تتميز التربية الإسلامية بأن أسسها ثابتة، لأن مصدرها ثابت غير خاضع للتحريف والتغيير والتبديل، فهي تجمع بين الثبات والتغير، فالثبات يكون في العقيدة والعبادة والتشريع والأخلاق والنظم، وليس معنى ذلك أنها تتصف بالجمود، بل هناك مرونة في الوسائل والأساليب، تمكنها من الوقوف أمام السيل الجارف من الفلسفات والاتجاهات التربوية المتباينة في عالمنا المعاصر.
هدفت هذه الدراسة التى أعدها الدكتور زكريا عبد الله محمد العوكلي، الأستاذ بكلية الآداب- جامعة عمر المختار– ليبيا، إلى التعرف على الآراء والأفكار التربوية لدى بعض الجماعات والعلماء المسلمين، وكذلك التعرف على أهم مؤسسات التربية الإسلامية وتطورها.
آراء بعض العلماء المسلمين في التربية
أولًا: الفكر التربوي عند الغزالي (450 - 505هـ)
ولد أبو حامد الغزالي سنة 451هــ (1058م) ببلدة طوس في خراسان في بلاد فارس، ولقد كان مولده في أسرة فقيرة حيث كان أبوه غزّالًا، وقد تلقى أصول تربيته الأولى في بيت أحد أصدقاء والده من أتباع الصوفية.
يرى الغزالي أن التربية هي تهيئة البيئة التي تترك لإمكانات الإنسان الطبيعية أن تأخذ طريقها للنمو التلقائي، وأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى، كما يرى أن طلب العلوم والإقبال عليها ليس بالمسألة الكمية وإنما هي مسألة كيفية، وهو بذلك يلامس أهم المشكلات التي واجهت التربية والتعليم عند معظم الأمم، وهي مسألة إحداث توازن بين الجانبين الكمي والنوعي في التعليم.
أهم آراء الغزالي في تربية الصبيان
- إبعاد الصبية عن العبث والمجون، وذلك بشغل أوقات فراغهم من خلال تعويدهم على القراءة.
- تهذيب الصبية عبر تعليمهم أمور دينهم وممارسة العبادات اللازمة.
- الاعتدال في تهذيب أخلاق الصبية والبعد عن التدليل.
- ضرورة أن تكون هناك فترات يقوم فيها الصبية بأداء بعض الألعاب الجميلة ليستريحوا ويستعيدوا نشاطهم.
- اعتمد مبدأ الثواب والعقاب، ولكنه يرى ضرورة عدم التمادي في معاقبة الصبية لأن ذلك يجعلهم ينصرفون عن العلم.
- أقر بتهذيب الفطرة وتعديل الغرائز، ولا يكون ذلك بالقهر والقمع وإنما بالرياضة والمجاهدة وطول الصبر.
- أقر بضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال.
أهم آراء الغزالي بشأن المعلم
- يجب أن لا يتقاضى المعلم أجرًا على ما يقدم من علم، فهو قدوة لتلاميذه فلا ينهاهم عن فعل ويأتي بمثله.
- يجب أن يقدم المعلم النصح لتلاميذه بطريقة الرحمة والموعظة الحسنة، وأن يجريهم مجرى بنيه، وأن لا ينقلهم من تعلم موضوع إلى آخر قبل أن يتمكنوا من فهم الموضوع الأول.
- يجب على المعلم أن لا يزرع في نفوس التلاميذ النفور من العلوم التي لا يدرسونها، وأن لا يصعب عليهم ما يدرسوا، وأن يراعي ما بين التلاميذ من فروق فردية.
ثانيًا: الفكر التربوي عند ابن خلدون (732- 809هــ)
هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خالد ابن الخطاب، ولد سنة 732هــ (1332م) في تونس حيث كانت نشأته وتلقيه علومه الأولى. ولقد نشأ في كنف والده الذي لقنه أصول اللغة العربية وفنونها وأساليبها وتطبيقاتها. وحفظ القرآن علي يد أبي عبد الله بن نزال الأنصاري، كما تتلمذ على يد إمام المحدثين في تونس أبي عبد الله محمد بن جابر الملقب بشمس الدين، ويقر ابن خلدون بأنه أخذ العلوم العقلية والمنطق وسائر الفنون الحكمية والتعليمية على يد شيخه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم.
أهم آراء ابن خلدون التربوية
تعليم العلوم وتعلمها: من خلال الآتي:
- التدرج في تعليم الصبيان، حيث نبدأ من السهل إلى المركب؛ لكي يتيسر فهم ما نقوله على المتعلمين، لأن بعض العلوم يؤدي إلى البعض الآخر. وهو بهذا يؤكد على تكامل العلوم.
- مراعاة ميول التلاميذ وقدراتهم واستعداداتهم، وأن يراعي المعلم ما بين الصبية من فروق.
- عدم الفصل بين الدروس؛ لأن الفصل أو الانقطاع يكون مدعاة للنسيان وعدم الفهم.
- عدم استخدام الشدة مع الصبية؛ لكونها تفسد معاني الإنسانية، وقد تؤدي إلى الانقطاع عن العلم.
- ضرورة الاستعانة بالمحاورة والمناقشة.
- الاهتمام بالجوانب التطبيقية للعلوم، فمعرفة الإنسان بالقواعد والقوانين والاصطلاحات تصبح غير مجدية إن لم يعرف كيف يطبقها.
التخصص في العلوم: وذلك للأسباب التالية:
- عجز البشر عن الإلمام بكل العلوم؛ وذلك بسبب كبر حجم وتشعب الخبرات والمعارف البشرية.
- الاستعداد: إن لكل إنسان ميول واتجاهات نحو علم من العلوم، بينما يمر على علم آخر مرور الكرام.
- إتقان الفن: فمزاولة وممارسة الإنسان لأمر واحد تقوده إلى الإبداع والابتكار من خلال العمل في هذا العلم أو ذلك.
من مؤسسات التربية الإسلامية
أولًا: المساجد
لقد كان الرسول ﷺ أول من اتخذ المسجد مكانًا للدعوة والتعليم، حيث قام التعليم في المسجد على أساس تعليم الناس أمور دينهم وتذكيرهم بالآخرة، وكان التعليم يعتمد على الأسلوب القصصي ممتزجًا بالعلوم والحكمة والموعظة. كما كان يدرس بالمسجد علوم الدين من القرآن والتفسير والحديث، كما اتسعت الدراسة بالمسجد حتى شملت علوم الكلام، والفقه، والفلسفة، والنحو، والآداب، والتاريخ، والحساب، والفلك، والطب، وغيرها ...الخ.
ثانيا: الكُتّاب
يقول ابن منظور في كتابه لسان العرب: الكُتّاب هو موضع تعليم الكتابة، والكُتّاب أحد ركائز التعليم في الإسلام، ويقال أنه عُرف في بلاد العرب قبل الإسلام على نطاق ضيق ومحدد، وقد كان عبارة عن مكان مستقل، أو غرفة في منزل، أو حجرة مجاورة للمسجد، أو ملحقة أو خيمة من جملة خيام الحي.
وقد كانت الدراسة في الكُتّاب تمتد طوال أيام الأسبوع ما عدا الجمعة، والنصف الثاني من يوم الخميس، وكان اليوم الدراسي يبدأ بحفظ القرآن حتى الضحى. ثم ينتقل التلاميذ إلى تعلم الكتابة، وبعد ذلك ينصرفون إلى بيوتهم، وتنتهي دراسة الصبي في الكُتّاب عند إتمامه حفظ القرآن.
ثالثًا: المدارس
يقول السبكي في كتابة طبقات الشافعية: إن المدارس الإسلامية الأولى بنيت على الطراز المعماري للمساجد، ولم يكن يميز المدرسة عن المسجد إلا وجود الإيوان، وهو قاعة الدرس، بالإضافة إلى أماكن إقامة المعلمين والطلاب وما يتطلب ذلك من مرافق خاصة، وربما يرجع ذلك إلى تداخل وظيفة المدرسة أول ظهورها بوظيفة المسجد، فقد كان يعين للمدارس مؤذنون وقيام، ويقام فيها منابر للخطابة وأقيمت فيها الصلاة؛ كما استخدمت في بعض الأحيان كمركز للتقاضي وفض المظالم، وكانت المدارس تتكون عادة من صحن أو فناء ومن إيوانات تحيط بها قباب، وكانت تلحق بها مكتبة، وكان برنامج الدراسة يتضمن مواد أساسية هي علوم الدين، والعلوم العقلية، وأخرى فرعية، هي: الحساب، والتاريخ، والآداب، وبعض العلوم العقلية الأخرى.
رابعًا: المكتبات
مع ظهور صناعة الورق في عصر الدولة العباسية انتشرت المكتبات، حيث أنشئ أول مصنع للورق على يد الفضل بن يحي وزير هارون الرشيد.
خامسًا: البيمارستانات
تطلق على دور علاج المرضى، حتى حلت محلها كلمة مستشفى، عند إنشاء مستشفى أبي زعبل في مصر سنة 1825 ميلادية، وكان لكل بيمارستان رئيس أطباء يلقي دروسه على الطلبة، وكان من يتم دروسه منهم يقدم رسالة في فرع الطب الذي يختاره، ويؤذن له بممارسة المهنة ويُعطى ترخيصًا كتابيًا أو إجازة بذلك، ولم يكن يجوز لأحد أن يمارس هذه المهنة إلا إذا تقدم لامتحان يعقد لهذا الغرض.
.