التربيةُ عملٌ شاق، وجهدٍ يحتاجُ إلى وقت، وهي مهمةٌ ليست جديدة، فقد وضع أسسها الأنبياء وختمها نبي الرحمة ﷺ، الذي نعيش في ذكرى مولده، والذي خلف إرثًا عظيمًا من معاني التربية– خاصة مع الأولاد والأحفاد– الذين وصفهم الله سبحانه بزينة الحياة الدنيا.
فقد جاء الإسلام بمعيار حقيقي للعَلاقة بين الأب وأبنائه، هذا المعيار قائم على الرحمة، والرأفة، والشفقة، والتوجيه وحسن المعاملة– والتي نستشعر في زماننا هذا بغيابها– حيث عبد النبي ﷺ الطريق لأمته في حسن المعاملة والتربية الحسنة.
لقد رزق الله نبينا محمد بالعديد من الأحفاد من أولاده البنات– حيث توفى البنين صغارًا– فقد رزقت فاطمة من زوجها علي بن أبي طالب بالحسن والحسين ومحسنًا– توفى صغيرًا- وزينب وأم كلثوم.
كما رزقت زينب من أبى العاص بن الربيع أمامة وعلي– توفي صغيرًا- وحينما بنى عثمان بن عفان برقية، وهاجر بها الهجرتين للحبشة رزقه الله منها بعبد الله، وبه كان يُكنى.
اهتمَّ رسول الله ﷺ بأحفاده، وعنى ﷺ باختيار أجمل الأسماء لهم، فعن عليٍّ كرم الله وجه قال: لما وُلِدَ الحسن سمَّيته حربًا، فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قال: قلتُ: حربًا. قال: «بَلْ هُوَ حَسَنٌ»، فلمَّا وُلِدَ الحسين سمَّيته حربًا، فجاء رسول الله ﷺ: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قال: قلتُ: حربًا. قال: «بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ». فلما وُلِدَ الثالث سمَّيته حربًا، فجاء النبي ﷺ فقال: «أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟» قلتُ: حربًا. قال: «بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ» (رواه أحمد وابن حبان).
ولقد حرص النبي ﷺ على اصطحابهم إلى المسجد واللعب معهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه (ما بينَ مَنْكِبه وعُنُقِه) وهذا على عاتقه، وهو يلثم (يُقَبِّل) هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنَّك لَتُحِبُّهُما؟ قال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني» (رواه أحمد وصححه الألباني).
حتى أنه ﷺ كان يحني ظهره ليعتليه الحسن والحسين، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُصَلِّي مع النبي ﷺ العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا، فيضعهما على الأرض، فإذا عاد، عادا حتى قضى صلاته» رواه أحمد وحسنه الألباني.
وكذلك أكرم النبي ﷺ واهتم بحفيدته أُمَامَة بنت ابنته زينب رضي الله عنها، فكان يحبها ويحنو عليها ويكرمها، وكان يخرج بها أحيانًا إلى المسجد فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها على كتفه ﷺ، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: «كان يصلي وهو حامل أمامة، بنت زينب بنت رسول الله ﷺ ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها» (رواه البخاري).
وكان ﷺ يخصّها بهداياه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أُهْدِيَ لرسول الله ﷺ قلادة من جِزع (خرز) ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كُلهن، وأُمامة بنت أبي العاص ابن الربيع جارية (صغيرة) تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله ﷺ: كيف ترينَ هذه؟ فنظرن إليها (زوجاته) فقلن: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب! فقال: أردُدْنها إليَّ، فلما أخذها قال: والله لأضعنّها في رقبة أحب أهل البيت إليّ، قالت عائشة: فأظلمت عليّ الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا قدْ أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعًا، فأقبل حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسُريَ عنّـا» (رواه الطبراني).
وهكذا غرس النبي ﷺ معاني التربية في نفوس الأولاد والأحفاد، بل في نفوس الكبار حينما لم يفضل واحدة من زوجاته على أخرى أمام الأخريات، حتى قالت السيدة عائشة رضى الله عنها: «فسُريَ عنّـا».
لقد كانت علاقة النبي ﷺ بأحفاده- البنين والبنات- عَلاقة قائمة على الحب والمودة، والمداعبة والحنان، تشعر الأسرةُ- الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد- في ظلِّها بالأُلْفة والحب والترابط.
فسيرة النبي ﷺ نور كلها في الدعوة والتعليم والسياسة والحروب وفي العبادة والأخلاق، أنى استقيت اهتديت، وحيثما وردت ارتويت، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ.
هكذا كانت تربية النبي لأحفاده وأبناءه التي نفتقدها في كثير من المعاملة مع أبنائنا، حتى أصبحنا نستثقل أن نجالسهم أو نداعبهم ونعلمهم، وانصبّ همنا على كثرة العمل لتوفير طعامهم وشرابهم فقط.
.