علاقة علوم الدين بعلوم التربية وعلم النفس علاقة قديمة قدم الإسلام، وثمة نموذج معرفي كامن وراء هذا العلوم من حيث أصولها ومحتواها وتعليمها وتعلمها، بل نذهب إلى أن ثمة نموذجًا معرفيًا كامنٌ وراء كل قول أو ظاهرة أو سلوك إنساني. هذا المذهب هو مصدر الوحدة وراء التنوع، وهو الذي يربط كل التفاصيل فتكتسب معنى ودلالة، وتصبح جزءًا من كل وليس شيئًا منغلقًا بلا رابطٍ.
وفى دراسة للأستاذ الدكتور علي أحمد مدكور، عميد معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة سابقًا، بعنوان: «علاقة علوم الدين بالعلوم التربوية والنفسية»، يُلقي الضوء على علاقة علوم الدين بعلوم التربية وعلم النفس، وعلى الفصام النكد الذي فصل بين هذين النوعين من العلوم، وسبيلنا إلى جبر الكسور التي تفصل بينهما ابتداء بالتصور الإسلامي الذي تخضع له علوم الدين باعتبارها علوم المقاصد، وكذلك العلوم التربوية والنفسية باعتبارهما من علوم الوسائل. ويعرج بعد ذلك إلى التصور الغربي الذي تم تحويل معظم الممارسات التربوية والنفسية إليه بعد الهجمة الاستعمارية الشرسة على أقطار العالم العربي والإسلامي.
الرؤية الإسلامية
التصور الإسلامي الذي يُفترض أن تنبثق منه علوم الدين والعلوم التربوية والنفسية، هو: أن الله واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، هو الأول والآخِر، والظاهر والباطن، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، منه صدر كل شيءٍ، وإليه يعود كل شيءٍ.
يقتضي فهم هذا التصور الإسلامي إلقاءَ الضوء على بعض المفاهيم الحاكمة ذات الصلة بموضوع البحث، ومن أهم هذه المفاهيم: مفهوم الدين في التصور الإسلامي، ومفهوم العبادة، ومفهوم الفلسفة، ومفهوم التربية والمناهج بين الأصالة والمعاصرة.
الدين عند الله هو الإسلام، من آدم- عليه السلام- مرورًا بكل الأديان السماوية إلى محمد ﷺ، والدين في التصور الإسلامي هو: «المنهج أو النظام الذي يوجه حركة الحياة». قال تعالى: {لِكلٍ جَعَلنَا مِنكم شِرعَةً وَمِنهَاجًا}، (المائدة: 48). فالإسلام عقيدةٌ وشريعةٌ؛ أي أنه تصور عقديّ ينبثق عنه نظام اجتماعي؛ أي: منهج يحكم كل نشاط الإنسان في الحياة. وعلى هذا فكل «دين» هو منهج لحكم الحياة، وكل منهج لحكم الحياة هو «دين». فدِين الجماعة من البشر هو المنهج الذي يصرف حياة هذه الجماعة؛ مع شمول المفهوم للإيمان والاعتقاد في القلب، والسلوك في واقع الحياة وفق ذلك.
والعبادة في هذا التصور عاطفةٌ فطريةٌ مركوزة ٌفي النفس الإنسانية بحكم فطرتها، لكن إشباعَ هذه الغريزةِ الفطرية يختلف باختلاف مراحل التاريخ الإنساني وباختلاف الجماعات الإنسانية؛ فالناس يختلفون في عباداتهم باختلافهم في عقائدهم.
ومن أهم خواص مناهج التربية الإسلامية أنها مناهج عبادة لله؛ فالعبادة هي العبودية لله وحده، والتلقي من الله وحده في كل أمور الدنيا والآخرة... إنها الصلة الدائمة بالله في جميع الأحوال. فالمسلم عابد لله أينما توجه إلى الله؛ فالعبادة هي الحياة.
والإسلام يوسع مفهوم العبادة لتشمل حياةَ كل المخلوقات: {وَمَا خَلَقت الجِن وَالإِنسَ إِلا لِيَعبدونِ}، (الذاريات: 56)، {تسَبِح لَه السمَاوَات السبع وَالأَرض وَمَن فِيهِن وَإِن مِن شَيءٍ إِلا يسَبِح بِحَمدِهِ وَلَـٰكِن لا تَفقَهونَ تَسبِيحَهم}، (الإسراء: 44).
إننا عندما نتسول أرزاقنا من غرس أعدائنا فلسنا عابدين لله حق عبادته، إن الاستخلافَ في الأرض والتمكين والأمن والقيادة والريادة والنصر.. كل هذا مرهونٌ بالعبادة الحقيقية لله، وعلى هذا يجب أن تركز مناهج التربية الإسلامية الأصيلة.
