Business

أسباب التعصب الجماهيري الرياضي وعلاجه

شجع الإسلام ممارسة الرياضة؛ لما تحويه من منافع للفرد والمجتمع، وتنشئته على القوة البدنية التي تعد وسيلة من وسائل أداء الطاعات والإعداد لمواجهة الأعداء، فالقوي في دينه وعلمه وبدنه خير من الضعيف.

وفى دراسة بعنوان: «أسباب التعصب الجماهيري الرياضي وعلاجه.. رؤية شرعية»، للدكتور إياد أحمد محمد إبراهيم، أستاذ مشارك بكلية العدالة الجنائية- جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، يعالج قضية تحول الرياضة في بعض جوانبها من الممارسة الفعلية النافعة إلى تشجيعٍ للاعبين والأندية والمنتخبات، وما أسفر هذا التحول عن ظهور قضية اجتماعية، ألا وهي التعصب لتلك الفرق، محاولًا بيان أسبابها، والوقوف على آثارها، لتوجيهها الوجهة الصحيحة، وضبطها بالقواعد الأخلاقية.

 

حكم التعصب الجماهيري الرياضي

إن الشريعة الإسلامية لا تمانع من تشجيع فريق معين، أو التعاطف معه؛ مادام منضبطًا بالضوابط الشرعية، ودون التعصب له، فعملية الميل القلبي التي لا تُخرج المسلم عن دينه ومعتقداته وشريعته ليست مذمومة، فكل واحد منا يحب مسقط رأسه وبلدته التي نشأ فيها، وأهله وعشيرته التي ينتسب إليها، وقد يحب فريقًا ما، أو لاعبًا معينًا؛ فهذا لا يضره، بل إن نبينا محمدًا ﷺ وجَّه خطابه لمكة عندما أخرجه قومه منها قائلا: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت»، وفي موضوع التعصب عمومًا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان؛ فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم؛ وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل: التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء أكان على الحق أم الباطل؛ فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله».

وقد أخرج ابن ماجه عن امرأة يقال لها فسيلة، قالت: سمعت أبي يقول: سألت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله، أَمِنَ العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: «لا، ولكن من العصبية أن يُعِين الرجل قومه على الظلم»،  فالحديث وضح أن الاجتماع والإعانة على الحق والحب لشخص أو قبيلة وما شابهه ممدوح ومحمود، فإذا خرج هذا الميل عن حدوده المشروعة، وأصبح الشخص يحب ويبغض على أساس اللون أو الجنس أو البلد، ويوالي ويعادي من أجل ذلك؛ فهذا هو التعصب الذي جاءت الشريعة بذمه ومنعه، وتقبيحه ورفضه، فذم النبي ﷺ العصبية، وهو أن تدعو الرجل إلى نصرة عصبته ظالمين أو مظلومين.

وقد اتفق العلماء على تحريم التعصب وذمَّوه ذمًّا شديدًا، وأخرجوه من دائرة الأخلاق الإسلامية، سواء أكان لمذهب فقهي أم قبيلة أم بلدٍ أم فريق رياضي؛ للأدلة الأتية:

