الإيمان من النعم العظيمة التي تحفظ للإنسان طريقه في هذه الحياة الدنيا وتعطيه من ثمارها سكينة وطمأنينة وراحة البال، إذ به يعرف الهدف من حياته وأسباب سعادته في هذه الدار وما بعدها، وقد أثبتت الدراسات النفسية الحديثة أن المؤمنين يتمتعون بأعلى مؤشرات الصحة النفسية.
وهذه رسالة مختصرة في طرق عملية ومبتكرة في التربية الإيمانية لوقاية النشء من الجنسين في هذه الأيام من هول الانحرافات السلوكية والبعد عن الدين، غالبيتهم تربوا في كنف أسر طيبة ذات خلق ودين، ثم يفجع الجميع عندما يكتشفون أن بعض أولادهم ما بين ملحد وفاسق، ولكن لم العجب ولم يبذل أي جهد حقيقي منظم في غرس الإيمان في نفوسهم.
وفي دراسة له بعنوان (التربية النفسية الإيمانية لرعاية النشء وحمايته من الإلحاد والانحراف)، يستعرض الدكتور محمد عمر سالم، استشاري ورئيس قسم الصحة النفسية بالمستشفى الأهلي، بعض الآليات المهمة للتربية الإيمانية لرعاية النشء، وترسيخ القناعات الإيمانية لديه وحمايته من تيارات الإلحاد والانحراف.
الجلسة العائلية:
كانت الأسرة في السابق تتجمع حول الأم أو الجدة تسمع إلى حلو الحديث وعجائـب القصص وخلاصة حكمة السنين، في نسق إيماني بديع، ودارت الأيام وأصبحت الأسرة في هذا العصر متفرقة لا تتجمع، كـل فـرد في فلكه الخـاص لايعـرف عن الآخرين ولا يعرفون عنه، وذلـك بسبب الثـورة الرقمية وانكفاء الجميع على أجهزة المحمـول في استغراق شديد مع عالم يبدد الجهد والأوقات، وأصـبحت الثقافـة سـطحية والمعرفـة اعتباطيـة وغـير مؤيـدة بالأدلـة المرجعية، وحول مائـدة الطعام التى هجروها وكل يتناول الطعام في الخارج أو في حجرته.
لـذا كانـت أول محطـة في هـذا الطريـق هـي الرجـوع إلى الجلسـة العائليـة ولـو لمـدة ستـة عشـرة دقيقـة يوميا، وخير الأمور أدومها وإن قل.
الهدف من الجلسة العائلية:
العودة لدفء الأسرة بالتقاء جميع أفرادها وجها لوجه، مع قيام أحد الأبوين أو تكليف أحد الأبناء بتحضير المواد التي سيتناولها برنامج التربية الإيمانية الذي سنفصله، وتقديمه لهم من خلال برنامج قصصي وحواري مشوق.
والتربية بالقصة أسلوب معتمد في القرآن الكريم، وللحصول على أفضل التأثير يجب أن تكون القصة قصيرة يسهل تتبعها وتذكرها، وغريبة مشوقة، مع الربط بعالم الغيب ما أمكن ذلك.
وهذه الجلسة العائلية وما سيكون فيها من قصص وموضوعات ستقوم على تحقيق أهداف برنامج التربية الإيمانية الذي يقوم في المرحلة الأولى على تعريف النشأ بأمور دينهم ومعتقداتهم، وخاصة تعريفه بربه من خلال عجائب خلقه وقدرته وأفعاله وحبه وحنانه وأسمائه الحسنى وتعريفه بنبيه وشمائله الكريمة ودلائل نبوته العظيمة وتعريفه بكتابه الكريم ومعجزاته الباهرة، وتفعيل التواصل مع الله على محاور النعم والعبر والرسائل الخاصة في عالم اليقظة، واستقبال المخاطبات الربانية في عالم الرؤيا أثناء النوم من خلال المذكرة الإيمانية.
ويشمل هذا البرنامج أيضا تفعيل الإيمان بالآليات والخطوات التالية:
التخلية: من التشويش والملوثات الفكرية والقلبية وتجنب المعاصي مع سرعة التوبة عندما تحدث هذه المعاصي، وذلك بتوطين النفس على طاعة الله وعلى معالي الأمور، وتيئسها من المعاصي، فالمعاصي سبب البلاء، فالحذر كل الحذر من معصية الله، فإن أخذه أليم شديد، ومن يحلل عليه غضبه فقد هوى، وإذا أذنبت ذنبا فتب إلى الله من قريب.
التحلية: بالمعارف والأخلاق الحسنة وشحذ الهمة للقيام بالطاعات، مع تعريف منهجي ومبسط بقواعد الإيمان.
التجلية: وهذه المجاهدة القلبية ينشأ عنها ثمار طيبة من واردات الأنوار والخيرات العجيبة التي يستطيع الإنسان أن يرصدها ويسجلها.
مصادر القصص العائلي:
أهم هذه المصادر هي رصيد الذكريات من التجارب الإيمانية التي مر بها أحد الأبوين أو ذويهم، وهو ما أسميه بقواعد المعلومات الخاصة (المذكرة الإيمانية) التي سيأتي تفصيلها في الفصل القادم، ثم بعض القصص الواقعية المنتقاة التي تبين رعاية الله لعباده واستجابته لتضرعاتهم وقت الشدة، وعجائب حكمه وتقديره في عواقب الأمور، وكذلك المنتقى من سير الصالحين، وبعض قص الهداية العجيبة سواء بالنسبة للعصاة أوغير المسلمين الذين اهتدوا إلى الإسلام من خلال رحلتهم إلى الإيمان، وكيف شعر الجميع بكامل السعادة والطمأنينة بعد هدايتهم، ومن أمثلة هذه القص العجيبة لمن تحولوا للإسلام نذكر قصص:
يوسـف إسـلام: مغني إنجليزي شـهير كان يسـمى كاتي اسـيفن وتحول إلى الإسـلام وأصـبح من كبار دعاته في بريطانيا، وأنشأ مدرستين إسلاميتين، إحداهما للبنين والثانية للبنات، مع برامج دعوية كثيرة.
يوسف إستس: وكان قسا ومبشرا أمريكيا، وبعد تحوله للإسلام صار من أكبر دعاته في العالم، وموقعه: www.Islamtomorrow.com
موريس بوكاى: أستاذ جراحة فرنسي، ألف بعد تحوله للإسلام كتبا لقيت شهرة عالمية في الدعوة للإسلام، وترجمت تقريبا إلى كل لغات العالم، وأشهرها هو كتاب (القرآن والتوراة والإنجيل في ضوء المعارف الحديثة).
لورانس براون: طبيب عيون أمريكي كان ملحدا، وتحول للإسلام بسبب مشكلة طبية طرأت على ابنته حديثة الولادة، ولما دعا الله شفاها في قصة عجيبة يحكيها في موقعه وفي أحاديثه على الشبكة العنكبوتية، وقد ألف كتبا وكتب مقالات كثيرة وأنشأ موقعا للدعوة إلى الإسلام، وعنوان موقعه على الانترنت: www.leveltruth.org
مالكولم إكس: وقصته تدرس في مادة التربية الدينية في المدارس الانجليزية، وهو من الأمريكيين السود الذين نشأوا على الجريمة ولكن بعد اعتناقه الإسلام تحول سلوكه جذريا وأصبح داعية كبيرا ومدافعا عن حقوق الإنسان حتى قتله بعض معارضيه أثناء إلقائه إحدى محاضراته. وغيرهم كثير، ومن المصادر المفيدة في هذا الشأن سلسلة (هؤلاء أسلموا).
المذكرة الإيمانية:
فى رحلة الإنسان في هذه الحياة تمر به تجارب ولحظات يشعر فيها بتواصل عجيب، مذهل ساحر وفريد، مع الله سبحانه وتعالى، تكون أحيانا في دعوة مستجابة، أو في أحداث تمر، ثم يرى المرء فيها حكمة الله وتقديره لما فيها من عاقبة الخير والبركة، حتى وإن كانت في البداية على غير مراده، وأحيانا في أحداث مفاجئة مقتضبة وسريعة، ولكنه يشعر بيقين أنها رسالة خاصة له، قد تكون آية قرآنية يسمعها أو يقرأها، يشعر أن الله يخاطبه بها في أمر لا يعلمه إلا هو وخالقه، وغير ذلك كثير، وأيضا هناك عالم الرؤيا البديع وما ينقله من بشارات وهدايات وأخبار عن عالم الغيب يتحف الله بها من يشاء من عباده.
هذه الإطارات الإيمانية العظيمة تترك في الإنسان أثرا روحيا أخاذا وقتها، ولكن النسيان آفة الإنسان، يتذكر القليل وينسى الكثير، لذا جاءت فكرة هذه المذكرة الإيمانية، لتثبت هذه التجارب ولو على هيئة رؤوس أقلام تذكر الإنسان بالقصة التى وراءها.
فالمذكرة الإيمانية هي مذكرة صغيرة يسجل فيها المؤمن تجاربه الإيمانية أولا بأول ويحملها دائما معه، لأن النسيان آفة الإنسان، وبذلك تكون قاعدة معلومات إيمانية تجدد إيمان صاحبها، وتساعده في تقديم مادة إيمانية لأولاده أو ذويه أو إخوانه ومجال دعوته، ويجب أن يشجع الصغار أيضا على إنشاء هذه المذكرة الإيمانية.
ولتنظيم المعلومات قسمت هذه المذكرة إلى الأقسام التالية:
1- سجل النعم:
محطات الفضل وعطاءات الله الكثيرة: إن محبة الله للإنسان وتكريمه هي أصل العلاقة بين الله والبشر، ونعم الله الكثيرة دليل هذ، فربط النعمة بالمنعم من وسائل التربية الإيمانية العظيمة: قال تعالى: «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَة اللِّه لَا تُحْصُوهَا»، ولابد من ملاحظة النعمة وشكرها، قال سبحانه: «وَإِذْ تَأذَنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَكُمْ»، لهذ كان من كيد إبليس صد العباد عن الشكر: «وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»، ولشكر النعم لابد من تسجيل نعم الله العامة والخاصة عليك بما فيها نعم الدفع ونعم النفع.
يبدأ هذا السجل بتقرير بعض نعم الله العامة الهامة جدا والتي ألفها الإنسان، وكما لو كانت حقا مكتسبا، وعلى رأسها نعمة الإيمان، فأكثر من ثلثي سكان الأرض من غير المسلمين، فلو نشأت من بين هؤلاء الكثرة لوجب عليك أن تبحث عن طريق الهداية والإسلام، وهو قد يكون طريقا شاقا وطويلا اختصره الله لك فنشأت في بيئة مسلمة، كما أن الناطقين بالعربية لا يتعدون 20% أو أقل من المسلمين، فمن الله عليك وجعلك من هذه الفئة المحظوظة، تقرأ كلام الله بدون ترجمان، يقول أحد علماء الهند: عجبت للعرب، لم لا يكونوا أولياء لله صالحين وهم يتكلمون العربية؟!، ونقول له ياشيخنا هناك في عصرنا هذا الأعجب: وهم العرب الذين يعلمون أولادهم اللغات الأعجمية ولا يستطيعون قراءة القرآن إلا من خلال ترجمة معانيه إلى تلك اللغات، ومن نعم الله العامة أيضا سلامة الأعضاء، فكم من البشر من فاقدي نعم البصر أو السمع وغيرها من النع الأخرى، والقائمة طويلة جدا، فإن كنت ممن أنعم الله عليهم بالسلامة والعافية في كل ذلك، فلتحمد الله حمدا كثيرا، شكرا وتقدير وطمعا في دوام العافية.. وغير ذلك كثير.. نعم الله الخاصة.
تمر على الإنسان محطات في حياته يكون له فيها متطلبات ينتفع به، كالنجاح في الدراسة ثم العمل ثم الزواج ثم الذرية وغير ذلك من متطلبات الحياة للانتفاع بها، وفي كل هذه المحطات يلجأ المرء إلى الله، مع أخذه ما يملكه من أسباب، ويلح في الدعاء.. وعندما يأتيه الفرج والعطاء من الله، تنتابه حالة روحانية من الفرح والشكر لله والشعور بكامل الامتنان لهذه النعم.
والحياة لا تخلو من آفات، فتمر أزمات وشدائد به أو بمن يحب، فيلجأ إلى الله طالبا رفع البلاء واستعادة الأمن والعافية، ويستجيب اللطيف المجيب، فيرفع العناء وتكتمل النعمة، وبين هذه وتلك من نفع كريم ودفع رحيم، تَأتي النعمة من الله فيعرفها صاحبها ويقدرها وقتها، وتمر الأيام.. والنسيان آفة الإنسان، يتذكر القليل وينسى الكثير الكثير، بل ويجحده أحيانا.
فإذا تعهد الإنسان هذه المحطات بالتسجيل ولو على هيئة رؤوس أقلام في هذه المذكرة الإيمانية، بقي ذكرها، ودام شكرها، وأصبحت كل محطة منها مشروع قصة إيمانية قصيرة يتعظ بها الأبناء، فيعرفون كيف وممن يطلبون النفع ويستدفعون الضر إذا احتاجوا إلى ذلك.
2- سجل العبر:
هو سجل الدروس والعبر، وهو سجل هام يرصد عاقبة الخير والشر، الطاعة والمعصية، النية الطيبة والعمل الطيب وصنائع المعروف، وآثار كل ذلك على صاحبه، من حفظ وبركة، ومن خيرات لايحصيها إلا الله، وتصديق ذلك من كتاب الله: «وَالْبَلَدُ الطَيبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالَذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُون»، وقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَ أَهْلَ الْقُرَىَٰ آمَنُوا وَاتَقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ منَ السَمَاءِ وَالْأَرْض...ِ».
وقوله: «مَنْ عَمِلَ صَالحًا من ذكَرٍ أَوْ أُنثَىَٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَهُ حَيَاةً طَيبَةً وَلَنَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يعمَلُونَ». هذا بالنسبة للمؤمنين، وهناك أيضا رسائل الأحداث للمعرضين: «وَلَا يَزَالُ الَذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا من دَارِهِمْ حَتى يَأْتِيَ وعْدُ اللِّه إِنَ اللَّه لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ»، وقوله: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَىَٰ».
كل ذلك دروس ورسائل وعبر لا تخطئها القلوب السليمة، تمر بالمرء فيجني آثارها أو ثمارها، إن عاجلا أو آجلا، فيعرفها ويقدرها، ولكن قد يطغى عليه الغفلة أو النسيان، إلا إذا سجلها فيبقى ذكرها ويدوم الانتفاع بها، فبتسجيل مثل هذه الأحداث أولا بأول، ومن مخزون الذكريات تكون محتويات هذا السجل.
ويضاف إليه أيضا الانتفاع ببعض القصص الواقعية المذكورة في عدد من المؤلفات، وهي كثيرة ومؤثرة، وبعضها أغرب من الخيال، ويستحسن الانتفاع بها، ومن الأمثلة عليها الكتب التالية: (عدالة السماء) و (تدابير القدر) للكاتب محمود شيت خطاب رحمه الله، و(الفرج بعد الشدة والضيق) و(من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه) للكاتب د. إبراهيم عبد الله الحازمي، وكتاب (الجزاء من جنس العمل) للكاتب سيد حسين العفانين، وكتاب (صنائع المعروف تقى مصارع السوء) للكاتب مصطفى حقي.
3- سجل الرسائل الخاصة:
وهي رسائل خاصة يحسها العبد ويعلم أنها عُلْوية، وأنه مقصود بها، قال تعالى: «وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون»، وهـو نـوع مـن التواصـل مـع الله عـن طريـق هـذه الرسـائل البديعـة الـتي تتضـمن المواجـد والإشـراقات والكلمات والعظات والمواقف.
التواصل مع الله:
هـو مفهـوم بـديع يقـوم عليـه الـدين كلـه، فإرسـال الرسـل ونـزول الكتب هـو تواصل كـريم ورحـيم مـن الـرب الكـريم إلى عبـاده الفقـراء إليـه كـي يعرفـوه، ويعرفـوا الغـرض مـن خلقهـم، وأسـباب سـعادتهم، ومصادر آلامهم في هـذه الحيـاة الـدنيا، ثم نهايـة مصـيرهم بعـد المـوت؛ وقـد جـاء معـنى مـن معـاني هـذا التواصـل الكـريم في قـول الحسـن البصـري: «مـن أراد أن يكلمـه الله فعليـه بالقـرآن، ومـن أراد أن يكلـم الله فعليه بالصلاة»، والله سبحانه يذكر من يذكره، فقال تعالى: «فاذكروني أذكركم»، وقيل في التفسير من وحي هذه الآية: فـتذاكروني بالشـتكر أذكـركم بالـزيادة، فـاذكروني في الـدنيا أذكـركم في الأخـرى، فـاذكروني بالطاعـات أذكـركم بالمعافـاة والحيـاة الطيبـة، فـاذكروني في النعمـة والرخـاء أذكـركم في الشـدة والـبلاء، أو: فـاذكروني بالتسـليم والرضـا أذكـركم حسـن الـتدبير ولطـف القضـاء، فـاذكروني في الخـلاء والمـلأ أذكـركم في أفضـل المـلأ، دليلـه الحـديث: «أنا عِنـدَ ظـن عبـدي بي فلـيُظنَ بي مَـا شـاء، وأنا معـه إذا ذكَـرني، فمـن ذكَـرَنيِ في نَفْسِه ذكَرْتُه في نفْسِي. ومن ذكَرَنِي في مَلأ ذكَرْتُه في مَلأ خير من مَلَئِهِ...» الحديث.
وقيل في ثمارها أيضا: «ولذكر الله أكبر»، أي بذكره سبحانه إياكم إذا ذكرتموه لهو تكريم وتشريف عظيم.
ومن التواصل العملي استجابة الدعاء، والتوفيق، والتثبيت عند مواضع الزلل، والرؤيا المبشرة العظيمة.
ومن صور التواصل العظيمة بين العبد وربه مفهوم (الورد والوارد):
الورد: هو الحصة التي يلزم العبد بها نفسه من الأذكار والعبادات وقراءة القرآن، وسائر الطاعات النافلة وأعمال الخير ومنها الذكر اللساني والقلبي.
الوارد: هو ما ورد على قلبك من المعارف الربانية واللطائف الرحمانية، وهو نور إلهي يقذفه الله في قلب من أحب من عباده.
فكثير من العبادات والطاعات يتبعها لذات ومواجد بديعة ومشـاعر روحية فياضـة، ثمرة عاجلة في الدنيا، يستقبلها ويشعر بها العبد وتترك في نفسه أجمل الأثر، وتحتاج إلى تسجيل حتى يتذكرها الإنسان دائما وتحفزه لمزيد من الطاعات، وأعمال القلوب وحب الله والصلة القلبية به سبحانه، هي من أهم أبواب التقرب إلى الله، فالله عز في عُلاه لا يُريد من البشر عبادات جافة ليس فيها وصلٌ وحُبٌ وشوقٌ ومعية دائمة مع الله سبحانه وتعالى، قيل في ذلك: «إذا عشت الحُب الإلهي فسـوف تنفتح أبواب لك أُغلِقت لغيرك، وسـوف يخصك الله سـبحانه وتعالى بما لم يخص بهِ غيرك.. أحباب الله لهم عطاءات خاصـة، إذا أحبك الله رزقك الرضـا، ورضـيت بالقليل حتى إن كانت إمكانياتك بسيطة ومكاسبك قليلة.. مع الرضا قلبك جنة عريضة ونفسك بُستان مُزهِر».
يرزق الله الجمال والمال والحظوة والمنصب لعامة الناس لكنه لا يرزق الرضا والسكينة والحكمة والسعادة إلا لخاصته. إذا أحبَك الله، جعل حُبك في قلوب العباد، ويسر لك العسير، وقرب لك الصديق، وخذل لك العدو.
والمذكرة الإيمانية في هذا السجل تعمل على تفعيل هذا التواصل، واسـتقبال هذه الرسائل الخاصة، والاحتفال بها، كي يشعر المرء دائما بمعية الله ومراقبته، وهي درجة الإحسان، وهذه الرسالة الخاصة قد تكون آية في كتاب الله تقرؤها أو تسمعها، وتشعر أن الله يقصدك بها، أو قد تجيب على سؤال في خاطرك، أو الإلهام والإشراقات التي تضيء الطريق إلى حل المشكلات التي تواجهك، وكذلك يدخل فيها الفراسة والمعونات والكرامات، والهواتف، والمخاطبات الربانية: كالأحاسيس الصادقة والمبشرات، والتخاطر: (قبل أن يدق جرس الباب أو الهاتف شعرت أنه أنت( وكذلك التوفيق والخذلان، «نسوا الله فأنساهم أنفسهم».
وقد تحدث هذه الإشراقات على هيئة خواطر إلهامية، وإنما ينفتح ذلك الباب أكثر لمن انفرد بذكر الله تعالى، وكان كثير المراقبة والتعلق بالله، ومن الشواهد على ذلك قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشـف والإلهام، قال تعالى: (ففهمناها سليمان)، وورد في الأثر: (من عمل بما علم، ورثه الله علم ما لم يعلم)، وكان أبو الدرداء يقول: «المؤمن من ينظر بنور الله من وراء ستر رقيق، والله إنه لَلحق يقذفه في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم».. بل إن بعض خواطر الصلاة قد تدخل في هذا المعنى.
4- سجل الرؤى:
وما تحمله من هدايا البشارات، ورسائل التحذيرات، تثـير الأحـلام فضـول الأطفـال ويحبـون أن يقصـونها علـى أهلهـم، وفي الواقـع يشـغل عـالم الأحـلام البـديع اهتمـام النـاس علـى اخـتلاف الأعمـار والثقافـات، ففي الأحلام ينتقـل الحالم إلى أماكن غريبة بديعة، ويقابل أشخاصًا ممن يعرف وممن لايعرف، والرؤى الـي تتحقق لأحداث من عالم المسـقبل ظاهرة بشرية معروفة منذ فجر الـتاريخ، بل وأحيانا يكرم الله من يشاء من عباده برؤى يرى فيها الملائكة أو يقابل فيها الأنبياء أو يدخل فيها إلى مشاهد من عالم الآخرة.
ويـدرك الكثير من هذه الأحـلام على اختـلاف أنواعها انطباعا وأثـرا كبيرا في النفس، ولما كان كثيرا من هذه الأحلام مرموزة، فهناك منذ فجر التـاريخ المخطوطات التي تحاول فك رموز هذه الأحلام حيث أثبتت التجربة البشرية أن بعض هذه الأحلام يحمل أنباء من عالم المستـقبل وبعضها قد يحمل رسائل بشريات أو تحذير من خطر كامن، وما تحمله الرؤى من عالم الغيب من آيات الله.
وقـد ورد ذكـر الـرؤيا المناميـة في أربـع وعشـرين آيـة مـن كـتاب الله، وحكـى لنـا القـرآن الكـريم تفاصيل سبعة منها، أربعة منها في سورة يوسف عليه السلام، كما ورد ذكر الرؤى وما يتبعها مـن تفصـيلات في أكثـر مـن مائـة حـديث نبـوي صـحيح، ويوجـد فصـل خـاص عنهـا في كـتب الحديث بعنوان (كتاب الرؤيا).
التربية الإيمانية بالرؤيا:
في الـرؤيا الصـادقة إثبـات لعـالم الغيـب، يقـول الإمـام أبـو حامـد الغـزالي في فصـل عجائـب القلـوب مـن كـتاب إحبياء علـوم الـدين: (وأمـا انفتاح باب القلـب إلى عـالم الملكـوت ومطالعـة اللـوح المحفـوظ.. فتعلمه علمـا يقينيـا بالتأمـل في عجائـب الـرؤيا وإطـلاع القلـب في النـوم علـى مـا سـيكون في المسـقبل مـن غـير اقتبـاس مـن جهـة الحـواس، وإنمـا ينفتح ذلـك البـاب لمـن انفـرد بـذكر الله تعـالى وكـان كثـير المراقبـة والتعلـق بالله، ومـن الشـواهد علـى ذلـك قولـه تعـالى: «والـذين جاهـدوا فينـا لنهدينهم سبلناو.
الحلـم عبـارة عـن سلسـلة مـن الأحـداث تبـدو للرائـي كمـا لـو كان حقيقيـة وقتهـا، ويتـم نسـيان معظـم الأحـلام خـلال دقـائق بعـد الاستـيقاظ، وضـعف ذاكـرة الأحـلام لـه حكمـة عظيمـة، وذلـك لحمايتنـا مـن أن تخلط ذكرياتنـا للأحـداث الحياتيـة الحقيقيـة بتلك الخاصـة بالأحـلام، حيـث يصـعب بمـرور الأيام التفرقـة بـين الأحداث الحقيقية وتلك التي تحدث في الأحلام، وبعض الأشـخاص لايـذكر أحلامـه مطلقـا ويظـن أنـه لا يحلـم، وهنـاك أسـباب بيولوجيـة وأخـرى نفسـية قـد تكـون مسـئولة عـن هـذه الظـاهرة عنـد هـؤلاء النـاس، فقـد تبـين أنـه أثنـاء الأحـلام تتعطـل بعـض مراكـز تفعيـل الـذاكرة ومراكـز التحليـل المنطقـي كـي تمـرر أحـداث الحلـم كمـا هـي، ومـن المعوقـات النفسـية لـذكر الحلـم عـدم الاهتمـام بالظـاهرة مـن فـترة مبكـرة ممـا يـؤدي إلى تعويـق الاستـرجاع لا شـعوريا، ويضـاعف مـن ذلـك سـخرية الأسـرة مـن أحـلام الصـغار، إذ أن الأطفـال يـذكرون أحلامهـم بطريقـة أفضـل مـن الكبـار، وعـادة يقصـونها علـى أبـويهم في الصـباح، ونظـرا لأنهـا تحـوي أحيـانا علـى أمـور عجيبـة، فقـد يضـحك الكبـار منهـا ويشـعر الأطفـال بالحـرج أو علـى الأقـل بعـدم أهميـة هـذه الأحـلام فيـم تثبـيط ذكرها مـع مـرور الأيام، فيجـب تشـجيع الطفـل علـى قص منامه، وتسـجيل إلهـام منهـا، خاصـة وأن الأحلام العادية نافذة لمعرفة عالم الطفل الاجتماعي والنفسي واهتماماته ومخاوفه، والأفـراد الـذين لـديهم اهتمـام بهـذه الظـاهرة أقـدر علـى ذكر أحلامهـم، ويتمتعـون بحدوث رؤى أكثر لهم.
ويقسم الحديث النبوي ما يراه النائم إلى ثلاثة أقسام:
1) رؤيا من عالم الغيب هي من الله تعالى (ومن الممكن أن تكون مبشرة أو منذرة أو هادية وموجهة).
2) مايحدث به المرء نفسه (الحلم النفساني).
3) أضغاث الأحلام، أحلام مختلطة ومبهمة وغالبا ما تثير الخوف، وهي من الشيطان.
إذن ليست كل الأحلام من نبع واحد، هناك نبع من عند الله سبحانه وتعالى وهو ما نسميه بالرؤيا، ونبع من النفس الإنسانية هو أحاديث النفس، ثم أضغاث الأحلام وهو نبع من تهاويل الشيطان.
الرؤيا المنامية والعلم الغربي المعاصر:
أيدت أبحاث الأحلام في العلم الغربي وجود هذا النوع من الأحلام الغيبية التي تحمل أخبارا من عالم المستقبل، أو تحل بعض المعضلات التي تهم النائم، ومن أمثلة الأخيرة: اكتشاف حلقة البنزين السداسية والجدول الدوري لمندليف في الكيمياء، وكذلك في اختراع ماكينة الخياطة وبعض الاكتشافات العلمية والمنتجات الأدبية الأخرى، فالعلم الغربي قد رصد هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المتعلقة بالنشاطات الروحية للنفس الإنسانية مثل التخاطر والجلاء البصرى والتأثير النفسي في الأشياء مثل العين الضارة، وهو يدرس هذه الظواهر تحت علم الباراسيكولوجي، وفي بريطانيا ثلاثة أقسام أكاديمية لهذا العلم: في جامعات ادنبرج وليفربول ونورث هامبتون، وتنشر الأبحاث بطريقة منتظمة في المجلة البريطانية للأبحاث الروحانية، وهناك مؤلفات كثيرة في الرؤيا التي تتحقق بالذات، وأضرب مثالا بكتاب (الأحلام التي قد تحققت) لعالم النفس الأمريكي دافيد ريباك الذي قضى ستة عشر عاما هو وفريقه العلمي في استقصاء هذه الظاهرة ونشر نتيجة أبحاثه في كتابه المذكور (Dreams that Come True).
سجل الأحلام:
نظرا لهشاشة ذاكرة الأحلام يوصى بأن يسجلها الرائي كتابة مباشرة عند استيقاظه، أو أن يقصها على أحد ممن يحب كوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب تخصي مذكرة خاصة، ورقية أو رقمية، لتسجيل الأحلام بطريقة منتظمة، وتكون البيانات كالتالي: (التاريخ– عنوان الحلم- شخصيات الحلم والأحداث والانفعالات المصاحبة– ثم مآل الأحداث) من أهم ما يميزه ليمكن الرجوع إليه عند البحث عنه بسهولة، مع الرجوع إلى هذا السجل من الحين إلى الآخر.
الفرق بين الحلم والرؤيا:
يجب التفرقة بين الحلم والرؤيا، فالحلم العادي هو الحلم النفساني أو حديث النفس، ومن أسبابه: اهتمام صاحبه بالأمر، فتكون الأحلام استمرارا لهموم النفس، فتستمر وتستكمل في الحلم بعض أحداث اليقظة، بما في ذلك الحصول على الأشياء التي يعجز الرائي عن الحصول عليها أثناء اليقظة، وأيضا الآلام والصدمات النفسية، فتكون الأحلام بذلك تنفيسا انفعاليا وتنظيما وجدانيا للمواقف ذات الطبيعة الانفعالية والتي حدثت في اليقظة، وكذلك المخاوف من بعض الأمور المستقبلية.
خصائص الحلم النفساني:
الحلم النفساني يتميز بالطول والاسـتطراد مع عدم الوضوح وصعوبة تذكر تفاصيله، وقال علماؤنا إنه ما كان له في الواقع صلة مباشرة فإنه لايعتد به ويلحق حينئذ حديث النفس ما لم يكن بعد استشارة أو استخارة أو دعاء.
خصائص الرؤيا:
الرؤيا المنامية تختلف عن الحلم بأن لها خصائص متميزة، فغالبا ما تكون ذات حيوية وتترك انطباعا قويا في النفس أكثر من مثيلتها من الأحلام العادية، أيضـا قد تتضـمن تفاصـيلا غير عادية: مثل الألوان والملمس والأصوات، ومن مميزاتها أيضا و ضوح الذاكرة مع إحساس خفي بأهمية هذا الحلم، وهي عموما أقصر من الأنواع الأخرى من الأحلام، وغالبا ما تكون الأحداث متتابعة وغير مختلطة أو متتداخلة، وكثير منها يكون في أمور غير متوقعة، ويكون الاسـيقاظ عادة ناعما وغير مشتت، وكثير من الناس يسـطيع أن يميز الرؤيا عن غيرها في معظم الأحيان.
وتتركز الأحلام الغيبية حول الأحداث المهمة، وتلك التي تترك أحداثها فيما بعد أثرا وجدانيا على الرائى من حزن أو خوف أو فرح. ويبدو أن لدى بعض الأشخاص والعائلات موهبة خاصة في الرؤيا المنامية، وهي كذلك أكثر شيوعا في النساء عنها في الرجال. وتتفاوت الرؤى في وضوح مدلولاتها من الرؤيا الصريحة التي تتحقق مثل (فلق الصبح) كما كانت تَأتي للرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، إلى الرؤيا المرموزة كرؤي سيدنا يوسف عليه السلام وملك مصر كما وردت في سورة يوسف، ولكن كثيرا من الرؤى تجمع بين الحالتين بدرجات مختلفة.
لماذا يأتي كثير من الرؤى مرموزة:
من حكمة الترميز في الرؤى ألا تُخبر بالغيب اليقيني المطلق الذي لا شك فيه، فإذا جاءت مرموزة دخل فيها الظن والاحتمال فيكون قلب الإنسان دائمًا متعلقًا بالله تعالى، مُتطلعًا إلى رحمته عزَ وجل، مُقبلًا عليه جل جلاله بالدعاء والتضرع، كما أن الرمز ذاته قد يشير إلى الحل في بعض الرؤى مثل السنابل قي رؤيا ملك مصر في قصة سيدنا يوسف عليه السلام.
وإن مثل عالم الأحلام ورموزه تماما كما لو كنت تزور بلدا أجنبيا يتكلم أهله بلغة أجنبية لا تفهمها، فتفسير رموز الأحلام يشبه تعلم لغة أجنبية جديدة، يحتاج إلى الوقت، والكثير من التدريب والممارسة والتأمل، والرمز وما يحمله من معنى يكون غالبا ثابتا للشخص نفسه مدى الحياة، ولكنه يختلف عبر الأشخاص.
ولبعض رموز الأحلام معانٍ ثابتة عند معظم الناس، والبعض الآخر له معانٍ متعلقة بالرائي ذاته، تماما مثل مفردات اللغة، وأفضل وسيلة لتحصيل مهارة التعبير هو أن يسجل الرائي مناماته بطريقة منتظمة ويحاول أن يتعلم كيف كان تعبير المنامات المختلفة التي مرت به، وبذلك يكون لديه قاموس شخصي يوضح له معنى الرموز التي يراها في منامه.
فوائد الرؤيا:
للرؤيا المنامية فوائد كثيرة، فهي تكون إما مبشرة ربانية، أو منذرة ورادعة إلهية، فترغب في عمل الخير أو الامتناع عن عمل الشر، وكذلك في المواساة والتعزية، وقد تجتمع فيها أكثر من فائدة، ولها في هداية العصاة وغير المسلمين دور كبير، فكم من عصاه أو غير مسلم اهتدى بسبب رؤيا رآها، وهي كذلك طريق إلى الاطلاع على حال الأموات الذين انقطعت عنا أخبارهم وما هم فيه.
والرؤى المثبتة والهادية فرع من الرؤى المبشرة، وتَأتي أكثر في فترات المحن، ولها أمثلة كثيرة في حياة السلف والخلف. ومن فوائدها كذلك أنها طريق إلى استكشاف بعض منافع الأشياء ومضارها مما يحتاج الإنسان إلى معرفته ولا سبيل له إليها في الظاهر، ومن ذلك معرفة علاج بعض الأمراض وطريق كشف الهموم وغير ذلك مما يبتلى به الإنسان في حياته.
وقد تقوم بدور المعلم في بعض الأحيان فقد يتلقى الإنسان بعض أنواع العلوم من خلال الرؤيا في المنام.
وكذلك في الهداية للمعارف، كما في قص بعض الاكتشافات العلمية التي سبق ذكرها. والرؤيا الواعظة والزاجرة لها أثر كبير في هداية الفاسقين والمسرفين على أنفسهم إذا انتفعوا بها.
وعلى وجه العموم فإن الرؤيا تثبيت وبشرى من الله للمؤمنين، وفاتحة خير في أمور الدنيا والآخرة وطريق إلى معرفة حال النفس والمقام عند الرب سبحانه وتعالى، وفائدتها في البشارة والنذارة والهداية، لا في التشريع والأحكام والقضاء.
نبذة عن الرؤى المنذرة:
إذا رأى الإنسان رؤيا يكرهها، فقد تكون كابوسا نفسانيا ليس له أية دلالة تنبؤية، يتكرر بسبب مخاوف معينة أو ظروف نفسية معينة، وعموما فليتبع الإنسان ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية المأثورة، وليراجع كتب التعبير وليتأملها فلعل لها معنًى خفيا مختلفا عما يظنه، وليكثر من الدعاء، فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء، فهما يعتلجان إلى يوم القيامة، وعلى الرائي أن يتأمل الرسالة الموجودة بالمنام– خاصة إذا تكررت- فلعلها تفيده في بعض أمور دينه أو دنياه، وعليه أن يتخذ الاحتياطات المناسبة إذا كان المنام يشير إلى خطر معين مثل منامات الغرق، فحسن الأخذ بالأسباب من سمات المؤمن.
هل يجب أن تتحقق الرؤيا الصادقة دائمًا؟
تعبير المنام قياس وتشبيه وظن لايقطع بها لأنها حمالة أوجه، ولكن يستأنس بها ولايجزم على غيبها إلا أن يظهر في اليقظة صدقها، مثال ذلك: تفسير النبي صلَى الله عليه وسلَم لرؤيا، حيث لم يعلم من الوحي تفسيرها الواقع: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد وإذا الخير ما جاء الله من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر.
وكذلك أحيانًا يكون الله تعالى قد كتب على الإنسان قضاءً معينًا سواء أكان هذا القضاء خيرًا أو شرًا، فيرى الإنسان به رؤيا، ثم يكتب الله تعالى له أن يتغير هذا القضاء، وألا يتحقق لحكمة يعلمها الله عزَ وجل.
ومفهوم تغير القضاء بقضاء آخر هو من المفاهيم الإسلامية المعروفة، فقد يكتب الله تعالى على الإنسان شيئًا يكون على وشك الحدوث ثم يدعو الإنسان الله عزَ وجلَ بأن يعطيه خيرًا أو يدفع عنه شرًا، فيرتد عنه هذا القضاء ويتبدل.
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة». والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وينبغي للمسلم الذي يرى رؤيا خير ألا يتقاعس عن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يحقق له ما فيها من الخير لأن الله عزَ وجلَ وحده هو الذي يملك ذلك، وكذلك ينبغي على المسلم عندما يرى رؤيا شر أن يستعيذ بالله تعالى من شرها، وأن يتضرع إليه عزَ وجلَ أن يصرف عنه قضاء السوء، فالله سبحانه هو ولي ذلك والقادر عليه، وهو على كل شيء قدير.
قواعد في تربية النشء:
القدوة الحسنة هي أهم دعائم التربية، فالأب والأم والمعلم والإخوة الكبار أمثلة يقتدي بها الطفل والنشء، لذا كان من المهم التربية الذاتية الرأسية للمربي، ففاقد الشيء لا يعطيه، والمحافظة على الصلوات والورد القرآني والأذكار زاد مهم للمربي.
والعملية التربوية لا يجب أن تكون أمرا عشوائيا، لذا وجب تخصيص الوقت اللازم لها مع الاهتمام بالتواصل الحسن، فالطفل عنده تساؤلات وأمور يحب أن يحدث عنها الكبار، ولكن الأب مشغول والأم مشغولة، والكل لا يهتم بهذه (الصغائر) التي يهتم بها الأطفال، وقد تكون هناك مشكلة كبيرة لدى الطفل ولكنه لا يجد أذنا مصغية من القائمين على رعايته وحمايته.
أيضا يجب الاهتمام بالفهم الحسن للنشء من حيث الاختلافات الفردية، فهناك الطفل الحساس، والطفل العدواني، والطفل الانسحابي، وكل منهم يحتاج إلى طريقة في التربية والتوجيه تختلف عن الآخر. وكذلك فالأطفال يختلفون أيضا في المهارات، فيجب الاهتمام بصقل ودعم النافع منها ومحاولة تهذيب وتعديل الضار منها، وأيضا هناك فرق بين الجنسين، فالبنات لديهم قدرات لغوية ومهارات تواصل اجتماعي أعلى من الأولاد، وكذلك طبيعة الفترة العمرية أيضا هامة جدا، ومعروف حجم المشاكل التي تحدث في فترة المراهقة.
وهناك جوانب تربوية متعددة أذكرها فيما يلي:
أول دعاماتهـا الغـذاء الصـحي، وتجنـب المـواد الحافظـة والملونـة وغيرهـا مـا أمكـن ذلـك، وكـذلك البيئـة الصـحية مـن حيـث التهويـة والإضـاءة والهـدوء مـع مراعـاة الـروائح العطريـة الطيبـة، والألـوان المريحـة الجميلـة، والتربيـة الرياضـة هامـة للغايـة، فالحركـة سـنة مـن سـنن الحيـاة، وللرياضـة أثر إيجابي أيضا على االقدرات الذهنية والاعتدال المزاجي.
يجـب صـقل المهـارات الاجتماعيـة للأطفـال في سـن مبكـر، وبالـذات حضـور بعـض الجلسـات المناسـبة مـع الكبـار، وإرسـال الطفـل لقضـاء الحاجـات مـا دام ذلـك ممكنـا، ويجـب معاملـة الأطفـال كالكبـار في التواصـل الاجتمـاعي، مثـل عيـادة الطفـل والسـؤال عنـه إذا مـرض، والتواصـل الحسـن والإنصـات إليـه إذا تكلـم، مـع مراعـاة حسـن اختيـار الطفـل لأصـدقاء مناسـبين لـه مـن الأطفـال، وتعويـده فنـون البيـع والشـراء البسيطة التي تناسب عمره... الخ
يجب تدريب الطفل على الاستقلالية وتجنب الاعتمادية من سن مبكر، وتجنب القسوة والإفراط في التدليل في تربيته، كذلك تربيته على حسن إثبات الذات والثقة بالنفس، والتفريق والتمييز بين الحياء والخجل، فالحياء سلوك مستحب ولكن الخجل يجب علاجه وبالذات بين الأولاد، وكذلك مهارات التوافق في التعامل مع الضغوطات الحياتية مع تجنب التوتر أو الانسحاب وأحلام اليقظة والكسل في مواجهة المشكلات.
تعريف الطفل بالأخلاق الحميدة التي يحبها الله، مثل الصدق والإخلاه والأمانة وحسن الخلق، وتحذيره من الأخلاق الذميمة، مع عقد النية في كل توجهاته ومعاملاته لرضا الله سبحانه وتعالى.
وكذلك توعية الأطفال وتوجيههم للوقاية من التحرش، وتعليمهم آداب الاستئذان، والتفريق في المضاجع بين الأطفال، ويكون تعليم أمور الحياة الجنسية من خلال مسائل الفقه ودروس العلوم حسب مراحلهم العمرية المختلفة، ويجب حماية الطفل من المعارف المبكرة والمهيجات الجنسية، ومراقبة الهواتف الذكية وما شابهها.
- التربية المعرفية الفكرية:
مـن المهـم جـدا اختيـار المدرسـة الصـالحة لأولادنا مـع الاهتمـام باللغـة العربيـة وتعلـم أمـور الـدين، ومعظـم القناعـات الدينيـة الراسـخة الـي تبـني الشخصـية وتؤثر في الحيـاة يتلقاهـا الطفـل في خـلال سـنوات نشـأته الأولى مـن المنـزل ثم مـن المدرسـة، وكـذلك ربـط دخولـه المدرسـة بنيـة طلـب العلـم الـي هـي مـن شـعائر الإسـلام، ويجـب الاهتمـام بالمكتبـة المنزليـة، وإتقـان اللغـة العربيـة، وهنـاك ارتبـاط كبـير جـدا بـين ضـعف الـدين وعـدم إتقـان اللغـة االعربيـة، وكثـيرا مـا كنت أرى في العيـادة النفسـية مـراهقين يعـانون مـن انحرافـات سلوكية، ويطلب مني آباءهم العرب أن أحدثهم باللغة الإنجليزية (لأن لغتهم العربية ضعيفة!).
وكذلك يجب تنمية مهارة القراءة، والتسويق للكتب كما يتم التسويق للملابس والألعاب والأغراض المنزلية، والاشتراك في المجلات الهادفة مثل مجلة ماجد، وتدريب وتحفيز الطفل على تسجيل ما يتعلمه بالكتابة، وإيقاظ عقل الطفل بالسؤال، وكذلك تدريب الطفل على صياغة السؤال، وتدريبه على كتابة رسائل مختصرة يعبر فيها عن أشياء حياتية مختلفة، مثل: الطلب والاعتذار والاحتجاج... الخ.
ويرتبط بالتربية الفكرية الحماية من السموم الإعلامية المستخدمة في الحرب النفسية ضد أمتنا، فيجب توضيح الحقائق للطفل بالنسبة لما يجري حوله في هذا العالم، فالإعلام هو السلاح الأساسي للحرب النفسية، ونشرة الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام هي في الأساس صناعة يهودية لإضعاف صلة الناس بخالقهم بل وقطعها، فهي من الناحية العلمية التي تدرس في كليات الأعلام، هي نشرة أخبار العالم السيئة، فلا تنقل إلا أخبار الزلازل والكوارث والمصائب عبر العالم مع إبراز الأخبار السلبية، وأحيانا الكذب والتدليس، مع التغافل عن أخبار العالم الطيبة، وما أكثرها، «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها»، وهي تستخدم دعوى الحيادية والتوازن والرأي الآخر في غير مواضعها لتمييع الحقيقة وتضييعها، مع استخدام أسماء ومسميات مختلقة لتزييف الحقائق، ولذلك يجب العودة إلى تصنيف الله سبحانه وتعالى للبشر: مؤمن، كافر، منافق. والتفاضل بين المؤمنين على أساس من التقوى والعمل الصالح.
وفي العصـر الحاضـر اسـتخدم أعداء هذه الأمة أجهزة الإعلام أيضـا في إشـاعة الحزن والعجز المكتسـب بين المسلمين، مع التعتيم على كل ما هو إيجابي وكل ما يجلب السرور على المسلمين، بالرغم من كثرته، قال تعالى: «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها»، وقال تعالى: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين» وفي هذا العصـر ظهرت علامات كثيرة على قوة هذا التدين، فإعجازات القرآن المتجددة البيانية والتنبؤية والتاريخية والعلمية والتشـريعية والعددية..إلى غير ذلك، وكذلك دلائل النبوة الباهرة لنبي الإسـلام عليه أفضـل الصـلاة وأتم السـلام جعلت دين الإسـلام العظيم أسـرع أديان الأرض انتشـارا، ودخل كثير من علماء الشـرق والغرب هذا الدين أفواجا.
ومن وسائل الحرب النفسية تهويل قوة غير المسلمين وتكبير مكاسبهم ومحاولة تصغير وإخفاء مكاسبنا الكثيرة، بل ومحاولة تحويل مكاسبنا إلى خسائر ومن وسائلهم أيضا التلقين المستمر عبر وسائل الإعلام لصنع رأي عام مجافي لتعاليم الإسلام.
والحقيقة هي ضعفهم الشديد وتلاشي وسائلهم أمام قوة الله القاهرة: «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون» (سورة العنكبوت).
ومن أهم أهداف الحرب النفسية؛ إضفاء صفات العجز والضعف والفشل والهزيمة على المسلمين، مع وصمهم بالإرهاب ووضعهم دائما في وضع المدافع، وبهذا يقل دور المسلم المطالب بالإيجابية ونقل الهدى والنور لكل البشرية.
مقاومة الحرب النفسية:
لابد من تدبر نصوص كتاب الله التي تبين خيرية هذه الأمة بالعوامل التي حددها الله:
قال الله تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتنهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللِّه».
وقد أمرنا الله ألا نهن ولا نحزن، قال تعالى: «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين».
فالله مولانا، ولا مولى لهم، «وَاللُّه غَالِبٌ عَلَىَٰ أَمْرِهِ وَلَا كِنَ أَكْثَرَ النَاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
والمآل الطيب هو لهذه الأمة عند الأخذ بالأسباب المطلوبة، قال تعالى: «وَإِنَ جُندَنَا لهَمُ الْغَالِبُونَ».
وقال تعالى: «وَعَدَ اللُّه الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَالحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِنَنَّ لهَمُ دِينَهمُ الَذِي ارْتَضَىَٰ لهَمُ وَلَيُبَدِلَنَهُم من بعدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».
وقد أخبرت الأحاديث النبوية بأنه ستكون هناك خلافة على منهاج النبوة، وبأنه ستفتح رومية، وسيقاتل المسلمون اليهود حتى يختبئون خلف الشجر والحجر، وكل هذا لم يحدث بعد.
وكذلك الوعي بما يدبر حيث هناك محاولات للتعتيم على مؤامرات التغريب بإلإيهام وأن هذه أوهام الضعفاء، وأنه لايوجد متآمرين.
المخرج: «فَتوَكَلْ عَلَى اللِّه إِنَكَ عَلَى الحَق الْمُبِينِ»، عظم الأمل والثقة بالله وما عند الله، مع البشر والأمل وعلو الهمة بروح قتالية (القوة والقدرة والتركيز)، والتدبر في سنن الله في الأمم والأفراد، مع الأخذ بالأسباب الضرورية لذلك.
هذه المعاني يجب على المربي أن يستوعبها ويعايشها، حتى يستطيع أن يبثها فيمن يقوم على توجيهه وتربيته.
جوانب وقائية:
كتب مفيدة في مكافحة الإلحاد:
- (الله جل جلاله).. سعيد حوى
- (الإسلام يتحدى).. وحيد الدين خان
- (التوحيد).. عبد المجيد الزنداني
- (الرسول).. سعيد حوى
- (القرآن والإنجيل والتوراة في ضوء المعارف الحديثة).. موريس بوكاي
- (نبوة محمد من الشك إلى اليقين).. فاضل صالح السامرائي
- (رحلتي من الشك للإيمان).. مصطفى محمود
- (مجموعة إعجاز القرآن الكريم).. د. زغلول النجار
- (دلائل النبوة).. الكليبي – منقذ السقار
- (حلقات براهين الإيمان).. عبد المجيد الزنداني
- (في مكافحة الإلحاد والداروينية).. موقع هارون يحيى
- (موقع جامعة الإيمان).. سلسلة تثبيت الإيمان
- (في مكافحة التنصير)
- (هل العهد القديم كلمة الله).. منقذ السقار
- (قذائف الحق).. محمد الغزالي
- (محمد في حياته الخاصة).. نظمي لوقا
.