والكون في التصور الإسلامي غيب وشهود، وهو آية الله الكبرى، ومعرض قدرته المعجزة المبهرة، أراده الله فكان، وقدره تقديرًا محكمًا، وجعل كل شيء فيه خاضعًا لإراداته وتدبيره.
والإنسان في هذا التصور مخلوق لله، لعبادة الله، وتقتضي العبادة أن يقوم بإعمار الأرض وترقية الحياة وفق منهج الله وشريعته، وقد سخر الله الكونَ لخدمته، وأنه عائد إلى الله، فمن عَمَّرَ دُنياه فقد عمر آخرته، ومن خَرَّبَ دنياه فقد خرب آخرته؛ لذا فحياته ذات معنًي وهدف.
ومثل هذه الرؤية تجعل الإنسان يؤمن بوجود عدل في الأرض، وأن العالم له معنى، وأن الحياة محكومة بسنن وقوانين، وأن اللغة هي الأخرى تشكل نظامًا تحكمه قوانين ثابتة، لذا يمكن التواصل من خلالها.
والحياة- في التصور الإسلامي- ليست هي هذه الفترة القصيرة التي تمثل عمر الفرد؛ وليست هي هذه الفترة المحدودة التي تمثل عمر الأمة من الناس، كما أنها ليست هذه الفترة المشهودة التي تمثل عمر البشرية في هذه الحياة الدنيا.
إن الحياة تمتد طولًا في الزمان، وتمتد عرضًا في الآفاق، وتمتد تنوعًا في الحقيقة لتشمل الحياة الدنيا بكل أبعادها، والحياة الأخرى النهائية في آفاقها.
بهذه الرؤية تصبح حياة الإنسان ذات معنى، وتستحق كل ما يبذله الإنسان في سبيل إعمارها وتحقيق الغاية من وجودها ووجود الإنسان فيها.
الفلسفة في هذا التصور العام هي تصور ما للألوهية والكون، والإنسان والحياة. وبذلك تتمثل الفلسفة الإسلامية في التصور الإسلامي لحقائق الإلوهية والكون والإنسان والحياة، وفي طبيعة العلاقات والارتباطات بين هذه الحقائق.
فالفلسفة الأمريكية هي التصور الأمريكي (البراجماتي) النفعي للألوهية والكون والإنسان والحياة.
والفلسفة الفرنسية هي التصور الموسوعي العَلماني للألوهية والكون والإنسان والحياة.
والفلسفة الماركسية هي التصور الماركسي للألوهية والكون والإنسان والحياة.
فكل فلسفةٍ هي تصور ما للألوهية والكون والإنسان والحياة. وكل فلسفة لها غاياتها المعرفية والإنسانية والاجتماعية وفق رؤيتها الكلية للألوهية والكون والإنسان والحياة.
والعلاقة بين الفلسفة وبين الدين علاقة وثيقة؛ حتى قيل: إن الفلسفة هي بنت الدين وأم العلم؛ فالدين هو الذي مَهَّد لها، في حين أنها أنتجت العلوم الكونية، ويدل تاريخ الفلسفة على وجود صلة وثيقة بين الفلسفة والدين منذ أقدم العصور، وأن الفلسفة قد نشأت في حصن الدين، واستمدت أفكارها وموضوعاتها الأساسية منه.
وباختلاف الأديان اختلفت الفلسفات، فالفلسفات المنبثقة عن الأديان السماوية ذات طبيعةٍ ثابتةٍ، وجانبها التطبيقي يدور في فلك جانبها العقدي، ومن هنا كانت العلوم الدينية ذات طبيعة ثابتة، ومتغيراتها تدور حول محور ثوابتها.
والفلسفات المنبثقة عن أديان وضعية ذات طبيعة متغيرة بتغير المزاج الاجتماعي على مر التاريخ، وقد صبغت العلوم التربوية والنفسية بصبغتها فجاءت مختلفة ومتضاربة وقد صدر لنا الاستعمار كل ذلك فنسجنا نظمنا التربوية على منواله.
والفلسفة الإسلامية تَنشد المعرفةَ والحكمةَ، والحكمة في التصور الإسلامي هي أصفى رحيق يقطر عقل الإنسان، وجوهر الفلسفة في الإسلام هي الحكمة التي هي الإيمان بالله وبمنهج الله في إعمار الحياة. قال– تعالى-: {يؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا وَمَا يَذكر إِلا أولو الأَلبَابِ}، (البقرة: 269).
والتربية -في هذا التصور- منظومة متشعبة، ذات نظم وأساليب متكاملة، تنبع من التصور الإسلامي لحقائق الألوهية والكون والإنسان والحياة، وتهدف إلى إعداد الإنسان للقيام بحق الخلافة عن الله في الأرض، عن طريق إيصاله إلى درجة كماله التي هيأه الله لها.
وفي كتاب مفردات الراغب الأصفهاني: «الرب: في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام».
وقد استنبَط الأستاذ الباني من هذه الأصول اللغوية، ومما قاله البيضاوي والأصفهاني، أن التربية تتكون من مجموعة من العناصر، أهمها ما يلي:
- المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.
- تنمية مواهبه واستعداداتِه كلها، وهي كثيرةٌ ومتنوعةٌ.
- إيصال كل مربٍّ إلى درجة كماله الخاصة التي هيأه الله لها.
- توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب للعمل في الأرض والقيام بحق الخلافة فيها عن الله.
- التدرج في هذه العملية وهو ما يشير إليه البيضاوي بقوله: «شيئًا فشيئًا»؛ والراغب الأصفهاني بقوله: «حالا فحالا».
ثم يستخلص من هذه العناصر مجموعة من النتائج الأساسية في فهم عملية التربية، أهمها ما يأتي:
النتيجة الأولى: أن التربية عملية هادفة، فهي تهدف إلى تحقيق أغراض الإسلام ومقاصده في المتعلم، وفي مجتمعه.
النتيجة الثانية: أن المربي الحق على الإطلاق هو الله الخالق، خالق الفطرة، وواهب المواهب، الذي سنّ سُنَنًا وقوانين لنموها وتدرجها وتفاعلها، وشرع شرعا لتحقيق كمالها وصلاحها وسعادتها.
النتيجة الثالثة: أن عمل المربي تالٍ وتابعٌ لخَلقِ الله وإيجاده، كما أنه تابعٌ لمنهج الله وشريعته.
النتيجة الرابعة: أن التربية هي حيثية إيمانِنا بالله، فنحن آمنا بالله معبودًا؛ لأننا آمنا به ربًّا، فنحن نوجه الحمدَ لصاحب النعمة قائلين: «الحمد لله»، وحيثية ذلك أنه «رب العالمين».
النتيجة الخامسة: أن التربية تقتضي خططًا متدرجة، تسير فيها الأعمال التربوية، وفق منهج منظم صاعد، يتنقل مع الناشئ من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى أخرى، حتى يصل كل إلى درجة كماله الخاصة به، وأن يتم كل ذلك وفق وسائل وغايات العلم، والفن، والاستنبات حسب مفهوم كل منها في التصور الإسلامي.
والنتيجة السادسة: أن أصالة العلوم التربوية والنفسية تقتضي أن تكون نابعة من التصور الإسلامي. فالذي لا شك فيه أن مفهوم الأصالة والمعاصرة يختلف من منظومة حضارية إلى منظومة حضارية أخرى، ففي المعاجم العربية نجد أن الأصالة في الرأي جودته، والأصالة في الأسلوب ابتكاره، والأصالة في النسب عراقته، وأصل الشيء أساسه الذي يقوم عليه، ومنشؤه الذي ينبت منه، وأصول العلم، قواعده التي تُبنى عليها أحكامه. وبناءً على ذلك فإن الأصالة في التربية اعتمادها على القواعد والأسس الأصيلة التي تقوم عليها، والأرض التي نبتت فيها.
أما المعاصرة في التربية، فهي تحقيق التربية لأهدافها في زمنٍ معينٍ وَفقَ معطيات الزمان والمكان وحاجات الناس في ذلك الزمن، ومع استخدام ما توفر لها من الوسائل والأدوات في ذلك الزمن.
وتتخذ النظم التربوية من هذا المفهوم للمعاصرة أحد الموقفين التاليين: فبعض النظم التربوية تجعل من المعاصرة معيارًا أساسيا، فتتغير تغيرًا كبيرًا من وقتٍ لآخَرَ وَفقًا لمعطيات الزمان والمكان وحاجات الناس، وقد يجرف هذا التغير ضمنَ ما يجرف بعضَ القواعد والأصولِ الأساسية في فلسفتها... فهذه النظم تَصنع فلسفتَها، وتقوم بتغييرها.
وهناك من النظم التربوية ما يتغير مع العصر انطلاقًا من قواعده الأصلية، وأسسه الثابتة، وذلك كالتربية الإسلامية التي تعمل على بناء الإنسان المسلم والمجتمع المسلم في كل زمان ومكان انطلاقًا من قواعدها الربانية، مع استخدام كل ما هو مفيدٌ ونافعٌ من معطيات الإنسان والزمان والمكان، والرسول ﷺ يقول: «الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجَدَها فهو أحق الناس بها»، رواه البيهقي.
والخلاصة هي: أن الأصالة في كل منظومةٍ حضاريةٍ، هي أن يجيءَ العمل نابعًا من الأصول الفلسفية والبنَى التحتية لكل منها، والمعاصرة هي الأخذ بالوسائل والأساليب وطرائق التفكير والعمل التي تحقق أهداف التربية في كل منظومة، وفقًا لمعطيات الزمان والمكان والإنسان.
فالتربية الإسلامية يجب أن تكون أصيلةً فيما يتصل بأهدافها العامةِ، كبناء الإنسان العابد لله، القادر على القيام بحق الخلافة في الأرض وَفقَ منهجِ الله، وأن تكون أصيلةً أيضًا فيما يتصل بمحتواها الخاص بالحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، لكنها يجب أن تكون معاصرةً فيما يتصل بالخِبرات والمعارف والمهارات المتطورة؛ حيث إنها تَعد الإنسانَ الذي يَقوم على إعمار الأرض وترقيةِ الحياة في كل زمانٍ ومكانٍ وفقَ ظروفِ ومتطلباتِ الحياة في الزمان والمكان.
وأصالة التربية في الإسلام تعني أن يجيء التفكير التربوي بجميع ألوانه وأنماطه متسقًا مع التصور الإسلامي لحقيقة الألوهية وحقيقة الكون وحقيقة الإنسان، وحقيقة الحياة. فهذه هي القواعد التي تقيم نظمها وتهدي إلى مثلها، وطرائقها وأساليبها.
الرؤية الغربية
الرؤية الغربية ذات صبغة طبيعية، وتذهب الرؤية الطبيعية إلى أن الإله يَحل في مخلوقاته، ويلتصق بها، ويتوحد معها، إلى أن يصبح مثلها خاضعًا لقوانين الطبيعة/ المادة، أي أن «الإله قد مات» حسبَ تعبيرِ نيتشه!
الحضارة الغربية التي تأثرنا بها في تدريسنا للتربية وعلم النفس، تقدم تصورًا للألوهية، والكون، والإنسان يدور في إطار نموذجين متقاربين:
النموذج العضوي الذي يركز على الاستعارة العضوية الأساسية، والذي يرى أن العالم كل مترابط الأوصال كالكائن الحي؛ ولذا فهو في حالة حركة دائمة، وأن المبدأ الواحد الذي يسري في الكون ويحركه هو مبدأٌ عضوي كائنٌ فيه. وتحتوي الظواهر على مصدر تماسكها، ومبدأ نموها وحركتها، ومقومات وجودها وحياتها وموتها، وركيزتها الأساسية، وكل ما يلزم لفهمها، ومن هذا النموذج خرج مفهوم «تحليل النظم»، وظهر الجشطالت.
والنموذج الآلي: الذي ركز على استعارة حركة الآلة؛ فهو يرى: «أن العالم أيضًا في حالة حركة دائمة... لكن الظواهر لا تنمو بقوة دفع من داخلها، وإنما هناك قوة دفع خارجية تقوم بتحريكه، وبالتالي فإن العالم يشبه الآلة (الساعة مثلًا) التي تدور وتدار من الخارج، حسب معايير يفرضها صانع الساعة أو القائم على إدارة الآلة، إلا أن حركة الآلة تسير- بعد أن يبدأها المحرك الأول- بغير تدخل من عقلٍ أو توجيهٍ، وقد استمدت العلمانية أساسَها من هذا النموذج».
والنموذجان- رغم تعارضهما الظاهري- متقاربان تمامًا داخل إطار المادية الكامنة؛ فهما يحلان مشكلة النسق ووحدته، ومصدر تماسكه، ومصدر حركته واتجاهه، ولكن كلاهما يؤدي إلى الانغلاق والواحدية.
والإنسان داخل النموذجين أو النسقين إنسان طبيعي مادي، فهو جزء من كل طبيعي مادي، وهو كلٌ يدور بشكل آلي فى المنظومات المادية الأكبر منه أو التي تحتويه، وينمو بشكل عضوي في المنظومات العضوية، ولكن الإنسان فى كلتا الحالتين كائن طبيعي لا حول له ولا قوةَ.
من هذه الرؤية الحداثية تصدر المنظومة العلمانية الشاملة- الطبيعية المادية الواحدية- عن الإيمان بالمرجعية النهائية الكامنة في المادة، ولذا فهي تدور حول الإنسان الطبيعي (المادة) ومن الطبيعة، وعلى الطبيعة، وبالطبيعة وآفاقها آفاقة، ولذا عليه ألا يتجاوزَها، وإنما عليه تحقيق قانونِها والذوبان فيه؛ أي: عليه التخلي عن هويته الإنسانية، وكيانه المركب المستقل، ووعيه الفردي والاجتماعي، ومقدرته على الاختيار الحر.
كما أن عليه الانسحابَ من الحضارة والقيم والاتجاه والتراتب الهرمي، إلى عالم الطبيعة الذي لا حدود له، ولا تجاوز فيه، والذي يحوي داخله كل ما يكفي لتفسيره. أي أن على الإنسان الانسحاب إلى حالة جنينية محبطة أفقية سطحية، حالة واحدية البعد، تشبه الجسم الأصم، لا تعرف التدافع أو الثنائيات أو الثغرات.
وما بعد الحداثة هي آخر محاولات الانفلات من الرؤية العضوية الآلية المنغلقة، ولذا فهي تعلن سقوط المركز، واختفاء الذات، والموضوع، والاتجاه، والمرجعية. ولكن ما نجم عن هذا ليس انفتاحا وتحررًا للإنسان، وإنما تفتيت في الكون، وغياب لأية مرجعية، وضمن ذلك المرجعية الإنسانية، أي: أنها خروج من الثنائية الصلبة، وسقوط في السيولة الشاملة.
ويلاحظ في كل هذه الرؤى العلمانية -الحداثية وما بعد الحداثية- أن الصورة الأساسية ليست صورةَ إنسانٍ مركبٍ اجتماعي (رباني)، قادر على التجاوز والاختيار، وإنما هي صورة لكائن غير إنسانى؛ فهو إما فوق إنسان (سوبرمان) يتحدى الآلهة، ويحاول أن يكون إلهًا، أو هو دون الإنسان منزلة (سبمان). وقل نفس الشيء عن الشخصيات الأخرى التي أفرزتها الحضارة العلمانية مثل: طرزان، وباتمان، ورامبو، ودراكولا، وملكات الجنس والإغراء....إلخ.
ومع هذا يلاحظ أنه مع تزايد التحول من الثنائية الصلبة إلى السيولة الشاملة، أو من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، بدأ الانتقال من الذكورة والعنف إلى رموز الأنوثة والمثالية الجنسية والسيولة (مادونا، ومايكل جاكسون مثلا) والغياب الكامل للإنسانية (سلاحف النينجا، والكواكب الأخرى، وعالم الفضاء... إلى آخره).
هذا يعني أن العدل لا يمكن أن يوجد في الأرض، بل تسود الرؤية الداروينية التي تذهب إلى أن أي مفاهيم أخلاقية إن هي إلا مؤامرة الضعفاء على الأقوياء، وأنه لا يوجد قانون في الأرض وإنما يوجد صراع، فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان، والقيمة الأسمى هي البقاء، وآلية حسم الصراع هي القوة. واللغة بالتالي تصبح تعبيرًا عن موازين القوى، لا أداة للتواصل، ودلالة الكلمات يفرضها القوي في عالم لا معنى له ولا غاية، تسيطر عليه في الوقت نفسه القوانين الطبيعية الحتمية.
إن الاتجاه إلى تفتيت الظواهر الإنسانية لدراستها أمر منتشر بين بعض الأوساط الأكاديمية التي تتزيا بلباس العلمية والموضوعية، وباسمهما تدعو إلى عدم الخلط بين المجالات المختلفة للنشاط الإنساني، وعدم الخلط بين القيم الإنسانية والأنشطة الإنسانية. فالعلم- في نظر هؤلاء- منفصلٌ عن الإنسان، إذ لا توجد قيمةٌ في عالم الطبيعة أو المادة؛ فحينما نتعامل مع ظاهرةٍ اقتصاديةٍ يجب استخدام معاييرَ اقتصاديةٍ، وحين نتعامل مع ظاهرةٍ سياسيةٍ يجب استخدام معاييرَ سياسيةٍ، وحين نتعامل مع الأعمال الفنية يجب استخدام معاييرَ جماليةٍ، كما يجب استبعاد أيةِ معاييرَ أخلاقيةٍ أو إنسانيةٍ عامةٍ؛ لأن في هذا- حسب زعمهم- سقوطًا في الذاتية!
وقد ترتب على فصل النشاطات الإنسانية عن المعايير الأخلاقية والإنسانية ضمور المرجعية الدينية والإنسانية ثم اختفاؤها، وبذا تصبح العلوم الإنسانية غير إنسانية، وأشبه بالعلوم الطبيعية.
وهذه الرؤية ليست معاديةً للإسلام أو للإنسان وحسب، بل معاديةً للعلم ذاته، فمهمة العلم ليست توليدَ القِيَم ولا فرضَ القيودِ علينا، وإنما تفسير العالَم لنا، لكن هذه الرؤية عجزَت عن تفسير الظواهر الإنسانية؛ فهي لا ترى فارقًا بين الإنسان والطبيعة أو المادة، بل تراه جزءًا لا يتجزأ منها، خاضعًا لقوانينها؛ مذعنًا لحتمياتها، والحقيقة أن هناك فارقًا جوهريًا بين الإنساني والطبيعي، وأنه لا يمكن تجزئة النشاط الإنساني وتفتيته، وتشريح كل مجالٍ بمعزل عن المجالات الأخرى.
فالحقيقة أن الترابط موجود بين الديني والتربوي والنفسي واللغوي، بل ثمة ترابط بين كل مجالات النشاط الإنساني؛ فلا يجب أن نتصور دراسة النشاط السياسي أو الاقتصادي بمعزل عن النشاط الديني أو الأخلاقي أو الجمالي.
الإنسان في الرؤيتين
يقوم علم النفس في التصور الإسلامي على أن النفس هي جماع شخصية الإنسان، وأن الروح هي أصل النفس ومادتها، فالنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن.
وأن النفس الإنسانية واحدة لا ثلاث؛ فهي تكون مطمئنةً في بعض الحالات، وتكون أمارةً بالسوء في أحوالٍ أخرى، وتكون لوامةً في بعض الحالات.
وتمتد وحدة النفس في الإسلام لتشملَ الإنسانَ كله، بما فيه جسمه وروحه، فالنفس هي الإنسان كله، وبما أن الروحَ لا تعمل مستقلةً عن الجسم -رغم أن لها وجودًا مستقلا عنه؛ فهو ليس سجنًا لها، فكذلك النفس لا تعمل مستقلةً خارجَ مركبِ الروح والجسد.
أما علم النفس الحديث ذو الأصول الغربية، فليس للإنسان فيه نفسٌ مخلوقةٌ، وإنما له نفسٌ طبيعيةٌ؛ فالإنسان جاء نتيجةَ تطورِ الأحياء من الطبيعة، فالنفس فيه تصنَعها الظروف والمؤثرات الخارجية، فالسُّلُوكُيُّونَ والتَّحْلِيلِيُّونَ وعلى رأسهم «فرويد» يرون أن النفس بأجزائها الثلاثة: الـ(هي) والـ(أنا) والـ (أنا الأعلى) يصنعها الكبت؛ فهؤلاء لا يعترفون بمصدر للنفس خارج الطبيعة، فليس للإنسان- فى رأيهم- روحٌ ولا عقلٌ مخلوقٌ، ولا نفس تكونت من الروح والجسد، وحصلت على صفاتها وأحوالها بالخلق والفطر كما هو الشأن في الإسلام.
أما الإنسان في الإسلام فهو عبد الله، وسيد الكون. وهو مخلوق من طين الأرض، وفيه نفخة علوية من روح الله. فالإنسان هو هذان العنصران المختلفان، مترابطان ممتزجان في كيان كلي واحد. وقد عقدت له الخلافة في الأرض ليعمرها ويرقيها وفق منهج الله. وهو كائن من كائنات الملأ الأعلى؛ لأن إنسانيته لم تتكون إلا بعد أن نفخ الله فيه من روحه؛ فقد نشأ في الملأ الأعلى، ثم هبط على الأرض اختيارًا، وهو معانٌ من الله على القيام بحق الخلافة؛ فالكون كله مسخر له: {وَسَخرَ لَكم ما فِي السمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا مِنه إِن فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكرونَ} (الجاثية: 13). وهو كريمٌ على الله؛ فهو محسوب حسابه في تصميم الكون قبل أن يكون: {وأَلقَىٰ فِي الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكم وَأَنهَارًا وَسبلًا لعَلكم تَهتَدونَ} (النحل: 15).
والإنسان يكون في خير حالاته وأرفع مقاماته حين يحقق مقام العبودية لله، إنه في هذه الحالة يكون في أقوم حالات فطرته، وأحسن حالات كماله، وأصدق حالات وجودة.
والعقل الإنساني هو مناط التكليف وهو شرف الإنسان وامتيازه، وقدرة الإنسان على التفكير والاختيار هي التي أهلته لهذا الاستخلاف، ولحمل مسؤولية تنفيذ منهج الله في الأرض.
على هذا الأساس النفسي في التصور الإسلامي تدَرس علوم العقيدة والشريعة في معظم مؤسسات العلم في العالم العربي والإسلامي عامة، وفي المؤسسات المتخصصة كالأزهر والزيتونة والقرويين ونظرائهم خاصة.
تحول العلوم التربوية والنفسية إلى الرؤية الغربية
بدأ عرض الحداثة على الثقافة العربية الإسلامية مع بداية الحملة الفرنسية على مصر والحملة الاستعمارية على العالم العربي والإسلامي.
وكان الاستعمار يعتمد على التربية بالدرجة الأولى فى إحلال الفكر العلماني محل الفكر الإسلامي في البلاد العربية والإسلامية، وقد تأكدَ هذا اللون من الفكر على يد محمد علي والى مصرَ 1805م، عندما أَوفَدَ أعدادًا كبيرةً من الطلاب النابهين في بعثاتٍ تعليميةٍ إلى فرنسا زعيمةِ العلمانية في العالم الغربي، وعلى يد هؤلاء تم تحويل التعليمِ الرسمي للدولة المصرية من التعليم الأزهري الإسلامي إلى ما يسمى بالتعليم الحديث المبني على أساس المناهج الغربية كما تم في المقابل إفقار التعليم الإسلامي فى جميع مجالاته، وتم محاصرة خريجيه بإغلاق أبواب العمل والترقي أمامهم.
منذ ذلك الوقتِ بدأ يبرز فى العالم العربي نظامٌ حديثٌ في التعليم يقوم على الفصل البطيء بين الدين والحياة بجوار تعليم أهل البلاد الذي كان موجودًا في الأزهر والزيتونة والقرويين والذي يعد أن الدين هو المنهج الذي يوجه أمور الحياة. وبدأ هذا النظام ينمو بالتدريج فى البلاد العربية والإسلامية إلى أن أصبح هو النظام الرسمي للدولة.
وقد لقيت الحداثة في هذا الجو رواجًا لدى بعض النخب الثقافية بصفة عامة، ولدى تلك التي تسيطر على منابر الخطاب الثقافي وعلى وسائل الإعلام والنشر بصفةٍ خاصةٍ، بل إن تلك الوسائل قد هيئت لتلك الفئة عن قصد.
لقد قدم مُنَظِّرُو الحداثة دعوتهم إلى الناس على نحو يدعو إلى القطيعة مع الماضي. وفهم الناس من هذه الدعوة أن الانتماء إلى الحداثة يقتضي إعلان البراءة من الإسلام وإعلان الحرب على التراث، بما في ذلك العلوم الدينية.
ولم يهتم الحداثيون من التراث إلا بالموروث الكلامي وبالمناخ التاريخي بين تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت!
ولم يَعْنِ معظم الحداثيين عناية لائقة بالتجربة العلمية الضخمة، وبالإسهام العلمي الإسلامي في الحضارة الأوربية، وكان الأجدر أن ينصب الجهد على بيان إنجاز علماء المسلمين من أمثال الرازي وابن النفيس والبيروني والطوسي والخوارزمي والخيام وغيرهم من العلماء الذين أسسوا للحضارة العلمية الغربية والعالمية.
ولقد نشطت دعوة العلمانيين في اعتماد العامية بدلًا من الفصحى في الكتابة ووسائل الإعلام، كما نشطوا للدعوة للحداثة في الفنون والآداب والموسيقى. وراح الكتاب العلمانيون يتسابقون إلى إصدار الروايات والكتب والأشعار باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. وتزامن ذلك مع حركة نقدية نشطة تعتمد المناهج الغربية الحديثة مثل البنيوية والتحليلية والتفكيكية وغير ذلك من المذاهب الغربية التي لا تكاد تصل إلى العرب حتى تكون قد انتهت صلاحيتها فى الغرب!
وحين انتهى عصر الحداثة في الغرب وبدأ عصر ما بعد الحداثة، لم يعد دعاة القطيعة المعرفية مع التراث يجدون ما يقولون لأمتهم التي لم تدخل الحداثة كي تنتقل إلى ما بعد الحداثة.
ازدواجية التربية والعقل والثقافة
أسهم بعض التربويين في إجهاض الحداثة العربية الإسلامية عن طريق نقل الشجرة التربوية الغربية والأمريكية منها على وجه الخصوص، والتي نبتت في تربة المدرسة الطبيعية والمدرسة المادية السلوكية، وعملوا على استنباتها في التربية العربية ذات الأصول الإنسانية الإسلامية! فكانت النتيجة مسخًا مشوهًا لكلتا الحضارتين العربية والغربية.
ورغم أن مناهج علم التربية المقارن ترى أن التربية شجرة لا تنبت إلا في تربتها، ولا تنمو إلا بِرِيِّ أهلها، إلا أن الحداثيين من التربويين أمعنوا في ترجمة الكتب الغربية في أصول التربية، وعلم النفس، والمناهج وطرق التدريس، وإعداد المعلمين وتدريبهم، وصبوا كل ذلك في أدمغة المتعلمين الذين وجدوا فجوة هائلة بين النظرية والتطبيق، وبين ما يقوله المعلمون وما يقومون به بالفعل، فضعفت ثقتهم بالمعلمين، وقلت قيمة المدرسة في أعينهم، وخف وزن التربية والتعليم في نفوسهم، وثقل وزن الامتحانات والحصول على الدرجات والشهادات، وانتهى بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن... لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!
وإمعانًا في السير في هذا الطريق حتى آخره، لجأ معظم التربويين إلى أصول التربية الغربية، وقاطعوا أصول التربية الإسلامية وأصول علم النفس في التصور الإسلامي، وقاطعوا التراث، ونظروا إليه باحتقار، وأسموا مجلداته «بالكتب الصفراء» وأسموا محاولات قراءته للاستفادة مما هو مفيد فيه بأنها عودة إلى الظلامية والتخلف، ومحاولة للعيش في الماضي بأثر رجعي! وهكذا أفقدَنا الحداثيون في مجال التربية فرصة الحداثة وتجربتها التي ينبغي أن تبدأ من أصولنا وخصائص شخصيتنا، ثم تنطلق إلى الآفاق الرحبة للكون والإنسان والحياة، فكانت النتيجة أننا فقدنا الأصالة والمعاصرة في آنٍ.
ولقد اتسمت التربية العلمانية -التي جاءت إلى العالم العربي لأول مرة مع غزوة نابليون بونابرت مصر عام 1213هـ الموافق 1798م- باستهدافها العقل، واستبدال الفكر، وتغيير الهوية، بالإضافة إلى احتلال الأرض، ونهب الثروة، واستعباد الإنسان، وكانت العلمانية هي الوافدَ الجديدَ في ركاب الغزاة.
ومن ذلك التاريخ وحتى اليوم، ومن مصر إلى العراق، وفى كل موقع من بلاد الإسلام قامت فيه للاستعمار الغربي دولة وسلطة، أخذ هذا الاستعمار شيئا فشيئًا يحل النزعة العلمانية في تدبير شئون الدولة والمجتمع وتنظيم أحوال العمران، محل الشريعة الإسلامية، ويزرع القانون الوضعي العلماني في مكان الإسلام وفقهه ومعاملاته، وما يزال الصراع مستمرًا في جميع أنحاء الأمة.
الخلاصة
لما كانت التربية هي تطبيق لمفاهيم علم النفس، فإن التربية في الإسلام تختلف عن التربية في الغرب بقدر الاختلاف بين علم النفس الإسلامي وعلم النفس الغربي في حقيقة النفس، وفي حقيقة الإنسان.
وبمعنى آخر فإن علم النفس الغربي الذي نعلمه لطلاب العلم في بلادنا هو تطبيق لنظريات التحليليين والسلوكيين والجشتلطيين وغيرهم من المؤمنين بالمذهب الطبيعي على اختلاف أشكالهم.. وهذه المدارس كلها لا تعرف الإنسان المخلوق، وإنما تتكلم عن إنسان طبيعي مجرد من روحه وإنسانيته وأخلاقه. وهذا كله قد انعكس على نظريات التعليم والممارسات التربوية التابعة لها، كما انعكس على دوافع السلوك وغاياتها وما يترتب عليها من نتائجَ وآثارٍ.
لا بد من العودة فى العلوم التربوية والنفسية إلى قواعد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن أهما ما يلي:
- أن الإنسان مفطورٌ على الإيمان بربوبية الله ووحدانيته.
- أن الفطرة الإنسانية ذات تكوينٍ مزدوجٍ: {وَنَفسٍ وَمَا سَواهَا، فَأَلهَمَهَا فجورَهَا وَتَقوَاهَا، قَد أَفلَحَ مَن زَكاهَا، وَقَد خَابَ مَن دَساهَا} (الشمس: 7-10).
- أن الإنسان مخلوقٌ باستعداداتٍ متساويةٍ للخير والشر.
- أن النفس الإنسانية هى جماع شخصية الإنسان، وأن لها حالات ثلاث، فأحيانا تكون مطمئنة، وأحيانًا تكون أمارة بالسوء، وأحيانًا تكون لوامة.
- أن الإنسان مزود بقدرة واعية كامنة، قادرة على الاختيار الحر للخير والشر سواء.
- أن الإنسان حر؛ لذلك فتبعة أعماله ومسؤولياته تقع عليه وحده.
الذي لا شك فيه، أن الإنسان خُلِق مفطورًا على الإيمان، وحب الخير، فالله- سبحانه- أحسن َكل شيءٍ خَلقَه: {لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ. ثم رَدَدنَاه أَسفَلَ سَافِلِينَ. إِلا الذِينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصالِحَاتِ فَلَهم أَجرٌ غَير مَمنونٍ} (التين: 4-6).
فالحقيقة الرئيسة فى هذه الآيات، هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان، والوصول بها إلى كمالها المقدور لها، وهبوط الإنسان وسفوله حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان.
.