تمتاز حياة الإنسان المسلم بأنها زاخرة بالأعمال الصالحة، والعبادات المشروعة التي تجعل المسلم في عبادة مستمرة، وتحول حياته كلها إلى قولٍ حسن، وعملٍ صالح، وسعي دؤوب إلى الله جل في علاه، دونما كللٍ أو ملل أو فتور أو انقطاع. والمعنى أن حياة الإنسان المسلم يجب أن تكون كلها عبادة وطاعةً وعملًا صالحًا يقربه من الله تعالى، ويصله بخالقه العظيم جل في علاه في كل جزئية من جزئيات حياته، وفي كل شأن من شؤونها.
وفى الدراسة: « الأيام العشر من شهر ذي الحجة.. فضلها وخصائصها ودروسها التربوية»، يرى الباحث محمد الجغاوى، أن في حياة المسلم مواسم سنوية يجب عليه أن يحرص على اغتنامها والاستزادة فيها من الخير، ومنها الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة لما لها من الفضل والخصائص.
خصائص الأيام العشر وفضلها
- أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم، فقال عز وجل: {والفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 2،1).
- أن الله تعالى سماها في كتابه (الأيام المعلومات)، وشرع فيها ذكره على الخصوص فقال سبحانه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (الحج: 28).
- أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد».
- أن فيها يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج.
- أن فيها يوم عرفة، وله فضائل عظيمة، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المباهاة.
- أن فيها ليلة جمع، وهي ليلة المزدلفة التي يبيت فيها الحجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة.
- أن فيها فريضة الحج، الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام.
- أن فيها يوم النحر، وهو يوم العاشر من ذي الحجة، الذي يعد أعظم أيام الدنيا، كما روي عن عبد الله بن قرط عن النبي ﷺ أنه قال: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر».
- أن الله تعالى جعلها ميقاتًا للتقرب إليه سبحانه بذبح القرابين، كسوق الهدي الخاص بالحاج، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين.
- أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة».
- أن هذه الأيام المباركات تعد مناسبة سنوية متكررة تجتمع فيها أمهات العبادات، كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره».
- أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحجاج إلى بيت الله الحرام، والمقيمون في أوطانهم؛ لأن فضلها غير مرتبط بمكان معين إلا للحاج.
من العبادات المشروعة في الأيام العشر
- أداء الحج والعمرة، لما لها من الأجر العظيم، وهي أفضل عبادة يُتقرب بها إلى الله في هذه الأيام.
- الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم.
- الإكثار من الدعاء الصالح في هذه الأيام؛ اغتنامًا لفضيلتها، وطمعًا في تحقق الإجابة فيها.
- ذبح الأضاحي؛ لأنها من العبادات المشروعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق.
- الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية؛ قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ...} (البقرة: 245).
- الصيام؛ لكونه من أفضل العبادات، ولا يعلم ثوابه إلا الله سبحانه وتعالى.
- قيام الليل؛ لكونه من العبادات التي حث النبي ﷺ على المحافظة عليها، وهو شرف المؤمن.
- زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة، وهي من الأعمال الصالحة المستحبة للمسلم لعظيم أجر الصلاة في المسجد النبوي، التي هي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
- التوبة والإنابة إلى الله تعالى؛ قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).
من الدروس التربوية المستفادة من الأيام العشر
- التوجيه النبوي التربوي إلى أن في حياة الإنسان المسلم بعض المناسبات التي عليه أن يتفاعل معها تفاعلًا إيجابيًا، يمكن تحقيقه بتغيير نمط حياته، وكسر روتينها المعتاد بما صلح من القول والعمل.
- تواصل الإنسانِ المسلمِ طيلة حياته مع خالقه العظيم من خلال أنواع العبادة المختلفة؛ لتحقيق الامتثال الخالص، وفي هذا تأكيد على أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعة لله تعالى من المهد إلى اللحد.
- شمولية العمل الصالح المتقرب به إلى الله عز وجل لكل ما يقصد به وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، سواء أكان ذلك قولا أم فعلًا.
- حرص التربية الإسلامية على فتح باب التنافس في الطاعات؛ حتى يُقبل كل إنسان على ما يستطيعه من عمل الخير كالعبادات المفروضة، والطاعات المطلوبة من حج وعمرة، وصلاة وصيام، وصدقة وذكر ودعاء… الخ. وفي ذلك توجيه تربوي لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته؛ لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأخروية، المتمثلة في الفوز بالجنة، والنجاة من النار.
- تكريم الإسلام للإنسان عبر نسك عظيم- وهو الحج- ذي مضامين تربوية عديدة تبرز في تجرد الفرد المسلم من أهوائه ودوافعه المادية، وتخلصه من المظاهر الدنيوية، وإشباعه للجانب الروحي الذي يتطلب تهيئة عامة، وإعدادًا خاصًا تنهض به الأعمال الصالحات.
- تربية الإنسان المسلم على أهمية إحياء مختلف السنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته؛ لاسيما وأن باب العمل الصالح مفتوح لا يغلق منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت.
.