  1. يقول الله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} (الفتح: 26)، فوصف الله تعصب أهل الكفر لباطلهم بالجاهلية، وكذلك كل من تعصب لأمر من الأمور بلا هدي من الله، فهو من عمل الجاهلية واتصف بصفة من صفات الجاهلية.
  2. يقول ابن القيم: «لا يكونوا من الذين يَقبلون ما قاله طائفتهم وفريقهم كائنًا من كان، ويردون ما قاله منازعوهم وغير طائفتهم كائنًا من كان، فهذه طريقة أهل العصبية وحَمِيَّة أهل الجاهلية، ولَعَمْرُ الله، إن صاحب هذه الطريقة لمضمون له الذم إن أخطأ، وغير ممدوح إن أصاب، وهذا حال لا يرضى بها من نصح نفسه وهُدِيَ لرشده».
  3. عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي ﷺ وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لَعَّاب (أي: يلعب بالحراب)، فكَسَعَ (أي: ضرب بيده أو رجله) أنصاريًا فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي ﷺ فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية»، ثم قال: «ما شأنهم؟» فأُخبِر بكَسْعَة المهاجريِّ الأنصاريَّ، قال: فقال: النبي ﷺ: «دعوها فإنها خبيثة»، وفي رواية مسلم: «دعوها فإنها منتنة».
    ملخص الحديث: أن أحد المهاجرين ضرب أحد الأنصار بيده أو رجله، فغضب الأنصاريّ ونادى الأنصارَ فتجمعوا لنصرته، فنادي المهاجريّ المهاجرين فتجمعوا لنصرته، فلما خرج عليهم النبي ﷺ، أنكر أن يتعصب كل قومٍ لصاحبهم دون علم أو بينةٍ، وإنما على الإنسان أن يتبين الحق أولًا ثم يعمل على نصرته.
  4. يقول الرسول ﷺ: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية».
  5. أن الرياضة في الإسلام من الأمور التحسينية، أي التي تزداد بها الحياة جمالًا، والأمور التحسينية لا يجوز أن تؤدي إلى إخلال بشيء من الضرورات، كحفظ النفوس والأعراض والأموال.

وقد أفتى الفقهاء بعدم قبول شهادة المتعصب؛ لأن صاحب العصبية لا يبالي بالكذب والتزوير لترويج هواه.

 

أسباب التعصب الجماهيري الرياضي

  1. ضعف الوازع الديني.
  2. الجهل بالأحكام الشرعية وغياب المفاهيم الإسلامية:
    يلاحظ على كثير من الناس في هذا الزمان جهلهم بكثير من الأحكام الشرعية التي تخصهم في واقع حياتهم، وما تطلبه الشريعة منهم في أقوالهم وأفعالهم، فلا ينطلقون في تصرفاتهم من مقصود الله في إيجادهم؛ ألا وهو تحقيق العبودية لله تعالى.
    وإذا لم تكن الشريعة الإسلامية هي الموجهة للتصرفات، والحاكمة على أفعال العباد؛ فإن هذا يقود إلى الوقوع في المخالفات الشرعية من المكروهات والمحرمات.
    إن غياب مفاهيم هذا الدين العظيم بأنه جاء متممًا لمكارم الأخلاق، وداعيًا إلى الوحدة والاتحاد، والعدل والإنصاف، ونبذ الفرقة والاختلاف، والظلم والإسفاف؛ يوقع الأشخاص في المعصب الجماهيري وصولًا إلى العنف.
  3. الاستعمار والعدو الخارجي:
    لقد نجح الأعداء عندما ضعفت الخلافة العثمانية المسلمة في تقسيمها إلى دويلات ممزقة، وغرس مفاهيم الإقليمية والوطنية في عقول أبنائها؛ بدلًا من الانتماء للإسلام الذي لا يُقيم وزنًا لهذه التقسيمات والمفاهيم الضيقة، فقد جمع ديننا بين المسلمين أجمعين دون فوارق في مجتمع واحد آمن، جمع بين أبي بكر الصديق القرشي، وبلال بن رباح الحبشي، وسلمان الفارسي؛ فميزان المفاضل فيه التقوى لا غير، ولئن كان الاستعمار قد غادر البلاد، فإنه ما زال جاثما في نفوس كثير من أهلها، فظهرت التقسيمات والعصبيات، فهذا شرقي وذاك غربي، وهذا شمالي وآخر جنوبي، بل لم تقتصر هذه الإقليميات الضيقة على البلاد، بل وجدت في الدولة الواحدة، والمنطقة الواحدة، وهكذا تضيق وتضيق حتى تكون بين أبناء العمومة، وبين الفرق الرياضية ومشجعيها.
    إن الناظر- على سبيل المثال- للأزمة العظمى والفضيحة الكبرى التي حصلت بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 م؛ يرى ما تحدثه العصبية البغيضة من فرقة وانقسام.
  4. الإعلام الرياضي:
    بعض الإعلاميين الرياضيين أفرزوا لغةً فكرية جديدة ذات تأثير خطر. واستخدموا ألفاظًا تثير الجماهير، وتنمي فيهم روح العصبية مثل: الهجوم، والدفاع، والانتصار، والهزيمة، والوطن، والوطنية، والاحتفال بالإنجاز، ومنتخبنا، ومنتخب الخصم... إلخ، والأفضل من ذلك أن تكون اللغة المستخدمة بعيدة عن هذه المصطلحات التي تعظّم من فكرة (نحن) و(هم) وكأننا في معركة مصغرة، بل تبرز اللغةُ أن هذه الألعاب الرياضة إنما هي للترفيه والتسلية.
  5. الفراغ والبطالة:

عندما لا يجد الشباب ما يملؤون به أوقاتهم، ويشغلون به حياتهم، ويفقدون الشعور بمسؤولياتهم نحو دينهم ووطنهم وأنفسهم، فإن هذا يسهل انقيادهم إلى تفاهات الأمور، ومساوئ الأخلاق، ومنها التعصب، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليًا سبهللا (أي: فارغًا لا يدري أين يتوجه) لا في عمل دنيا ولا دين».

 

آثار التعصب الجماهيري الرياضي

  1. نشر الفرقة بين المسلمين، وإحداث الفتن والقلاقل بين الشعوب، والاحتكام إلى مقياس فاسد للتفاضل بين الشعوب، وهو مقياس اللعب، مثل الأزمة التي وقعت بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 م.
  2. شغل الشباب عن القضايا الكبرى للأمة، وحشرهم في ميادين الكرة واللهو، لا في ميادين العمل والإنتاج والجهاد، ولقد كان من عادة فرعون مصر أن يجمع الناس في يوم الزينة، من أجل اللهو واللعب؛ ليشغل الناس عن الحق.
  3. زيادة معدل جرائم القتل والاعتداء على الآخرين، فكثيرًا ما يتشاجر جماهير الفريقين قبل المباراة وبعدها.
  4. الأثر النفسي السلبي الواقع على نفوس المتعصبين، خاصة الاكتئاب والقلق، والانكسار النفسي عند الهزيمة، والعلو والاستكبار عند الفوز، وهشاشة الرأي، وسرعة الغضب لأهون الأسباب.
  5. الأمراض المترتبة على ذلك، كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين، وكثيرًا ما تحدث حالات من الإغماءات والسكتات القلبية والجلطات الدماغية بين صفوف الجماهير المتعصبة، سواء في أرض المباراة أم أمام التلفاز.
  6. الانشغال عن الواجبات، والتفريط في الطاعات، والغفلة عن الذكر والقرآن.
  7. الظلم وعدم الإنصاف: فنجد المتعصب يغمط الناس حقوقهم، ويحتقر أفعالهم، ويتعدى عليهم بلسانه أو يده.

 

 علاج التعصب الجماهيري الرياضي

1- ترسيخ المفاهيم الإسلامية:

جاءت الشريعة الإسلامية بالكثير من المفاهيم والمبادئ التي تغير سلوك المجتمعات والأفراد، وتسلك بهم طريق الهدى والرشاد، وتبعدهم عن التعصب الجماهيري، مصداقًا لقول النبي ﷺ: «إنما بعث لأتمم صالح الأخلاق»، وذلك مثل:

  • مفهوم الإحسان: عندما سأل جبريل عليه السلام نبينا محمدا ﷺ عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، فالمسلم الذي يشعر أن الله مطلع عليه في كل أحواله، لا تغيب عنه غائبة، يحصي عليه أقواله وأفعاله، حركاته وسكناته؛ لا يقع في الأخلاق المذمومة مثل التعصب الجماهيري؛ لأنه يخاف غضب الله تعالى في مخالفة أمره، وترك طاعته، والإقامة على معصيته.
  • مفهوم الحب والبغض في الله: إن محبة المشجع الرياضي لفريق معين وتعصبه له، وبغضه للآخر وكراهيته له؛ حتى لو كان لاعبوه أحسن أخلاقًا، وأفضل لعبًا؛ منقصة في إيمانه، حيث لم يُقِم نفسه كما يريد الله تعالى، فالشريعة الإسلامية إنما جاءت لتخرج الناس من دواعي أهوائهم، وأن تكون أهواؤهم موافقة لما يريده معبودهم، فإذا كان الله سبحانه وتعالى نهى عبادَه عن محبة أي شيء فوق حبه وحب ورسوله ﷺ والجهاد في سبيله؛ فكيف إذا كانت هذه المحبة مع تعصب للمحبوب: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).
  • الوحدة ونبذ الفرقة والعصبية: بُعث النبي ﷺ في قوم كان يأكل فيهم القويُّ الضعيفَ، ويستعبد فيهم الغالبُ المغلوبَ، يتعصب فيهم كل امرئ لبني جنسه، فبدل الله فرقتهم وَحدةً، واختلافهم أخوة، ومنَّ الله عليهم بقوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 63).
  • كما نهت الشريعة عن الفرقة وما يؤدي إليها؛ فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10)، وقال النبي ﷺ: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث؛ ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا». والتَّجسُّسُ هو البحثُ عَنِ العوراتِ والسِّيِّئاتِ. والتَّحسُّسُ هو طلبُ مَعرفةِ الأخبارِ والأحوالِ الغائبةِ.
  • يظهر مما تقدم أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أو عمل أو تصرف أدى إلى خلاف ذلك فليس من أخلاق الإسلام، وخارج عن مقصوده.
  • ميزان التفاضل: إذا ثبت أن المؤمنين إخوة، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فلا فضل لأحدهم على آخر بأي حال من الأحوال، وإنما تفاضلهم على قدر تقواهم لله تعالى وما قدموه لأنفسهم وأمتهم ودينهم من أعمال نافعة، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

2- توجيه الشباب إلى معالي الأمور

فالإنسان كلما ازداد علمًا وعملًا ارتقى في سلوكه وأفكاره، وتغيرت تطلعاته وطموحاته، فبدلًا من أن يكون أسير شهوة أو مباراة أو لاعب، يفرح لتلبيتها ويحزن لفقدانها، فإنه يكون مترفعًا عن سفاسف الأمور.

هذا التوجيه يحتاج إلى إعادة صياغة مفهوم القدوة في نظرهم، فلا تسلط الأضواء على اللاعبين ومقدار رواتبهم التي تفوق رواتب العلماء والمبدعين أضعافًا مضاعفة، ولا يوصف اللاعبون بالنجوم والعالمية، ولا الفِرق بالتي لا تُقهر، وأنها رفعت رأس الأمة وشأنها، حتى لا ينغرس في عقولهم الباطنة أن طريق القمم والوصول إلى العالمية يكون باللعب والأقدام، لا بالعلم والإقدام.

ومن المعيب حقًا أن يعلم شبابنا أسماء لاعبي الكرة الأحد عشر، ولا يعرف أسماء المبشرين بالجنة العشرة. يجهل أسماء الشباب الذين قادوا جيوشًا لفتح الآفاق، فضلًا عن معرفة سيرتهم، ويغفل القدوات الحقيقية من العلماء والدعاة والمصلحين على مر العصور والأزمان.

3- التنافس الشريف

التنافس الحقيقي هو التنافس في الحصول على أعلى درجات في الجنة؛ لأن ما بين المنزلة والأخرى كما بين السماء والأرض؛ لذا وجَّه الله عباده إلى هذه الحقيقة التي يجب أن تكون نُصب أعين الناس أجمعين؛ فقال تعالى: {... وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26)، ولا يعني هذا أنه يحرم التنافس في أمور الدنيا، ولكنه تنافس دون تنافس.

وإذا حصلت المنافسة في أمور الرياضة؛ فإنها تكون بطيب نفس من الفريقين أو المتسابقين؛ الهدف منها تقوية البدن على ما يُرضي الله تعالى، لا يترتب الفوز فيها من أحد الطرفين على الآخر أيُّ استعلاء أو انتقاص للآخر، كما لا يشعر الخاسر بالحنق والحقد على أخيه، فضلًا عن معاداته.

4- دور الأسرة ورجال العلم ومؤسسات الدولة

كل جهة أو مؤسسة تعمل في مجالها واختصاصها، فالأسرة تربي أبناءها على معاني الفضيلة، والمعلم يغرس في نفوس تلاميذه الأهداف السامية وحب البحث العلمي والإبداع، والعلماء يوضحون حكم التعصب الجماهيري في الشريعة الإسلامية، والإعلام يكف عن استثارة الجماهير وبث روح العصبية فيما بينهم، كما عليه استقطاب العلماء ذوي الحضور الجماهيري الواسع، ومن القريبين من قلوب الشباب في برامج تلفزيونية هادفة، ورجال الأمن يقومون بواجبهم في حفظ الأمن وضمان عدم احتكاك الجماهير، ومعاقبة من تسول له نفسه الإخلال بالأمن والاعتداء على الآخرين والأخذ على يده، فليست جهة واحدة يقع عليها عبء الوقاية من التعصب وعلاجه؛ بل هو واجب الأمة كلها أفرادًا وجماعات، يتكاتفون في تحقيق هذه الرسالة، والقضاء على هذه الظاهرة.

5- سن العقوبات الرادعة

من لم تصلح معه التوجيهات والنصائح والإرشادات، ولم يردعه خوفه من الله تعالى عن الوقوع في التعصب الجماهيري؛ فهنا يأتي دور سن القوانين الرادعة لمن تسول له نفسه إظهار هذه الظاهرة البغيضة، أو يقوم بالدعوة إليها، أو يعتدي على الآخرين من جراء ذلك، فالله يَزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وهذا أثر معروف عن عثمان رضي الله عنه، ويروى أيضًا عن عمر رضي الله عنه، ومعناه يمنع بالسلطان اقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن، بل يقدم على المحارم ولا يبالي؛ لقلة خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن متى علم أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدع وخاف من العقوبة السلطانية.

 

النتائج

  1. أن الشريعة الإسلامية لا تمانع من تشجيع فريق معين أو التعاطف معه، ما دام منضبطًا بالضوابط الشرعية، دون التعصب له.
  2. أن التعصب هو الميل المفرط لفئة ما على حساب المبادئ والقيم، كأن ينتمي الشخص إلى قبيلة أو مذهب أو فرقة رياضية، يوالي من أجلها ويعادي في سبيلها، ويحب فيها، ويبغض فيها، ويدور حولها في أفكاره وسلوكياته.
  3. اتفق العلماء على حرمة التعصب، سواء أكان لمذهب فقهي أم قبيلة أم عشيرة أم فريق رياضي.
  4. أهم الأسباب التي تدفع الجماهير للتعصب هي: ضعف الوازع الديني، والجهل بالأحكام الشرعية، وغياب المفاهيم الإسلامية، والاستعمار والعدو الخارجي، والإعلام الرياضي السلبي، والفراغ والبطالة.
  5. للتعصب الجماهيري آثار سيئة في الفرد والمجتمع، من أخطرها: شق صفوف المسلمين، وشغل الشباب عن القضايا الكبرى للأمة، وزيادة معدل جرائم القتل والاعتداء على الآخرين، والانشغال عن الواجبات، والتفريط في الطاعات.
  6. علاج التعصب يبدأ من ترسيخ مفاهيم الإحسان، والحب والبغض في الله، والوحدة ونبذ الفرقة والعصبية، وجعل ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى.
  7. يقع عبء كبير على جميع مؤسسات الدولة في الوقاية من التعصب وعلاجه؛ بدءًا من الأسرة والمدرسة وأهل العلم، وانتهاءً بالمؤسسة الإعلامية والأمنية والقضائية.

 

التوصيات

  1. ربط الأفراد والمجتمعات بالخالق سبحانه وتعالى، وتنمية الرقابة الذاتية في نفوسهم.
  2. استضافة أهل العلم الشرعي ممن لهم القبول في أوساط الشباب في البرامج الرياضية لتوجيه الشباب نحو التنافس الشريف.
  3. أن تحرص الأسر والمساجد والمؤسسات الاجتماعية والإعلام على توجيه الشباب إلى معالي الأمور.
  4. سن العقوبات الرادعة على كل فرد أو مؤسسة أو إعلامي يشجع على التعصب الرياضي.
  5. إجراء البحوث العلمية المتخصصة عن هذه الظاهرة من جميع نواحيها الشرعية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم