Business

حنان عطية تكتب: نور بركة.. السمات الفذة حين تصقلها التربية!

في فلسطين وحدها بين بقاع الأرض، يولد الطفل على زغاريد الشهادة وأهازيج الجهاد، يشب رويدًا رويدًا.. فلا يجد هناك من هو أوفر حظًا من الشهيد والمجاهد في قلوب شعبه!

 سلسلة طويلة من الأسماء والمسميات، والحكايات المخضبة بالدم الزكي الذي تنبعث منه رائحة المسك.. فتجعل الشهادة والشهيد هي كل الحكاية.. بداية.. ونهاية!

في كل المجتمعات، يصبح الحلم أن يمتلك الابن سماعة طبيب أو تصميم مهندس، وهنا الحلم هو أن تكون بطلًا يمسك بالبندقية ويهابه العدو، مصبغًا صفحات حياتك الصغيرة بالدم الزكي.. أمنية الأمنيات.. أن يموت الغالي شهيد!

هكذا يتربى أبناء فلسطين، فالمساجد والمنابر والمدارس والجامعات، والبيوت والشوارع، وحكايات الأمهات والجدات، وتاريخ الأسلاف بعيدُه وقريبُه، حتى الجنائز والروح التي تسري فيها مشيعة الأبطال كل يوم.. هي أيضًا تربي الطفل، ذلك النبت الصغير الذي قدر له أن ينتسب إلى تلك الأرض المقدسة.. أرض المحشر والمنشر.. أرض الجهاد والرباط.. أرض الشهداء الذين يتسابقون إلى الموت كما لو كان أجمل أمنية!

 

نور وبركة وشهيد!

الشهيد نور الدين محمد سلامة بركة ٣٧ عامًا، واحدًا من أبطال الحكاية المتكررة، والذين تربوا في الملحمة، تلظوا بلهيب المعركة وداعبتهم الأحلام بمرتقيات الشهداء المنيرة.. فأبى إلا أن يحقق ما يرنوا إليه، فارتقى في عملية اغتيال دنيئة من وحدة خاصة إسرائيلية، أتت من أجل أن تحصل عليه أسيرًا؛ فأبى أن يهزمهم بمقاومة أوصلته إلى منتهى ما يتمنى، فارتقى شهيدًا.

نور وبركة.. وشهيد! كان له من اسمه نصيب، فقد حصل على ماجستير في الفقه المقارن، ولديه إجازة في القراءات العشر، وكان قائد وحدة الأنفاق، ونائب قائد كتيبة القسام في خان يونس بقطاع غزة، فجمع بين أعظم بركتين: العلم والجهاد؛ فارتقى.

 

تربيته لنفسه

لا تتحقق الأحلام إلا بالاجتهاد، ولا ينال الشهادة إلا من عمل لها، وهكذا تولى الشهيد نور بركة نفسه، واشتغل عليها بالتربية والصقل، فيقول عنه شيخه هاني العلي: «ما عرفته إلا من أهل الله، صوامًا قوامًا، كثير الصمت، قليل الكلام، عظيم الفعال، كثير العمل، عفيف اللسان، طيب القلب، هنيئا لك عشت لله وها أنت تُقتل في سبيل الله».

وقال عنه أقرانه: «إنه هادئ الطباع، حسن الخلق، لا يفوته صيام نافلة، أو صلة رحم، ولم يترك صلاة الفجر في جماعة منذ أن عَقِل، وكان يحب عمل الخير، رغم انشغاله بالجهاد والمرابطة».

ومن تربيته لنفسه أنه كان يختار لها أعالي الأمور، وليس أسافلها، وهكذا يفعل من يطلبون العلا، وفى ذلك تحكي عنه أخته، فتقول: «إنه عندما جمع بين القلم والبندقية، لم يرض بأحدهما دون الآخر، لأنه يعلم أنهما يكملان بعضهما.

 هكذا كان يخطط للنيل منها.. إنها الدرجات العلى.. إنها الشهادة، فما زال يسلك إليها كل سبيل، ويطرق كل الأبواب، ويغالب الصعاب حتى أدركها من كل سبلها، وفى ذلك يقول أحد رفاقه، كان مرتادًا جيدًا لحلقات العلم، خاصة الفقه والتفسير، دراسةً وتدريسًا، يخطب الجُمَع، ويؤم الناس في الصلاة، وأوراده التعبدية خطٌّ أحمر، رجلٌ قلبه معلق بالمساجد تعلقًا يُدهشك، يدمن الجلوس في المسجد، وربما ما ترك جلسة الشروق على مدار السنة، حتى لو كان بزيه العسكري، وبلغني أنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ومن طرائفه أن خطيبًا غاب مرة عن مسجد حمزة، فقدَّمه الناس للخطبة، فلما ارتقى المنبر صعد بالركضة العسكرية من غير شعورٍ منه بذلك، فضحك الناس».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم