Business

الكفالة النفسية لليتيم في الهدي النبوي

كثرت في عصرنا أعداد اليتامى لأسباب عديدة، منها: انتشار الموت الجماعي، إما بسبب الحروب، أو بسبب الحوادث والكوارث الطبيعية والصناعية ونحوها.

وقد هدف هذا البحث الذى أعدّه الدكتور محي الدين عبد الله حسن، بصفة أساسية إلى إبراز الملامح والمؤشرات النفسية في حياة اليتيم، وذلك من أجل الكشف عن الوجه الإعجازي في الهدي النبوي في التعامل مع اليتيم.

 

 حاجات اليتيم النفسية

الحاجة في علم النفس تعني شعور الكائن بافتقاره إلى شيء ما، فإذا وجده يتحقق له الإشباع والارتياح النفسي، وللإنسان حاجات ناتجة عن طبيعة تكوينه (جسم وروح) حيث يسعى الإنسان دائمًا لإشباعها وهي نوعان: حاجات فسيولوجية، وحاجات نفسية.

وسنورد هنا الحاجات النفسية الضرورية لليتيم، كما أوردها حامد زهران في كتابه (علم نفس النمو)، على النحو التالي:

  1. الحاجة إلى الرعاية الوالدية: تشير هذه الحاجة إلى أن الطفل يحتاج أن يكون تحت رعاية الوالدين، يأخذ منهما العطف والحنان، كما يتحصل على الأمن والحماية.
  2. الحاجة إلى الحب: إنها من أهم الحاجات الانفعالية التي يسعى الطفل إلى إشباعها، والحب المتبادل المعتدل بينه وبين والديه وإخوته وأقرانه حاجة لازمة لصحته النفسية، أما الطفل الذي لا يشبع هذه الحاجة، فإنه يعاني من الجوع العاطفي.
  3. الحاجة إلى الأقران: وهنا يحتاج الطفل أن يعيش مع جماعة الأقران جزءًا من زمنه فيؤلف معهم صداقات، ويحاول أن يجعل من أقرانه مجتمعًا موازيًا للأسرة، حيث يكون لهذا المجمع قوانينه وأعرافه وعالمه الخاص، فهذه الصداقة فطرية لابد للطفل من المرور بها.
  4. الحاجة إلى التقدير الاجتماعي: يحتاج الطفل اليتيم إلى أن يكون مقدرًا من قبل البيئة الاجتماعية المحيطة به، ولكن إذا نظر له المجتمع بالنقص وأنه أقل من غيره فإن ذلك يقوده إلى عدم التوافق الاجتماعي والعزلة، وربما النقمة على المجتمع في بعض الأحيان.
  5. الحاجة إلى الحرية والاستقلال: وتعني هذه الحاجة أن الطفل في مرحلة ما لم يعد ذلك الطفل الذي يعتمد على والديه في كل شيء، حيث يتحرك عنده دافع تأكيد الذات، وهي حاجة تظهر في مراحل النمو الاجتماعي التي تأتي في مرحلة الطفولة الوسطى، من سن ست إلى اثنتي عشرة سنة.
  6. الحاجة إلى تعلم المعايير السلوكية: وتعتبر هذه حاجة ماسة بالنسبة لليتيم، الذي يحتاج بدوره إلى تعلم وتقليد معايير السلوك الاجتماعي، والتمييز بين الصواب والخطأ، وفي حال غياب الوالدين فقد تغيب المعايير السلوكية عند الطفل اليتيم، وبالتالي التخبط والعشوائية في السلوك.
  7. الحاجة إلى التحصيل والنجاح: وهي من الحاجات النفسية الملحة التي تبعث لدى الطفل اليتيم الشعور بالراحة والسرور، وتظهر هذه الحاجة عندما يحس بأنه على ما يرام في حياته الدراسية أو الأسرية، ويسعد بأنه قد شيئًا ونجح فيه ونال التقدير والرضا.
  8. الحاجة إلى الأمن: يُعد الوالدان هما مصدر الأمان الأول بالنسبة للطفل، وغيابهما يؤدي إلى الخوف والقلق من المجهول ومن المستقبل؛ لذا فإن الطفل اليتيم يحتاج إلى الحضن الدافئ الذي يركن إليه ويستمد منه قوته ودافعيته خلال حياته.
  9. الحاجة إلى اللعب: يعتبر اللعب من المطالب الضرورية للنمو السوي، ولا يستطيع الطفل أن يتجاوز اللعب في طفولته مهما كانت ظروفه، حتى يكاد يكون اللعب من الدوافع الأولية اللازمة للحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها، مثله مثل الأكل والشرب، ويؤدي عدم إشباع هذه الحاجة إلى تأخر النمو في جوانبه النفسية والعقلية والاجتماعية وحتى الجسمية والحركية.

 

البعد النفسي لنمو اليتيم

نقصد بالبعد النفسي لنمو الطفل اليتيم تكوين البناء الوجداني لليتيم؛ ومن الملاحظ أن هذه الحالات تأخذ هذه الحالات صورًا متنوعة من السلوك لا حصر لها.

  • يتيم المراحل العمرية الاولي

ففي المراحل الأولى من حياة الطفل الرضيع نجده يتجه بمشاعره نحو أشخاص عديدين دون تمييز، أي لا يرتبط- انفعاليًا- بشخص محدد، كما أن الاستجابات الانفعالية له تظل حادة وغير مركزة، وعامة بدون تمايز ولا تلائم المواقف التي تثيرها، وتتنوع من بكاءٍ ورفس بالأيدي والأرجل وصراخٍ وتلوٍ وتشنج ونحوه، كما يلاحظ أن الارتباط الانفعالي بينه وبين الآخرين يتكون تدريجيًا من سن ثلاثة عشر شهرًا حتى ثمانية عشر شهرًا.

أكدت الدراسات النفسية أن الارتباط الانفعالي يحدث للأم والأب البديلين تمامًا مثلما يحدث للأم والأب الحقيقيين وبنفس المقدار والدرجة، والآخر أن الارتباط الانفعالي إذا حدث للأم والأب البديلين فإنه يستمر مع الطفل طوال الحياة.

ومما يدل على الإعجاز النبوي فإن هذا النوع من الكفالة أي كفالة الحجر، أو الأسرة البديلة، كانت الغالبة في عصر الصحابة -رضي الله عنهم- كما يتبين لنا من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم.

  • يتيم ما قبل المدرسة

عندما يصل الطفل مرحلة ما قبل المدرسة؛ فإن التعبير عن مشاعر الانفعالات النفسية يظهر أكثر تمايزًا وأكثر وضوحًا من ذي قبل، فتراه يستطيع التفريق بين مشاعر الإحباط ومشاعر الخجل والإحساس بالذنب، كما يمكنه التمييز بين مشاعر الفرح والسرور والحب والدعابة، كما تنمو لديه أيضًا مشاعر الغضب والعدوان وتظهر بوادر الغيرة والمنافسة، وترتبط هذه المرحلة كما يقول علماء النفس بظهور المخاوف والخيالات مع تولد روح المبادرة والإقدام، كذلك يتشكل لديه الضمير والوازع.

  • يتيم ما قبل البلوغ

وفي مرحلة الطفولة المتأخرة قبل البلوغ يحاط الطفل ببعض مصادر القلق والصراع ويستغرق في أحلام اليقظة وتقل مخاوفه بصفة عامة، وقد أثبتت الدراسات أن شعور الطفل بتهديد أمنه مقابل شعوره بنقص كفاياته (قدراته) في هذا الوقت من عمره يؤدي إلى القلق الذي يؤثر بدوره تأثيرًا سيئًا على كل من النمو الفسيولوجي، والنمو العقلي، والنمو الاجتماعي.

إذ من الضروري للطفل اليتيم أن تتاح له المتع والمسرات السوية التي تعينه على الإقبال على نواحي النشاط التي تتحدى قدراته النامية.

الأساليب النفسية والدينية التي يجب أن تتبع في التعامل مع اليتيم:

  1. العمل على زرع الحب والثقة في نفسه ومعاملته من قبل الكافل أو الأسر البديلة، كالابن الحقيقي.
  2. إدخال البهجة والسرور إلى نفس اليتيم بالوسائل المشروعة.
  3. لين الكلام والكلمة الطيبة والثناء عليه.
  4. إمداده بالعاطفة اللازمة، والاستماع له ولحاجاته.
  5. إيجاد نماذج السلوك الاجتماعي والقدوة الحسنة.
  6. تدريبه على السلوكيات التي تنمي فيه روح المسؤولية والاستقلالية والتضحية من أجل دينه.
  7. إمداد اليتيم بخبرات النجاح التي تشكل له دافعًا نحو التفاؤل بالحياة والمستقبل.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم