إن الدور التربوي الذي يؤديه رب الأسرة لا يمكن لأي إنسان آخر أن يقوم به أو أن يحقق النجاح الذي يحققه، لما لأبنائه من منزلة عاطفية فطرية عنده، فضلًا عن مصداقية القوامة والريادة التربوية، مما يجعله الرجل الأول في حياة أبنائه، ولهذا ينصح الباحثون كل والد بحسن استثمار هذه العلاقة الربانية في توجيه وتربية أبنائه، ولا يتأتى له ذلك إلا إذا توفرت مصداقية تربوية أخلاقية تكفل له منزلة متميزة في صدور أبنائه.
وفى هذه الدراسة، يرى الدكتور أبو الفتوح عقل، ألا شيء أفضل من تنشئة الأبناء على قيم الإسلام الحنيف وآدابه الذي نشرف جميعًا بالانتماء إليه، وأن الأب يستطيع أن يعوض ابنته العجز التربوي والفكري الذي خرجت به من المرحلة الثانوية بل من المرحلة الجامعية.
والمفترض فيمن يقوم بهذا الدور أن يتبوأ موقعًا مكينًا عند ابنته؛ حتى تحسن الفتاة التلقي عنه بثقة واطمئنان، فهو أبوها وموضع ثقتها ومحل عزها وفخرها ورصيدها الوجداني الأول، وأول من عرفت من الرجال.
ضرورة الحوار الأسري الهادف
ومما يزيد سعادة البيت لغة الحوار الأدبية الراقية التي اعتمدت على قاموس لغوي راقٍ، يعود في أصوله إلى لغة الوالدين؛ حيث كان كلاهما حريصًا فيما مضى على استعمال اللغة المهذبة والأساليب الراقية أمام الأبناء؛ لأنهما يعلمان أنهما يمثلان المصدر الأول للقاموس الأخلاقي للأبناء.
في مثل هذا الجو الجميل تستقر القواعد والأصول وتعاليم شرع الله تبارك وتعالى، وما وصية لقمان لولده إلا مثلا لذلك بعد أن بدأها بأسلوب التدليل والتقريب: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وفي مثل هذا الجو كذلك نحبذ أن يجلس الوالد مع كبرى بناته ليقدم وصاياه الغالية بما يتناسب مع المرحلة السنية التي تعيشها الفتاة، ولا أظن أن جلسة أخرى تعدل في قيمتها ونبل مقاصدها هذه الجلسة الأبوية التربوية الروحية السامية.
وصايا غالية لابنتي
وأكاد أسمعه يوصيها بمن خطبها وبأهله خيرًا ويقول: «اعلمي يا عزيزتي أن رأس مال الزوج دينه وخلقه، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذا الشاب ومنذ نشأته بيننا ما علمنا عنه إلا خيرًا وكثيرًا ما نراه يؤدي الصلوات الخمس معنا في المسجد، وقد سألنا عنه فأجمع الناس على صلاحه وتقواه، وفوق هذا وذاك فهو اختيار الله عز وجل الذي يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]، والله ما أراد الله بعبده إلا خيرًا، ولا يأتي من قبله أبدًا إلا خير، فارضِ يا ابنتي بما قسم الله لك، واحمدي الله على فضله وإحسانه، وسلي ربك الكريم أن يرضيك بما قسم، واعقدي العزم أن تكون عونا له في أمور دينه ودنياه، واعلمي يا حبيبتي أن المودة والرحمة التي وعد الله بها الزوجية تتوقف على إخلاص كل طرف للطرف الآخر».
الوصية بوالدي الزوج
«ثم أوصيك يا ابنتي خيرًا بوالديه، إنهما يستحقان منك العون والتوقير، بل عن وجودهما فرصة ذهبية لتحسني إليهما وترفعي رصيدك عند الله تبارك وتعالى من الأجر والثواب ولتردي لهما بعض الجميل بعد أن أفنيا حياتهما من أجل ولدهما، حتى قدماه لك على طبق من ذهب رجلاً كريمًا متعلمًا ملء السمع والبصر، ولا تنسي –رحمك الله– أن الزوج يَسُرُه كثيرًا أن يرى والديه محل اهتمام وتقدير، وأنت أولى الناس بذلك في هذه المرحلة، بل إن كثيرًا من الأزواج يتسامحون فيما يقع من التقصير في حقهم إذا ما رأوا آباءهم وأمهاتهم موضع عناية واهتمام من قبل الزوجة التي تتبوأ بذلك مكانًا مرموقًا لدى زوجها إذا كان شأنها كذلك مع والديه، هذا فضلاً عن التكريم الذي ينتظرك وأنت في مثل سنها: [فالبر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، افعل ما شئت كما تدين تدان].
.