدةً أن هذا الأمر ناتج عن قيام عدد من الجهات المشبوهة باستغلالهم في أعمال بلطجة منظمة، ومظاهرات مقابل بعض الطعام والعصير، ومبالغ بسيطة جدا مستغلين أوضاعهم الصعبة، وأشارت كذلك إلى أن الجمعيات الآن تعجز عن تقديم المساعدات لعدد كبير منهم ،وأن الدعم الآن كله موجه لدعم المتضررين من الثورة ،خاصة من فقدوا وظائفهم أو من تعرضوا للضرر الجسدي من أحداث الثورة ،مؤكدةً أن هؤلاء من الممكن أن يتحولوا لبلطجية مطالبة بالتوقف عن المظاهرات، والاعتصامات،والاتجاه نحو العمل الجاد للمساعدة على حل الكثير من المشكلات تلك المشكلة من بينها؛ لأن مصر في رأيها دخلت مرحلة خطيرة جداً([19]).
وفي الدورة البرلمانية عام 2009م طالب النائب الإخواني صبري عامر بعقد جلسات استماع لأساتذة الجامعات والخبراء لإيجاد توصيف حقيقي وعلمي لهذه الظاهرة.
فيما هاجم النائب الإخواني عصام مختار المجلس القومي للأمومة والطفولة، متحدثًا بقوله "هذا المجلس تفرغ لمشكلة تافهة جدًا وهي مشكلة ختان الإناث وترك مشكلة أطفال الشوارع".
واستطرد مختار باتهام للحكومة والنظام "بأنهما سعيا للإبقاء على العشوائيات وأطفال الشوارع، ليخرج من بينهم البلطجية والمسلحين، الذين تستخدمهم لتزوير الانتخابات([20]).
نتائج عملية
كان لجهود الإخوان المسلمين مردود إيجابي من جانب الكثير من المنظمات الأهلية والحكومية ، التى شعرت بالحرج تجاه قيام الإخوان وحدهم بدور كبير فى محاربة ظاهرة أطفال الشوارع ، فاعتبرت نظرتهم المستقبلية لحل أزمة أطفال الشوارع ، نظرة تعبر عن مشروع متكامل يهدف لحل أزمة أطفال الشوارع.
حتى أن د /عبد الحميد أباظة مساعد وزير الصحة لشئون الأسرة والسكان صرح أن الوضع الحالي لأطفال الشوارع جعل منها قنبلة موقوتة تتطلب تضافر كافة الجهود الموجهة لطفل الشارع مع السعي للقضاء علي أسباب لجوئه للشارع ومحاولة دمجه مرة أخري في المجتمع بما يحقق التصدي للظاهرة وتلبية احتياجات تلك الفئة.
وأكد أباظه أن إنشاء شبكة قومية تضم كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية أطفال الشوارع في مصر تهدف للحد من ظاهرة أطفال الشوارع مع السعي لتنفيذ أهداف الإستراتيجية القومية لحماية الطفل المصري مع تطبيق وتفعيل سياسات حماية الطفل داخل الهيئات والمنظمات المتعاملة مع الأطفال ووضع نظام قوي وموحد لحماية أطفال الشوارع من خلال وضع تدخلات وتشريعات وإستراتيجيات جديدة للعمل مع الظاهرة بما يتناسب واحتياجاتها المستقبلية بالتنسيق مع الوزارات المعنية بالقضية ، مشيرا إلى إعجابه وتأثره بمنهجية الإخوان المسلمين فى حل هذه الظاهرة.
وصرحت أ. د./ لمياء محسن أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة بان المجلس يسعي لتحقيق التنسيق بين الشبكة والمنظمات العاملة بمجال حماية الطفولة خاصةً أطفال الشوارع مع بناء ورفع قدرات المتعاملين مع الأطفال من كافة القطاعات من الشرطة والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين لوضع الخدمات المقدمة لأطفال الشوارع علي المستوي الأهلي والحكومي ، وأعلنت احترامها لدور الإخوان في حل ظاهرة أطفال الشوارع([21]).
إن ظاهرة التشرد وأطفال الشوارع تعتبر قنابل موقوتة ولن يستطيع الإخوان وحدهم القضاء على هذه الظاهرة بمفردهم.
فأطفال الشوارع أصبح يتملكهم حقدا وغلا وكراهية للمجتمع وذلك نتيجة تجاهل المجتمع لهم فأصبح كل همهم الانتقام من الشعب والعمل على التخريب والسرقة والاتلاف وانتهاك الحرمات والاغتصاب حتى فيما بينهم، ومن ثم سارع الإخوان لمعالجة المشكلة واجتثاث جذورها.
المصادر
([1]) محمد ماهر مقلد فولي: فعالية برنامج إرشاد لتعديل المفاهيم الخاطئة لدى بعض فئات المجتمع تجاه أطفال الشوارع، رسالة مقدمة لنيل الماجستير، كلية التربية، جامعة بني سويف، 2013م، 1434هـ.
([2]) دراسة: أكثر من 100 مليون طفل مشرد في العالم: معهد الإمام الشيرازي الدولى للدراسات - واشنطن، رابط http://cutt.us/lIrRP
([3]) مجلة التعارف، العدد (12)، السنة الخامسة، 4ربيع الآخر 1359ﻫ/ 11مايو 1940م، ص(3).
([4]) السابق، العدد (14)، السنة الخامسة، 18ربيع الآخر 1359ﻫ/ 25مايو 1940م، ص(3).
([5]) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (57)، السنة الثالثة، 6جمادى الأولى 1364ﻫ/ 18أبريل 1945م، ص(7).
([7]) مذكرات الدعوة والداعية، صـ301-302.
([8]) جريدة الإخوان المسلمين: العدد 102 السنة 4/ 16 جماد ثان 1365هـ, 18/5/1946الغلاف.
([9]) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الأولى – العدد 16 – 13رجب 1352هـ / 1نوفمبر 1933م.
([10]) جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 157 السنة الأولى/15 ذو الحجة 1365هـ, 9/11/1946،صـ4.
([11]) مجلة الإخوان المسلمون نصف الشهرية: عدد 8، 15-2-1942م، مجلة الوفد المصري 13-9-1941م، مجلة الإخوان نصف الشهرية- عدد 22- 23-10-1943م.
([12]) مجلة الإخوان المسلمين: العدد 126 السنة 4 /22 ذو الحجة 1365هـ ,16/11/1946 الغلاف.
([13]) مجلة الإخوان المسلمين: العدد 129 السنة 4/ 13 محرم 1366هـ, 7/12/1946 صـ20.
([14]) مجلة الإخوان المسلمين: العدد 154 السنة 5/11 رجب 1366هـ, 31/5/1947 صـ6.
([15]) جريدة الإخوان المسلمين - السنة الأولى – العدد 3 – 6ربيع الأول 1352هـ / 29يونيو 1933م.
([16]) مجلة المباحث القضائية- العدد الصادر يوم 27 يونيو 1950م الموافق 11 رمضان 1369هـ.
([17]) (مجلة الشروق) الأبحاث التي لم تناقش في مؤتمر شباب الإخوان، 2012م
([18]) برنامج حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين
([19]) موقع أمل الأمة بتاريخ 25/ 6/ 2011م.
([20]) موقع حريتنا بتاريخ 2/ 3/ 2009م.
([21]) حسام زايد: بوابة الأهرام، 21/ 11/ 2011م الموافق 25 ذو الحجة 1432هـ، رابط http://cutt.us/JxZDT
.